عرض مشاركة واحدة
قديم 2014/02/09, 11:48 AM   #7
بسمة الفجر

موالي ماسي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 332
تاريخ التسجيل: 2012/08/02
الدولة: دولة الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف
المشاركات: 12,343
بسمة الفجر غير متواجد حالياً
المستوى : بسمة الفجر is on a distinguished road




عرض البوم صور بسمة الفجر
افتراضي

تابع
هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)

و في تفسير العياشي، عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الرواية: ما في القرآن آية إلا و لها ظهر و بطن، و ما فيه حرف إلا و له حد و لكل حد مطلع، ما يعني بقوله: ظهر و بطن؟ قال: ظهره تنزيله و بطنه تأويله، منه ما مضى و منه ما لم يكن بعد، يجري كما يجري الشمس و القمر، كلما جاء منه شيء وقع، قال الله: و ما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم، نحن نعلمه.

أقول: الرواية المنقولة في ضمن الرواية هي ما روته الجماعة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بألفاظ مختلفة و إن كان المعنى واحدا كما في تفسير الصافي، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إن للقرآن ظهرا و بطنا و حدا و مطلعا.
و فيه، عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضا: أن للقرآن ظهرا و بطنا و لبطنه بطنا إلى سبعة أبطن.
و قوله (عليه السلام) منه ما مضى و منه ما يأتي، ظاهره رجوع الضمير إلى القرآن باعتبار اشتماله على التنزيل و التأويل فقوله: يجري كما يجري الشمس و القمر يجري فيهما معا، فينطبق في التنزيل على الجري الذي اصطلح عليه الأخبار في انطباق الكلام بمعناه على المصداق كانطباق قوله: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين»: التوبة - 120، على كل طائفة من المؤمنين الموجودين في الأعصار المتأخرة عن زمان نزول الآية، و هذا نوع من الانطباق، و كانطباق آيات الجهاد على جهاد النفس، و انطباق آيات المنافقين على الفاسقين من المؤمنين، و هذا نوع آخر من الانطباق أدق من الأول، و كانطباقها و انطباق آيات المذنبين على أهل المراقبة و الذكر و الحضور في تقصيرهم و مساهلتهم في ذكر الله تعالى، و هذا نوع آخر أدق من ما تقدمه، و كانطباقها عليهم في قصورهم الذاتي عن أداء حق الربوبية، و هذا نوع آخر أدق من الجميع.
و من هنا يظهر أولا: أن للقرآن مراتب من المعاني المرادة بحسب مراتب أهله و مقاماتهم، و قد صور الباحثون عن مقامات الإيمان و الولاية من معانيه ما هو أدق مما ذكرناه.
و ثانيا: أن الظهر و البطن أمران نسبيان، فكل ظهر بطن بالنسبة إلى ظهره و بالعكس كما يظهر من الرواية التالية.
و في تفسير العياشي، عن جابر قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شيء من تفسير القرآن فأجابني ثم سألته ثانية فأجابني بجواب آخر، فقلت جعلت فداك كنت أجبت في المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم! فقال: يا جابر إن للقرآن بطنا و للبطن بطن، و ظهرا و للظهر ظهر، يا جابر و ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إن الآية تكون أولها في شيء و أوسطها في شيء و آخرها في شيء و هو كلام متصل ينصرف على وجوه.
و فيه، أيضا عنه (عليه السلام) في حديث قال: و لو أن الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء، و لكن القرآن يجري أوله على آخره ما دامت السماوات و الأرض و لكل قوم آية يتلونها هم منها من خير أو شر.
و في المعاني، عن حمران بن أعين قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ظهر القرآن و بطنه فقال: ظهره الذين نزل فيهم القرآن، و بطنه الذين عملوا بأعمالهم، يجري فيهم ما نزل في أولئك و في تفسير الصافي، عن علي (عليه السلام): ما من آية إلا و لها أربعة معان: ظاهر و باطن و حد و مطلع، فالظاهر التلاوة، و الباطن الفهم، و الحد هو أحكام الحلال و الحرام، و المطلع هو مراد الله من العبد بها.
أقول: المراد بالتلاوة ظاهر مدلول اللفظ بدليل أنه (عليه السلام) عده من المعاني، فالمراد بالفهم في تفسيره الباطن ما هو في باطن الظاهر من المعنى، و المراد بقوله: هو أحكام الحلال و الحرام ظاهر المعارف المتلقاة من القرآن في أوائل المراتب أو أواسطها في مقابل المطلع الذي هو المرتبة العليا، و الحد و المطلع نسبيان كما أن الظاهر و الباطن نسبيان كما عرفت فيما تقدم، فكل مرتبة عليا هي مطلع بالنسبة إلى السفلى.
و المطلع إما بضم الميم و تشديد الطاء و فتح اللام اسم مكان من الاطلاع، أو بفتح الميم و اللام و سكون الطاء اسم مكان من الطلوع، و هو مراد الله من العبد بها كما ذكره (عليه السلام).
و قد ورد هذه الأمور الأربعة في النبوي المعروف هكذا: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، لكل آية منها ظهر و بطن و لكن حد مطلع.
و في رواية: و لكل حد و مطلع.
و معنى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): و لكل حد مطلع على ما في إحدى الروايتين: أن لكل واحد من الظهر و البطن الذي هو حد مطلع يشرف عليه، هذا هو الظاهر، و يمكن أن يرجع إليه ما في الرواية الأخرى: و لكل حد و مطلع بأن يكون المعنى: و لكل منهما حد هو نفسه و مطلع و هو ما ينتهي إليه الحد فيشرف على التأويل، لكن هذا لا يلائم ظاهرا ما في رواية علي (عليه السلام): ما من آية إلا و لها أربعة معان «الخ» إلا أن يراد أن لها أربعة اعتبارات من المعنى و إن كان ربما انطبق بعضها على بعض.
و على هذا فالمتحصل من معاني الأمور الأربعة: أن الظهر هو المعنى الظاهر البادىء من الآية، و الباطن هو الذي تحت الظاهر سواء كان واحدا أو كثيرا، قريبا منه أو بعيدا بينهما واسطة، و الحد هو نفس المعنى سواء كان ظهرا أو بطنا و المطلع هو المعنى الذي طلع منه الحد و هو بطنه متصلا به فافهم.
و في الحديث المروي من طرق الفريقين عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أنزل القرآن على سبعة أحرف.
أقول: و الحديث و إن كان مرويا باختلاف ما في لفظه، لكن معناها مروي مستفيضا و الروايات متقاربة معنى، روتها العامة و الخاصة.
و قد اختلف في معنى الحديث اختلافا شديدا ربما أنهي إلى أربعين قولا، و الذي يهون الخطب أن في نفس الأخبار تفسيرا لهذه السبعة الأحرف، و عليه التعويل.
ففي بعض الأخبار: نزل القرآن على سبعة أحرف أمر و زجر و ترغيب و ترهيب و جدل و قصص و مثل، و في بعضها: زجر و أمر و حلال و حرام و محكم و متشابه و أمثال.
و عن علي (عليه السلام): أن الله أنزل القرآن على سبعة أقسام، كل منها كاف شاف، و هي أمر و زجر و ترغيب و ترهيب و جدل و مثل و قصص.
فالمتعين حمل السبعة الأحرف على أقسام الخطاب و أنواع البيان و هي سبعة على وحدتها في الدعوة إلى الله و إلى صراطه المستقيم، و يمكن أن يستفاد من هذه الرواية حصر أصول المعارف الإلهية في الأمثال فإن بقية السبعة لا تلائمها إلا بنوع من العناية على ما لا يخفى.
بحث آخر روائي
في الصافي، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار أقول: و هذا المعنى رواه الفريقان، و في معناه أحاديث أخر رووه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
75 - و في منية المريد، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار.

أقول: و رواه أبو داود في سننه.
75 - و فيه، عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من قال في القرآن بغير علم جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار.
75 - و فيه، عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ.
أقول: و رواه أبو داود و الترمذي و النسائي.
75 - و فيه، عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أكثر ما أخاف على أمتي من بعدي رجل يناول القرآن يضعه على غير مواضعه.
75 - و في تفسير العياشي، عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من فسر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر و إن أخطأ فهو أبعد من السماء.
75 - و فيه، عن يعقوب بن يزيد عن ياسر عن الرضا (عليه السلام) قال: الرأي في كتاب الله كفر.
أقول: و في معناها روايات أخر مروية في العيون و الخصال و تفسير العياشي و غيرها.
قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): من فسر القرآن برأيه، الرأي هو الاعتقاد عن اجتهاد و ربما أطلق على القول عن الهوى و الاستحسان و كيف كان لما ورد قوله: برأيه مع الإضافة إلى الضمير علم منه أن ليس المراد به النهي عن الاجتهاد المطلق في تفسير القرآن حتى يكون بالملازمة أمرا بالإتباع و الاقتصار بما ورد من الروايات في تفسير الآيات عن النبي و أهل بيته صلى الله عليه و عليهم على ما يراه أهل الحديث، على أنه ينافي الآيات الكثيرة الدالة على كون القرآن عربيا مبينا، و الآمرة بالتدبر فيه، و كذا ينافي الروايات الكثيرة الآمرة بالرجوع إلى القرآن و عرض الأخبار عليه.
بل الإضافة في قوله: برأيه تفيد معنى الاختصاص و الانفراد و الاستقلال بأن يستقل المفسر في تفسير القرآن بما عنده من الأسباب في فهم الكلام العربي، فيقيس كلامه تعالى بكلام الناس فإن قطعة من الكلام من أي متكلم إذا ورد علينا لم نلبث دون أن نعمل فيه القواعد المعمولة في كشف المراد الكلامي و نحكم بذلك: أنه أراد كذا كما نجري عليه في الأقارير و الشهادات و غيرهما، كل ذلك لكون بياننا مبنيا على ما نعلمه من اللغة و نعهده من مصاديق الكلمات حقيقة و مجازا.
و البيان القرآني غير جار هذا المجرى على ما تقدم بيانه في الأبحاث السابقة بل هو كلام موصول بعضها ببعض في عين أنه مفصول ينطق بعضه ببعض و يشهد بعضه على بعض كما قاله علي (عليه السلام) فلا يكفي ما يتحصل من آية واحدة بإعمال القواعد المقررة في العلوم المربوطة في انكشاف المعنى المراد منها دون أن يتعاهد جميع الآيات المناسبة لها و يجتهد في التدبر فيها كما يظهر من قوله تعالى: «أ فلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا»: النساء - 82، و قد مر بيانه في الكلام على الإيجاز و غيره.
فالتفسير بالرأي المنهي عنه أمر راجع إلى طريق الكشف دون المكشوف و بعبارة أخرى إنما نهى (عليه السلام) عن تفهم كلامه على نحو ما يتفهم به كلام غيره و إن كان هذا النحو من التفهم ربما صادف الواقع، و الدليل على ذلك قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الرواية الأخرى: من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ فإن الحكم بالخطإ مع فرض الإصابة ليس إلا لكون الخطإ في الطريق و كذا قوله (عليه السلام) في حديث العياشي: إن أصاب لم يؤجر.
و يؤيده ما كان عليه الأمر في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن القرآن لم يكن مؤلفا بعد و لم يكن منه إلا سور أو آيات متفرقة في أيدي الناس فكان في تفسير كل قطعة قطعة منه خطر الوقوع في خلاف المراد.
و المحصل: أن المنهي عنه إنما هو الاستقلال في تفسير القرآن و اعتماد المفسر على نفسه من غير رجوع إلى غيره، و لازمه وجوب الاستمداد من الغير بالرجوع إليه، و هذا الغير لا محالة إما هو الكتاب أو السنة، و كونه هي السنة ينافي القرآن و نفس السنة الآمرة بالرجوع إليه و عرض الأخبار عليه، فلا يبقى للرجوع إليه و الاستعداد منه في تفسير القرآن إلا نفس القرآن.
و من هنا يظهر حال ما فسروا به حديث التفسير بالرأي فقد تشتتوا في معناه على أقوال: أحدها: أن المراد به التفسير من غير حصول العلوم التي يجوز معها التفسير، و هي خمسة عشر علما على ما أنهاه السيوطي في الإتقان: اللغة، و النحو، و التصريف، و الاشتقاق، و المعاني، و البيان، و البديع، و القراءة، و أصول الدين، و أصول الفقه، و أسباب النزول و كذا القصص، و الناسخ و المنسوخ، و الفقه، و الأحاديث المبينة لتفسير المجملات و المبهمات، و علم الموهبة، و يعني بالأخير ما أشار إليه الحديث النبوي: من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم.
الثاني: أن المراد به تفسير المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله.
الثالث: التفسير المقرر للمذهب الفاسد بأن يجعل المذهب أصلا و التفسير تبعا فيرد إليه بأي طريق أمكن و إن كان ضعيفا.
الرابع: التفسير بأن مراد الله تعالى كذا على القطع من غير دليل.
الخامس: التفسير بالاستحسان و الهوى: و هذه الوجوه الخمسة نقلها ابن النقيب على ما ذكره السيوطي في الإتقان، و هنا وجوه أخر نتبعها بها.
السادس: أن المراد به هو القول في مشكل القرآن بما لا يعرف من مذاهب الأوائل من الصحابة و التابعين ففيه تعرض لسخط الله تعالى.
السابع: القول في القرآن بما يعلم أن الحق غيره، نقلهما ابن الأنباري.
الثامن: أن المراد به القول في القرآن بغير علم و تثبت، سواء علم أن الحق خلافه أم لا.
التاسع: هو الأخذ بظاهر القرآن بناء على أنه لا ظهور له بل يتبع في مورد الآية النص الوارد عن المعصوم، و ليس ذلك تفسيرا للآية بل اتباعا للنص، و يكون التفسير على هذا من الشئون الموقوفة على المعصوم.
العاشر: أنه الأخذ بظاهر القرآن بناء على أن له ظهورا لا نفهمه بل المتبع في تفسير الآية هو النص عن المعصوم.
فهذه وجوه عشرة، و ربما أمكن إرجاع بعضها إلى بعض، و كيف كان فهي وجوه خالية عن الدليل، على أن بعضها ظاهر البطلان أو يظهر بطلانه بما تقدم في المباحث السابقة، فلا نطيل بالتكرار.
و بالجملة فالمتحصل من الروايات و الآيات التي تؤيدها كقوله تعالى: أ فلا يتدبرون القرآن الآية، و قوله تعالى: «الذين جعلوا القرآن عضين»: الحجر - 91، و قوله تعالى: «إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أ فمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة» الآية: حم السجدة - 40، و قوله تعالى: «يحرفون الكلم عن مواضعه،: النساء - 46، و قوله تعالى: «و لا تقف ما ليس لك به علم»: إسراء - 36، إلى غير ذلك أن النهي في الروايات إنما هو متوجه إلى الطريق و هو أن يسلك في تفسير كلامه تعالى الطريق المسلوك في تفسير كلام غيره من المخلوقين.
و ليس اختلاف كلامه تعالى مع كلام غيره في نحو استعمال الألفاظ و سرد الجمل و إعمال الصناعات اللفظية فإنما هو كلام عربي روعي فيه جميع ما يراعى في كلام عربي و قد قال تعالى: «و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم»: إبراهيم - 4، و قال تعالى: «و هذا لسان عربي مبين: النحل - 103، و قال تعالى: «إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون»: الزخرف - 3.

و إنما الاختلاف من جهة المراد و المصداق الذي ينطبق عليه مفهوم الكلام.
توضيح ذلك أنا من جهة تعلق وجودنا بالطبيعة الجسمانية و قطوننا المعجل في الدنيا المادية ألفنا من كل معنى مصداقه المادي، و اعتدنا بالأجسام و الجسمانيات فإذا سمعنا كلام واحد من الناس الذين هم أمثالنا يحكي عن حال أمر من الأمور و فهمنا منه معناه حملناه على ما هو المعهود عندنا من المصداق و النظام الحاكم فيه لعلمنا بأنه لا يعني إلا ذلك لكونه مثلنا لا يشعر إلا بذلك، و عند ذلك يعود النظام الحاكم في المصداق يحكم في المفهوم فربما خصص به العام أو عمم به الخاص أو تصرف في المفهوم بأي تصرف آخر و هو الذي نسميه بتصرف القرائن العقلية غير اللفظية.
مثال ذلك أنا إذا سمعنا عزيزا من أعزتنا ذا سؤدد و ثروة يقول: و إن من شيء إلا عندنا خزائنه، و تعقلنا مفهوم الكلام و معاني مفرداته حكمنا في مرحلة التطبيق على المصداق: أن له أبنية محصورة حصينة تسع شيئا كثيرا من المظروفات فإن الخزانة هكذا تتخذ إذا اتخذت، و أن له فيها مقدارا وفرا من الذهب و الفضة و الورق و الأثاث و الزينة و السلاح، فإن هذه الأمور هي التي يمكن أن تخزن عندنا و تحفظ حفظا، و أما الأرض و السماء و البر و البحر و الكوكب و الإنسان فهي و إن كانت أشياء لكنها لا تخزن و لا تتراكم، و لذلك نحكم بأن المراد من الشيء بعض من أفراده غير المحصورة، و كذا من الخزائن قليل من كثير فقد عاد النظام الموجود في المصداق و هو أن كثيرا من الأشياء لا يخزن، و أن ما يختزن منها إنما يختزن في بناء حصين مأمون عن الغيلة و الغارة أوجب تقييدا عجيبا في إطلاق مفهوم الشيء و الخزائن.
ثم إذا سمعنا الله تعالى ينزل على رسوله قوله: «و إن من شيء إلا عندنا خزائنه»: الحجر - 21، فإن لم يرق أذهاننا عن مستواها الساذج الأولي فسرنا كلامه بعين ما فسرنا به كلام الواحد من الناس مع أنه لا دليل لنا على ذلك البتة فهو تفسير بما نراه من غير علم.
و إن رقت أذهاننا عن ذلك قليلا، و أذعنا بأنه تعالى لا يخزن المال و خاصة إذا سمعناه تعالى يقول في ذيل الآية: و ما ننزله إلا بقدر معلوم، و يقول أيضا: «و ما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها»: الجاثية - 5، حكمنا بأن المراد بالشيء الرزق من الخبز و الماء و أن المراد بنزوله نزول المطر لأنا لا نشعر بشيء ينزل من السماء غير المطر فاختزان كل شيء عند الله ثم نزوله بالقدر كناية عن اختزان المطر و نزوله لتهيئة المواد الغذائية.
و هذا أيضا تفسير بما نراه من غير علم إذا لا مستند له إلا أنا لا نعلم شيئا ينزل من السماء غير المطر، و الذي بأيدينا هاهنا عدم العلم دون العلم بالعدم.
و إن تعالينا عن هذا المستوى أيضا و اجتنبنا ما فيه من القول في القرآن بغير علم و أبقينا الكلام على إطلاقه التام، و حكمنا أن قوله: «و إن من شيء إلا عندنا خزائنه، يبين أمر الخلقة غير أنا لما كنا لا نشك في أن ما نجده من الأشياء المتجددة بالخلقة كالإنسان و الحيوان و النبات و غيرها لا تنزل من السماء، و إنما تحدث حدوثا في الأرض حكمنا بأن قوله: و إن من شيء إلا عندنا خزائنه، كناية عن مطاوعة الأشياء في وجودها لإرادة الله تعالى، و أن الإرادة بمنزلة مخزن يختزن فيه جميع الأشياء المخلوقة و إنما يخرج منه و ينزل من عنده تعالى ما يتعلق به مشيته تعالى، و هذا أيضا كما ترى تفسير للآية بما نراه من غير علم، إذ لا مستند لنا فيه سوى أنا نجد الأشياء غير نازلة من عند الله بالمعنى الذي نعهده من النزول، و لا علم لنا بغيره.
و إذا تأملت ما وصفه الله تعالى في كتابه من أسماء ذاته و صفاته و أفعاله و ملائكته و كتبه و رسله و القيامة و ما يتعلق بها، و حكم أحكامه و ملاكاتها، و تأملت ما نرومه في تفسيرها من إعمال القرائن العقلية وجدت أن ذلك كله من قبيل التفسير بالرأي من غير علم، و تحريف لكلمه عن مواضعها.
و قد تقدم في الفصل الخامس من البحث في المحكم و المتشابه أن البيانات القرآنية بالنسبة إلى المعارف الإلهية كالأمثال أو هي أمثال بالنسبة إلى ممثلاتها.
و قد فرقت في الآيات المتفرقة، و بينت ببيانات مختلفة ليتبين ببعض الآيات ما يمكن أن يختفي معناه في بعض، و لذلك كان بعضها شاهدا على البعض، و الآية مفسرة للآية، و لو لا ذلك لاختل أمر المعارف الإلهية في حقائقها، و لم يمكن التخلص في تفسير الآية من القول بغير علم على ما تقدم بيانه.
و من هنا يظهر: أن التفسير بالرأي كما بيناه لا يخلو عن القول بغير علم كما يشير الحديث النبوي السابق: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار.
و من هنا يظهر أيضا أن ذلك يؤدي إلى ظهور التنافي بين الآيات القرآنية من حيث إبطاله الترتيب المعنوي الموجود في مضامينها فيؤدي إلى وقوع الآية في غير موقعها، و وضع الكلمة في غير موضعها.
و يلزمها تأويل بعض القرآن أو أكثر آياتها بصرفها عن ظاهرها كما يتأول المجبرة آيات الاختيار و المفوضة آيات القدر، و غالب المذاهب في الإسلام لا يخلو عن التأول في الآيات القرآنية و هي الآيات التي لا يوافق ظاهرها مذهبهم، فيتشبثون في ذلك بذيل التأويل استنادا إلى القرينة العقلية، و هو قولهم: إن الظاهر الفلاني قد ثبت خلافه عند العقل فيجب صرف الكلام عنه.
و بالجملة يؤدي ذلك إلى اختلاط الآيات بعضها ببعض ببطلان ترتيبها، و دفع مقاصد بعضها ببعض، و يبطل بذلك المرادان جميعا إذ لا اختلاف في القرآن فظهور الاختلاف بين الآيات - بعضها مع بعض - ليس إلا لاختلال الأمر و اختلاط المراد فيهما معا.
و هذا هو الذي ورد التعبير عنه في الروايات بضرب بعض القرآن ببعض كما في الروايات التالية: في الكافي، و تفسير العياشي، عن الصادق عن أبيه (عليه السلام) قال: ما ضرب رجل من القرآن بعضه ببعض إلا كفر.
و في المعاني، و المحاسن، مسندا و في تفسير العياشي، عن الصادق (عليه السلام): ما ضرب رجل من القرآن بعضه ببعض إلا كفر.
قال الصدوق: سألت ابن الوليد عن معنى هذا الحديث فقال: هو أن تجيب الرجل في تفسير آية بتفسير آية أخرى.
أقول: ما أجاب به لا يخلو عن إبهام، فإن أراد به الخلط المذكور و ما هو المعمول عند الباحثين في مناظراتهم من معارضة الآية بالآية و تأويل البعض بالتمسك بالبعض فحق، و إن أراد به تفسير الآية بالآية و الاستشهاد بالبعض للبعض فخطأ، و الروايتان التاليتان تدفعانه.
و في تفسير النعماني، بإسناده إلى إسماعيل بن جابر قال سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) يقول: إن الله تبارك و تعالى بعث محمدا فختم به الأنبياء فلا نبي بعده، و أنزل عليه كتابا فختم به الكتب فلا كتاب بعده، أحل فيه حلالا و حرم حراما، فحلاله حلال إلى يوم القيامة، و حرامه حرام إلى يوم القيامة، فيه شرعكم و خبر من قبلكم و بعدكم، و جعله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علما باقيا في أوصيائه، فتركهم الناس و هم الشهداء على أهل كل زمان، و عدلوا عنهم ثم قتلوهم، و اتبعوا غيرهم ثم أخلصوا لهم الطاعة حتى عاندوا من أظهر ولاية ولاة الأمر و طلب علومهم، قال الله سبحانه: «فنسوا حظا مما ذكروا به - و لا تزال تطلع على خائنة منهم»، و ذلك أنهم ضربوا بعض القرآن ببعض، و احتجوا بالمنسوخ و هم يظنون أنه الناسخ، و احتجوا بالمتشابه و هم يرون أنه المحكم، و احتجوا بالخاص و هم يقدرون أنه العام، و احتجوا بأول الآية و تركوا السبب في تأويلها، و لم ينظروا إلى ما يفتح الكلام و إلى ما يختمه، و لم يعرفوا موارده و مصادره إذ لم يأخذوه عن أهله فضلوا و أضلوا. و اعلموا رحمكم الله: أنه من لم يعرف من كتاب الله عز و جل الناسخ من المنسوخ و الخاص من العام، و المحكم من المتشابه، و الرخص من العزائم، و المكي و المدني و أسباب التنزيل، و المبهم من القرآن في ألفاظه المنقطعة و المؤلفة، و ما فيه من علم القضاء و القدر، و التقديم و التأخير، و المبين و العميق، و الظاهر و الباطن، و الابتداء و الانتهاء، و السؤال و الجواب، و القطع و الوصل، و المستثنى منه و الجار فيه، و الصفة لما قبل مما يدل على ما بعد، و المؤكد منه و المفصل، و عزائمه و رخصه، و مواضع فرائضه و أحكامه، و معنى حلاله و حرامه الذي هلك فيه الملحدون، و الموصول من الألفاظ، و المحمول على ما قبله و على ما بعده فليس بعالم بالقرآن و لا هو من أهله. و متى ما ادعى معرفة هذه الأقسام مدع بغير دليل فهو كاذب مرتاب مفتر على الله الكذب و رسوله و مأواه جهنم و بئس المصير.

و في نهج البلاغة، و الإحتجاج، قال (عليه السلام): ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ثم تجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا و إلههم واحد، و نبيهم واحد، و كتابهم واحد فأمرهم الله سبحانه بالاختلاف فأطاعوه؟ أم نهاهم عنه فعصوه؟ أم أنزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه؟ أم كانوا شركاء فلهم أن يقولوا و عليه أن يرضى؟ أم أنزل الله دينا تاما فقصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن تبليغه و أدائه؟ و الله سبحانه يقول: ما فرطنا في الكتاب من شيء و فيه تبيان كل شيء، و ذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضا، و أنه لا اختلاف فيه فقال سبحانه: و لو كان من عند غير الله - لوجدوا فيه اختلافا كثيرا، و أن القرآن ظاهره أنيق، و باطنه عميق لا تحصى عجائبه، و لا تنقضي غرائبه، و لا تكشف الظلمات إلا به.
أقول: و الرواية كما ترى ناصة على أن كل نظر ديني يجب أن ينتهي إلى القرآن، و قوله: فيه تبيان، نقل للآية بالمعنى.
و في الدر المنثور، و أخرج ابن سعد و ابن الضريس في فضائله و ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج على قوم يتراجعون في القرآن و هو مغضب فقال: بهذا ضلت الأمم قبلكم باختلافهم على أنبيائهم، و ضرب الكتاب بعضه ببعض. قال: و إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا و لكن نزل يصدق بعضه بعضا، فما عرفتم فاعملوا به، و ما تشابه عليكم فآمنوا به.
و فيه، أيضا و أخرج أحمد من وجه آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوما يتدارءون فقال: إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، و إنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا فلا تكذبوا بعضه ببعض فما علمتم منه فقولوا، و ما جهلتم فكلوه إلى عالمه.
أقول: و الروايات كما ترى يعد ضرب القرآن بعضه ببعض مقابلا لتصديق بعض القرآن بعضا، و هو الخلط بين الآيات من حيث مقامات معانيها، و الإخلال بترتيب مقاصدها كأخذ المحكم متشابها و المتشابه محكما و نحو ذلك.
فالتكلم في القرآن بالرأي، و القول في القرآن بغير علم كما هو موضوع الروايات المنقولة سابقا، و ضرب القرآن بعضه ببعضه كما هو مضمون الروايات المنقولة آنفا يحوم الجميع حول معنى واحد و هو الاستمداد في تفسير القرآن بغيره.
فإن قلت: لا ريب أن القرآن إنما نزل ليعقله الناس و يفهموه كما قال تعالى: «إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس»: الزمر - 41، و قال تعالى: «هذا بيان للناس،: آل عمران - 138، إلى غير ذلك من الآيات، و لا ريب أن مبينه هو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما قال تعالى «و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم»: النحل - 44، و قد بينه للصحابة، ثم أخذ عنهم التابعون فما نقلوه عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلينا فهو بيان نبوي لا يجوز التجافي و الإغماض عنه بنص القرآن، و ما تكلموا فيه من غير إسناده إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو و إن لم يجر مجرى النبويات في حجيتها لكن القلب إليه أسكن فإن ما ذكروه في تفسير الآيات إما مسموع من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو شيء هداهم إليه الذوق المكتسب من بيانه و تعليمه (صلى الله عليه وآله وسلم)، و كذا ما ذكره تلامذتهم من التابعين و من يتلوهم، و كيف يخفى عليهم معاني القرآن مع تعرقهم في العربية، و سعيهم في تلقيها من مصدر الرسالة، و اجتهادهم البالغ في فقه الدين على ما يقصه التاريخ من مساعي رجال الدين في صدر الإسلام.
و من هنا يظهر: أن العدول عن طريقتهم و سنتهم، و الخروج من جماعتهم، و تفسير آية من الآيات بما لا يوجد بين أقوالهم و آرائهم بدعة، و السكوت عما سكتوا عنه واجب.
و في ما نقل عنهم كفاية لمن أراد فهم كتاب الله تعالى، فإنه يبلغ زهاء ألوف من الروايات، و قد ذكر السيوطي أنه أنهاه إلى سبعة عشر ألف رواية عن النبي و عن الصحابة و التابعين.
قلت: قد مر فيما تقدم أن الآيات التي تدعو الناس عامة من كافر أو مؤمن ممن شاهد عصر النزول أو غاب عنه إلى تعقل القرآن و تأمله و التدبر فيه و خاصة قوله تعالى: «أ فلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا»: النساء - 82، تدل دلالة واضحة على أن المعارف القرآنية يمكن أن ينالها الباحث بالتدبر و البحث، و يرتفع به ما يتراءى من الاختلاف بين الآيات، و الآية في مقام التحدي، و لا معنى لإرجاع فهم معاني الآيات - و المقام هذا المقام - إلى فهم الصحابة و تلامذتهم من التابعين حتى إلى بيان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن ما بينه إما أن يكون معنى يوافق ظاهر الكلام فهو مما يؤدي إليه اللفظ و لو بعد التدبر و التأمل و البحث، و إما أن يكون معنى لا يوافق الظاهر و لا أن الكلام يؤدي إليه فهو مما لا يلائم التحدي و لا تتم به الحجة و هو ظاهر.
نعم تفاصيل الأحكام مما لا سبيل إلى تلقيه من غير بيان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما أرجعها القرآن إليه في قوله تعالى: «و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا»: الحشر - 7 و ما في معناه من الآيات، و كذا تفاصيل القصص و المعاد مثلا.
و من هنا يظهر أن شأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا المقام هو التعليم فحسب و التعليم إنما هو هداية المعلم الخبير ذهن المتعلم و إرشاده إلى ما يصعب عليه العلم به و الحصول عليه لا ما يمتنع فهمه من غير تعليم، فإنما التعليم تسهيل للطريق و تقريب للمقصد، لا إيجاد للطريق و خلق للمقصد، و المعلم في تعليمه إنما يروم ترتيب المطالب العلمية و نضدها على نحو يستسهله ذهن المتعلم و يأنس به فلا يقع في جهد الترتيب و كد التنظيم فيتلف العمر و موهبة القوة أو يشرف على الغلط في المعرفة.
و هذا هو الذي يدل عليه أمثال قوله تعالى: «و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم» الآية: النحل - 44، و قوله تعالى: «و يعلمهم الكتاب و الحكمة»: الجمعة - 2، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما يعلم الناس و يبين لهم ما يدل عليه القرآن بنفسه، و يبينه الله سبحانه بكلامه، و يمكن للناس الحصول عليه بالأخرة لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) يبين لهم معاني لا طريق إلى فهمها من كلام الله تعالى فإن ذلك لا ينطبق البتة على مثل قوله تعالى: «كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون»: حم السجدة - 3، و قوله تعالى: «و هذا لسان عربي مبين»: النحل - 103.
على أن الأخبار المتواترة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) المتضمنة لوصيته بالتمسك بالقرآن و الأخذ به و عرض الروايات المنقولة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) على كتاب الله لا يستقيم معناها إلا مع كون جميع ما نقل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مما يمكن استفادته من الكتاب، و لو توقف ذلك على بيان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان من الدور الباطل و هو ظاهر.
على أن ما ورد به النقل من كلام الصحابة مع قطع النظر عن طرقه لا يخلو عن الاختلاف فيما بين الصحابة أنفسهم بل عن الاختلاف فيما نقل عن الواحد منهم على ما لا يخفى على المتتبع المتأمل في أخبارهم، و القول بأن الواجب حينئذ أن يختاروا أحد الأقوال المختلفة المنقولة عنهم في الآية، و يجتنب عن خرق إجماعهم، و الخروج عن جماعتهم مردود بأنهم أنفسهم لم يسلكوا هذا الطريق، و لم يستلزموا هذا المنهج و لم يبالوا بالخلاف فيما بينهم فكيف يجب على غيرهم أن يقفوا على ما قالوا به و لم يختصوا بحجية قولهم على غيرهم و لا بتحريم الخلاف على غيرهم دونهم.
على أن هذا الطريق و هو الاقتصار على ما نقل من مفسري صدر الإسلام من الصحابة و التابعين في معاني الآيات القرآنية يوجب توقف العلم في سيره، و بطلان البحث في أثره كما هو مشهود في ما بأيدينا من كلمات الأوائل و الكتب المؤلفة في التفسير في القرون الأولى من الإسلام، و لم ينقل منهم في التفسير إلا معان ساذجة بسيطة خالية عن تعمق البحث و تدقيق النظر فأين ما يشير إليه قوله تعالى: «و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء»: النحل - 89، من دقائق المعارف في القرآن؟ و أما استبعاد أن يختفي عليهم معاني القرآن مع ما هم عليه من الفهم و الجد و الاجتهاد فيبطله نفس الخلاف الواقع بينهم في معاني كثير من الآيات و التناقض الواقع في الكلمات المنقولة عنهم إذ لا يتصور اختلاف و لا تناقض إلا مع فرض خفاء الحق و اختلاط طريقه بغيره.
فالحق أن الطريق إلى فهم القرآن الكريم غير مسدود، و أن البيان الإلهي و الذكر الحكيم بنفسه هو الطريق الهادي إلى نفسه، أي إنه لا يحتاج في تبيين مقاصده إلى طريق، فكيف يتصور أن يكون الكتاب الذي عرفه الله تعالى بأنه هدى و أنه نور و أنه تبيان لكل شيء مفتقرا إلى هاد غيره و مستنيرا بنور غيره و مبينا بأمر غيره؟ فإن قلت: قد صح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال في آخر خطبة خطبها: إني تارك فيكم الثقلين: الثقل الأكبر و الثقل الأصغر: فأما الأكبر فكتاب ربي، و أما الأصغر فعترتي أهل بيتي فاحفظوني فيهما فلن تضلوا ما تمسكتم بهما رواه الفريقان بطرق متواترة عن جم غفير من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنه، أنهى علماء الحديث عدتهم إلى خمس و ثلاثين صحابيا، و في بعض الطرق: لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، و الحديث دال على حجية قول أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن و وجوب اتباع ما ورد عنهم في تفسيره و الاقتصار على ذلك و إلا لزم التفرقة بينهم و بينه.

قلت: ما ذكرناه في معنى اتباع بيان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) آنفا جار هاهنا بعينه، و الحديث غير مسوق لإبطال حجية ظاهر القرآن و قصر الحجية على ظاهر بيان أهل البيت (عليهم السلام).
كيف و هو (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لن يفترقا، فيجعل الحجية لهما معا فللقرآن الدلالة على معانيه و الكشف عن المعارف الإلهية، و لأهل البيت الدلالة على الطريق و هداية الناس إلى أغراضه و مقاصده.
على أن نظير ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوة الناس إلى الأخذ بالقرآن و التدبر فيه و عرض ما نقل عنه عليه وارد عن أهل البيت (عليهم السلام).
على أن جما غفيرا من الروايات التفسيرية الواردة عنهم (عليهم السلام) مشتملة على الاستدلال بآية على آية، و الاستشهاد بمعنى على معنى، و لا يستقيم ذلك إلا بكون المعنى مما يمكن أن يناله المخاطب و يستقل به ذهنه لوروده من طريقه المتعين له.
على أن هاهنا روايات عنهم (عليهم السلام) تدل على ذلك بالمطابقة كما رواه في المحاسن، بإسناده عن أبي لبيد البحراني عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: فمن زعم أن كتاب الله مبهم فقد هلك و أهلك.
و يقرب منه ما فيه، و في الإحتجاج، عنه (عليه السلام) قال: إذا حدثتكم بشيء فاسألوني عنه من كتاب الله الحديث.
و بما مر من البيان يجمع بين أمثال هذه الأحاديث الدالة على إمكان نيل المعارف القرآنية منه و عدم احتجابها من العقول و بين ما ظاهره خلافه كما في تفسير العياشي، عن جابر قال قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن للقرآن بطنا و للبطن ظهرا، ثم قال: يا جابر و ليس شيء أبعد من عقول الرجال منه إن الآية لتنزل أولها في شيء و أوسطها في شيء و آخرها في شيء، و هو كلام متصل ينصرف على وجوه، و هذا المعنى وارد في عدة روايات.
و قد رويت الجملة أعني قوله: و ليس شيء أبعد «الخ» في بعضها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و قد روي عن علي (عليه السلام): أن القرآن حمال ذو وجوه الحديث، فالذي ندب إليه تفسيره من طريقه و الذي نهي عنه تفسيره من غير طريقه و قد تبين أن المتعين في التفسير الاستمداد بالقرآن على فهمه و تفسير الآية بالآية و ذلك بالتدرب بالآثار المنقولة عن النبي و أهل بيته صلى الله عليه و عليهم و تهيئة ذوق مكتسب منها ثم الورود، و الله الهادي.




توقيع : بسمة الفجر
رد مع اقتباس