عرض مشاركة واحدة
قديم 2020/06/20, 07:14 AM   #1
ابراهيم علي عوالي العاملي

موالي جديد

معلومات إضافية
رقم العضوية : 5752
تاريخ التسجيل: 2020/05/02
المشاركات: 21
ابراهيم علي عوالي العاملي غير متواجد حالياً
المستوى : ابراهيم علي عوالي العاملي is on a distinguished road




عرض البوم صور ابراهيم علي عوالي العاملي
افتراضي العُجب رؤية قرآنية 2


العُجب و"الأنا"
مصدر العجب "الأنا" ولا محالة يكون علاج العجب في علاج "الأنا" إذن المسألة الأساسية في المرض والعلاج هو "الأنا"، فلنتأمل إذن فيه.
للأنا حالتان: في الحالة الأولى يتمحور الأنا حول نفسه، ويستقطب كل جهد صاحبه وحركته وكل حبّه وبغضه وكل مشاعره واهتماماته.
وفي الحالة الثانية تكون مرضاة الله هي المحور لكل حركة الإنسان ونشاطه واهتمامه.
(قُل إنَّ صَلاتِي وَنُسُكي وَمَحيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبّ العالَمِينَ)(الأنعام: 163)
في الحالة الأولى يسقط الإنسان وفي الحالة الثانية يعرج الإنسان. ومرض العجب بعض أعراض الحالة الأولى، وعلاج هذا المرض وسائر الأمراض الناشئة من مركزية "الأنا" في الحالة الثانية. فإذا فكّ الإنسان ارتباطه من "الأنا" وربط نفسه بمحور الله تعالى وذكره ورضاه يخلص من العجب كما يتخلص من كل الأعراض والأمراض الكثيرة الأخرى التي تنشأ من حالة محورية الأنا.
وهذه الحالة من الإستكبار ومحورية "الأنا" هو الذي منع إبليس (لعنه الله) من الإستجابة لأمر الله تعالى في السجود لآدم:
(قَالَ إبليِسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسجُدَ لِمَا خَلَقتُ بيدي أستكبرتَ أم كُنتَ مِنَ العالِينَ، قَالَ أنَا خَيرٌ مَنّهُ خَلَقتَني مَن نَارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طِينٍ) (ص75ـ76).
وفي الخطاب الإلهي لإبليس من العناية بخلق آدم "لما خلقت بيديَّ". ومن الإنكار الساخر على إبليس (إستكبرت أم كنت من العالين)؟ ما لا يخفى على الذي يمعن النظر في هذا الخطاب.
وصياغة الآية دقيقة ومعبرة، فهي تبرز "الأنا" بشكل صارخ في جواب إبليس عن السبب الذي منعه من السجود (ما منعك أن تسجد)؟
وينحدر اللّعين من "الأنا" إلى الحسد، فلا يطيق أن يرى هذه الميزة لآدم (عليه السلام) من دونه فيحسده، وهذا هو الانحدار الأوّل.
ويشقَ عليه أن يستجيب لأمر الله تعالى في السجود لآدم، فيتمرد على أمر الله تعالى ويمتنع عن الاستجابة له، وهذا هو الانحدار الثاني، وهو نهاية السقوط في حياة هذا اللّعين.
وابتلاء قارون أيضاً في هذه الأنانية الطاغية:
(قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلمٍ عِندِي) (القصص:78). فلا يرى قارون لله تعالى فضلاً عليه فيما عنده من الكنوز حتى يحاسبه عليه ويطلب منه الإنفاق منها، وإنما هي له خاصة، تجمعت عنده على علم عنده وجهد له. إذن، نقطة الضعف في شخصية قارون هي "الأنا"، ومن خلال هذه النقطة اندسّ الشيطان إليه، ودعاه إلى التمرّد على الله تعالى ورسوله.
ويبرز الأنا بصورة صارخة في حياة فرعون:
(فَحَشَرَ فَنَادَى، فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأعلَى)(النازعات:24)، وهذه واحدة من أقبح حالات الإستعلاء للأنا.
وهذه الحالة من الأنانية الطاغية تؤدّي بصاحبها إلى استضعاف الآخرين واستخفافهم وإذلالهم للتمكن منهم وفرض نفوذه وسيطرته عليهم:
(فَاستَخَفَّ قَومَهُ فَاَطَاعُوهُ)(الزخرف:54).
وهذا هو الوجه الممقوت والقبيح من الأنا، وإلى هذا الوجه تعود طائفة كبيرة من المشاكل والمتاعب والمصائب والابتلاءات في حياة الإنسان.
والوجه الآخر للأنا هو وجه العبودية والإرتباط والإنشداد بالله تعالى.
والأنا ـ في هذا الوجه الآخر ـ لا يكون محوراً لحركة الإنسان وجهده ونشاطه وحبّه وبغضه، وإنما يتحوّل الإنسان من "الأنا" إلى محور مرضاة الله تعالى وقربه، ويكون مرضاة الله هو غاية الإنسان في حركته ونشاطه وهو الأساس والمحور في حبّه وبغضه.
يقول تعالى فيما يوجه به عبده ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (قُل إنني هداني رَبّي إلى صراطٍ مُستَقيم ديناً قيماً ملةَ إبراهيم حنيفاً وَمَا كَان مِنَ المُشرِكِينَ، قُل إن صلاتي ونُسُكِي وَمَحيايَ وَمَمَاتي للهِ رَبّ العالمين، لا شريكَ لَهُ وَبذلِكَ أُمِرتُ وَأنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ)(الأنعام:161ـ163)، وهذا هو الوجه المقبل على الله تعالى من " الأنا" فيما كان الوجه الأوّل هو الوجه المعرض عن الله تعالى من الأنا.
الدوائر الأربع للأنا
وكما ينشئ الإنسان العلاقة مع الآخرين تتصف بالحبّ والبغض والإنسجام والتناقض والتعاون والتواكل، كذلك للإنسان دوائر أُخر من العلاقات على نفس الترتيب مع الله تعالى ومع نفسه ومع الدنيا.
وهذه أربع داوئر للعلاقات يدخل فيها الأنا بالصورة التالية:
1ـ علاقة الأنا بالله تعالى.
2ـ علاقة الأنا بالآخرين.
3ـ علاقة الأنا بالدنيا (الأشياء).
4ـ علاقة الأنا بنفسه.
ونمط علاقة الأنا في كل من هذه الدوائر الأربع يختلف اختلافاً جوهرياً وعميقاً في الحالة الأولى (محورية الأنا) عن الحالة الثانية (محورية الله تعالى).
وطائفة واسعة من مصائب الإنسان وابتلاءاته ومشاكله هي من إفرازات "الأنا" عندما يتحوّل "الأنا" في حياة الإنسان إلى محور من دون الله تعالى. فيكون من إفراز "الأنا" في هذه الحالة في علاقة الإنسان بالله تعالى التكبر على الله، والتمرّد على الله والشرك والكفر. ومن إفراز الأنا في علاقة الإنسان بالآخرين نظام الإستكبار والإستضعاف في العلاقات الاجتماعية، والحسد، والعدوان، والبغضاء، والكراهية فيما بين الناس. ومن إفراز الأنا في هذه الحالة في علاقات الإنسان بالدنيا الحرص والطمع والجشع. ومن إفراز الأنا في علاقته بنفسه العجب، الغرور والاعتداد بالنفس وتزكية النفس وتبرئتها عن الخطأ والتقصير.
بينما نجد أن إفراز الأنا ونتائجه عندما يجعل الإنسان مرضاة الله تعالى في حياته هي المحور ويجعل الأنا تابعاً لهذا المحور أمر يختلف تماماً في النقاط التي ذكرناها في هذه الشبكة الواسعة من العلاقات.
وهذا إجمال لابد له من تفصيل، وهذا التفصيل يرتبط بموضوع بحثنا ارتباطاً وثيقاً، لابد من الدخول فيه.
وإليك هذا التفصيل:
عندما يتحوّل "الأنا" في حياة الإنسان إلى محور يستقطب كل مشاعره واهتماماته يصدق على هذا الإنسان أنه اتخذ "الأنا" إلهاً. ويتحول "الأنا" إلى صنم في حياته يعبده الإنسان من دون الله. وبقدر ما يبرز " الأنا" إلهاً في حياة الإنسان يضمر إحساس الإنسان بألوهية الله تعالى في حياته.
وبين هذا وذاك نسبة عكسية دائماً، فكلما تبرز ألوهية الأنا أو الهوى في حياة الإنسان أكثر يختفي التوحيد أكثر. فإن التوحيد يقع في النقطة المقابلة لمحورية الأنا تماماً. وكلما تتكرس حالة محورية الأنا في حياة الإنسان تختفي حالة التوحيد.

يتبع



hguE[f vcdm rvNkdm 2 vcdm



رد مع اقتباس