[النسر]

استجواب نملة

	في مقر عملي انقطعت الكهرباء كالعادة فتوقفت الأجهزة وحل الظلام وتعطلت المكيفات والجميع توقف عما كان يفعله انتظاراً لعودة الكهرباء دقائق تمر في بطئ شديد والشعور بالملل يزداد قمت من مكاني لأحرك أقدامي ففتحت النافذة لأشم الهواء وأتأمل في هذا الهدوء الغريب الذي ساد المنطقة كلها بعد أن كانت من لحظات تعج بالحركة والحياة . وعلى ضوء الموبايل الخافت رأيتها فشدت انتباهي على الفور كانت تتحرك بخفة ونشاط وبدون صوت لم تتوقف مثلنا عن العمل فلا يوجد شئ يمكنه ان يعطلها عن عملها أو يجعلها تتوقف عن الحركة ولو للحظات رغم انها قد تبدوا أضعف الكائنات على وجه الأرض فهي مجرد نملة !!!. يبدوا انها في مهمة خاصة فهي تحاول جاهدة الوصول الى سطح المكيف وكلما وجدت عقبة في طريقها تحاول أن تعبرها بكل الطرق أو تجرب طريق آخر قد يكون أفضل المهم انها لا تتنازل عن فكرة الوصول لهدفها أبداً ولا تفكر في أن تعلن فشلها أو يأسها فتعاود أدراجها لتذهب من حيث أتت. كان الهدف على ما يبدوا الوصول لبعض الفتات الملقاة على سطح جهاز التكييف .. تعجبت كثيراً من محاولاتها المتكررة للوصول ودارت في رأسي أسئلة كثيرة عن سبب صعودها الى هذا المكان المرتفع وبذلها كل هذا الجهد من أجل شئ يبدو يسيراً وربما تكون قد مرت في طريقها بما هو أفضل منه ؟ وكيف علمت أصلاً بوجود هذه الفتات في هذا المكان وعلى هذا الارتفاع ؟ وهل ستتمكن من نقل هذا الغذاء بمفردها أم انها ستحتاج الى قوات أخرى ؟ ولو كانت تحتاج الى مساعدة فكيف ستطلبها ؟ وكيف ستحدد عدد المساعدين ؟ واذا افترضنا انها تجاوزت كل العقبات والصعوبات واستطاعت نقل الغذاء لبيتها فكيف ستستخدمه؟ وكيف تخزنه؟ وكيف تحافظ عليه من الفساد ؟ وهل هي تعمل كل هذا من أجل الغذاء فقط فاذا جمعت ما يكفيها تكف عن العمل ؟ ان ملعقة صغيرة من السكر قد تكفيها وعائلتها طول العمر فهل اذا وضعت لها ملعقة سكر في بيتهم سيقيمون الأفراح ويذهبون للراحة والاستجمام أم ان هذا السلوك لا يفعله سوى البشر فقط ؟ واضح ان الأمر معقد وغامض جداً وكل سؤال يجر وراءه عشرات الأسئلة بلا نهاية و بلا اجابات شافية واضحة. فجأة خطرت في بالي فكرة شريرة لا يفكر فيها سوى البشر فقط سأستخدم قوتي وسأقوم باعتقال هذه النملة وسأستجوبها وسأجبرها على الاعتراف بكل شئ من البداية وسأجمع منها كل المعلومات التي أريدها سواء بالترغيب أو بالترهيب حملت النملة ووضعتها في علبة كبريت فارغة ووضعت لها بعض حبات من السكر وأحكمت اغلاق العلبة جيداً لحين وقت الاستجواب. لقد جاءت الكهرباء آخيراً سأنهي عملي بسرعة انتهزت فرصة فترة راحة وأخرجت علبة الكبريت من درج المكتب وتقمصت شخصية المحقق الذي لا يرحم من يقع تحت يديه وفتحت العلبة لأبدأ أول جلسة تحقيق. خرجت النملة من محبسها ونظرت إلي نظرة تحدي وصرخت قائلة : من أنت ؟ وماذا تريد ؟ قلت غاضباً : لا ترفعي صوتك هكذا فأنا هنا الذي أوجه الأسئلة ألا ترين اني استطيع سحقك بطرف اصبعي ؟!! قالت : وهل هذا يعطيك الحق في تعذيبي بهذا الشكل ؟ قلت : أين هذا التعذيب ؟ لقد وضعتك في بيت أكبر من بيتك ووضعت لكِ طعام يكفيكي شهوراً طويلة دون أن تبذلي أي جهد في الحصول عليه المفروض أن تشكريني !! أنا نملة ولست حيوانا أو بشراً يمكنك حبسهم في أقفاص أو زنازين وتضع لهم الطعام ليعيشوا فأنا لا يمكنني العيش سوى في أسرة كبيرة فأنا أعيش من أجل الجماعة وليس من أجل نفسي فقط مثلكم. - هل أعتبر هذه إهانة ؟!! - بل هذه حقيقة لا شك أنك تعرفها أكثر مني ! - ظننتك ستسعدين بحياتك الجديدة بيت واسع بالنسبة لكِ وأكل وفير وراحة من العمل والعناء وأمان من الأعداء - حياتي كلها ليست لها أي قيمة بدون مملكتي - مملكتك هل يعني هذا انك الملكة ؟ - كونها مملكتي لا يعني أنني الملكة كل فرد لدينا له دور والمملكة ملكنا جميعاً فأعدني من حيث اخذتني فالموت عندي أهون من العيش بمفردي. - طالما الأمر كذلك فمن الأفضل لك أن تجيبي على كل تساؤلاتي لأتركك وشأنك. - انا ليس لدي أسرار لأخبأها ولست متهمة لأدافع عن نفسي ولن تستطيع ارغامي على شئ لا أريد فعله حتى لو سحقتني باصبعك كما قلت فحياتي لا قيمه لها بمفردي وهذا هو سر قوتنا وسر تواجدنا من عصر الديناصورات حتى الآن لم ننقرض وقاومنا الجليد والحرارة الشديدة و المبيدات البشرية ولما أصبح تعدادنا 20 % من تعداد الكائنات الحية على كوكب الأرض ولما استطعنا العيش في كل مكان وفي كل البيئات في الصحراء وفي الغابات وفوق الجبال وتحت الأرض وداخل الأشجار وتحت كل الظروف. - اقنعني منطقها وعلمت أن معها حق فحملتها وأعدتها مرة أخرى على سطح التكييف ، فابتسمت وقالت أحسنت صنعاً وسأكون أفضل منك وسأبلغك بكل ما تريد معرفته بدون إكراه عندما انتهي من مهمتي فجهز أسألتك لحين عودتي وتركتني وانصرفت !!!

المصدر: منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي - من قسم: المواضيع العامة

---

hsj[,hf klgm