عرض مشاركة واحدة
قديم 2019/02/04, 10:59 PM   #6
الشيخ عباس محمد

موالي بلاتيني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3773
تاريخ التسجيل: 2015/04/07
المشاركات: 1,723
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً
المستوى : الشيخ عباس محمد is on a distinguished road




عرض البوم صور الشيخ عباس محمد
افتراضي

الدرس السادس: مسؤولية الدولة في الاقتصاد الاسلامي

تتحمل الدولة في المذهب الاقتصادي الاسلامي مسؤولية أساسية لحماية مصالح الأمة وتحقيق العدالة الاجتماعية التي يدعو إليها من خلال التدخل والإشراف استناداً الى القاعدة الشرعية في قوله تعالى: ï´؟... أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأَمرِ مِنْكُمْï´¾1.

ولقد شهدت السيرة النبوية الشريفة ألواناً من التدخل كما في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وآله من أنه قضى بين أهل المدينة في مشارب النخل إنه لا يمنع نفع شي‏ء. وقضى بين أهل البادية إنه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء. مع أن منع النفع ليس محرماً بصورة عامة في الشريعة المقدسة فيعلم أن المنع كان منه بصفته ولياً للأمر بشهادة التعبير ب( قضى) أي حكم.

وتدخل الدولة، وإن كان واحداً من مسؤولياتها إلاّ أننا سنركز على أمرين أساسيَيْن اخرين نظراً لإرتباط تدخل الدولة بولاية الأمر التي سيأتي توضيحها. وهذان الأمران هما: الضمان الاجتماعي والتوازن الاجتماعي.


--------------------------------------------------------------------------------
35

--------------------------------------------------------------------------------


أولاً: الضمان الاجتماعي

لا شك أن من مسؤوليات ومهام أية دولة ضمان معيشة أفراد المجتمع بصورة كافية من خلال وسيلتين رئيسيتين هما: إتاحة فرص العمل ووسائله اللازمة للناس، والتقديمات التي تكمل وتسد حاجاتهم:

ويعتمد مبدأ الضمان الاجتماعي في الاسلام على أساسين:

1- التكافل العام الذي يفرض على المسلمين كفالة بعضهم البعض، وهو واجب شرعي كسائر الواجبات الشرعية الأخرى التي يحرم مخالفتها ويكون للدولة الاسلامية حق إلزام المسلمين وحملهم على القيام بها بمقتضى الصلاحيات المخولة لها.

وقد جاء عن الامام الصادق عليه السلام: "أيما مؤمن منع مؤمناً شيئاً مما يحتاج إليه وهو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره، أقامه الله يوم القيامة مسوداً وجهه، مزرقة عيناه، مغلولة يداه الى عنقه، فيقال: هذا الخائن الذي خان الله ورسوله ثم يؤمر به الى النار".

ويفهم من الحديث الشريف أن المقصود بالحاجة أي الحاجة الشديدة كالطعام والشراب واللباس.

2- الحق العام في ثروة الدولة والذي يفرض عليها إعالة المحتاجين وكفايتهم.

فقد جاء في كتاب الامام علي عليه السلام إلى واليه على مصر: "ثم الله الله في الطبقة السفلى في الذين لا حيله لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤس والزمني فإن في هذه الطبقة قانعاً ومعتراً، واحفظ الله ما استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسماً من بيت مالك" إلى أن يقول عليه السلام: "وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه".

وتشكل قطاعات الدولة بمواردها العامة وملكياتها مضافاً الى فريضتي الخمس والزكاة المصدر الأساسي لهذا الإنفاق. وقد أفتى بعض الفقهاء كالشيخ الحر العاملي قدس سره بشمول ضمان الدولة لغير المسلمين الذين يعيشون في كنف الدولة الإسلامية.

وقد حدد القران الكريم وظيفة الفي‏ء ودوره الاقتصادي في المجتمع في قوله تعالى في سورة الحشر: ï´؟وَمَّا أفَاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ على مَنْ يَشاءُ واللَّهُ على كُلِّ شَي‏ءٍ قَدِيرٌ مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وَلِلْرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى واليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وابنِ السَّبيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ


--------------------------------------------------------------------------------
36

--------------------------------------------------------------------------------


دولةَ بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْï´¾2. حيث تحدد ذيل الاية الكريمة الهدف من توزيع الفي‏ء وحق المجتمع فيه.


ثانياً: التوازن الاجتماعي

يرتبط التوازن الاجتماعي بقضية حساسة وحيوية هي قضية الأمن الاجتماعي في الدولة والقاضي بمكافحة الفوارق والتناقضات الاجتماعية الفادحة التي تقود المجتمع نحو الصراعات والانقسام.

وينطلق الاسلام في علاجه لهذه المسألة من حقيقتين هما:

1- الحقيقة التكوينية القائلة بأن الأفراد يتفاوتون في خصائصهم النفسية والفكرية والجسدية بقطع النظر عن الظروف المحيطة بهم من معوقات ومحفزات.

2- الحقيقة التشريعية التي تؤكد على أن العمل أساس التملك. وهاتان الحقيقتان تنتجان بالضرورة تفاوتاً بين الأفراد في الثروة.

ومن هنا، فإن التوازن الاجتماعي لا يعني توازناً بين أفراد المجتمع في مستوى الدخل وامتلاك الثروة، بل المطلوب التوازن في مستوى المعيشة الذي يقضي على التناقضات الفادحة التي نراها في المجتمعات الرأسمالية.

فمضافاً الى الضوابط الأخلاقية والشرعية في الانفاق كتحريم الاسراف والندب الى أعمال الخير والبر. يقوم ولي الأمر بتوجيه المال بالوجهة التي تحقق هذا التوازن في معيشة الناس كما جاء في حديث الامام الكاظم عليه السلام في أموال الزكاة "إن الوالي يأخذ المال فيوجهه الوجه الذي وجهه الله له على ثمانية أسهم، على الفقراء والمساكين ويقسمها بينهم بقدر ما يستغنون في سنتهم بلا ضيق ولا تقية. فإن فضل من ذلك شي‏ء رُدَّ الى الوالي. وإن نقص من ذلك شي‏ء ولم يكتفوا به، كان علي الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعته حتى يستغنوا".

وتعتمد الدولة لتحقيق هذا والتوازن على وسائل ثلاث:

1- الضرائب الثابتة في التشريع وهي الخمس والزكاة بأصنافها فيرتفع بالفقير الى


--------------------------------------------------------------------------------
37

--------------------------------------------------------------------------------


مستوى المعيشة في عصره كما عند سائر الناس وبما يتناسب مع الحجم العام للثروة ومستوى الرقي والرفاهية المتعارفة.

2- إيجاد القطاعات الانتاجية والخدماتية العامة التي تؤمن انفاقاً وتقديمات مناسبة.

3- التشريعات الاسلامية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية التي تساهم في إيجاد التوازن وحمايته. فمثلاً: تحريم الاكتناز للنقود وإلغاء الفائدة والاستثمارات الرأسمالية للثروات الطبيعية يقضي على الاحتكار والاخلال بالتوازن الاجتماعي، وأحكام الإرث تمنع تكديس الثروة وتعيد توزيعها على الأقرباء وبالتالي على الشرائح الاجتماعية المختلفة وهكذا...

ويبقى لتدخل الدولة وإشرافها على سائر الشؤون الحياتية أثر فاعل في تحقيق التوازن الاجتماعي وحمايته من الاختلال.


--------------------------------------------------------------------------------
38

--------------------------------------------------------------------------------




أسئلة حول الدرس

1- الضمان الاجتماعي من مسؤوليات الحكومة الاسلامية، ما هي الأسس التي يعتمد عليها هذا المبدأ؟
2- اشرح أهمية التوازن الاجتماعي والحقائق التي ينطلق منها الاسلام في معالجته لهذه المسألة؟
3- تحدث عن الوسائل التي تعتمدها الحكومة الاسلامية في تحقيق التوازن الاجتماعي؟



للمطالعة

عن حماد بن عيسى: إن الامام موسى بن جعفر عليه السلام قال وهو يتحدث عن نصيب اليتامى والمساكين وابن السبيل من الخمس: "إن الوالي يقسم بينهم على الكتاب والسنة، ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شي‏ء، فهو للوالي، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم، كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به".

وكتب ابن قدامة يقول: قال الميموني: "ذاكرت أبا عبد الله فقلت: قد تكون للرجل الإبل والغنم تجب فيها الزكاة وهو فقير وتكون له أربعون شاة وتكون له الضيعة لا تكفيه فيعطي من الصدقة؟ قال: نعم، وذكر قول عمر أعطوهم وإن راحت عليهم من الإبل كذا وكذا". وقال: في رواية محمد بن الحكم إذا كان له عقار يشغله أو ضيعة تساوي عشرة الاف أو أقل أو أكثر لا تقيمه يأخذ من الزكاة، وهذا قول الشافعي.

وقد فسر ابن قدامة ذلك بقوله: "لأن الحاجة هي الفقر والغنى ضدها فمن كان محتاجاً فهو فقير يدخل في عموم لنص ومن استغنى دخل في عموم النصوص المحرمة".

فهذه النصوص تأمر بإعطاء الزكاة وما إليها، إلى أن يلحق الفرد بالناس، أو الى أن يصبح غنياً، أو لإشباع حاجاته الأولية والثانوية من طعام وشراب وكسوة وزواج وصدقة وحج، على اختلاف التعابير التي وردت فيها، وكلها تستهدف غرضاً واحداً، وهو تعميم الغنى بمفهومه الاسلامي، وايجاد التوازن الاجتماعي في مستوى المعيشة.

(اقتصادنا 674-675)



هوامش

1- النساء:59.
2- الحشر:7.


رد مع اقتباس