[بشار الربيعي]

	فصل تمهيدي الــزواج المـــختــلط للزواج المختلط فوائد كثير من الوجهة البيولوجية، إذ أن من المؤكد أن التزاوج بين السلالات البشرية المتباعدة يقوي النسل ويحسنه. وهناك رأي يدافع عنه الكثير هو : لابد من دم أجنبي يحفظ النوع. فقد ذكر البعض أن الأسر التي تتخذ صورة واحدة في التزاوج ولا يحاولوا الامتزاج بدم غريب سيؤدي بهذه الأسر إلى ظهور علامات المرض فيكثر فيها عصبيو المزاج والمدمنون للخمرة وذو الأخلاق الشاذة . إضافة إلى ذلك بأن أطفال هذه الأسر يموتون في السنين الأولى من عمرهم كأنهم شاخوا، لأن ليس في خلايا أجسامهم قوة، فيقف نمو الطفل في الأشهر أو السنين الأولى، ثم يموت كما يموت الشيخ الطاعن في السن , وإقبال هذه العائلة البائسة ليس بقليل في بلاد يحل , بل يستحسن فيها التزاوج بين أبناء العم والخال (1) وإلى جانب الفوائد الكثير التي يمكن أن تدر من الزواج المختلط , ألا أن هذا التزاوج كثيرا ًغير موفق , بل غير صالح للفارق الكبير الذي يوجد بين الزوجين في الأخلاق والعادات والعقلية والآداب ولا سيما المتزوجين على هذه الشاكلة من الزواج ولم يسبق لهم أن غادروا وهاجروا إلى بلاد أخرى , وخصوصا ًالبلاد التي تزوجوا منها 0 وقد لاحظ الأقدمون هذه الظاهرة فكان اليونانيون يحظرون على الرجل التزوج بالأجنبيات, ويبيحون له التزوج بأخته من أمه وبابنة أخيه وابنة أخته والتزوج بـامرأة وأبنتها معا ً 0 و كان من البديهي المتعارف لديهم وجوب تزويج الفتيات لأنسابهن حتى إذا تزوجت فتاة برجل ثم ادعى بها أحد من أنسابها الأدنى تضطر أن تترك زوجها وتتزوج به . كما أن الأزواج كانوا يختارون لنسائهم الأزواج الذين يتزوجون منهم، فقد أوصى (ديموستينيس) أن تتزوج امرأته بابن أخته , وابنته الأخرى بابن أخيه , وكان الرجل من اليونانيين إذا لم يعين أزواجا ً لبناته اختار الملك لهن أزواجا ً 0 وحرمت إسبارطة وأثينا تزوج مواطنيها من نساء أجنبيات 0 و كان زواج المواطن من روما بامرأة غير رومية زواجا ً باطلا ً حسب القوانين المرعية في روما0 كما وأن الأولاد الذين يولدون من الزواج لا يعتبرون أولادا ً شرعيين 0 وفي الولايات والمستعمرات كان الحكام والأمراء محظور عليهم التزاوج مع نساء الولايات والمستعمرات. في أواخر عهد الإمبراطورية الرومانية منع المسيحيون من التزوج باليهوديات , كما لم يسمح للرومانيين بالتزوج من البرابرة 0 وفي الصين كان الأمر على العكس فقد انتهجوا نهج الزواج المختلط إذ كانوا يمنعون تزوج الرجل من نساء قبيلته وذلك حبا ً ورغبة منهم في الحصول على أولاد نجباء(2) وفي الهند منعوا بناتهم من التزوج من رجال من خارج قبيلتهن أو مجتمعهن 0 وكان من المحرم والمحظور في البيرو القديمة أن يتزوج أحدهم خارجاً عن قبيلته أو مقاطعته أو قريته. وإن التزاوج في بعض الجماعات محرم ومحظور بين الأشخاص الذين ينتمون أو ينتسبون إلى طائفة أو صنف يختلف عن طائفة الأزواج وصنفهم حتى أن القبائل البدائية في البرازيل كانت تقاضى بخجل وتدرس العقود والارتباطات المعقودة بين الأشخاص الأحرار والأرقاء للفصل فيها 0 كما ومنعت بعض الشعوب زواج بناتهم من زوج من طبقة أدنى من طبقتها إذ يعتقدون بأن الأولاد الذين سيولدون يعرضون للموت 0 وقد أوردت مجلة المقتطف في إحدى أعدادها القديمة بحثا ً مفصلا ً عن الزواج المختلط ذكرت رأي بعض علماء الأجناس والتاريخ في هذا الموضوع 0 قال د0 شالبو: إن أهالي أواسط إفريقيا الغربية مقسمون إلى قبائل لا يجوز للواحد منهم التزوج بامرأة من قبيلته , مع أنه يجوز له أن يتزوج بامرأة أبيه وامرأة أخيه , وأولادهم ينسبون إلى قبائل أمهاتهم , ويختصون بها 0 وقال لاين : إن بعض قبائل استراليا تجبر لكل رجل من رجالها التزوج بكل امرأة من القبيلة الأخرى , ولكنها تحرم عليه التزوج بامرأة تنتسب إلى قبيلته , فإذا تعدى ذلك هدر دمه 0 وقال غدون أستن: أن قبيلة الكاسياسي من قبائل الهند مقسومة إلى عشائر ولا تحلل لرجالها التزوج بنساء عشيرتهم , والظاهر أن هذه السنة عامة لكل القبائل القاطنة جبال الهند , ومن تعداها وخرج عليها , هدر دمه 0 وهذه الأعراف مرعية الجانب ومعمول بها لدى قبائل سيبيريا كالسمويد والأوستياك وألحاكوت 0 وقال فوستر : إن أهالي غربي استراليا الأصليين مقسمون إلى قبيلتين كبيرتين فلا يجوز لرجل من القبيلة الواحدة التزوج بامرأة من قبيلته 0 وفي ماليزيا قد كان الزواج بين الأشخاص المختلفي الطبقات والأصناف غير مستحسن بل ينظر إلى ذلك على العموم نظرة فيها الكثير من الملامة , حتى إنه في بعض أجزاء من الأرخبيل الماليزي الزواج المختلط محرم وغير مرخص به0 أما الزواج من الجارية:ٍ ففي بعض المناطق حرم هذا الزواج ، واصبح من يتزوج من رقيقة في بعض القبائل يصبح رقا ً مثلها 0 ومنعت بعض الشعوب الٍزواج المختلط بين الطبقات غير المتساوية. ولا زالت بعض دول أوربا تحمل ترسبات هذا المنع فحسب القانون المدني الألماني فإن زواج رجل من أصحاب الشرف الرفيع بامرأة كانت ولادته ومسقط رأسها وعائلتها من الطبقة الدنيا لا يجعلها مساوية لصنف زوجها الاجتماعي ،و لا حق لها ولأولادها في الإرث. فالقانون لم ينص على منع هذا النوع من الزواج ،لكنه يضع هذه العقبة التي تحجم الأزواج على اختراقه 0 و قد لوحظ أنه بالرغم من زوال أو اختفاء الفوارق الطبقية في دول أوربا وأمريكا، إلا أن الفوارق العرقية التي تسود الولايات المتحدة حدت من زواج المختلط بين الجنسين الأبيض والأسود بحجة منع اختلاط الدماء 0 و ربما يندهش الباحث عندما يلاحظ أثر هذه الفرو قات في مجتمعات متمدنة كالمجتمع الفرنسي الذي لا يوجد فيه زواج مختلط بين الفلاحين والأشراف 0 الهوامش 1- كحالة , عمر رضا: الزواج ص 241 2- كحالة عمر رضا: الزواج ص 244