الهجرة الى المدينة
وعندما قدر للاسلام ان يخرج من حصار، قريش، ومن عزلته في مكة بعد ذلك الاتفاقالتاريخي بين، الرسول وبين الاوس والخزرج(19) كان عمار بن ياسر، وقد، انهكته التجربة، تواقا الى مغادرة مكة، فاذا بهمن اوائل، (المهاجرين) الى يثرب (المدينة)، حيث نزل في بيت رجل، مغمور من (الانصار)، هو مبشر بن عبد المنذر (148) ثم، اكتمل عقد الهجرة مع الرسول، ومعه ابو بكر، قبل ان يلتحق، بهما علي بن ابي طالب الذي عهدت اليه مهمة خطرةفي مكة،، وهي تضليل قريش واحباط خطتها لقتل الرسول، بناء على قرار، اتخذته في (دار الندوة).
نبوة النبي (ص): تقتلك الفئة الباغية، وهكذا اصبح للاسلام ملجا، بانتقاله من (دار الاضطهاد) الى، (دار الهجرة)، حيث كانت الخطوة الاولى الملحة،، توحيدالمجتمع في اطار ما سمي بالجماعة الاسلامية التي، يمكن ان تقترن مفهوما سياسيا بالامة.
وقد وردت هذه في، مطلع(الكتاب) الذي جاء بمثابة دستور للجماعة، مخاطبا فيه، المسلمين (الاخوة)، بانهم (امة واحدة من دون، الناس)(20).وكان الرسول اول ما نزل في (قباء)، حيث بنى، المسجد الاول في دار الهجرة، ثم انتقل الى منزل ابي ايوب، الانصاري فيالمدينة، فاشترى ارضا بجواره وانشا عليها، المسجد والدار التي اقام فيها(21).
ويروي ابن اسحق كيف، تظاهرالمسلمون على العمل في بناء المسجد، ويخص عمارا، بالذكر، كاول اشارة الى احد المهاجرين في مستقرهم، الجديد، وهو لا يزال في اتم انخراط مع الجماعة وتحمل، لمسؤولية الدور بكافة ظروفه ومستوياته. يقول ابن اسحاق:، (دخل عماربن ياسر وقد اثقلوه باللبن، فقال: يا رسول اللّه، قتلوني، يحملون علي ما لا يحملون. قالت ام سلمة، زوج النبي، (ص) : فرايت رسول اللّه (ص) ينفض وفرته(22) بيده وكان، رجلا جعدا... ليسوا بالذين يقتلونك، انما تقتلك الفئة، الباغية) (23).
هذه اذا مناسبة العبارة الشهيرة التي خاطب بها الرسول صاحبه، المناضل، المتفاني في عطائه وتضحياته، وقد تخرجهذه بصورة، ما المؤرخ الذي يتعقب عادة الحدث بعد وقوعه، ولا يبني، افتراضا على غير ذلك في شتى الاحوال، علىان الرسول، وهو، ما انفك في نهجه يخاطب العقل، لم يكن في صدد الافتراض، خارج اطار القاعدة، وانما كان يرى، واستنادا الى المنطق، والواقع، ان مثل عمار بوصفه داعية لا يساوم على ايمانه لا، يموت كالاخرين على فراشه.
فالحرب لا تزال في بدايتها، والصراع ضد قوى الباطل ليس محددا بوقت، كذلك الهجرة، بمعناها النبوي مستمرة (ماقوتل الكفار)، كما اكد الرسول في، (حديثه).
هذا قدر عمار وآخرين من اولئك النخب الذين ساروا، الى مصيرهم المحتوممن دون تردد، ولو نقل قول للرسول عنها، لكان مطابقا لقوله في عمار الذي لم يخالف (النبوءة)، او، تخذله الارادة امامخياراته الصعبة.
ان قراءة شفافة لتلك المرحلة، تجعلنا نقارب مقولة الرسول، الشهيرة في (صاحبه)، والتي تنم عن معرفة بتفاصيلشخصيته،، بما في ذلك فرادة الاداء وتوهج الدور، فضلا عن العلاقة الاثيرة، معه. وفي هذا السياق بناء على روايةالزهري يقطع الرسول، عمارا (موضع داره)(24).
وعندما قام باعلان الجماعة، (الامة) مؤاخيا بين افرادها في اطارالعقيدة، كان اخا عمار في، هذه المنظومة، واحد من نخب الانصار، هو الصحابي الشهير، حذيفة بن اليمان(25).
انموذج الصحابي الحقيقي، هكذا اصبح مولى بني مخزوم، المضطهد في المجتمع المكي، والمناضل الشديد المراس الذي عانى صنوف العذاب، وكان، ابواه اول شهداء الاسلام، واحدا من قادة الجماعة في الامة، الصاعدة.
واتخذ كل دوره بما يتواءم مع صدقيتهوكفاءته، واندفاعه. وبقدر ما اسهم به هذا الواقع في تصليب موقع، المدينة وتمتين جبهتها، بقدر ما اثار نقمة قريش التيحاربت،، ليس فقط العقيدة، ولكن هذا التحول الذي بدا يحدثه على، مستوى المفاهيم والعلاقات الاجتماعيةوالاقتصادية، فقد، فرضت قريش في الماضي قيادتها على العرب، انطلاقا من، عصبيتها المتحدة مع الدين (الكعبة)، تلكالتي بنى عليها ابن، خلدون نظريته الشهيرة عن العصبية والملك والمثل الاعلى، الديني، بعد عدة قرون. ولكن قادتهاالذين عملوا على تسخير، الدين لمصلحة التجارة، كان عليهم، ومن المنظور الخلدوني، نفسه، ان يواجهوا صعوبة فيالمحافظة لوقت طويل على هذه، المعادلة.
ــــــــــــــــــــ
الهوامش:
19 - ابن هشام، ج4، ص 106.
20 - المصدر نفسه، ج4، ص 101.
21 - الوفرة هي الشعر المجتمع على الراس. لسان العرب، ج5، ، ص 288.
22 - ابن هشام، ج2، ص 102.
23 - ابن سعد، الطبقات، ج3، ص 250.
24 - المصدر نفسه.
25 - المصدر نفسه، ج3، ص 250.