عرض مشاركة واحدة
قديم 2019/02/04, 10:58 PM   #3
الشيخ عباس محمد

موالي بلاتيني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3773
تاريخ التسجيل: 2015/04/07
المشاركات: 1,723
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً
المستوى : الشيخ عباس محمد is on a distinguished road




عرض البوم صور الشيخ عباس محمد
افتراضي

الدرس الثالث: المبادى‏ء العامة للإقتصاد الإسلامي 1

يقوم الاقتصاد الإسلامي على مبادى‏ء عامة أساسية تمثل أركانه وخطوطه العريضة التي تميزه عن باقي المذاهب الاقتصادية الأخرى.

أولاً: مبدأ الملكية المزدوجة

لا شك أن ملكية الانسان للأشياء هي ملكية إعتبارية لأن المالك الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى يتصرف فيها كيف يشاء إيجاباً وإعداماً وتغييراً وأعطاءً ومنعاً وغير ذلك من أنحاء التصرفات، لأن المالكية الحقيقية هي من شؤون الخالقية، قال تعالى: ï´؟وَلَهُ مُلكُ السَّمَاواتِ والأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَي‏ءٍ قَدِيرٌï´¾1.

ولذا عبر القران الكريم عما بيد الانسان بالاستخلاف تارة كما في قوله تعالى: ï´؟امِنُوا بَاللَّهِ وَرَسُولِه وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهï´¾2.

وبالاستعمار أخرى كما في قوله تعالى: ï´؟هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ واستَعْمَرَكُمْ فِيهَاï´¾3.

وبالإيتاء منه تعالى ثالثة: ï´؟وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا أَتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسَاً إلاَّ مَا أَتَاهَاï´¾4. ومسألة التملك احتلت حيزاً هاماً في المذهب الاقتصادي عموماً.


--------------------------------------------------------------------------------
19

--------------------------------------------------------------------------------


فالرأسمالية تقرر الملكية الفردية ( الخاصة) كمبدأ وقاعدة عامة للتملك في حين أن الملكية العامة استثناء تفرضه الضرورات الاجتماعية.

وأما الاشتراكية فتلتزم بالملكية العامة كأصل في هذا المجال ولا تعترف بالملكية الخاصة إلاّ في ظروف اجتماعية قاهرة واستثنائية.

وأما مذهب الاقتصادي الاسلامي فيتميز عن كلا المذهبين السابقين بإقراره لمبدأ الملكية المزدوجة الذي يعني الملكية بأشكال متعددة ثلاثة هي: الملكية الخاصة وملكية الدولة وملكية العامة، دون أن يعني ذلك مزجاً بين الرأسمالية والاشتراكية، بل على أساس رؤية فكرية أصلية ومستقلة سابقة عليهما، لها مفاهيمها وتشريعاتها الخاصة.

والملكية الخاصة هي: اختصاص الفرد بمال معين بنحو يمنع غيره من الانتفاع به.

وملكية الدولة تعني: تملك المنصب الإلهي في الدولة الاسلامية لمال معين فيعود لولي الأمر حق التصرف في رقبة المال وفقاً للمصالح المسؤولة عنها كالمعادن والنفط.

وأما الملكية العامة فهي: تملك الأمة لمال من الأموال كالأرض العامرة المفتوحة بالجهاد والبحار والأنهار الطبيعية ونحوها.

وقد أثبتت التجربة صحة هذا المبدأ حينما اضطرت الرأسمالية أن تأخذ بفكرة التأميم لبعض المرافق وتمارس تدخلاً واسعاً في الملكية، كما واضطرت الاشتراكية الى إقرار الملكية الخاصة والاعتراف بها وتقنينها فسمحت مثلاً المادة التاسعة من دستور الإتحاد السوفياتي السابق للفلاحين والحرفيين بتملك مشاريع إقتصادية صغيرة إلى جانب النظام الاشتراكي المعمول به في هذه الميادين في حين أن الاقتصاد الاسلامي سالم من هذا التناقض.

ثانياً: مبدأ الحرية الاقتصادية المحدودة

إذا كان المذهب الرأسمالي يطلق حريات الأفراد في الميدان الاقتصادي على أوسع مدى وبدون تحديد، والمذهب الاشتراكي يقيد هذه الحرية الى حد الإلغاء، فإن الاقتصاد الاسلامي قد أعطى للأفراد حرية العمل الاقتصادي، بحدود القيم والضوابط الشرعية التي يدعو إليها إنسجاماً مع الأهداف الالهية في حياة الناس.


--------------------------------------------------------------------------------
20

--------------------------------------------------------------------------------


وينبع هذا التحديد من أمرين أساسيين:

الأول: التربية الروحية والمعنوية الخاصة التي يربي الاسلام الانسان عليها فيدفعه الى التسابق لفعل الخيرات والانفاق في وجوه الخير وفعل الإحسان، والتي تشكلت عامل قوة للمجتمع الإسلامي حتى مع فقد الحكومة الاسلامية الصحيحة.

والثاني: القاعدة الشرعية التي تنفي حرية الانسان في فعل المعصية وارتكاب الظلم في المجال الاقتصادي ولذا زخرت الكتب الفقهية بما يعرف ب( المكاسب المحرمة) كالربا والاحتكار والتكسب بالأعيان النجسة والأعمال المحرمة كالنحت والغناء وغيره.

ولضمان صيانة هذه الحرية الاقتصادية للأفراد بالضوابط الشرعية والاخلاقية من جهة، وحماية المصالح العامة للأمة من جهة أخرى كان لولي الأمر حق التدخل والإشراف على النشاط الاقتصادي بصفته السلطة الشرعية الأعلى في المجتمع.

قال تعالى: ï´؟وأَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأَمرِ مِنْكُمْï´¾5، وسيأتي توضيحه عند الحديث عن مسؤولية الدولة.

ثالثاً: مبدأ العدالة الاجتماعية

لعل من نافل القول أن هذا المبدأ من المبادى‏ء الأساسية التي يقوم عليها الاقتصاد الاسلامي إذ هو الهدف الأساسي الذي يسعى لتحقيقه ويقيم في نفس الوقت عليه بنيانه. قال تعالى: ï´؟إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِï´¾6. إلاّ أن الاسلام لم يقبل أن يبقيه في الدائرة التجريدية فيقع في محذور التفسير والتأويل المتناقض ويتعرض للتعطيل، بل حدد العدالة الاجتماعية بصورة عملية وتطبيقية من خلال تحقيق فكرتين أساسيتين هما: التكافل الاجتماعي (الضمان الاجتماعي) والتوازن الاجتماعي الذي يعني نفي الطبقية في المجتمع على صعيد المعيشة مع بقاء باب الإثراء مفتوحاً ضمن الحرية الاقتصادية المحدودة كما ذكرنا. وستتضح هذه الفكرة أكثر مع البحث عن مسؤوليات الحكومة الاسلامية أيضاً.


--------------------------------------------------------------------------------
21

--------------------------------------------------------------------------------




أسئلة حول الدرس

1- ما هي المبادى‏ء العامة للاقتصاد الاسلامي، عددها؟
2- ما معنى مبدأ الملكية المزدوجة في الاسلام؟
3- اشرح مبدأ الحرية الاقتصادية المحدودة؟
4- كيف يحقق الاسلام عملياً العدالة الاجتماعية؟



للمطالعة

لقد قاوم الاسلام النظرة الغائية الى الملكية النظرة إليها بما هي غاية لا بالتعديل من مفهومها وتجريدها عن امتيازاتها في غير مجالها الأصيل فحسب بل قام الى وصف ذلك بعمل إيجابي لمقاومة تلك النظرة، ففتح بين يدي الفرد المسلم أفقاً أرحب من المجال المحدود والمنطلق المادي العاجل، وخطاً أطول من الشوط القصير للملكية الخاصة الذي ينتهي بالموت، وبُشر المسلم بمكاسب من نوع اخر: أكثر بقاءً وأقوى إغراءً وأعظم نفعاً لمن امن بها وعلى أساس تلك المكاسب الأخروية الباقية قد تصبح الملكية الخاصة أحياناً حرماناً وخسارة إذا حالت دون الظفر بتلك المكاسب، كما قد يصبح التنازل عن الملكية عملية رابحة إذا أدَّت الى تعويض أضخم من مكاسب الحياة الاخرة، وواضح أن الايمان بهذا التعويض وبالمنطلق الأوسع والمدى الأربح للمكاسب والأرباح يقوم بدور ايجابي كبير في إظفاء البواعث الأنانية للملكية وتطوير النظرة الغائية الى نظرة طريقية. قال الله تعالى: ï´؟وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِن شَي‏ءٍ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَï´¾7، ï´؟وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهُ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفِّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَï´¾8، ï´؟وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مَنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهï´¾9، ï´؟ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراًï´¾10، ï´؟وَمَا يَفْعَلُوا من خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفرُوه واللَّهُ عَلِيمٌ بالمُتَّقِينï´¾11.



هوامش

1- الحديد:2.
2- طه:6.
3- الحديد:7.
4- هود:61.
5- الطلاق:7.
6- النساء:59.
7- النحل:90.
8- سبأ:39.
9- البقرة:272.
10- البقرة:110.
11- ال عمران:30.



يتبع


رد مع اقتباس