عرض مشاركة واحدة
قديم 2012/10/23, 07:35 PM   #9
تراب البقيع

موالي ماسي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 192
تاريخ التسجيل: 2012/06/11
الدولة: جنة البقيع
المشاركات: 4,672
تراب البقيع غير متواجد حالياً
المستوى : تراب البقيع is on a distinguished road




عرض البوم صور تراب البقيع
افتراضي

امتازت أحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام بعد واقعة كربلاء بالسعة في تعريف الناس بشرافة هذه التربة المقدسة وبما تحمل من خصائص؛ والسبب في ذلك يعود للنقاط الآتية.
1. لاشتهار المكان بين الناس ومعرفتهم بسبب فاجعة مقتل أهل البيت عليهم السلام.
2. لتوجيه الناس إلى التحلي بالآداب واللياقة عند توجههم لزيارة صاحب التربة ومشرّفها الإمام الحسين بن علي عليهما السلام.
3. لنقل الجنبة المعرّفية عند أهل الإيمان من مرحلة العلم بحقيقة الشيء إلى مرحلة العمل.
فكان حملهم لهذه التربة كاشفاً عما توصلوا إليه من معرفة بها.
فتقديسهم لها، واستشفاؤهم بها، وسجودهم لله عليها؛ دافعهُ العلم بخصوصية هذه التربة؛ وهو ما أشارت إليه الأحاديث الشريفة الآتية:

أولاً: تقديم تربة كربلاء بالخلق على تربة مكة
روى الحر العاملي رحمه الله في الوسائل، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (خلق الله كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام وقدسها وبارك عليها، فما زالت قبل أن يخلق الله الخلق مقدسة مباركة ولا تزال كذلك (راجع التهذيب للطوسي رحمه الله: ج6، ص 72).
وفي رواية ثانية: (حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة، وأفضل منزل ومسكن يسكن الله فيه أولياءه في الجنة) (راجع كامل الزيارات لابن قولوية رحمه الله: ص 450 ــ 451 بتحقيق الشيخ جواد القيومي).

ثانياً: تفضيلها على أرض مكة وأنها حرم آمن
ومن الأحاديث الأخرى التي تحدثت عن خصوصية تربة كربلاء وتفضيلها على أرض مكة هي ما يلي:
1. فعن أبي الجارود، قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام: «أتخذ الله أرض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق ارض الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام وأنها إذا بدل الله الأرضين رفعها الله كما هي برمتها نورانية صافية فجعلت في أفضل روض من رياض الجنة، وأفضل مسكن في الجنة لا يسكنها إلا النبيون والمرسلون).
أو قال: أولوا العزم من الرسل وانها لتزهر من رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدري من بين الكواكب لأهل الأرض يغشى نورها نور أبصار أهل الجنة جميعاً، وهي تنادي أنا أرض الله المقدسة، والطينة المباركة التي تضمنت سيد الشهداء وشباب أهل الجنة» (راجع الوسائل للحر العاملي رحمه الله: ج 10، ص 403).
2. روى الحر العاملي رحمه الله في الوسائل عن أبي سعيد القماط، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: «أن أرض الكعبة قالت: من مثلي وقد بُنيَ بيت الله على ظهري، يأتيني الناس من كل فج عميق؟ وجعلت حرم الله وأمنه؟ فأوحى الله إليها كفي وقري، ما فَضْلُ ما فضلت به فيما أعطيت أرض كربلاء إلا بمنزلة الابرة غمست في البحر، فحملت من ماء البحر، ولولا تربة كربلاء ما فضلتك، ولولا من ضمنته كربلاء لما خلقتك، ولا خلقت الذي افتخرت به فقري واستقري وكوني ذنباً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء، وإلاّ مسختك وهويت بك في نار جهنم» (راجع وسائل الشيعة، باب استحباب التبرك بكربلاء، ج 10، ص 403).

والحديثان يتضمنان معاني وحقائق كثيرة نعرضها في المبحثين الآتيين:

المسألة الأولى: سنة التفضيل حقيقة كونية وقرآنية
لو نظر الإنسان إلى ما يدور من حوله في هذا الكون الرحب لوجد أنّ الله عز وجل قد فضل خلقاً على خلق، فالأرض فضلها على الكواكب فجعل فيها الحياة وشرفها بالأنبياء وأكرمها بهبوط الوحي، ثم خلق الماء فجعل منه فراتاً عذباً ومنه مالحاً أجاجاً، وفضل التربة بعضها على بعض فمنها الأرض السبخة التي لا ينبت فيها الزرع ومنها الصلبة التي لا يخرج منها إلاّ الحجارة ومنها الأرض الطيبة؛ ولو نظرنا إلى ارض مكة وارض كربلاء لوجدناهما قد أُعدّتا أن تكونا حرمين فكربلاء ضمت جسد سيد شباب أهل الجنة ومكة ضمت بيت الله.
ولذلك ورد هذا الحديث عن الإمام زين العابدين عليه السلام كي يتعرف الناس على الخصائص التي خصت بها ارض كربلاء. لا من قبيل التقليل من شأن ارض مكة، أو الكعبة المشرفة أعزها الله. وإنما من قبيل بيان الحكمة في تفضيل أرض كربلاء، علماً أن التفضيل في الواقع هو حقيقة قرآنية تحدث عنها كتاب الله تعالى وأنها جرت حتى بين الأنبياء والمرسلين عليهم السلام؛ قال تعالى:
{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } (سورة البقرة، الآية: 253).
وعليه؛ فالتفضيل سنة كونية وقرآنية، وان أحاديث العترة عليهم السلام إنما جاءت في هذا المورد كي يطلع الإنسان على حكمة الله فيها.

المسألة الثانية: الحكمة في تفضيل أرض كربلاء على أرض مكة
للوقوف عند الحكمة في تفضيل أرض كربلاء على أرض مكة ينبغي أولاً معرفة عوامل الافتخار ودواعيه بمعنى:أن كربلاء ومكة ــ أعزهما الله ــ قد تضمنتا في ثراهما آثاراً تفضيلية كانت هي السبب في هذا التفضيل، ولذا: سنقف بادئ بدء عند هذه الأسباب.
1. فأما مكة، فإن سبب افتخارها على بقية الأراضي هو: لوجود البيت الحرام، وقدوم الحجاج من كل فجّ عميق، وموضع قبلة المصلي في صلاته، وكلا الفرضين، ــ أي: الصلاة والحجّ ــ قد ارتبطا بالبيت الحرام ــ أعزه الله ــ.
2. أنها حرم آمن، وهذه الحرمة اكتسابية لا ذاتية، بمعنى أنها اكتُسِبتْ من خلال دعوة إبراهيم عليه السلام، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} (سورة البقرة، الآية: 126).
3. أن فيها مقام إبراهيم عليه السلام ولوجود هذا المقام اكتسبت أرض مكة ــ أعزها الله ــ هذا التفضيل والحرمة. قال تعالى: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (سورة آل عمران، الآية: 97).

وهذه الآية تدل على أمرين:
الأمر الأول: أن الآيات البينات جمعت في مقام إبراهيم.
الأمر الثاني: لوجود هذا المقام جعل هذا البلد حرماً آمناً، بمعنى آخر: إن الجعل في الحرمة والأمن كان لوجود مقام إبراهيم عليه السلام.
وهذا يدل على أن شرافة المقام من المقيم وهو إبراهيم الخليل عليه السلام؛ ويدل أيضاً على أن هناك فرقاً بين أرض مكة وبين أرض الكعبة المشرفة؛ إذ قد ينصرف الذهن إلى أن التفضيل هو بين أرض كربلاء والكعبة المشرفة وهذا غير صحيح. لأن الحديث يدور في أسباب التفضيل ودواعيه بين أرض كربلاء وأرض مكة.
وعليه؛ إذا كانت هناك أسباب ودواعٍ لتفضيل مكة على غيرها من البقاع؛ فمن باب أولى النظر إلى هذه الأسباب وما تحمل من شأن عند الله تعالى.
بمعنى آخر: إذا كانت أرض مكة تفتخر على بقية الأراضي والبقاع بسبب بيت الله المحرم، ومقام إبراهيم عليه السلام فالفخر كل الفخر بمقيم البيت وذريته، أي: بإبراهيم وذريته يكون التفضيل لا بالأرض. وهذه حقيقة قرآنية لا تقبل الريب، قال تعالى: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } (سورة إبراهيم، الآية: 37).


توقيع : تراب البقيع
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
رد مع اقتباس