الموضوع: بحث حول الدعاء
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015/09/09, 07:40 PM   #2
الشيخ عباس محمد

موالي بلاتيني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3773
تاريخ التسجيل: 2015/04/07
المشاركات: 1,723
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً
المستوى : الشيخ عباس محمد is on a distinguished road




عرض البوم صور الشيخ عباس محمد
افتراضي

اشتكى بصره، فقيل له: لو دعوت الله أن يشفي بصرك؟ فقال: إني عن ذلك لمشغول، وما هو من أكبر همي: قالوا: وما يشغلك عنه؟ قال: العظيمتان: الجنة والنار) (1). وجاء في الحديث القدسي: (يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاسألوني الهدى أهدكم، وكلكم فقير إلا من أغنيته، فاسألوني الغنى أرزقكم، وكلكم مذنب إلا من عافيته، فاسألوني المغفرة أغفر لكم) (2). ومن دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام): (يا ذا الجلال والاكرام أسألك عملا تحب به من عمل به، ويقينا تنفع به من استيقن به حق اليقين في نفاذ أمرك. اللهم صل على محمد وآل محمد، واقبض على الصدق نفسي، واقطع من الدنيا حاجتي، واجعل فيما عندك رغبتي شوقا إلى لقائك، وهب لي صدق التوكل عليك) (3).
11 - معرفة الله وحسن الظن به سبحانه: قال العلامة الحلي (رضي الله عنه): من شروط حسن الدعاء علم الداعي كون ما يطلبه بدعائه مقدورا لمن يدعوه، وهذا يتضمن أن من دعا الله تعالى يجب أن يكون عارفا به وبصفاته (4). فعلى الداعي أن يوقن برحمة الله اللامتناهية، وبأنه سبحانه لا يمنع
(هامش)
(1) بحار الأنوار 22: 431 / 40. (2) بحار الأنوار 93: 293 / 20. (3) الصحيفة السجادية: الدعاء (54). (4) منهاج اليقين: 375. (*)
ص 36
أحدا من فيض نعمته، وأن باب رحمته لا يغلق أبدا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (قال الله عز وجل: من سألني وهو يعلم أني أضر وأنفع استجبت له) (1). وقيل للإمام الصادق (عليه السلام): ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا. قال: (لأنكم تدعون من لا تعرفونه) (2). وفي قوله تعالى: *(فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي)*(3) قال (عليه السلام): (يعلمون أني أقدر على أن أعطيهم ما يسألون) (4). وحسن الظن بالله هو من شعب معرفته سبحانه، فعلى الداعي أن يحسن الظن باستجابة دعائه، لو عده الصادق بقوله تعالى: *(ادعوني أستجب لكم)*(5)، وقوله: *(أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)*(6) وأنه لا يخلف الميعاد. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة) (7). وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا دعوت فأقبل بقلبك، وظن حاجتك
(هامش)
(1) بحار الأنوار 93: 305. (2) شرح ابن أبي الحديد 11: 230. وبحار الأنوار 93: 368 / 4. (3) سورة البقرة: 2 / 186. (4) تفسير العياشي 1: 83 / 196. (5) سورة غافر: 40 / 60. (6) سورة النحل: 27 / 62. (7) بحار الأنوار 93: 305 و321. (*)
ص 37
بالباب) (1). ومن دعاء الإمام زين العبادين (عليه السلام): (اللهم قد أكدى الطلب وأعيت الحيل إلا عندك، وضاقت المذاهب وامتنعت المطالب وعسرت الرغائب وانقطعت الطرق إلا إليك، وتصرمت الآمال وانقطع الرجاء إلا منك، وخابت الثقة وأخلف الظن إلا بك، اللهم إني أجد سبل المطالب إليك منهجة، ومناهل الرجاء إليك مفتحة، وأعلم أنك لمن دعاك لموضع إجابة، وللصارخ إليك لمرصد إغاثة، وأن القاصد لك لقريب المسافة منك...) (2).
12 - العمل بما تقتضيه المعرفة: على الداعي أن يعمل بما تقتضيه المعرفة لخالقه، بأن يفي بعهد الله ويطيع أوامره، وهما من أهم الشروط في استجابة الدعاء. عن جميل، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: قال له رجل: جعلت فداك، إن الله يقول: *(ادعوني أستجب لكم)*(3) وإنا ندعو فلا يستجاب لنا! قال (عليه السلام): (لأنكم لا توفون بعهد الله، لو وفيتم لوفى الله لكم) (4). وعن أبي حمزة، قال: إن الله أوحى إلى داود (عليه السلام): (يا داود، إنه ليس عبد من عبادي يطيعني فيما آمره إلا أعطيته قبل أن يسألني، وأستجيب له
(هامش)
(1) الكافي 2: 344 / 3. (2) بحار الأنوار 95: 450 / 3. (3) سورة غافر: 40 / 60. (4) تفسير القمي 1: 46 في تفسير قوله تعالى: *(وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم)* البقرة: 2 / 40. (*)
ص 38
قبل أن يدعوني) (1).
13 - الاقبال على الله: من أهم آداب الدعاء هو أن يقبل الداعي على الله سبحانه بقلبه وعواطفه ووجوده، وأن لا يدعو بلسانه وقلبه مشغول بشؤون الدنيا، فهناك اختلاف كبير بين مجرد قراءة الدعاء وبين الدعاء الحقيقي الذي ينضم فيه القلب بانسجام تام مع اللسان، تهتز له الروح وتحصل فيه الحاجة في قلب الإنسان ومشاعره. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن الله عز وجل لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه، فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثم استيقن بالإجابة) (2).
14 - الاضطرار إلى الله سبحانه: لا بد للداعي أن يتوجه إلى الله تعالى توجه المضطر الذي لا يرجو غيره، وأن يرجع في كل حوائجه إلى ربه، ولا ينزلها بغيره من الأسباب العادية التي لا تملك ضرا ولا نفعا *(قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا)*(3). فإذا لجأ الداعي إلى ربه بقلب سليم وكان دعاؤه حقيقيا صادقا جادا، وكان مدعوه ربه وحده لا شريك له، تحقق الانقطاع الصادق بالاضطرار الحقيقي إلى الله تعالى الذي هو شرط في قبول الدعاء *(أمن يجيب
(هامش)
(1) بحار الأنوار 93: 376. (2) الكافي 2: 343 / 1. (3) سورة الإسراء: 17 / 56. (*)
ص 39
المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)*(1). يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لولده الإمام الحسن (عليه السلام): (وألجئ نفسك في أمورك كلها إلى إلهك، فإنك تلجئها إلى كهف حريز ومانع عزيز، واخلص في المسألة لربك، فإن بيده العطاء والحرمان) (2). قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاه، فلييأس من الناس كلهم، ولا يكون له رجاء إلا عند الله، فإذا علم الله عز وجل ذلك من قبله لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه) (3). وروي أن الله تعالى أوحى إلى عيسى (عليه السلام): (ادعني دعاء الحزين الغريق الذي ليس له مغيث: يا عيسى، سلني ولا تسأل غيري، فيحسن منك الدعاء ومني الإجابة) (4).
15 - تسمية الحوائج: إن الله تعالى محيط بعباده يعلم حالهم وحاجاتهم، وهو أقرب إليهم من حبل الوريد، ولكنه سبحانه يحب أن تبث إليه الحوائج وتسمى بين يديه تعالى، وذلك كي يقبل الداعي إلى ربه محتاجا إلى كرمه فقيرا إلى لطفه ومغفرته. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا
(هامش)
(1) سورة النمل: 27 / 62. (2) نهج البلاغة: الكتاب (31). (3) الكافي 2: 119 / 2. (4) عدة الداعي: 134. (*)
ص 40
دعاه، لكنه يحب أن تبث إليه الحوائج، فإذا دعوت فسم حاجتك) (1).
16 - ترقيق القلب: ويستحب الدعاء عند استشعار رقة القلب وحالة الخشية التي تنتابه بذكر الموت والبرزخ ومنازل الآخرة وأهوال يوم المحشر، وذلك لأن رقة القلب سبب في الاخلاص المؤدي إلى القرب من رحمة الله وفضله، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (اغتنموا الدعاء عند الرقة، فإنها رحمة) (2). وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (بالاخلاص يكون الخلاص، فإذا اشتد الفزع، فإلى الله المفزع) (3). وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا رق أحدكم فليدع، فإن القلب لا يرق حتى يخلص) (4). وكلما رق قلب الداعي كلما كان مهيئا لاستقبال ذخائر الرحمة الإلهية وتحقق قصده في الاستجابة، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا اقشعر جلدك، ودمعت عينك، ووجل قلبك، فدونك دونك، فقد قصد قصدك) (5). أما القلب القاسي بكثرة الذنوب والمعاصي، والقلب اللاهي عن ذكر الله، المتعلق بعرض الدنيا وزخرفها، فكلاهما مطرودان عن رحاب الله تعالى ورحمته، ولا يستجاب لهما دعاء، لأنه ليس ثمة انسجام بين القلب
(هامش)
(1) الكافي 2: 345 / 1. (2) بحار الأنوار 93: 313. (3) الكافي 2: 340 / 2. (4) الكافي 2: 346 / 5. (5) الكافي 2: 346 / 8. (*)
ص 41
واللسان، جاء في وصية النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام علي (عليه السلام): (لا يقبل الله دعاء قلب ساه) (1). وعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا يقبل الله عز وجل دعاء قلب لاه) (2). وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (إن الله عز وجل لا يستجيب دعاء بظهر قلب قاس) (3).
17 - البكاء والتباكي: خير الدعاء ما هيجه الوجد والأحزان، وانتهى بالعبد إلى البكاء من خشية الله، الذي هو سيد آداب الدعاء وذروتها، ذلك لأن الدمعة لسان المذنب الذي يفصح عن توبته وخشوعه وانقطاعه إلى بارئه، والدمعة سفير رقة القلب الذي يؤذن بالاخلاص والقرب من رحاب الله تعالى. قال الإمام الصادق (عليه السلام) لأبي بصير: (إن خفت أمرا يكون أو حاجة تريدها، فابدأ بالله ومجده واثني عليه كما هو أهله، وصل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسل حاجتك، وتباك ولو مثل رأس الذباب، إن أبي كان يقول: إن أقرب ما يكون العبد من الرب عز وجل وهو ساجد باك) (4). وفي البكاء من خشية الله من الخصوصيات والفضائل ما لا يوجد في غيره من أنصاف الطاعات، فهو رحمة مزجاة من الخالق العزيز لعباده تقربهم من منازل لطفه وكرمه، وتتجاوز بهم عقبات الآخرة وأهوالها.
(هامش)
(1) الفقيه 4: 265. (2) الكافي 2: 344 / 2. (3) الكافي 2: 344 / 4. (4) الكافي 2: 350 / 10. (*)
ص 42
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا أحب الله عبدا نصب في قلبه نائحة من الحزن، فإن الله لا يدخل النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن إلى الضرع) (1). وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (بكاء العيون وخشية القلوب من رحمة الله تعالى ذكره، فإذا وجدتموها فاغتنموا الدعاء، ولو أن عبدا بكى في أمة لرحم الله تعالى ذكره تلك الأمة لبكاء ذلك العبد) (2). وإذا كان البكاء يفتح القلب على الله تعالى، فإن جمود العين يعبر عن قساوة القلب التي تطرد العبد من رحمة الله ولطفه وتؤدي إلى الشقاء. وكان فيما أوصى به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام علي (عليه السلام): (يا علي، أربع خصال من الشقاء: جمود العين، وقساوة القلب، وبعد الأمل، وحب البقاء) (3). واعلم أن البكاء إلى الله سبحانه فرقا من الذنوب وصف محبوب لكنه غير مجد مع عدم الاقلاع عنها والنوبة منها. قال سيد العابدين الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): (وليس الخوف من بكى وجرت دموعه ما لم يكن له ورع يحجره عن معاصي الله، وإنما ذلك خوف كاذب) (4). وإذا تهيأت للدعاء ولم تساعدك العينان على البكاء، فاحمل نفسك على البكاء وتشبه بالباكين، متذكرا الذنوب العظام ومنازل مشهد اليوم
(هامش)
(1) عدة الداعي: 168. (2) بحار الأنوار 93: 336. (3) بحار الأنوار 93: 330 / 9. (4) عدة الداعي: 176. (*)
ص 43
العظيم، يوم تبلى السرائر، وتظهر فيه الضمائر، وتنكشف فيه العورات، عندها يحصل لك باعث الخشية وداعية البكاء الحقيقي والرقة وإخلاص القلب. وقد ورد في الحديث ما يدل على استحباب التباكي ولو بتذكر من مات من الأولاد والأقارب والأحبة، فعن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أدعو فاشتهي البكاء ولا يجيئني، وربما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرق وأبكي، فهل يجوز ذلك؟ فقال (عليه السلام): (نعم، فتذكرهم، فإذا رققت فابك، وادع ربك تبارك وتعالى) (1).
18 - العموم في الدعاء: ومن آداب الدعاء أن لا يخص الداعي نفسه بالدعاء، بل يذكر إخوانه المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، وهو من أهم آداب الدعاء، لأنه يدل على التضامن ونشر المودة والمحبة بين المؤمنين، وإزالة أسباب الضغينة والاختلاف فيما بينهم، وذلك من منازل الرحمة الإلهية، ومن أقوى الأسباب في استجابة الدعاء، فضلا عن ثوابه الجزيل للداعي والمدعو له. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا دعا أحدكم فليعم، فإنه أوجب للدعاء) (2). وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا قال الرجل: اللهم اغفر للمؤمنين
(هامش)
(1) الكافي 2: 350 / 7. (2) الكافي 2: 354 / 1. (*)
ص 44
والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم وجميع الأموات، رد الله عليه بعدد ما مضى ومن بقي من كل إنسان دعوة) (1). وقال (عليه السلام): (دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب يدر الرزق ويدفع المكروه) (2).
19 - التضرع ومد اليدين: ومن آداب الدعاء إظهار التضرع والخشوع، قال تعالى: *(واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة)*(3)، وقد ذم الله تعالى الذين لا يتضرعون إليه، قال تعالى: *(ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون)*(4). عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: *(فما استكانوا لربهم وما يتضرعون)* فقال (عليه السلام): (الاستكانة هي الخضوع، والتضرع هو رفع اليدين والتضرع بهما) (5). وعن الإمام الحسين (عليه السلام) قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرفع يديه إذ ابتهل ودعا كما يستطعم المسكين) (6). وروي أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يتضرع عند الدعاء حتى يكاد يسقط رداؤه (7).
(هامش)
(1) بحار الأنوار 93: 391 / 24. (2) الكافي 2: 368 / 2. وأمالي الصدوق: 369 / 1. (3) سورة الأعراف: 7 / 205. (4) سورة المؤمنين: 23 / 76. (5) الكافي 2: 348 / 2، 349 / 6. (6) بحار الأنوار 93: 339 / 9. (7) بحار الأنوار 93: 339 / 10. (*)
ص 45
والتضرع من أسباب استجابة الدعاء، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن الله يستحي من العبد أن يرفع إليه يديه فيردهما خائبتين) (1). والعلة في رفع اليدين هي إظهار الاستكانة والفاقة بين يديه تبارك وتعالى. وقد سأل أبو قرة الإمام الرضا (عليه السلام): ما بالكم إذا دعوتم رفعتم أيديكم إلى السماء؟ فقال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): (إن الله استعبد خلقه بضروب من العبادة.. واستعبد خلقه عند الدعاء والطلب والتضرع ببسط الأيدي ورفعهما إلى السماء لحال الاستكانة وعلامة العبودية والتذلل له) (2). ولليدين وظائف وهيئات في الدعاء تتغير حسب حال الداعي في الرغبة والرهبة والتضرع والتبتل والابتهال، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (الرغبة: تبسط يديك وتظهر باطنهما، والرهبة: بسط يديك وتظهر ظهرهما، والتضرع: تحرك السبابة اليمنى يمينا وشمالا، والتبتل: تحرك السبابة اليسرى ترفعها في السماء رسلا وتضعها، والابتهال: تبسط يديك وذراعيك إلى السماء، والابتهال حين ترى أسباب البكاء) (3). ويكره أن يرفع الداعي بصره إلى السماء، لما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)، قال: (مر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على رجل وهو رافع بصره
(هامش)
(1) بحار الأنوار 93: 365 / 11. (2) الاحتجاج: 407. (3) الكافي 2: 348 / 4. (*)
ص 46
إلى السماء يدعو، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): غض بصرك، فإنك لن تراه) (1).
20 - الأسرار بالدعاء: ويستحب أن يدعو الإنسان خفية ليبتعد عن مظاهر الرياء التي تمحق الأعمال وتجعلها هباء منثورا، قال تعالى: *(ادعوا ربكم تضرعا وخفية)*(2). قال الإمام الرضا (عليه السلام): (دعوة العبد سرا دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية). وفي رواية أخرى: (دعوة تخفيها أفضل عند الله من سبعين دعوة تظهرها) (3).
21 - التلبث بالدعاء: ومن آداب الدعاء أن لا يستعجل الداعي في الدعاء بل يدعو مترسلا، ذلك لأن العجلة تنافي حالة الاقبال والتوجه إلى الله تعالى، وما يلزم ذلك من التضرع والرقة، كما أن العجلة قد تؤدي إلى ارتباك في صورة الدعاء أو نسيان لبعض أجزائه. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن رجلا دخل المسجد فصلى ركعتين، ثم سأل الله عز وجل فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): عجل العبد ربه، وجاء آخر فصلى ركعتين ثم أثنى على الله عز وجل وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال رسول
(هامش)
(1) بحار الأنوار 93: 307 / 4. (2) سورة الأعراف: 7 / 55. (3) الكافي 2: 345 - 346 / 1. (*)
ص 47
الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سل تعط) (1). وقال (عليه السلام): (إن العبد إذا عجل فقام لحاجته، يقول الله تبارك وتعالى: أما يعلم عبدي أني أنا الله الذي أقضي الحوائج) (2). وقال (عليه السلام): (إن العبد إذا دعا لم يزل الله تبارك وتعالى في حاجته ما لم يستعجل) (3).
22 - عدم القنوط: وعلى الداعي أن لا يقنط من رحمة الله، ولا يستبطئ الإجابة فيترك الدعاء، لأن ذلك من الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء، وهو بذلك أشبه بالزارع الذي بذر بذرا فجعل يتعاهده ويرعاه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله. عن أبي بصير، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمة من الله عز وجل ما لم يستعجل فيقنط ويترك الدعاء. قلت: كيف يستعجل؟ قال (عليه السلام): يقول قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة) (4). وعليه يجب على الداعي أن يفوض أمره إلى الله، واثقا بربه، راضيا بقضائه سبحانه، وأن يحمل تأخر الإجابة على المصلحة والخيرة التي
(هامش)
(1) الكافي 2: 352 / 6. (2) الكافي 2: 344 / 2. (3) الكافي 2: 344 / 1. (4) الكافي 2: 355 / 8. (*)
ص 48
حباها إياه مولاه، وأن يبسط يد الرجاء معاودا الدعاء لما فيه من الأجر الكريم والثواب الجزيل. جاء في وصية الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لابنه الإمام الحسن (عليه السلام): (فلا يقنطك إبطاء إجابته، فإن العطية على قدر النية، وربما أخرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل، وأجزل لعطاء الآمل، وربما سألت الشيء فلا تؤتاه وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا، أو صرف عنك لما هو خير لك، فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته) (1).
23 - الالحاح بالدعاء: وعلى الداعي أن يواظب على الدعاء والمسألة في حال الإجابة وعدمها، لأن ترك الدعاء مع الإجابة من الجفاء الذي ذمه تعالى في محكم كتابه بقوله: *(وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل)*(2). وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لرجل يعظه: (لا تكن ممن... إن أصابه بلاء دعا مضطرا، وإن ناله رخاء أعرض مغترا) (3). أما في حال تأخر الإجابة فيجب معاودة الدعاء وملازمة المسألة، لفضيلة الدعاء في كونه مخ العبادة، ولأنه سلاح المؤمن الذي يقيه شر أعدائه من الشيطان وحب الدنيا وهوى النفس والنفس الأمارة، ولربما كان تأخير الإجابة لمصالح لا يعلمها إلا من يعلم السر وأخفى، فيكون
(هامش)
(1) نهج البلاغة، الكتاب (31). (2) سورة الزمر: 39 / 8. (3) نهج البلاغة، الحكمة (150). (*)
ص 49
الدعاء خيرا للعبد في الآجلة، أو يدفع عنه بلاء مقدرا لا يعلمه في العاجلة، ولعل تأخير الإجابة لمنزلته عند الله سبحانه، فهو يحب سماع صوته والاكثار من دعائه، فعليه أن لا يترك ما يحبه الله سبحانه. روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (إن المؤمن يسأل الله عز وجل حاجة فيؤخر عنه تعجيل إجابته حبا لصوته واستماع نحيبه) (1). وعليه يجب الالحاح بالدعاء في جميع الأحوال، ولما في ذلك من الرحمة والمغفرة واستجابة الدعوات. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (رحم الله عبدا طلب من الله عز وجل حاجة فألح في الدعاء، استجيب له أو لم يستجب) (2). وعن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: (والله لا يلح عبد مؤمن على الله عز وجل في حاجته إلا قضاها له) (3). وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (إن عز وجل كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة، وأحب ذلك لنفسه، إن الله عز وجل يحب أن يسأل ويطلب ما عنده) (4).
24 - التقدم في الدعاء: ومن آداب الدعاء أن يدعو العبد في الرخاء على نحو دعائه في
(هامش)
(1) الكافي 2: 354 / 1. وقرب الإسناد: 171. (2) الكافي 2: 345 / 6. (3) الكافي 2: 345 / 3. (4) الكافي 2: 345 / 4. (*)
ص 50
الشدة، لما في ذلك من الثقة بالله والانقطاع إليه، ولفضله في دفع البلاء واستجابة الدعاء عند الشدة. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (من سره أن يستجاب له في الشدة، فليكثر الدعاء في الرخاء) (1). وكان من دعاء الإمام السجاد (عليه السلام): (ولا تجعلني ممن يبطره الرخاء، ويصرعه البلاء، فلا يدعوك إلا عند حلول نازلة، ولا يذكرك إلا عند وقوع جائحة، فيضرع لك خده، وترفع بالمسألة إليك يده) (2).
25 - التختم بالعقيق والفيروزج: ويستحب في الدعاء لبس خاتم من عقيق أو من فيروزج، لقول الإمام الصادق (عليه السلام): (ما رفعت كف إلى الله عز وجل أحب إليه من كف فيها عقيق) (3). ولقوله (عليه السلام): (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قال الله عز وجل: إني لأستحي من عبد يرفع يده وفيها خاتم فيروزج فأردها خائبة) (4).
26 - الآداب المتأخرة عن الدعاء: وهناك جملة آداب متأخرة عن الدعاء، أكدت عليها النصوص الإسلامية، وفيما يلي أهمها:
(هامش)
(1) الكافي 2: 343 / 4. (2) بحار الأنوار 94: 130. (3) عدة الداعي: 129. (4) بحار الأنوار 93: 321. (*)
51
أ - أن يقول الداعي ما شاء الله لا قوة إلا بالله: يستحب أن يقال بعد الدعاء: (ما شاء الله، لا قوة إلا بالله) وفي هذه الكلمة فضل عظيم لما تنطوي عليه من إقرار العبد بالمشيئة المطلقة وانقطاعه عن جميع الأسباب وتعلقه بحول الله وقوته. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا دعا الرجل فقال بعد ما دعا: ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله عز وجل: استبسل عبدي واستسلم لأمري، اقضوا حاجته) (1). وعنه (عليه السلام): (ما من رجل دعا فختم دعاءه بقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، إلا أجيب صاحبه) (2).
ب - الصلاة على النبي وآله: قال الإمام الصادق (عليه السلام): (من كانت له إلى الله عز وجل حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآله، ثم يسأل حاجته، ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد، فإن الله عز وجل أكر من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط) (3).
ج - مسح الوجه والرأس باليدين: ومن الآداب المتأخرة عن الدعاء أن يمسح الداعي وجهه ورأسه بيديه. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار إلا
(هامش)
(1) الكافي 2: 378 / 1. (2) أمالي الصدوق: 166 / 6. (3) الكافي 2: 358 / 16. (*)
ص 52
استحيا الله عز وجل أن يردها صفرا حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتى يمسح على وجهه ورأسه) (1). وفي دعائهم (عليهم السلام): (ولم ترجع يد طالبة صفرا من عطائك، ولا خائبة من نحل هباتك) (2).
د - ويستحب أن يقول الداعي في حال استجابة دعائه: الحمد الذي بعزته تتم الصالحات (3)، وأن يصلي صلاة الشكر (4)، وإذا أبطأت عليه الإجابة فليقل: الحمد لله على كل حال، وأن لا يسأم من الدعاء (5).
(هامش)
(1) الكافي 2: 342 / 2. والفقيه 1: 213 / 953. (2) عدة الداعي: 210. (3) بحار الأنوار 93: 370 / 9. (4) بحار الأنوار 95: 451، وفيه تفصيل لصلاة الشكر وما يقال فيها من ثناء ودعاء. (5) بحار الأنوار 93: 370 / 9. (*)
ص 53
الفصل الثالث:
استجابة الدعاء


ليس ثمة لذة أعظم من لذة المؤمن وسعادته حينما يرى آثار عمله وإيمانه المترتبة في استجابة دعائه، ذلك لأنه يحس بأنه موضع لطف بارئه تعالى وعنايته، وأنه في ارتباط مباشر مع خالقه، تلك سعادة ليس فوقها سعادة: (وأنلني حسن النظر في ما شكوت، وأذقني حلاوة الصنع في ما سألت) (1). ولكي نعيش لحظات تلك البهجة ونذوق حلاوة السرور، علينا أن نتعرف على العوامل المؤثرة في استجابة الدعاء، فقد يظن البعض أن السر في استجابة الدعاء يكمن في لفظ الدعاء مجردا عن باقي العوامل الأخرى، فكثيرا ما نجد بعض الناس يتناقلن قطعا من الدعاء المأثور التي هي مظنة الإجابة أو نص على أنها تحتوي على اسم الله الأعظم، لكنهم يدعون بها فلا يستجاب لهم، ذلك لأنهم يأخذون لفظ الدعاء مجردا عن الشروط والآداب التي يجب أن تقارن الداعي فيستجاب دعاؤه. الدعاء سلاح المؤمن وجنته الواقية وسهام الليل التي يسددها كيفما
(هامش)
(1) بحار الأنوار 95: 230 / 27 من دعاء الإمام أبي الحسن الهادي (عليه السلام). (*)
ص 54
يشاء، والسلاح بضاربه لا بحده وحسب، فإذا كان الفارس قويا شجاعا ويمتلك الجرأة والإقدام وكان سلاحه تاما لا عيب فيه، استطاع النكاية في العدو، وإلا فقد تخلف الأثر، وكذلك يحصل الأثر من الدعاء، فإذا راعي الداعي الآداب والشروط التي نصت عليها الآيات القرآنية والسنة المباركة، والتزم بالعوامل المؤثرة في استجابة الدعاء، وانقطع إلى ربه تعالى متخليا عن جميع الأسباب الأخرى، غير معول في تحصيل المطلوب على غير الله تعالى، ثم دعا الله تعالى بلسان يقرأ ما في صحيفة القلب، فإن دعاءه مستجاب بإذن الله. العوامل المؤثرة في استجابة الدعاء: فيما يلي نذكر أهم العوامل ذات الصلة في تحصيل أثر الدعاء:
1 - مراعاة الشروط والآداب الخاصة بالدعاء: وقد ذكرناها في الفصل الثاني، ونذكر هنا حديثا مهما عن الإمام الصادق (عليه السلام) يفيد التذكير بها. عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: آيتان في كتاب الله لا أدري ما تأويلهما؟ فقال: (وما هما؟ قال: قلت: قوله تعالى: *(ادعوني أستجب لكم)*(1) ثم أدعو فلا أرى الإجابة! قال: فقال لي: أفترى الله تعالى أخلف وعده؟ قال: قلت: لا.
(هامش)
(1) سورة غافر: 40 / 60. (*)
ص 55
قال: فمه؟ قلت: لا أدري... فقال: لكني أخبرك إن شاء الله تعالى، أما إنكم لو أطعتموه فيما أمركم به ثم دعوتموه لأجابكم، ولكن تخالفونه وتعصونه فلا يجيبكم، ولو دعوتموه من جهة الدعاء لأجابكم. قال: قلت: وما جهة الدعاء؟ قال: إذا أديت الفريضة مجدت الله وعظمته وتمدحه بكل ما تقدر عليه، وتصلي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتجتهد في الصلاة عليه وتشهد له بتبليغ الرسالة، وتصلي على أئمة الهدي (عليهم السلام)، ثم تذكر بعد التحميد لله والثانية عليه والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أبلاك وأولاك، وتذكر نعمه عندك وعليك، وما صنع بك فتحمده وتشكره على ذلك، ثم تعترف بذنوبك ذنب ذنب وتقر بها أو بما ذكرت منها، وتجمل ما خفي عليك منها، فتتوب إلى الله من جميع معاصيك وأنت تنوي ألا تعود، وتستغفر الله منها بندامة وصدق نية وخوف ورجاء، ويكون من قولك: اللهم إني اعتذر إليك من ذنوبي، واستغفرك وأتوب إليك، فأعني على طاعتك، ووفقني لما أوجبت علي من كل ما يرضيك، فإني لم أر أحدا بلغ شيئا من طاعتك إلا بنعمتك عليه قبل طاعتك، فأنعم علي بنعمة أنال بها رضوانك والجنة ثم تسأل بعد ذلك حاجتك، فإني أرجو أن لا يخيبك إن شاء الله تعالى...) (1).
2 - فقدان موانع الإجابة: ومن الشروط المهمة التي يجب أن يراعيها الداعي، هو إزالة الحجب
(هامش)
(1) بحار الأنوار 93: 320. (*)
ص 56
والموانع التي تحول دون صعود الدعاء، كاقتراف المعاصي وأكل الحرام والظلم وعقوق الوالدين وغيرها من الذنوب التي تحبس الدعاء، ولا يتهيأ للداعي معها الاقبال على ربه، والاقبال هو الشرط الأساس في استجابة الدعاء، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (خير الدعاء ما صدر عن صدر نقي وقلب تقي) (1). وفيما يلي أهم الموانع التي تحبس الدعاء:
أ - اقتراف الذنوب والمعاصي: قال الإمام أبو جعفر (عليه السلام): (إن العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب، أو إلى وقت بطئ، فيذنب العبد ذنبا فيقول الله تبارك تعالى للملك: لا تقض حاجته واحرمه إياها، فإنه تعرض لسخطي، واستوجب الحرمان مني) (2). ومن دعاء أمير المؤمنين (عليه السلام): (اللهم إني أعوذ بك من ذنب يحبط العمل، وأعوذ بك من ذنب يعجل النقم، وأعوذ بك من ذنب يمنع الدعاء) (3). وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام): (والذنوب التي ترد الدعاء: سوء النية، وخبث السريرة، والنفاق، وترك التصدق بالإجابة، وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها، وترك التقرب إلى الله عز وجل بالبر
(هامش)
(1) الكافي 2: 340 / 2. (2) الكافي 2: 208 / 14. (3) بحار الأنوار 94: 93 / 9. (*)
ص 57
والصدقة، واستعمال البذاء والفحش في القول) (1).
ب - أكل الحرام: ورد في الحديث القدسي: (فمنك الدعاء وعلي الإجابة، فلا تحجب عني دعوة إلا دعوة آكل الحرام) (2). وروي أنه قال رجل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا رسول الله أحب أن يستجاب دعائي، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (طهر مأكلك، ولا تدخل بطنك الحرام) (3). وعن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام): (من سره أن تستجاب له دعوته، فليطب مكسبه) (4).
ج - عقوق الوالدين وقطيعة الرحم: قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): (والذنوب التي ترد الدعاء وتظلم الهواء عقوق الوالدين) (5). وعن الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: (لا تمل من الدعاء، فإنه من الله عز وجل بمكان، وعليك بالصبر وطلب الحلال وصلة الرحم) (6).
(هامش)
(1) معاني الأخبار: 271. (2) بحار الأنوار 93: 373. (3) عدة الداعي: 139. (4) الكافي 2: 353 / 9. (5) معاني الأخبار: 270. (6) الكافي 2: 354 / 1. وقرب الإسناد: 171. (*)
ص 58
3 - ترصد الأزمنة الخاصة: لا بد للداعي أن يراعي اختيار الأوقات التي هي مظنة الإجابة، فمن تأمل النصوص الإسلامية يلاحظ أن الأوقات ليست كلها سواء، فمنها ما تفتح فيها أبواب السماء ولا يحجب فيها الدعاء ومنها ما تستنزل فيها الرحمة أكثر من غيرها، وفيما يلي أهم الأوقات التي ترجى فيها الإجابة:
أ - جوف الليل: جعل الله تعالى لساعات النصف الثاني من الليل من البركة والرحمة ما لم يجعله في الساعات الأخرى من الليل والنهار، ففي هذا الوقت يستولي النوم على غالب الناس، فيتمكن أولياء الله تعالى من الاقبال عليه بالدعاء والذكر والانقطاع إليه بعيدا عن زحمة الحياة ومشاغلها، فهذا الوقت إذن هو وقت الخلوة وفراغ القلب للعبادة والدعاء، وهو يشتمل على مجاهدة النفس ومهاجرة الرقاد ومباعدة وثير المهاد والانقطاع إلى الواحد الأحد. عن نوف البكالي - في حديث - قال: رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات ليلة وقد خرج من فراشه وقال لي: (يا نوف، إن داود (عليه السلام) قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال: إنها ساعة لا يدعو فيها عبد إلا استجيب له) (1). وعن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: (كان فيما ناجى به موسى بن عمران (عليه السلام) أن قال له: يا بن عمران، كذب من زعم أنه يحبني فإذا جنه الليل نام عني، أليس كل محب يحب خلوة حبيبه؟ ها أنا يا بن عمران مطلع على أحبائي
(هامش)
(1) نهج البلاغة، الحكمة (104). (*)
ص 59
إذا جنهم الليل حولت أبصارهم في قلوبهم، ومثلت عقوبتي بين أعينهم، يخاطبوني عن المشاهدة، ويكلموني عن الحضور. يا بن عمران، هب لي من قلبك الخشوع، ومن بدنك الخضوع، ومن عينيك الدموع، وادعني في ظلم الليل، فإنك تجدني قريبا مجيبا) (1). وعن عبدة السابوري، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الناس يروون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (إن في الليل لساعة لا يدعو فيها عبد مؤمن بدعوة إلا استجيب له؟ قال: نعم. قلت: متى هي؟ قال: ما بين نصف الليل إلى الثلث الباقي. قلت: ليلة من الليالي أو كل ليلة؟ فقال: كل ليلة) (2). وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (من قام من آخر الليل فتطهر وصلى ركعتين وحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه، إما أن يعطيه الذي يسأله بعينه، وإما أن يدخر له ما هو خير له منه) (3).
ب - زوال الشمس: عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس، فإذا أراد ذلك قدم شيئا فتصدق به، وشم شيئا من طيب
(هامش)
(1) أمالي الصدوق: 292 / 1. (2) التهذيب 2: 118 / 444. وأمالي الطوسي 1: 148. (3) الكافي 3: 468 / 5. (*)
ص 60
وراح إلى المسجد، ودعا في حاجته بما شاء الله) (1). وعنه (عليه السلام) قال: (إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء، وأبواب الجنان، وقضيت الحوائج العظام، فقيل له (عليه السلام): من أي وقت؟ قال (عليه السلام): مقدار ما يصلي الرجل أربع ركعات مترسلا) (2).
ج - الوتر والسحر وما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس: روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (خير وقت دعوتم الله عز وجل فيه الأسحار، وتلا هذه الآية في قول يعقوب (عليه السلام): *(سوف أستغفر لكم ربي)*(3) قال: أخرهم إلى السحر) (4). وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): ى أجيبوا داعي الله، واطلبوا الرزق فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فإنه أسرع في طلب الرزق من الضرب في الأرض، وهي الساعة التي يقسم فيها الرزق بين عباده... توكلوا على الله عند ركعتي الفجر إذا صليتموها، ففيها تعطوا الرغائب) (5). وقال الإمام أبو جعفر (عليه السلام): (إن الله عز وجل يحب من عباده المؤمنين كل دعاء، فعليكم بالدعاء في السحر إلى طلوع الشمس، فإنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، وتقسم فيها الأرزاق، وتقضى فيها الحوائج العظام) (6).
(هامش)
(1) الكافي 2: 347 / 7. (2) عدة الداعي: 54. (3) سورة يوسف: 12 / 98. (4) الكافي 2: 346 / 6. (5) الخصال: 615. (6) الكافي 6: 347 / 9. (*)
ص 61
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (يستجاب الدعاء في أربعة مواطن: في الوتر، وبعد الفجر، وبعد الظهر، وبعد المغرب) (1).
د - قبل طلوع الشمس وقبل الغروب: عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: *(وظلالهم بالغدو والآصال)*(2)، قال: (هو الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وهي ساعة إجابة (3)). وعن فضيل بن عثمان، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: قلت له: أوصني. قال: (أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث... وإذا كان قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فعليك بالدعاء واجتهد، ولا يمنعك من شيء تطلبه من ربك، ولا تقل: هذا ما لا أعطاه، وادع فإن الله يفعل ما يشاء) (4).
ه - بعد الصلوات المكتوبة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من أذى لله مكتوبة، فله في أثرها دعوة مستجابة) (5). وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن الله تبارك وتعالى فرض الصلوات في أفضل الساعات، فعليكم بالدعاء في أدبار الصلوات) (6).
(هامش)
(1) الكافي 3: 343 / 17. والتهذيب 2: 114 / 196. (2) سورة الرعد: 13 / 15. (3) الكافي 2: 379 / 1. (4) الزهد: 19 / 42. (5) أمالي الصدوق 1: 295. (6) تفسير القمي 1: 67. (*)
ص 62
وقال (عليه السلام): (عليكم بالدعاء في أدبار الصلوات فإنه مستجاب) (1). و- ليلة الجمعة ويومها: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن يوم الجمعة سيد الأيام، يضاعف الله عز وجل فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات، ويرفع فيه الدرجات، ويستجيب فيه الدعوات) (2). وقال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (أول وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة يحافظ عليها، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يسأل الله تعالى فيها عبد خيرا إلا أعطاه) (3). وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلى أن تستوي الناس بالصفوف، وساعة أخرى من آخر النهار إلى غروب الشمس) (4).
ز - ليالي الإحياء: وتتضمن الدعوات والأوراد الخاصة في ليلة القدر، وهي غير محددة بين ليالي شهر رمضان، والأرجح أنها في ليالي الإفراد الثلاث: 19، 21، 23، وتأكدت في ليلة الجهني، وهي ليلة 23 من شهر رمضان (5). وتعتبر هذه الليلة المباركة من أكثر الليالي أهمية في استجابة الدعاء
(هامش)
(1) الخصال: 488 / 65. (2) بحار الأنوار 89: 274 / 20. (3) عدة الداعي: 47. (4) الكافي 3: 414 / 4. والتهذيب 3: 235 / 1. (5) عدة الداعي: 53. وبحار الأنوار 93: 353. (*)
ص 63
ونزول الرحمة والملائكة *(ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها)*(1) فعلى المؤمن أن يتحرى هذه الليلة ويحييها بالصلاة والدعاء، وكان الأئمة من عترة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) يهتمون بالقيام فيها وإحيائها بالعبادة والدعاء والاستغفار. ومن الليالي الأخرى التي تستحق الإحياء والعبادة والدعاء، وروي أنه تؤمل فيها الاستجابة: ليلة الفطر، وليلة الأضحى، وليلة النصف من شعبان، وأول ليلة من رجب، فقد روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه قال: (كان علي (عليه السلام) يقول: يعجبني أن يفرغ الرجل نفسه في السنة أربع ليال...) (2) وعد الليالي المتقدمة. ومن الليالي التي يستجاب فيها الدعاء، ليلة العاشر من ذي القعدة، لما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (في ذي القعدة ليلة مباركة هي ليلة عشر، ينظر الله إلى عباده المؤمنين فيها بالرحمة) (3). ومن الليالي التي تؤمل فيها الإجابة ليلة مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويومه، وليلة مبعثه الشريف ويومه، ويوم عرفة وليلة عرفة، وخاصة إذا كان بالموقف أو عند مشهد الإمام الحسين (عليه السلام) وليلة عيد الغدير ويومه، وليلة النصف من رجب (4).
ح - وهناك مواقيت روي أنها تفتح فيها أبواب السماء، وتهبط فيها
(هامش)
(1) سورة القدر: 97 / 3 - 4. (2) وسائل الشيعة 8: 109 / 9. (3) بحار الأنوار 93: 349. (4) بحار الأنوار 93: 351. (*)
ص 64
الرحمة، ولا يحجب فيها الدعاء، وهي ساعة قراءة القرآن، وأوقات الأذان، وساعة نزول المطر، وساعة التقاء الصفين، ومصرع الشهداء، وساعة دعوة المظلوم، وعند ظهور أية معجزة لله في أرضه، وعند هبوب الريح. روي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (اغتنموا الدعاء عند خمسة مواطن: عند قراءة القرآن، وعند الأذان، وعند نزول الغيث، وعند التقاء الصفين للشهادة، وعند دعوة المظلوم، فإنها ليس لها حجاب دون العرش) (1). وعنه (عليه السلام) أنه قال: (تفتح أبواب السماء عند نزول الغيث، وعند الزحف، وعند الأذان، وعند قراءة القرآن، ومع زوال الشمس، وعند طلوع الفجر) (2). وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (اطلبوا الدعاء في أربع ساعات: عند هبوب الرياح، وزوال الأفياء، ونزول القطر، وأول قطرة من دم القتيل المؤمن، فإن أبواب السماء تفتح عند هذه الأشياء) (3).
4 - اختيار الأمكنة الخاصة: إن لله تعالى بقاعا أحب أن يعبد فيها وندب إلى أداء الأعمال الصالحة فيها، ومن هنا اكتسبت أهمية وفضلا على سواها، ومن ذلك الفضل استجابة الدعاء في أروقتها، ومن بين هذه البقاع أيضا ما عمد الأئمة
(هامش)
(1) أمالي الصدوق: 97 / 7، 218 / 3. (2) الخصال: 302 / 79. (3) الكافي 2: 346 / 1. (*)
ص 65
الهداة (عليهم السلام) إلى الدعاء فيها أو حثوا أصحابهم على زيارتها والدعاء فيها، وهي بقاع الحج والزيارة المعروفة لدى جميع المسلمين.
أ - مكة المكرمة: وهي البقعة التي اختارها الله تعالى من بين بقاع الأرض لتكون محلا لبيته الحرام ومكانا لعبادته ونيل رحمته، وفيها الكعبة المكرمة قبلة المسلمين وملجأ الهاربين، بها يأمن الخائف، وفيها تنزل الرحمة، وعندها يستجاب الدعاء. روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: (ما وقف أحد بتلك الجبال إلا استجيب له، فأما المؤمنون فيستجاب لهم في آخرتهم، وأما الكفار فيستجاب لهم في دنياهم) (1). وترجى إجابة الدعاء في عدة مواضع خلال مناسك الحج، منها: عند الميزاب، وعند المقام، وعند الحجر الأسود، وبين المقام والباب، وفي جوف الكعبة، وعند بئر زمزم، وعلى الصفا والمروة، وعند الجمرات الثلاث، وفي المزدلفة، وفي عرفة، وعند المشعر الحرام (2). قال الله تعالى: *(فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام)*(3). وروي (أن من الذنوب ما لا يغفر إلا بعرفة والمشعر الحرام) (4).
(هامش)
(1) عدة الداعي: 56. (2) بحار الأنوار 93: 349 و353. (3) سورة البقرة: 2 / 198. (4) عدة الداعي: 55. (*)
ص 66
ومنها: المستجار، والملتزم، والركن اليماني. قال الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): (لما هبط آدم (عليه السلام) إلى الأرض طاف بالبيت، فلما كان عند المستجار، دنا من البيت فرفع يديه إلى السماء، فقال: يا رب اغفر لي، فنودي: أني قد غفرت لك، قال: يا رب، ولولدي، فنودي: يا آدم، من جاءني من ولدك فباء بذنبه بهذا المكان غفرت له (1)). وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن الله عز وجل وكل بالركن اليماني ملكا هجيرا يؤمن على دعائكم) (2). وقال عمار بن معاوية: إن الصادق (عليه السلام) كان إذا انتهى إلى الملتزم قال لمواليه: (أميطوا عني حتى أقر لربي بذنوبي في هذا المكان، فإن هذا مكان لم يقر عبد لربه بذنوبه، ثم استغفر الله إلا غفر الله له) (3).
ب - المساجد: المساجد عموما بيوت الله في الأرض، فمن أتاها عارفا بحقها، فإن الله تعالى أكرم من أن يخيب زائره وقاصده. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (عليكم بإتيان المساجد، فإنها بيوت الله في الأرض... فأكثروا فيها الصلاة والدعاء) (4). وأشرف المساجد مسجد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة المنورة
(هامش)
(1) تفسير العياشي 2: 241 / 12. (2) الكافي 4: 408 / 11. (3) الكافي 4: 410 / 4. (4) بحار الأنوار 83: 384 / 59. (*)
ص 67
الذي لا يضاهيه بالفضل والكرامة إلا المسجد الحرام. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فائت المنبر وسل حاجتك، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة، ومنبري على بركة من ترع الجنة..) (1). ومن المساجد التي ترجى فيها إجابة الدعاء، مسجد الكوفة الكبير، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (ما دعى فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج إلا أجابه الله، وفرج عنه كربته) (2). ومنها مسجد السهلة بالكوفة، ومما ورد في فضل التعبد فيه والدعاء ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): (ما أتاه مكروب قط فصلى فيه ما بين العشاءين ودعا الله إلا فرج الله عنه) (3). وعنه (عليه السلام): (ما صلى فيه أحد فدعا الله بنية صادقة إلا صرفه الله بقضاء حاجته) (4).
ج - مشاهد الأئمة (عليهم السلام): مشاهد الأئمة المعصومين (عليهم السلام) الموزعة بين بقيع المدينة المنورة ونجف العراق وكربلاء وسامراء ومشهد الإمام الرضا في طوس، من البقاع المقدسة التي ندب الأئمة من عترة المصطفى (عليهم السلام) إلى زيارتها والصلاة فيها قربة إلى الله وأكدوا على استجابة الدعاء فيها، والحديث عن فضلها
(هامش)
(1) الكافي 4: 353. (2) بحار الأنوار 100: 404 / 59. (3) بحار الأنوار 100: 435 / 2. (4) بحار الأنوار 100: 436 / 7. (*)
ص 68
وشرفها جميعا مما تطول به صفحات هذه الرسالة، لذا نقتصر في بيان فضل تربة الإمام الحسين الشهيد (عليه السلام) في كربلاء، الذي ضحى بنفسه وعياله وأهل بيته وأصحابه من أجل الاصلاح في أمة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وإقامة مبادئ الدين القويم على أساس الكتاب الكريم وسنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). قال الإمام أبو جعفر (عليه السلام): (إن الحسين صاحب كربلاء قتل مظلوما مكروبا عطشانا لهفان، فآلى الله على نفسه أن لا يأتيه لهفان ولا مكروب ولا مذنب ولا مغموم ولا عطشان ولا من به عاهة، ثم دعا عنده، وتقرب بالحسين بن علي (عليه السلام) إلى الله عز وجل إلا نفس كربته، وأعطاه مسألته، وغفر ذنبه، ومد في عمره، وبسط في رزقه) (1). وعن شعيب العقرقوفي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): من أتى قبر الحسين (عليه السلام)، ما له من الثواب والأجر؟ قال (عليه السلام): (يا شعيب، ما صلى عنده أحد الصلاة إلا قبلها الله منه، ولا دعا عنده أحد دعوة إلا استجيب له عاجله وآجله) (2). وقال الإمام الهادي (عليه السلام): (إن لله تعالى مواضع يحب أن يدعى فيها، وحائر الحسين (عليه السلام) منها) (3). أما المشاهد الأخرى لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) فإن واقع الحال ينبئ عن استجابة الدعاء فيها، فضلا عن الروايات والأخبار الكثيرة الواردة في
(هامش)
(1) بحار الأنوار 101: 46 / 5. (2) بحار الأنوار 101: 83 / 9. (3) كامل الزيارات: 273، الباب (90). (*)
ص 69
فضل زيارتهم (عليهم السلام) والتوسل بهم من طرق الفريقين. روى الخطيب البغدادي في تاريخه بالإسناد عن أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، قال: سمعت الحسن بن إبراهيم أبا علي الخلال يقول: ما همني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به إلا سهل الله تعالى لي ما أحب (1). وقال ابن حبان في ترجمة الإمام الرضا (عليه السلام): ما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس، فزرت قبر علي بن موسى الرضا (صلوات الله على جده وعليه) ودعوت الله بإزالتها عني إلا استجيب لي، وزالت عني تلك الشدة، وهذا شيء جربته مرارا، فوجدته كذلك، أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم أجمعين (2).
5 - اختيار الأدعية التي هي مظنة الإجابة: من المسائل المهمة التي تواجه الداعي، هي مسألة اختيار الدعاء المناسب للحال التي يريدها، والظاهر من النصوص الواردة في هذا الشأن أنه يجوز للإنسان أن يدعو بما جرى على لسانه، فهو الذي يفصح عن حاله، وعما تكنه بواطن نفسه ويعبر عن حاجاته. روي عن زيارة أنه قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) علمني دعاء، فقال (عليه السلام): (إن أفضل الدعاء ما جرى على لسانك) (3). على أن الدعاء الذي يجري على اللسان قد يكون عرضة للوهم
(هامش)
(1) تاريخ بغداد 1: 120. (2) الثقات 8: 456. (3) الكافي 1: 83 / 3. والتوحيد: 134 / 2. (*)


يتبع


رد مع اقتباس