عرض مشاركة واحدة
قديم 2014/07/25, 03:26 PM   #1
الجمال الرائع


معلومات إضافية
رقم العضوية : 799
تاريخ التسجيل: 2012/12/12
المشاركات: 857
الجمال الرائع غير متواجد حالياً
المستوى : الجمال الرائع is on a distinguished road




عرض البوم صور الجمال الرائع
Flower2[2] الفساد ودوره الاجتماعي

توجد العديد من العوامل الّتي تساهم، بدرجات متنوّعة، في الانهيار الّذي قد يصيب مجتمعاً ما، عبر سقوط منظومة قيمه ومثله العليا، وابتذال سلوكياته ومعتقداته، وتحويلها إلى مجرّد ممارسات شكليّة ومظهريّة، إلا أنّ الفساد يمثّل المرحلة النهائية لأيّ مجتمع، والتي يدرك الباحث التاريخي أنها تكون السابقة مباشرةً للحظة الانفجار، والتي قد تصبح كذلك لحظة الثّورة الاجتماعيّة، في حال توفّرت لها عقيدة ثوريّة وقيادة ثوريّة.
لقد كان الفساد، وبخاصّة في جانبه الإداري، يمثّل في بعض بلدان العالم العربي، الإشارة إلى سيادة الرأسماليّة الطفيليّة، والتي تحتاج دائماً، نظراً إلى أنها غير منتجة، للإبقاء على الفساد الإداري، واتساع رقعته بشكل تدريجي، من أجل تسهيل قدرتها على الحركة والربح السهل. وفي المقابل، هناك اقتصاد كامل لهذا الجانب من الفساد، والّذي يتحوّل روّاده تدريجاً إلى أثرياء بدون جهد، وينضمون إلى الطبقة الطفيليّة، نتيجة مهارتهم في التلون، وقدرتهم على غضّ الطرف عن مخالفات أو تزوير أوراق.
في التاريخ الإسلامي، استمرّت الدولة العباسية، رغم كلّ سلبياتها، قادرة على إحكام سيطرتها على كلّ العالم الإسلامي، رغم اتساع رقعته، إلا أنّ المرحلة الثانية من التاريخ العباسي، والّتي بدأت مع عهد الخليفة المتوكّل، شهدت توغّل الجهاز الإداري للدّولة، الّذي أثرى روّاده، وتحوّلوا إلى ملاّك كبار للأراضي نتيجة فسادهم،[1] وهو ما أدّى إلى ظهور التذمرات الكبرى ضد الدولة العباسية، لعلّ أشهرها ثورتا الزنج والقرامطة، وساهمت في إضعاف الدولة وسقوطها تحت سيطرة مواليها من الديلم والترك.
في مصر، وقبل ثورة 25 يناير، تكرّر مشهد مشابه، فالفساد الإداري كان قد أصبح مشرعاً في الواقع العملي، وكان على كلّ مواطن ينوي الدخول إلى مبنى أي إدارة حكومية، أن يضع في اعتباره ميزانية خاصة للمجاملات التي يحتاجها لإنهاء أي أوراق أو حاجة له دون مشاكل أو تعقيدات روتينيّة، يجيد الموظّفون اختلاقها بالدّرجة نفسها التي يجيدون فيها إيجاد الحلول السريعة لها، وذلك في الوقت الذي كانت الدولة قد اتبعت نظام المصالحة مع الفاسدين السذّج الذين يتم اكتشافهم، فيتمّ السماح لهم بإعادة ما سرقوه، مقابل إطلاق سراحهم، وهو ما أطلق عليه (إجراء المصالحة).
وحتى في الاتحاد السوفياتي، والذي تكوّنت سلطاته بناءً على تجربة ثورية، كانت مواجهة الفساد الرأسمالي جزءاً من برنامجها. لكن في أعقاب وفاة ستالين، تحوّلت الدولة إلى الخضوع لسيطرة مجموعة من كبار الموظفين الانتهازيين، الذين قفزوا على مبادئ ثورتهم، ولم يعبأوا بترهّل الجهاز الإداري لهذه الدولة العظمى، مادام يؤدّي ذلك إلى زيادة ثرواتهم، وهو ما أدّى في النهاية إلى انهيار هذه التجربة الضّخمة.
إنّ انتشار الفساد بتنوّعاته، وتحوّله إلى أداء يومي اعتيادي وغير لافت للنّظر، مع ما يسببه من ضغوط قاسية على المواطنين، يمثّل إشارة واضحة إلى تفكّك المجتمع، واضمحلال قيمه، وتصاعد التّناقضات الاجتماعيّة داخله، واقتراب انفجاره في مواجهة الطبقة المسيطرة، أو على الأقلّ المجموعة الحاكمة سياسيّاً.
ويبقى التساؤل عن كيفيّة مواجهة الفساد، كنتيجة ووسيلة للتخلّي عن اقتصاديات التصنيع والاقتصاد التخطيطي. ففي التجربة الثوريّة الصينيّة، أشعل ماو تسي تونغ، أثناء حكمه، ثورة البروليتاريا الثقافيّة في مواجهة أقطاب الفساد في الدولة والقوى الانتهازية والتحريفية داخل الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ليو شاو تشي، وتمكّن بالفعل من التخلّص منهم، وإعادة تجديد الحيوية الثورية للشعب الصيني مرّة أخرى، وهو ما تم تكراره مرة أخرى في أعقاب الثورة الإسلاميّة في إيران، وتحت قيادة الإمام الخميني، مع بعض الاختلاف في التفاصيل[2].
ومع أنّ التجربتين الصينيّة والإيرانيّة ربما لا يمكن استنساخهما، نتيجة خصوصيّة كلّ دولة وطبيعتها، كما لا يمكن كذلك استنساخ زعماء ومؤثرين بمستوى الإمام الخميني وماو تسي تونغ، إلا أنه على الأقل، من الممكن الاستفادة منهما، وإعادة طرحهما بما يتناسب مع خصوصيات الوضع في الدول الأخرى، وطبيعة ثقافتها وتراثها. لكن يبقى على كلّ حال، التّأكيد أنّ مواجهة الفساد لا يمكن أن تتمّ عبر القرارات الإصلاحيّة، وإنما عبر الاحتجاجات الجماهيريّة القادرة على إجبار الجميع على التراجع والانصياع لإرادتها.

[1] يعود فساد الجهاز الإداري للدولة العباسية إلى تحول الدولة للخضوع تحت سيطرة العسكر التركي، في أعقاب ثورة بابك خورمدين، وهو ما دفع الخلفاء العباسيين لشراء ولاء الجنود الأتراك، بمنحهم مساحات شاسعة من الأراضي. ولم يكن الأتراك يمتلكون الخبرة الحضارية الكافية للاعتناء بالأرض الزراعية، نظراً إلى الطبيعة الرعوية للشعب التركي في هذه الفترة، وبالتالي فقد عانت الزراعة حالة من الاضمحلال في هذه الفترة، وهو ما أدى إلى تراجع موارد الدولة بشكل عام، وضعف مركز الخليفة العباسي وقدراته الرقابية، ومثل هذه الظروف هي ما تسمح للفساد بالنمو عموماً، نتيجة تغلغل العناصر الانتهازية لمواقع القرار فيه.
[2] طالب الإمام الخميني في خطاباته الشعب الإيراني بضرورة الانتباه إلى تغلغل الفاسدين والانتهازيين في الجهاز الحاكم، والمواجهة الحاسمة معهم: كونوا مراقبين يقظين، وعندما تشعرون بأول خطورة تغلغل، هبّوا للمواجهة ولا تمهلوهم، والله معينكم وحافظكم.







مواضيع اخرى للكاتب
الإلحاد في مصر بين الموقف العقلي والردة الاجتماعية | ظاهرة التحرّش في مصر... رؤية اجتماعيّة | خلفيّات سكن المقابر في القاهرة | التصوّف.. "التديّن الشعبي في مصر" | ...


hgtsh] ,],vi hgh[jlhud



توقيع : الجمال الرائع
أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك واماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد الى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهن من حماتهن حمي ولا من رجالهن ولي، وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه اكباد الازكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر الينا بالشنف والشنأن، والاحن والأضغان ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم
رد مع اقتباس