عرض مشاركة واحدة
قديم 2016/08/17, 09:15 AM   #73
السيد مرتضي

موالي ممتاز

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3744
تاريخ التسجيل: 2015/03/16
المشاركات: 369
السيد مرتضي غير متواجد حالياً
المستوى : السيد مرتضي is on a distinguished road




عرض البوم صور السيد مرتضي
افتراضي

يقضي الله على أنانية الإنسان عبر التقادير والتكاليف


علينا أن نجاهد هوى نفسنا لأن لا يبقى أثر من «الأنا» وهذا هو معنى العشق الذي ما أجمله وما أمتعه وما أكثر الذين طبّلوا وزمّروا باسمه ولم يدركوا شيئا من حقيقته. لا ينبغي أن يبقى أثر من «الأنا» في مقابل المعشوق، وهذا هو الله الذي يسلب أنانية الإنسان عبر تقديراته وتكاليفه. إعطاء البرنامج من شؤون الله والأمر والنهي هما من صميم جهاد النفس. ومن شؤون العبد أن يكون منتظرا لاستلام الأمر متأهّبا لتنفيذه.
«جهاد النفس» يعني الالتزام بالأوامر الإلهيّة


إذن «جهاد النفس» هو عبارة أخرى للالتزام بالأوامر الإلهية والذي يعبّر عنه القرآن بـ «التقوى». تأكيد القرآن على التقوى هو في الواقع تأكيد على الالتزام بالأوامر الإلهية. وركن التقوى هو جهاد النفس عبر الالتزام بأوامر الله لا العمل على أساس أميال النفس. فإنك إن جاهدت نفسك على أساس الأوامر الإلهية فقد عملت بالتقوى. كما قال أمير المؤمنين(ع): «إنَّما هي نَفسي أروضُها بِالتّقوی»[نهج ‌البلاغة/ الكتاب45] فإذا جاءك الأمر من المقام الأعلى فإنّه ذو أثر آخر، ولا يموت هوى نفس الإنسان إلا باستلام الأمر من المقام الأعلى.

يبدو من وجوهكم وأعماركم أنكم لم تكونوا حاضرين في الجبهة. فكم كان لهذا الحديث من طلّاب وشرّاء في جبهات الجهاد. كان بعض المجاهدين عشّاقا للشهادة ومتحمّسين للذهاب إلى الخطّ الأمامي، أما إذا أمرهم القائد أن لا يذهبون إلى الأمام ويبقون في مكانهم، يطيعون ويمتثلون. كنّا نرى هذه الظاهرة في كتيبتنا. وأحيانا كنا نجد بعض المجاهدين الذين كلّ ما يأمره قائد الكتيبة بالبقاء في الخلف، لا يمتثل ولا يطيع. وأكثر هؤلاء المتمرّدين لم ينالوا الشهادة بل قد انحرف بعضهم.

كان أحد المجاهدين فنّانا يخطّ ويرسم لوحات ثقافية وشارات. فکان القسم الثقافي في الفيلق يطلب منه أن يبقى في الخلف ليخطّ اللوحات والشارات المطلوبة. فكان يبقى في الخلف دون أن يصرّ على الذهاب إلى الأمام، وكان يضحك ويقول: «متى ما حان الوقت يأتي صاحب البيت ويأخذنا إليه، ولا علينا سوى أن نعمل بالتكليف». في إحدى الحملات جاءوا إليه من الأمام وقالوا له: قد اشتبكت الطرق في الخط الأمامي، فأسرع إلى هناك لكتابة الشارات. فضحك وقال: ألم أقل لكم متى ما حان الوقت يأتون ويأخذوننا. وفعلا ذهب واستشهد في المرّة الأولى.

أحد العلماء الكبار والمجتهدين، كان قد ذهب إلى الجبهة، فاغتبط به المجاهدون وطلبوا منه أن يأمّهم في الصلاة. ولكنّه امتنع وقال: أنا لا أتقدم على المجاهدين. فكل ما أصرّوا عليه وقالوا له: أنت شيخ كبير وعالم فقيه وفي هذا العمر قد جئت إلى الجبهة فمن أفضل منك الآن، رفض أن يتقدّم في الصلاة. إلى أن قال: في حال واحد أقبل وهو أن يأمرني قائد الكتيبة بإقامة الصلاة، فعند ذلك يجب عليّ امتثال أمره، إذ أن أمره في امتداد أمر قائد الفيلق وقائد القوّات المسلّحة وبالتالي الإمام الحجة(عج)، فإذا أمرني، يجب عليّ الامتثال شرعا.
علاقة التقوى مع جهاد النفس في الروايات


يقول أمير المؤمنين: «رأسُ التُّقی مخالِفَة الهَوى»[عيون الحكم/263] وكذلك قال(ع): «من جاهد نَفسه أکملَ التّقی»[غرر الحكم/ الحديث4940] وقال(ع) في حديث آخر: «لَا یُفْسِدُ التَّقْوَى إِلَّا غَلَبَةُ الشَّهْوَةِ»[غرر الحكم/ الحديث6003] وكذلك قال(ع): «طُوبَى لِمَنْ عَصَى فِرْعَوْنَ هَوَاهُ وَ أَطَاعَ مُوسَى تَقْوَاه‏»[عيون الحكم/5493].

لقد كتب أمير المؤمنين(ع) كتابا إلى معاوية فجاء فيه: «تذْکُرُ التَّقْوَى وَ أَنْتَ عَلَى ضِدِّهَا؛ قَدِ اتَّبَعْتَ هَوَاكَ»[كنز الفوائد/ج2/ص43] وهذا ما يدلّ على تضادّ هوى النفس مع التقوى.

وكذلك جاء في حديث طويل عن الإمام الرضا(ع): «لکنَّ الرَّجُل کلُّ الرَّجل، نِعمَ الرَّجل هو الذّی جَعَلَ هَواه تبعاً لِأمر الله» [مجموعة ورّام/ ج2/ص100]. فمن خلال هذه الروايات يمكن فهم الترابط الموجود بين الأمر الإلهي وبين التقوى وجهاد النفس.
صلى الله عليك يا أبا عبد الله


أحيانا تقتضي التقوى أن تضحّي بأعزّ أعزّائك، وليس شأنك سوى أن تترقّب الأوامر فقط. فلا يكن هدفك أن تصبح إنسانا صالحا، فتفسد بهذا الطريق، بل يجب أن تنفّذ الأوامر. وأحيانا يقتضي امتثال الأمر الإلهي أن تغضّ الطرف عن كثير من القيم والأعمال الصالحة في سبيل أمر أهمّ وأسمى.

أنتم تعلمون أيّها الإخوة أن أهل الإنسان وزوجته وأطفاله من أعزّ الناس عليه، كما أن لهم احترامهم وشأنهم ويجب على الإنسان أن يحافظ عليهم ويحميهم من الأخطار. ولذلك أشاروا على الحسين(ع) أن سلّمنا بأنك عازم على الجهاد ومواجهة الظالمين، ولكن لماذا تذهب بأهلك ونسائك وأخواتك وأطفالك وبناتك إلى الحرب. ولم يكن جواب الحسين(ع) إلا أن قال: لقد أمرني رسول الله(ص) بأمر أنا ماض له.

نحن لو كنّا في زمن الإمام الحسين(ع) لعلّنا كنّا نقول له: إذهب جعلنا الله فداك وامض إلى امتثال أمر الله عسى أن تختم هذه القصّة بخير كما ختمت قصّة إبراهيم الخليل بخير ولم يسمح له الله بذبح ابنه. اذهب فلعلّ الملائكة تهبط وسط الطريق وتقول: لقد تقبّل الله جهادك وقد نجحت في هذا الامتحان فأرجع زينب، ولكن جاء يوم العاشر ومرّت الساعات ولم يأت خبر من السماء...

ألا لعنة الله على القوم الظالمين





توقيع : السيد مرتضي
رد مع اقتباس