عرض مشاركة واحدة
قديم 2014/06/21, 11:45 PM   #8
عاشقة الحسين

موالي بلاتيني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 2
تاريخ التسجيل: 2011/12/20
المشاركات: 1,555
عاشقة الحسين غير متواجد حالياً
المستوى : عاشقة الحسين is on a distinguished road




عرض البوم صور عاشقة الحسين
افتراضي

سابعا: الا لاتقتلن الأ قاتلي..
" يا أبناء عبدا لمطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا، تقولون: قتل أمير المؤمنين ". ألا لاتقتلن بي إلا قاتلي، انظروا إن أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثلوا بالرجل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور.
إن هذا المعنى العظيم يلفتنا إلى الأوضاع السياسية التي تحبشها امتنا الإسلامية، والأوضاع التي يجب إن تكون، فالأمام على عليه السلام بالرغم من عظمته ومكانته عند الله سبحانه وتعالى، يرفض إن تراق الدماء بأسمه ومن أجل حياته وشخصيته.

الحاكم العادل هو الذي لا يستخدم القمع والإرهاب ضد شعبه، ولا يعمل لنفسه ولأسرته حقوقا ومميزات إضافية، ويحيط نفسه بهالة من القداسة. فيصبح مجرد انتقاده جريمة لاتغتفر، ويعرض منتقده إلى السجن والتعذيب.
والإمام على عليه السلام عندما قال مقولته هذه آخر حياته لم تكن كلاما وعظيا مجردا. بل كانت قبل ذلك واقعا مارسه الإمام أبان حكمه، حيث تنازل عن هيبته وفضل إن يعيش إنسانا عاديا في المجتمع، مع كونه في موقع السلطة والحكم.

وهناك قصص كثيرة نقلها لنا التاريخ عن عدالته وتواضعه وشعبيته: روي إن امرأة جميلة في الكوفة مرت قرب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وهو جالس مع جماعة، فرمقها القوم بأبصارهم، فنهاهم أمير المؤمنين عليه السلام عن ذلك قائلا: إن إبصار هذه الرجال طوامح، وإن ذلك سبب هلاكها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلمس أهله، فإنما هي امرأة كامرأة. فقال رجل من الخوارج: قاتله الله من كافر ما افقهه. فوثب القوم إليه يريدون تأديبه. فقال عليه السلام ناهيا لهم: رويدا إنما هو سب بسب أو عفو عن ذنب، ثم عفى عنه وتركه وشأنه.

وفي رواية أخرى انه كان في صلاة الصبح فقرأ ابن كوا وكان من المنافقين : ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين معرضا بالإمام. وانه قد أشرك بقبوله التحكيم كما كان هكذا رأي الخوارج، فأنصت علي عليه السلام لقراثة القرآن اتباعا.

لقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا حتى فرغ ابن كوا من الآية، ثم عاد بن كوا في قراثتها، فأنصت الإمام ايضا، فأعاد ابن كوا المرة الثالثة، فأنصت علي عليه السلام، وبعد ذلك قرأ هذه الآية المباركة: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ.

ولكي ندرك عظمة نفسية الإمام وروعة موقفه نطرح التساؤل التالي:
ماذا ترى سوف يحدث لو أن مثل هذا الموقف تكرر مع حاكم من الحكام بصورة أو بأخرى، فلو أن شخصا بادر إلى كتابة الآية الكريمة: ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ كتبها بخط عريض على الشوارع فكيف ستتعامل معه السلطات الحاكمة؟
وان التاريخ يحدثنا كيف إن أحد الخلفاء كان منزعجا من تكرار الصحابي الجليل أبى ذر الغفاري رضوان الله عليه لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ إذ اعتبر قراءة تلك الآية تعريضا بشخصيته وسياسته الاقتصادية، فنفى أبا ذر إلى الرّبذة، حيث مات هناك وحيدا غريبا.
إننا اليوم بحاجة ماسة إلى دراسة منهج أمير المؤمنين علي بن أبى طالب عليه السلام في السياسة والحكم، لندرك مدى انحراف الحاكمين علينا باسم الإسلام، ولتتضح أمامنا صورة الحياة الاجتماعية في ظل الإسلام، وكيف يكون الحاكم؟ وكيف يتعامل مع الناس؟

فقد روى ابن الأثير في التاريخ الكامل: إن عليا عليه السلام وجد درعه عند نصراني فأقبل إلى شريح قاضيه وجلس إلى جانبه يخاصم النصراني فخاصمه رجل من رعاياه، وقال: إنها درعي، ولم ابع ولم اهب، قال شريح للنصراني: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟ قال: النصراني: ما الدرع إلا درعي وما أمير المؤمنين بكاذب، فالتفت شريح إلى علي عليه السلام يسأله: يا أمي المؤمنين هل من بينة؟ فضحك علي عليه السلام، وقال:" مالي بينة، فقضى شريح بالدرع للنصراني، فأخذها ومشى وأمير المؤمنين عليه السلام ينظر إليه إلا إن النصراني لم يخط خطوات حتى عاد يقول: أما أنا فاشهد إن هذه أحكام الأنبياء يدنيني إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه: الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين ".

وقد روى المؤرخون: انه لما ظهر الخوارج، واخذوا ينقضون الإمام ويكفرونه ويقولون: لا حكم الا لله وهي كلمة حق يراد بها باطل، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام لم يتعرض لهم الإمام بسوء بل كان كما في الرواية يجري عليهم اعطياتهم من بيت المال.
وقد أراد أصحاب الإمام قتال هؤلاء باديء الأمر، ولكن الإمام أبى عليهم ذلك، وأنكره، وقال:" إن سكتوا تركناهم، وان تكلموا حاججناهم، وان افسدوا قاتلناهم ".
هكذا جسد الإمام علي عليه السلام أفكاره إلى مواقف أتعطى للمسلمين صورة عن الحاكم العادل الذي لا يسن لنفسه امتيازات وحقوق إضافية ولا يحيط نفسه بهالة من القداسة. كما انه لا يمنع الناس من حرية إبداء الرأي والمعارضة.

وفي وصية الإمام علي عليه السلام مجال واسع لكي يتأمل الإنسان ويتفكر ويتعلم القيم والمباديء الحقة.
عسى الله سبحانه إن يشملنا برحمته الواسعة، في هذا الشهر الكريم، وان يمن على امتنا الإسلامية بالحرية والاستقلال.. انه سميع مجيب .

شهر رمضان برنامج رسالي / الشيخ حسن الصفار.
شبكة المعارف الاسلامية


رد مع اقتباس