إن الرواية لم توضح لنا ذلك!!
وإذا كان السم يؤثر إلى هذا الحد ، فلا حاجة بهم إلى إطعام الرسول ( صلى الله عليه وآله ) من الشاة ، بل يكفي أن يضعوها أمامه . . ويدخل السم إلى بدنه الشريف عن طريق التنفس .
ثامناً : إذا كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد علم بالسم ، وقرأ الدعاء ، وأمرهم بأكل ما هو مسموم ، ليظهر المعجزة ، والكرامة بذلك ، فما معنى أمره لمن معه بالاحتجام بعد ذلك ؟! . .
فهل أثّر الدعاء في حجب أثر السم أم لم يؤثر ؟ فإن كان قد أثّر ، فما الحاجة إلى الحجامة ؟! . وإن كان لم يؤثر ، فلماذا كان الدعاء ؟! وكيف أقدم على تناول سم يؤدي إلى الموت من دون تثبُّت من تأثير الدعاء في منع تأثيرالسم ؟! . .
تاسعاً : إن بعض تلك الروايات تقول : إنه بعد أن أكل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ما شاء الله ، كلمته الذراع ، وقالت : إني مسمومة . . فلماذا أخرت الذراع كلامها إلى حين أكل النبي ( صلى الله عليه وآله ) منها ما شاء الله ؟! .
ولماذا لم يمت النبي ( صلى الله عليه وآله ) من ذلك السم من ساعته ، إذا كان ذلك السم مؤثراً ؟! . . بل تأخر أثره إلى ثلاث سنوات ؟! . . ولماذا إن لم يكن مؤثراً ، وجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ألم أكلة خيبر ، ثم انقطعت مطاياه ، أو انقطع أبهره ؟! . .
هل سم المسلمون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟! . .
وبعدما تقدم نقول : إن أصابع الاتهام لا تتوجه في هذا الأمر إلى اليهود وحسب ، فإن هناك روايات تلمِّح ، وأخرى تصرح بأنه ( صلى الله عليه وآله ) قد مات مسموماً بفعل بعض نسائه . .
فمن الروايات التي ربما يقال : إنها تلمح إلى ذلك ، الرواية المتقدمة عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : أن الإمام الحسن بن علي ( عليهما السلام ) قال لأهل بيته : إني أموت بالسم ، كما مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . . ثم ذكر لهم : أن زوجته هي التي تسممه . .
فربما يقال : إنه ( عليه السلام ) يريد الإشارة إلى هذا الأمر بالذات ، وإلا فقد كان يكفيه أن يقول : إن امرأتي تقتلني بالسم . . ولكنه لم يفعل ذلك ، بل شبه ما يجري له بما جرى لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . . فكما أن زوجتيه ( صلى الله عليه وآله ) قد سمتاه ، فإن زوجة الإمام الحسن ( عليه السلام ) سوف تدس له السم أيضاً . .
وعهدة هذا الفهم للرواية بهذه الطريقة تبقى على مدّعيه . .
أما الروايات التي تصرح بذلك ، فهي :
1 ـ ما روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، في تفسير قوله تعالى : ï´؟ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىظ° أَعْقَابِكُمْ ... ï´¾ 1.
حيث قال ( عليه السلام ) : « أتدرون ، مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أو قتل ؟! إنهما سقتاه قبل الموت » . .
2 ـ وروي أيضاً عن عبد الصمد بن بشير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : « أتدرون مات النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو قتل ؟! . . إن الله يقول : ï´؟ ... أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىظ° أَعْقَابِكُمْ ... ï´¾ 1. فسم قبل الموت ، إنهما سمتاه » ، أو سقتاه (33) . .
3 ـ وروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : في حديث الحسين بن علوان الديلمي ، أنه حينما أخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) إحدى نسائه ، لمن يكون الأمر من بعده ، أفشت ذلك إلى صاحبتها ، فأفشت تلك ذلك إلى أبيها ، فاجتمعوا على أن يسقياه سماً ، فأخبره الله بفعلهما . فهمَّ ( صلى الله عليه وآله ) بقتلهما ، فحلفا له : أنهما لم يفعلا ، فنزل قوله تعالى : ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ... ï´¾ (34) (35) .
أي ذلك هو الصحيح ؟!
ونحن ، رغم أننا قد ذكرنا بعض الإشكالات على الطائفتين المتقدمتين أولاً ، من روايات السنة والشيعة حول سم اليهود له ( صلى الله عليه وآله ) . . فإننا لا نريد أن نتسرع في إصدار الحكم النهائي على أي من الطوائف الثلاث من الروايات . .
وذلك لأننا نجد في الطائفة الثانية روايات معتبرة ، لا ترد عليها الإشكالات في مضمونها ، إذا أخذت بمفردها ، وهي أيضاً تتوافق مع بعض روايات أهل السنة في أصل المسألة ، ولأجل ذلك ، نقول : إن النظرة المنصفة لهذه الطوائف الثلاث تدعونا إلى أن نقول :
إنه ربما يظهر من مجموع ما ذكرناه : أن المحاولات التي بذلها اليهود لقتله ( صلى الله عليه وآله ) قد تعددت ، ولعل بعضها قد حصل في خيبر ، وبعضها حصل بالمدينة . .
ولعل التي سمته في خيبر هي زينب بنت الحارث اليهودية ، والتي سمته في المدينة هي تلك اليهودية التي يقال لها : عبدة . .
وربما تكون الذراع قد كلمت النبي ( صلى الله عليه وآله ) مرتين : إحداهما في خيبر ، والأخرى في المدينة .
ولعله أهديت له ( صلى الله عليه وآله ) ذراع تارة ، وأهديت له ( صلى الله عليه وآله ) شاة أخرى . .
ثم لعل الذي مات في إحداهما هو مبشر بن البراء ، وأما أخوه بشر بن البراء فمات في حادثة أخرى . .
وربما يكون بشر قد مات في إحداهما ، ولم يمت أحد من المسلمين في المحاولة الأخرى . .
ويمكن أن يقال أيضاً : إن المحاولة التي جرت في المدينة ربما تكون قد جرت بالتواطؤ مع بعض نسائه . . وربما تكون محاولة بعض نسائه قد جاءت منفصلة عن قصة اليهودية واليهود . .
وربما تكون محاولة بعض نسائه قد فشلت مرة ، وذلك في قضية إفشاء سره ( صلى الله عليه وآله ) في موضوع سورة التحريم ، إذ إن الرواية تقول : إن الله قد أخبره بذلك ، ثم نجحت في المحاولة الثانية ، واستشهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بفعل السم الذي دسسنه له . . وإنما فضح الله أمرهن في المرة الأولى ليعرف الناس : أنهن قد يقدمن على هذا الأمر الشنيع ، حتى إذا فعلن ذلك بعد ذلك ، وذلك حين وفاته ( صلى الله عليه وآله ) ، فتصديق الناس بهذا الأمر يصبح أسهل وأيسر . . كما أن تعريف الناس بحقيقة أولئك النسوة يحصِّن الناس من الاغترار بهن ، من حيث كونهن زوجات له ( صلى الله عليه وآله ) . .
نعم . . إن ذلك كله . . وسواه محتمل في تلك الروايات . .
ونحن وإن لم نستطع الجزم بأي من تلك الوجوه . . ولكن لا شك في أنها لا تكون متعارضة فيما بينها ، لأنها إنما تكون متعارضة متنافرة ، لو فرض أنها كلها تحكي عن قضية واحدة دون سواها . .
ولكن هذا أعني أن تكون القضية واحدة مما لا سبيل إلى إثباته أبداً . .
وإن تعدد محاولات اغتياله مما دلت عليه النصوص الكثيرة ، وسياق كثير من تلك الروايات التي ذكرناها يؤيد هذا الأمر . .
وتبقى حقيقة واحدة لا مجال لإنكارها من أحد أيضاً . .
وهي أنه في ظل هذا الذي ذكرناه ، لا بد أن تسقط كل الآراء التي تسعى لتبرئة هذا الفريق أو ذاك . . وتبقى الشبهة القوية تحوم حول كل الذين ذُكرت أسماؤهم في الروايات في الطوائف الثلاث المتقدمة . لاسيما مع وجود نصوص صحيحة السند عند الشيعة والسنة . . بل إنه حتى أولئك الذين كانوا من المعروفين . فإن التاريخ قد أثبت لنا كيف شنوا حرباً ضارية ضد علي ( عليه السلام ) وقد قتل فيها 7 ألوف من المسلمين ، ولو استطاعوا قتله لقتلوه ، مع أنه وصي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخوه . .
بل إنه حتى بالنسبة إلى النصوص التي لم توفق لسند صحيح ، فإنه لا يمكن دفع احتمالات صحتها ، بل هي تبقى قائمة في ظل الظروف التي أحاطت برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من أول بعثته ، وإلى حين وفاته .
خصوصاً وأن الجهر بالحقيقة كان يساوق المجازفة بالحياة وبالأخص بالنسبة لبعض الشخصيات التي كانت تحتل مكانة خاصة في قلوب بعض الفئات ، التي كانت هي الحاكمة عبر أحقاب التاريخ . .
ولتفصيل هذا الأمر ، محل ومجال آخر..
والحمد لله رب العالمين (36)
---------------------
المصادر :
• 1. a. b. c. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 144، الصفحة: 68.
• 2. راجع : شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص64 وما روته العامة من مناقب أهل البيت ^ للشراوني ص61 و62 والدرجات الرفيعة ص42 .
• 3. راجع كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) ج8 ص40 ـ 50 .
• 4. راجع : السيرة الحلبية ج3 ص143 ط دار التراث ـ بيروت ، وأسد الغابة ج1 ص468 ودلائل النبوة للبيهقي ج5 ص260 ـ 262 والمغازي للواقدي ج3 ص1042 ـ 1045 وإمتاع الأسماع ص477 ومجمع البيان ج3 ص46 وإرشاد القلوب للديلمي ص330 ـ 333 والمحلى ج11 ص225 .
• 5. طبقات ابن سعد ج2 ص201 وسبل الهدى والرشاد ج12 ص303 ودلائل النبوة للبيهقي ج7 ص172 والمستدرك على الصحيحين ج3 ص58 وصححه على شرط الشيخين ، هو والذهبي في تلخيص المستدرك ( مطبوع بهامشه ) ، وراجع فيض القدير للمناوي ج5 ص448 وطبقات ابن سعد ج2 قسم2 ص7 ط دار التحرير بالقاهرة سنة 1388 هـ .
• 6. مناقب آل أبي طالب ج3 ص25 والبحار ج44 ص153 .
• 7. المستدرك على الصحيحين ج3 ص59 وتلخيص المستدرك للذهبي بهامشه .
• 8. البحار ج22 ص514 وتهذيب الأحكام ج6 ص1 .
• 9. المقنعة ص456 .
• 10. منتهى المطلب ج2 ص887 .
• 11. المستدرك على الصحيحين ج3 ص58 ، وتلخيص المستدرك للذهبي ، وصححاه على شرط الشيخين ، وذكر نحوه عن تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص169 وراجع : تاريخ الخميس 2/53 وكنز العمال ج11 ص466 وراجع ص467 ومجمع البيان ج9 ص121 و122 وفيه : ما أزال أجد ألم الطعام . .
وفي نص آخر : ما زالت أكلة خيبر تعاودني كل عام . .
وراجع البحار ج21 ص6 و7 والمحلى ج11 ص25 و27 والمصنف للصنعاني ج11 ص29 وراجع : سبل الهدى والرشاد ج1 ص434 والبداية والنهاية ج3 ص400 والكامل لابن عدي ج3 ص402 وطبقات ابن سعد ج2 قسم2 ص32 ط دار التحرير بالقاهرة سنة 1388 هـ والسيرة النبوية لابن هشام المجلد الثاني ص338 سلسلة تراث الإسلام .
• 12. المغازي للذهبي ص362 وسنن الدارمي ج1 ص33 .
• 13. المغازي للذهبي ، وعن صحيح البخاري ج5 ص179 والمحلى ج11 ص26 وصحيح مسلم ج7 ص14 و15 كتاب السلام .
• 14. السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص337 تراث الإسلام ، وتاريخ الخميس ج2 ص52 .
• 15. راجع فيما تقدم : السيرة الحلبية ج3 ص55 و56 وراجع تاريخ الخميس ج2 ص52 والمحلى ج11 ص26 و27 وطبقات ابن سعد ج2 قسم2 ص7 ط دار التحرير والمغازي للواقدي ج2 ص678 .
• 16. سنن الدارمي ج1 ص33 .
• 17. السيرة الحلبية ج3 ص45 وراجع : سنن أبي داود ج4 ص174 وطبقات ابن سعد ج2 قسم2 ص7 ط دار التحرير والمغازي للواقدي ج2 ص677 و678 وتاريخ الخميس ج2 ص52 عن الاكتفاء .
• 18. a. b. السيرة الحلبية ج3 ص56 .
• 19. وهو عرق مستبطن الصلب ، [والظاهر : أنه هو ما يعرف بالنخاع الشوكي] والأبهران يخرجان من القلب ، ثم يتشعب منهما سائر الشرايين ـ أقرب الموارد ج1 ص64 . .
الجامع الصغير عن ابن السني ، وأبي نعيم في الطب ، وفيض القدير للمناوي ج5 ص448 ط دار المعرفة .
• 20. a. b. تاريخ الخميس ج2 ص52 .
• 21. فتح الباري ج10 ص208 .
• 22. طبقات ابن سعد ج2 قسم2 ص6 و7 ط دار التحرير بالقاهرة سنة 1388هـ .
• 23. راجع : مغازي الواقدي ج2 ص679 .
• 24. راجع : السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص347 والكامل في التاريخ ج2 ص217 وراجع : تاريخ الخميس ج2 ص50 .
• 25. راجع : المغازي للذهبي ص437 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص263 وإمتاع الأسماع ج1 ص316 .
• 26. راجع : البحار ج17 ص318/320 و396 والتفسير المنسوب للإمام العسكري ص177 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص128 .
• 27. البحار ج17 ص408 وراجع ص406 عن الخرائج والجرائح . وراجع : الخرائج والجرائح ج1 ص27 والخصائص الكبرى ج2 ص63 ـ 65 .
• 28. راجع : الأمالي للصدوق ص135 والبحار ج17 ص395 و396 عنه . ومناقب آل أبي طالب ج1 ص128 .
• 29. البحار ج17 ص406 وج22 ص516 وبصائر الدرجات ص503 .
• 30. بصائر الدرجات ص503 والبحار ج22 ص516 وج17 ص405 وإثبات الهداة ج1 ص604 .
• 31. a. b. راجع : أسد الغابة ج1 ص174 والإصابة ج1 ص144 و145 والاستيعاب بهامشها ج1 ص136 .
• 32. راجع : قاموس الرجال ج5 ص135 ـ 137 وغيره من كتب التراجم .
• 33. راجع : البحار ج28 ص20 وج22 ص516 وتفسير العياشي ج1 ص200 وتفسير البرهان ج1 ص320 وتفسير الصافي ج1 ص359 و389 ونور الثقلين ج1 ص33 .
• 34. القران الكريم: سورة التحريم (66)، الآية: 7، الصفحة: 560.
• 35. البحار ج22 ص246 عن الصراط المستقيم .
• 36. مختصر مفيد . . ( أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، « المجموعة الخامسة » ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1424 ـ 2003 ، السؤال (270) .