الموضوع: مواضيع حسينية 1
عرض مشاركة واحدة
قديم 2014/08/04, 02:55 PM   #6
الجمال الرائع


معلومات إضافية
رقم العضوية : 799
تاريخ التسجيل: 2012/12/12
المشاركات: 857
الجمال الرائع غير متواجد حالياً
المستوى : الجمال الرائع is on a distinguished road




عرض البوم صور الجمال الرائع
افتراضي

زينب في عاصمة أبيها


إن كان أبو حفص أوّل من اختط الكوفة للجند والمؤونة فأبو الحسن (عليه السلام) أوّل من مصّرها وعمّرها ومدّنها واتخذها عاصمة لحكومته(1) فصارت في أيامه مشهد القضاء والخطابة، ومعهد العلم والعبادة، وكانت ابنته زينب أميرة الكوفة حينماكان أبوها أمير المؤمنين، ومعزز مجدها إخوتها الأمجاد، وزوجها سيّد الأجواد عبد الله ابن عمها جعفر الطيارـ الذي اشتهر بالجود ـ حتى أنّه أقرض شخصاً واحداً ـ وهو الزبير ـ ألف ألف درهم ثم وهب الصك لابن الزبير.
وبيت زينب في الكوفة ملجأ الفقراء والأُمراء، حتى كان أبوها يضيف عندها أحياناً ـ كماروي ذلك عنه في ليلة مقتله ـ فإلى مثل هذا البلد أو الى مقر عزها وعاصمة أبيها كان سبي زينب الخطوب وعقيلة بني هاشم، وتدخلها بجملة ربائب الخدر من آل الرسول، وحولها يتامى وذراري أبيها علي، على محامل غير مجللة بالغطاء، وهنّ لا يملكن من السواتر غير الحياء، يسوقهنّ الجيش المنتصر أمام الركاب كالإماء، وأهل الكوفة في عَبرة وعِبرة من هذا المشهد الغريب، يضجون ويعجون مما جرى على آل الرسول، وفيهم من يناولون الأطفال بعض الخبز
____________
1) روي ذلك القرماني في أواخر الدول.

الصفحة 182 والتمر رأفة ورحمة.

فحري بالحرة الهاشمية سليلة الرسول أن تصرخ بهم وتقول: «إنّ الصدقة محرَّمة علينا أهل البيت» ونساء الأزقة والسطوح باكيات على هؤلاء.
قال خزيمة الأسدي: دخلت الكوفة فصادفت منصرف علي بن الحسين بالذرية من كربلاء الى ابن زياد، ورأيت نساء الكوفة يومئذ قياماً يندبن، متهتكات الجيوب، وسمعت علي بن الحسين وهو يقول بصوت ضئيل قد نحل من شدة المرض: «يا أهل الكوفة إنّكم تبكون عليناً فمن قتلنا غيركم؟» ورأيت زينب بنت علي (عليه السلام) فلم أر والله خَفِرَةً أنطق منها كأنّما تفرغ عن لسان أميرالمؤمنين، فأومأت الى الناس أن اسكتوا، فسكتت الأنفاس وهدأت الأجراس فقالت:
«الحمد لله والصلاة على محمّد وآله الطيبين الأخيار، أمّا بعد: يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر، أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرّنّة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم. ألا وهل فيكم إلاّ الصّلف النّطف، والصّر الشّنف، وملق الإماء، وغمز الأعداء، أو كمرعى على دمنة، أوكفضة على ملحودة: {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ}.
أتبكون وتنتحبون؟ إي والله! فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل أبداً. وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، وسيّد شباب أهل الجنة، وملاذ خبرتكم ومفزع نازلتكم، ومنار حجّتكم، ومُدرة سنّتكم. ألا ساء ما تزرون وبعداً لكم وسحقاً، فلقد خاب السّعي، وتبّت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضُربت عليكم الذلة والمسكنة.
ويلكم يا أهل الكوفة! أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم، وأي كريمة له أبرزتم، وأي دم له سفكتم، وأي حرمة له انتهكتم؟ ولقد جئتم بها خرقاء شوهاء كطلاع الأرض أو ملأ </span>
الصفحة 183 السماء أفعجبتم أن مطرت السماء دماً ولعذاب الآخرة وأنتم لا تنصرون.

فلا يستخفنّكم المهل فإنّه لايخفره البدار، ولايخاف قوة الثار، وإنّ ربّكم لبالمرصاد».
يقول راوي هذه الخطبة: «فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم. ورأيت شيخاً واقفاً الى جنبي يبكي حتى اخضلت لحيته وهو يقول: بأبي أنتم وأمي، كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء، ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا ينزى».
</span>
الصفحة 184 </span>الصفحة 185
السبي النبوي في قصر الإمارة


نزلوا بالسبايا في قصر الإمارة على عبيدالله وقد سبقها رأس الحسين (عليه السلام) لأنّ ابن سعد ساعة ما قتل الحسين أرسل رأسه الى ابن زياد مع خولي الأصبحي. فبات في بيته وأصبح عنده في طست بين يديه ـ ومجلسه مكتظ بالشيوخ ورؤساء الأحياء ـ فصار يبتسم من عظيم سروره وابتهاجه، وينكت رأس الحسين بقضيب في يده ويضرب شفتيه، غير مكترث ولا محتشم لأحد، ولا أحد ينكر عليه فعلته هذه إلاّ الصحابي العظيم زيد بن أرقم، صرخ قائلاً:
«ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين، فقد والله رأيت رسول الله يضع شفتيه على هاتين ويقبّلهما» ثم بكى. فسبه ابن زياد وقال له: «أبكى الله عينيك، فلولا أنّك شيخ كبير قد كبرت وخرفت لضربت عنقك» فخرج زيد يقول للناس: «أنتم يا معشر العرب عبيد بعد اليوم، تقتلون ابن فاطمة وتؤمّرون ابن مرجانة».
ولما أدخلوا سبايا الحسين (عليه السلام) على ابن زياد تنكرت أخته زينب بين النساء وحفت بها جواريها لكي لا تعرف، فقال ابن زياد: «من هذه المتنكرة المتكبرة؟» فلم تجبه ثم كررها ثلاثاً وهي لاتكلمه، فقالت له إحدى الجواري: «هذه زينب بنت فاطمة». فقال ابن زياد: الحمدلله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أُحدوثتكم!! فقالت زينب: «الحمدلله الذي كرّمنا بمحمّد وطهّرنا تطهيراً لا كما تقول، وإنما يفتضح </span>
الصفحة 186 الفاسق ويكذب الفاجر هو غيرنا». فقال ابن زياد: «كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟» فقالت: «هؤلاء كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتخصمون عنده فتنظر لمن الفلج».

فغضب ابن زياد واستشاط، فقال له عمر بن حريث: «يا أمير إنّها امرأة، والمرأة لاتؤاخذ بشيء من منطقها». فقال ابن زياد لزينب: «شفى الله غيظي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك». فقالت: «لعمري لقد قتلت كهلي، وأبرزت أهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فإن يشفك فقد اشتفيت». قال ابن زياد لجلسائه: «هذه سجاعة وقد كان أبوها أسجع منها».
ثم التفت الى علي بن الحسين قائلاً: «ما اسمك؟» قال: «علي بن الحسين» قال: «أوليس الله قد قتل عليّاً؟» قال: «كان لي أخ يُسمّى علياً قتله الناس». قال ابن زياد: «بل قتله الله». قال علي (عليه السلام): «الله يتوفّى الأنفس حين موتها، وما كان لنفس أن تموت إلاّ بإذن الله». فغضب ابن زياد وأمر بقتله، فتعلقت به عمته زينب قائلة: «حسبك يا ابن زياد من دمائنا! أما رُويت واشتفيت، وهل أبقيت منا أحداً؟ اسألك بالله إن كنت مؤمناً أن تقتلني معه إن كنت قاتله». فنظر ابن زياد إليهما طويلاً ثم قال: «عجباً للرحم، تود أن تقتل دونه، دعو الغلام ينطلق مع نسائه».
ثم كثر الزّحام على ابن زياد من الطامعين والطامحين، إذ أزفت ساعة الوفاء بالوعود وتأدية أجور الاملين، لكن ابن مرجانة رأى أنّ الخزانة لا تفي بمصرف الجنود فضلاً عن الوفاء بالوعود، وإنّما أغراهم بالمواعيد دهاءً ومكراً. وطبيعة الكوفة أنها تنصب رقابها سلماً لرقبائها قبل إبرام الوثائق، فتمسي ولها الوزر ولغيرها الأجر، فغدر ابن زياد بهم بعد مقتل الإمام، وحَرَم الكثير منهم حتى عن القليل بأقل بادرة وأدنى حجة، ونكث عهد ابن سعد بولاية الري.
</span>
الصفحة 187 ولما جاءه سنان بن أنس قائلاً:



إملأ ركابي فضة وذهباًإنّي قتلت السيّد المحجّباقتلت خير الناس أُمّاً وأباوخيرهم إذ ينسبون النسبا


ردّه عبيدالله قائلاً: «فلم قتلته لو تعرفه كذلك؟» وأحال ابن زياد قسماً من هؤلاء العاملة الى أميره يزيد في الشام ليستوفوا الجوائز هناك، وجهز معهم سبايا الحسين، وقائد الركب زجر وقائد الجند المحافظ لهم شمر، ومعهم كافة الرؤوس، وذلك لأنّه عرف أنّ الكوفة سريعة التبدل، وشعر ببوادر انقلاب القلوب مما ذكرناه في بقاء آل الرسول في الكوفة خطر، والسجون مشحونة بشيوخ القبائل.
وليس ابن زياد كيزيد يلهو بالحالة الحاضرة عما ورائها ويضيع الفرص على نفسه، فاستعجل بارسال أهل الحسين الى الشام، فضلوا يعانون مشاقّ السّفر حتى وصلوا دمشق الشام في أوائل شهر صفر.
</span>
الصفحة 188 </span>الصفحة 189
في الشام عاصمة أُمية


الحوادث في النهضة الحسينية سلسلة مصائب تؤخذ بدايتها في الأكثر من مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) وتنطفي شعلة الختام في الشام. إلاّ أنّ المتأمل في فصولها يعسر عليه في أكثر الأحيان ربط الحلقات وتعليل الحوادث ومعرفة المؤثّرات، فيقف التاريخ بالقارئ غالباً وقفة الحائر واضعاً سبابته على شفتيه بدل أن يضعها على جملة تاريخية كهيئة المشير الى السبب، وكيف لا تستولي عليه الحيرة وحوله ما يدهش اللب ويقضي بالعجب، إذ عن اليمين فضائل جمة تمركزت في شخصية الحسين (عليه السلام) هي ذي مآثر فُضلى تستوجب إكرام صاحبها ـ قام أو قعد ـ بينما عن يسار المتأمل صحيفة سوداء، للخصوم هي ذي مآثم تستدعي احتقار صاحبها ولعنه ـ أينما سار أو وقف ـ وأمام المتأمل فجائع وفضائع وما لا يستحله عدد من ألد أعدائه من إيذاء صبية، وذبح ذرية، وسبي نساء، وقتل أبرياء، وضرب المرضى، وسب الموتى وإحصار الضعفاء على ظمأ، ومثلة بأشلاء الى غيرها مما تقشعر منه الجلود.
فهل هذا كله لأحقاد أورثتها الجدود للأحفاد؟ حينما نرى الخصومات تنتهي في العرب وغير العرب في ساعة الغلب، فلا يبقى بعد ذلك في المنظر أثر حقد على المنكسر، بل يصون منه الحرمة، وتتحول فيه النقمة الى الرحمة.
</span>
الصفحة 190 لكنما المؤسف كل الأسف أنّ يزيد لم يعامل خصمه من آل الرسول (صلى الله عليه وآله) معاملة خصوم العرش والتاج، ولا وقفت مظالمه فيهم عند حد الغلب والسلب، حتى أسر النسوة بكل قسوة وسيرها عشرات المنازل من كربلاء الى الشام سبايا على أقتاب المطايا، وأوقفهن بين يديه كالإماء شعث الشعور متربة الوجوه ممزقة الثياب، الأمر الذي يدعو الى الاعتقاد بأنّ القضية قضية الأحقاد لا قضية العرش والتاج، ولا سيما عندما أظهر التشفي حين نكت بخيزرانة في يده ثغر الحسين وشفتيه قائلاً: «يوم بيوم بدر» فأنكر عليه أبو بردة الأسلمي قائلاً: «ويحك يا يزيد، أتنكت ثغر الحسين ابن فاطمة؟! أشهد لقد رأيت النبي يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول: أنتما سيّدا شباب أهل الجنة، فقتل الله قاتلكما ولعنه».

فغضب يزيد وأمر بإخراجه سحباً ثم تمثل بأبيات ابن الزبعرى المعروفة «ليت أشياخي ببدر شهدوا...الخ» وزاد عليها ـ كما في رواية الشعبي وغيره ـ أبياتاً منها هذا البيت:


لست من خندف إن لم أنتقممن بني أحمد ما كان فعل


ثم صارت فاطمة بنت الحسين من ورائه تطاول رأسها لترى رأس أبيها ويزيد يطاول برأسه لئلا تراه، وصار يتمثل بأبيات الحصين المري:


نفلِّق هاماً من رجال أعزّةعلينا وقد كانوا أعقّ وأظلما


فصاح علي بن الحسين ـ وكان مغلول اليدين ـ: «يا يزيد! ما ظنّك برسول الله لو رآنا على هذه الحالة؟» فأمر يزيد بإطلاق يديه وقال: «أبوك قطع رحمي وجهل حقي ونازعني في سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت». فأجابه علي: {مَا أَصَابَ مِن مُصِيَبة فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَاب مِن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال </span>
الصفحة 191 فَخُور}.

وقام شامي أحمر وأشار الى فاطمة بنت الحسين قائلاً: «يا أمير هب لي هذه الجارية». فارتعدت فاطمة وتعلقت بعمتها زينب، فصاحت زينب الفصاحة: «مه! ليس ذلك لك ولا لأميرك». فغضب يزيد وقال: «إنّ ذلك لي ولو شئت لفعلت».فأجابته زينب: «كذبت والله، ليس ذلك لك إلاّ أن تخرج عن ملتنا وتدين بغير ديننا». فاستطار يزيد غضباً وقال: «إياي تستقبلين بهذا؟ إنّما خرج عن الدين أبوك وأخوك». فقالت: «بدين الله ودين أبي اهتديت أنت وأبوك إن كنت مسلماً، وإنّما أنت أمير تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك».
ثم لم تقنع بنت أميرالمؤمنين في تلك القاعة الرهيبة التي لا تقصر مهابة عن ميادين الوغى، بل عمدت الى كشف القناع عن مخازي القوم وبيان صلاتها بصميم الإسلام، فقامت مصليّة على رسول الله قائلة:
الحمدلله رب العالمين، وصلّى الله على رسوله وآله أجمعين.
صدق الله: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ}.
أظننت يا يزيد! حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أنّ بنا على الله هواناً وبك عليه كرامة، ؤانّ ذلك لعظم خطرك، فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، جذلان مسروراً حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور متّسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا.
مهلاً مهلاً! أنسيت قول الله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}؟!
أمن العدل يا ابن الطلقاء! تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله </span>
الصفحة 192 سبايا، قد هُتكت ستورهن، وأُبديت وجوههن، تحدوّ بهنّ الأعداء من بلد الى بلد، ويستشرف وجوههنّ أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهن من رجالهنّ ولي ولا من حماتهن حمي.

وكيف يُرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء؟ وكيف يستبطىء في بغضنا ـ أهل البيت ـ من نظر إلينا بالشنف والشّنآن والإحن والأضغان؟!
ثم تقول ـ غير متأثم ولا متعظم:


لأهلّوا واستهلّوا فرحاًثم قالوا يا يزيد لا تشل


منحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيّد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك، وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة واستأصلت الشأفة بإراقتك دماء ذرية محمّد (صلى الله عليه وآله) ونجوم الأرض من آل عبد المطلب، وتهتف بأشياخك زعمت أنّك تناديهم، فلتردنّ وشيكاً موردهم، ولتودّن أنّك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت.
اللهم خذ بحقنا، وانتقم من ظالمنا، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا، وقتل حماتنا.
فوالله ما فريت إلاّ جلدك، ولا حززت إلاّ لحمك، ولتردنّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما تحمّلت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلم شعثهم، ويأخذ بحقهم.
{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.
حسبك بالله حاكماً، وبمحمد خصيماً، وبجبريل ظهيراً. وسيعلم من سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين، بئس للظالمين بدلاً، وأيّكم شر مكاناً وأضعف جنداً.
ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك إنّي لاستصغر قدرك، واستعظم تقريعك، واستكبر توبيخك، لكنّ العيون عبرى، والصدور حرّا.
</span>
الصفحة 193 ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيدي تنظف من دمائنا، والأفواه تتحلب من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، وتعفوا أُمهات الفراعل، ولئن اتخذتنا مغنماً لتجدن وشيكاً مغرماً، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت، وما ربّك بظلام للعبيد، فإلى الله المشتكى وعليه المعوّل.

فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك. فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها، وهل رأيك إلاّ فند، وأيامك إلاّ عدد، وجمعك إلاّ بدد، يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين.
فالحمد لله الذي ختم لأولّنا بالسعادة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب.
</span>
الصفحة 194


توقيع : الجمال الرائع
أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك واماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد الى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهن من حماتهن حمي ولا من رجالهن ولي، وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه اكباد الازكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر الينا بالشنف والشنأن، والاحن والأضغان ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم
رد مع اقتباس