عرض مشاركة واحدة
قديم 2012/11/29, 06:37 PM   #19
بشار الربيعي

موالي ذهبي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 535
تاريخ التسجيل: 2012/10/18
المشاركات: 1,009
بشار الربيعي غير متواجد حالياً
المستوى : بشار الربيعي is on a distinguished road




عرض البوم صور بشار الربيعي
افتراضي




( رمضاني عمار )

البطاقة الشخصية
مولده ونشأته : ولد عام 1973م بمدينة " كيسيني " في رواندا ، درس في مدارس أهل العامة في بلده حتى حصل على الثانوية ، وإنتقل بعد ذلك إلى المدرسة الوهابية في " كينيا " ، تشرف باعتناق مذهب أهل البيت (ع) عام 1989م بمدينة " مومباسا " الكينية ، بعد تردده على مؤسسة " بلال مسلم ".

إيقاظ النفس : يقول الأخ رمضاني : لم تكن حصيلة إطلاعي عن الشيعة إلاّّ كأحد أبناء العامة ، لأننا لا نقرأ تراث غيرنا من المذاهب وليس لنا إحتكاك بهم لتتبلور في أذهاننا فكرة واضحة وصحيحة عنهم ، فكل ما كنت أعرف عن الشيعة : أنّ لهم قرآناًًً غير قرآننا ، وإنهم يقولون بخيانة جبريل (ع) ويقرون زواج المتعة و ....

مناظرات مع الشيعة : شاءت الأقدار الإلهية أن أسافر إلى " كينيا " فألتقي ببعض أعضاء المراكز والمؤسسات الإسلامية الخيرية والثقافية ، ومن بين هذه المؤسسات التي زرتها مؤسسة شيعية إسمها " بلال مسلم "، فإغتنمت هذه الفرصة لأتعرف على التشيّع.
ولقد جرت بيني وبين بعض الشيعة مناظرات عديدة ، وقرأت مجموعة كتب لهم ، فظهر لي أنّ أغلب إتباع هذه الطائفة لهم عمق علمي وثقافي مستمد من عقيدتهم ، ووجدّتم ليسوا كما كان يصوّره لنا علماؤنا ، فرأيتهم أصحاب إستدلال ومنطق متين ، مما دفعني ذلك لأن أتردد على هذه المؤسسة للإحاطة بمعارفهم التي نالت إعجابي ومطالعة كتبهم ، فعكفت على قراءة ما وقع بيدي من مؤلفاتهم بإمعان ، وكنت مع ذلك أراجع علماءنا ومشايخنا لأحصل على ردّ لمقولات الشيعية ، ولكن مع الأسف لم أحصل منهم على أي إجابة سوى أنّهم كانوا يحذّرونني من الإحتكاك بالشيعة ، فأدركت حينئذ عجزهم عن الإجابة.

الإختلاف الفقهي بين المذاهب الإسلامية : ومن الأمور التي إستوقفتني وجعلتني أتأمل وأراجع حساباتي ، مسألة الإختلاف الفقهي الكبير والواضح بين المذاهب الأربعة ، فوجدت آراءهم متضاربة وكلاً منهم يدّعي أن ما ذهب إليه هو مطابق لسنة الرسول (ص) ، بل وجدت أنّ مصادر إستنباطهم تعدّت القرآن الكريم والسنة المطهرة ، فخضعت للآراء والإستحسانات! ، كما خضعت لدعم الحكام وتبنّيهم لها! فمن هنا جنّدت نفسي للبحث حول هؤلاء الأئمة الذين هم مرجع أبناء العامة ، والمتتبع للمسار التاريخي يجد بعد إتساع رقعة الفتوحات الإسلامية وبالتحديد في منتصف فترة الحكم الأموي أصبح النشاط العلمي واسع النطاق ، فكثرت المذاهب ونمى عدد أتباعها ، إلاّ أنه لم يكتب البقاء لأكثرها! ، حيث إعتراها الإنقراض بالرغم من كثرة أتباعها ، ومكانة مؤسسيها الذين فاقوا في نظر معاصريهم وذوي العلم منهم رؤساء المذاهب الأربعة.

المذاهب الإسلامية المندثرة : فمن المذاهب التي لم يكتب لها البقاء في الساحة الإسلامية :
1 ـ مذهب الشعبي.
2 ـ مذهب الحسن البصري.
3 ـ مذهب الأعمش.
4 ـ مذهب الأوزاعي.
5 ـ مذهب سفيان الثوري.
6 ـ مذهب الليث بن سعد.
7 ـ مذهب سفيان بن عيينة.
8 ـ مذهب داود الظاهري.
وغيرها من المذاهب التي قد تتفق أحياناًًً وقد تفترق أحياناًًً أخرى فيما بينها ، فهذه لم يبقى منها شيء.

المذاهب الإسلامية التي كتب لها البقاء : قد أجمعت رجالات أبناء العامة على بقاء مذاهب أربعة ، وأنّ أصحابها لايقاس بهم أحد من حيث العلم والفضل ، وهي :

1 ـ مذهب أبي حنيفة النعمان.
2 ـ مذهب مالك بن أنس.
3 ـ مذهب الشافعي.
4 ـ مذهب أحمد بن حنبل.

وقد طرحت هذه المذاهب في الساحة الإسلامية وأصبح لها ثقلاً في الأوساط ، لأنها كانت موضع عناية السلطات الحاكمة ـ آنذاك ـ ممّا أعطاها لوناً من الإعتبار والقيمة ، فكان الترغيب والترهيب دعامتان أساسيتان في إنتشارها ، ولولا ذلك لما إستطاعت البقاء ولكان مصيرها كمصير من إستعرضنا من المذاهب العامة السالفة!.

أسباب بقاء المذاهب الأربعة : لو ألقينا نظرة سريعة على تاريخ نشوء وانتشار كل مذهب من هذه المذاهب الأربعة لإتضحت لنا الحقيقة بشكل واضح.
المذهب الحنفي : وهو مذهب معروف بإستعمال الرأي والقياس في إستنباط الأحكام الشرعية ، حيث يقول مؤسسه أبو حنيفة : ما جاء عن رسول الله (ص) فعلى الرأس والعين ، وما جاء عن الصحابة إخترنا ، وما كان من غير ذلك فهم رجال ونحن رجال ، وفي قول آخر : إذا كان من أصحاب النبيّ (ص) إخترنا ولم نخرج من قولهم ، وإذا كان من التابعين زاحمناهم ، وقال أيضاًًً : ليس لأحد أن يقول برأيه مع نصّ من كتاب الله تعالى أو سنّة أو إجماع عن أمّة ، فإذا إختلفت الصحابة على أقوال ، نختار منها ما هو أقرب للكتاب أو السنة ، ونجتهد ما جاوز ذلك ، فالإجتهاد موسّع على الفقهاء لمن عرف الإختلاف وقاس فأحسن القياس.

والجدير بالذكر أنّ أبا حنيفة قد تتلمذ على يد الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) مدّة عامين ، ذكرها كل من ترجم له حتى إشتهرت مقولته : لولا السنتان لهلك النعمان ، كشهرة الكعبة بأنها بيت الله الحرام ، وعندما أحكم العباسيون السيطرة على مقاليد الأمور متخذين العراق مركزاً لهم ، جعلوا الفتيا والقضاء بيد أهل الرأي ، ولمّا ولّي أبو يوسف ـ وهو من أشهر تلامذة أبي حنيفة ـ منصب قاضي القضاة ، عمل على نشر مذهب أستاذه ، لما له من مكانة في الدولة ومنزلة عند هارون الرشيد ، بحيث كان هارون لا يعيّن قاضياًًً أو مفتياً إلاّّ بالرجوع إلى أبي يوسف ، وكان هذا يعيّن أهل نحلته في هذه المواقع الحساسة والخطيرة.

وإذا نظرنا إلى المقوّمات الذاتيّة للمذهب الحنفي ، نجد أنّ ذلك يرجع إلى جهود أربعة من أصحاب أبي حنيفة ، إذ هم الذين ألّفوا وهذّبوا مسائله ، كما إنّهم خالفوه في كثير من المسائل ووسعوا دائرة المذهب في الحيل الشرعية! وهم :

1 ـ أبو يوسف القاضي ، الذي خدم مذهب أبي حنيفة بقوّة نفوذه عند السلطان ، وبتصنيفه للكتب وتبويب المسائل ، وإدخال الحديث في فقه أبي حنيفة ، حتى قال أحمد بن عمار بن أبي مالك : سمعت أبي يقول :... ولولاه لم يذكر أبو حنيفة ولا إبن أبي ليلى لكنه نشر علمهما.
2 ـ محمّد بن الحسن الشيباني ، الذي كان فطناً ، فأصبح مرجعاً لأهل الرأي لما أحرزه من تقدّم عندهم ، وألّف في المذهب الحنفي كتباً أصبحت المرجع الأوّل لأتباع هذا المذهب.
3 ـ زفر بن الهذيل ، الذي كان أقيس أصحاب أبي حنيفة وأشهرهم عند أهل الرأي!.
4 ـ الحسن بن زياد اللؤلؤي ، الذي كان قاضياًًً مصنفاًً للكتب على مذهب أبي حنيفة ، إلاّ أن كتبه لم تكن بذلك الإعتبار عند الأحناف ككتب الشيباني.

المذهب المالكي : ينسب إلى مالك بن أنس ، الذي أخذ قسماًً من علمه عن الإمام جعفر الصادق (ع) وأضطهد مالك أيام العباسيين كأبي حنيفة في أول الأمر ، إلاّ أنّ المنصور الدوانيقي أعاره الإهتمام وأعطاه الإعتبار ، فطرحه مرجعاً دينياً للدولة ، وحمل الناس على إتخاذه إماماًًً لهم في الفقه ، فإنتشر مذهبه لا بحسب مؤهلاته الروحية والعلمية ، بل بحساب القوّة! ، وقد قال إبن حزم الأندلسي في ذلك : مذهبان إنتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان : مذهب أبي حنيفة ... ومذهب مالك عندنا ... ، وقد إعتمد مالك بعد كتاب الله تعالى وسنّة رسوله (ص) على الإجماع والقياس والإستحسان وسدّ الذرائع وإجماع أهل المدينة ، لأنّهم عنده أدرى بالسنّة وبالناسخ والمنسوخ ، والعمل بقول الصحابي ، وله كتاب " الموطأ " الذي ألّفه أيام المنصور ، كما له مجموعة رسائل فقهية أيضاًًً جمعها تلميذه أسد بن فرات النيسابوري.

المذهب الشافعي : منسوب لمحمد بن إدريس الشافعي ، الذي ذاع صيته وكثر أتباعه في " مصر " أيام صلاح الدين الأيوبي ، الذي تبنّى هذا المذهب ليقضي بذلك على الفاطميين ومن والاهم! ولذلك كان محلاً لعناية السلطة التي رعته بشكل ملفت للنظر ، وقد أخذ الشافعي علمه عن جماعة أشهرهم مالك بن أنس ، وسفيان بن عيينة ، وكان للشافعي منهج وسط بين منهج أصحاب الرأي ـ إتباع أبي حنيفة ـ ومنهج أصحاب الحديث ، حيث أشار إلى منهجه بقوله : " الأصل قرآن وسنة ، فإن لم يكن فقياس عليهما ، وإذا إتصل الحديث عن رسول الله (ص) وصحّ الإسناد منه فهو سنة ، والإجماع أكبر من الخبر المفرد ، والحديث علي ظاهره ....

المذهب الحنبلي : ينسب إلى أحمد بن حنبل الذي بزغ نجمه أيام المتوكّل العباسي الذي ذهب إلى القول بخلق القرآن ، فقدّمه وأكرمه بعد أن كان مغضوباً عليه أيام المعتصم! وقد صحب أحمد فترة من الزمن الشافعي وأخذ عنه كما أخذ ، عن غيره ، وأدى تبنّي السلطات الحاكمة ـ أنذاك ـ إلى هذا المذهب في تعاظم نفوذ الحنبلية " ببغداد " وضواحيها ، فأوقعوا بسائر أبناء المذاهب التي تخالفهم التنكيل والأذى!.
ولم يحظ هذا المذهب بإهتمام الناس ، لتأخره عن المذاهب الثلاثة السابقة ، فضاقت دائرة إتساعه حتى كاد أن يندرس ، إلى أن بعث فيه إبن تيمية وتلميذه إبن القيم الجوزية الروح من جديد فأحييا مامات منه ، وسار على منهجهما في ذلك النجدي محمّد بن عبد الوهاب!.
ولقد إعتمد أحمد في فتاواه على النصوص وما أفتى به الصحابة والأحاديث المرسلة والضعيفة والقياس والإستصحاب والمصالح المرسلة.

من هنا يتبيّن أن دعم السلطات في هذا المجال كان الركيزة الأساسية في إنتشار المذاهب الأربعة التي يعتنقها أهل العامة ، وإلاّّ فهي فاقدة لقابلية الديمومة والإستمرار في ذاتها ، ولولا هذا الدعم لكان مصيرها كمصير سائر المذاهب التي إنقرضت ، لأنها لم تستمد إستنباطاتها من القرآن والسنة فقط ، بل إختلطت بها آراء الرجال ووجهات نظرهم!.

- فيقر مالك في هذا الخصوص قائلاً إنما أنا بشر أخطيء وأصيب ، فإنظروا في رأيي ، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به ، وما خالف فأتركوه.
- ويعترف أبو حنيفة بقوله : هذا رأيي ، وهذا أحسن ما رأيت ، فمن جاء برأي خلافه قبلناه.
- ويذعن الشافعي بهذا أيضاًًً فيقول : إذا صح الحديث بخلاف قولي ، فإضربوا بقولي الحائط.
- ويصرح بذلك أيضاًًً أحمد بقوله لرجل : لا تقلدني ولا تقلدن ... ، وخذ الأحكام من حيث أخذوا من الكتاب والسنة.

فآراء الأئمة الأربعة ومقولاتهم هذه تؤكّد أنّ مذاهبهم لا قابلية لها في ذاتها على البقاء ، بل كان بواسطة وصول أصحابها إلى سدّة السلطة كما قال الدهلوي : فأيّ مذهب كان أصحابه مشهورين وأسند إليهم القضاء والإفتاء وإشتهرت تصانيفهم في الناس ، ودرسوا درساً ظاهراًًً إنتشر في أقطار الأرض ... وأيّ مذهب كان أصحابه خاملين ولم يولوا القضاء والإفتاء ولم يرغب فيهم الناس إندرس مذهبهم بعد حين.

مذهب أهل البيت (ع) : في خضم هذه الأجواء كان مذهب أهل البيت (ع) ينشر ما عنده من علوم ومعارف حتى تمكّن أن يبقى قائماًًً بذاته ، على الرغم من توجيه الحملات الظالمة له ولأتباعه الذين أصبحوا غرضاً للتهم ، وكانوا في نظر السلطات خارجين عن الإسلام.

والواقع أنّ السبب الوحيد في بقائه وديمومته أستقائه التعاليم من رسول الله (ص) عن طريق العترة الطاهرة (ع) الذين تحمّلوا ما تحمّلوا في سبيل إبقاء مدرسة آل محمّد (ص) شاخصة ومستقلة عن تأثير السلطات.

خصومة المذاهب الأربعة في ما بينها :يقول الأخ رمضاني : عند مراجعتي لسيرة إتباع المذاهب الأربعة وسلوكهم فيما بينهم وجدت ما أثار دهشتي! فإني كنت أظنّهم على وفاق في ما بينهم ـ بإعتبارهم يرتشفون من منبع واحد وهو سنة النبيّ (ص) ـ وإذا بي أجد الخلاف الناشب بينهم على مدى العصور ينبيء عن واقع مؤلم وخطير ، حتى بلغ الحال بهم إلى تكفير بعضهم البعض ، كما حدثت صدامات عنيفة أهدرت الدماء وضيعت الأموال وهتكت الأعراض فيها! ، فتجلّت لي الحقيقة بإن الذين كنت أظنهم على منهاج واحد ، أعداء متخاصمين يعامل بعضهم البعض الآخر معاملة الخارج عن الدين ، وقد سجّل التاريخ شتّى الصراعات والإختلافات بين إتباع المذاهب الأربعة ، وأشار إلى المنعطفات الخطيرة التي وصلوا إليها نتيجة النزاع في ما بينهم ، وخير شاهد على ذلك فتاوى بعض الأعلام تلك المذاهب :

1 ـ قال : محمّد بن موسى الحنفي قاضي دمشق المتوفّي عام 506 هـ : لو كان لي : من الأمر شئ لأخذت على الشافعية الجزية!!.
2 ـ قال أبو حامد الطوسي الشافعي المتوفّي عام 567 هـ : لو كان لي أمر لوضعت على الحنابلة الجزية!! ، والجزية إنّما تؤخذ على الكافر.
3 ـ قال الشيخ أبو حاتم بن جاموس الحنّبلي : من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم.

وقد أدّى التحيّز الذي وقع بينهم إلى تأصل روح العداء والخروج عن حدّ الإتزان ، والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة ، منها الفتنة التي ذهب تحت هياجها خلق كثير بين الحنفية والشافعية في نيسابور ، إذ أدّت إلى إحراق الأسواق والمدارس ، حتى كثر القتل في الشافعية ، وبعدها إنتصروا على الحنفية ـ فأسرفوا في أخذ الثأر منهم ـ وكان ذلك سنة 554 هـ.

ومثل هذه الفتنة وقعت بين الشافعية والحنابلة ، حتى إضطرت السلطة عام 716 هـ إلى التدخل بقوة لحسم النزاع! ، وفي عام 567 هـ قتل الحنابلة الشيخ أبو منصور من علماء الشافعية ، كما قتلت زوجته وإبنه الصغير بعد أنّ دسّوا لهم السمّ! ، ومن أراد الوقوف على مثل هذه الحوادث فليرجع إلى مضانها.

حجّية أصول التشريع عند المذاهب الأربعة : يقول الأخ رمضاني : هذه القضايا وأمور أخرى كالمصادر التشريعية التي إعتمد عليها الأئمة الأربعة بدل القرآن والسنة ، جعلتني أقطع بعدم شرعيّة هذه المذاهب ، لأني وجدت الإستحسان والقياس والمصالح المرسلة وقول الصحابي والرأي لا تتناسب بأي حال مع قوله تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) ، بل وجدّت أنّ بعض علماء العامة أورد الأدلة القاطعة على عدم حجّية جملة من هذه المصادر التشريعية الموضوعة من قبل هؤلاء".

ومن العلماء الذين لايعتبرون قول الصحابي حجّة : الشوكاني ، إذ يقول : الحقّ أنّ قول الصحابي ليس بحجّة ، فإنّ الله سبحانه وتعالى لم يبعث إلى هذه الأمة إلاّّ نبيّنا : محمّد (ص) وليس لنا ألاّ رسول واحد ، والصحابة ومن بعدهم مكلّفون على السواء بإتباع شرعه في الكتاب والسنة ، فمن قال : بأنه تقوم الحجّة في دين الله بغيرهما ، فقد قال : في دين الله بما لا يثبت ، وأثبت شرعاًًً لم يأمر الله به.

والعجيب أنّ أحمد بن حنّبل الذي يعتبر قول الصحابي حجّة ، يجعل الحجّية في هذا القول خاضعة لمزاج المكلّف! ، فعن محمّد بن عبد الرحمن الصيرفي ، قال : قلت : لأحمد بن حنبل : إذا إختلف أصحاب رسول الله (ص) في مسألة ، هل يجوز لنا أن ننظر في أقوالهم لنعلم مع من الصواب منهم فنتّبعه؟ ، فقال لي : لا يجوز النظر بين أصحاب رسول الله (ص) ، فقلت : كيف الوجه في ذلك؟ ، قال : تقلّد أيّهم أحببت.

والحقيقة أنّ التشريع من حق صاحب الرسالة (ص) فقط ، ومع ذلك لم يعمل (ص) طيلة حياته الشريفة برأيه أو بإستحسانه أو بقياسه ، بل كان دائماًً يتبع النصوص الإلهية ، وقد أقر بهذا الأمر البخاري في صحيحه ، حينما قال : ماكان النبيّ (ص) يُسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول : لا أدري أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي ، ولم يقل برأي ولا قياس لقوله تعالى : ( بما أراك الله ).

ويقول الأخ رمضاني : قد هزّني هذا الأمر من أعماقي ، لأني وبقية البسطاء من العامة كنّا نتعبد وفق آراء الرجال! ، وأيّ رجال!! رجال عفى على آرائهم الزمن ـ لأنها لا تتماشى مع ما هو مستجد في عصرنا ـ فلا إجتهاد بعدهم ، وكأن الأمة عقمت وانعدمت قدرتها على أنجاب النوابغ والمجدّدين ، وهكذا سدّوا علينا باب الإجتهاد وجعلونا نتخبط بما هو مستحدث.

غلق أبواب الإجتهاد عند أبناء العامة : إنّ غلق باب الإجتهاد وإدعاء إستحالته لأحد غير أئمة المذاهب الأربعة ، أدّى إلى الجمود الفكري لدى أهل العامة ، مما أثّر سلباً على إعتدالهم وتوازنهم في تقييم الآخرين! ، حيث وصفهم أتباعهم بأوصاف غير معقولة! فادّعوا أنّ أبا حنيفة سراج الأمة ، وسيّد الأئمة ، ومحيي السنّة ، وأنّه إذا تكلم خيّل إليك أنّ ملكاًًً يلقنه ، وما كلّم أحداًًً في باب من أبواب الفقه إلاّّ ذلّ له ، وإذا أشكلت مسألة على أعلم الناس سهلّها عليه!! ، وتجد ذلك في الكتب التي تتحدث عن مناقبه ، وغيره من الأئمة.

والإلتزام بهذه المذاهب ولزوم تقليد أئمتها وتحريم الإجتهاد على غيرهم ، مجرد تحكّم وتطرف وتعصب لاغير! ، فلو عقل إتباع هذه المذاهب حقيقة أئمتهم ، ووعوا تصريحاتهم الدالّة بوضوح على عدم الإلتزام بالرجوع إليهم وأخذ قولهم فقط ، لما تفوهوا بهذا الكلام.
فها هو أبو حنيفة يقول : هذا رأي النعمان بن ثابت ـ يعني نفسه ـ وهو أحسن ما قدرنا عليه ، فمن جاء بأحسن منه فهو أولى بالصواب.
وقيل لأبي حنيفة : إذا قلت قولاًً وكتاب الله يخالفه؟ ، قال : أتركوا قولي بكتاب الله ، فقيل : إذا كان خبر الرسول (ص)؟ ، فقال : أتركوا قولي لقول رسول الله (ص) ، فقيل : إذا كان قول الصحابة يخالفه؟ ، قال : أتركوا قولي لقول الصحابة.

وهذا مالك بن أنس ينهى عن تقليده بهذا الشكل الأعمى ، فقد روي عن مالك : أنّه قال : إنما أنا بشر أخطئ وأصيب ، فإنظروا في رأيي ، فكل ماوافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق فإتركوه ، وروي مثله عنه أحمد بن مروان المالكي.

كما إنّ الشافعي يلمح إلى عدم الإلتزام بكل ما جاء عنه لخفاء جملة من العلوم عليه ، فقد روي قوله ، عن أحمد بن حنبل أنّه قال : أنتم أعلم بالأخبار الصحيحة منّا ، فإذا كان خبر صحيح فأعلمني حتى أذهب إليه ، وقال : كل ما قلت لكم ، لم تشهد عليه عقولكم وتقبله وتراه حقاًً ، فلا تقبلوه ، فإنّ العقل مضطر إلى قبول الحقّ.

وأما أحمد بن حنبل فقد إشتهر عنه أنّه من المخالفين للتقليد ، فكان يقول :من قلّة فقه الرجل أن يقلّد دينه الرجال.

الأنتماء للمذهب الجعفري : يقول الأخ رمضاني : " وبعد الوقوف على حياة كل إمام من أئمة المذاهب الأربعة وجدت أنّهم قد أخذوا بشكل أو بآخر ، عن الإمام الصادق (ع) فقررت الإطلاع على حياته ، وبالفعل قرأت بعض كتب التراجم لأهل العامة ، فوجدت ـ مع شديد الأسف ـ أنّ ترجمة هذه الشخصية ترجمة مختصرة أو مبتورة ، بل أنّ البعض تجاوزه ولم يفرد له حقلاً أو عنواناً يذكر!.

وطلبت تراجمه في كتب بقية الفرق ، فوقعت بيدي كتب الإمامية تتحدّث عنه وعن علومه وسلوكه و ... ، فوجدت أنّ هذه الشخصية المهيبة قد إستمدت علومها عن رسول الله (ص) ، وإنها ما حادت قيد شعرة عن الكتاب أو السنة ، بل أكثر من ذلك وجدت أنّ فقه الإمام الصادق (ع) وعقائده ونهجه هو الأكمل والأشمل ، بل الأنقى والأرقى ، لكن عتم على هذه الشخصية كما عتموا على آبائه من قبل!.

ولهذا قررت ـ بحمد الله ـ ترك فقه الرجال والإغتراف من ينبوع الرسالة الصافي من أهل البيت (ع) فوفقني الله تعالى للإلتحاق بركبهم والسير في هديهم ، فأعلنت عن إستبصاري في مدينة " مومباسا " الكينية عام 1989م.


توقيع : بشار الربيعي



يقول الله عز وجل
وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين


نسألكم الدعاء
بشار الربيعي

رد مع اقتباس