عرض مشاركة واحدة
قديم 2015/05/24, 10:36 PM   #1
معلومات إضافية
رقم العضوية : 3431
تاريخ التسجيل: 2014/10/05
المشاركات: 2,923
عابر سبيل غير متواجد حالياً
المستوى : عابر سبيل is on a distinguished road




عرض البوم صور عابر سبيل
افتراضي معيار الخير والشر في الحياة

إنَّ الخير والشرَّ عنوانان يحكمان حركة الحياة كلّها، وقد كانا منذ انطلق الإنسان في وجوده في هذا الكون. ولعلّ أوّل صراع بين الخير والشّرّ، هو الصّراع بين الإنسان المتمثّل بآدم، والمخلوق من الجنّ المتمثّل بإبليس. وكان آدم(ع) يمثّل صورة الخير في معاني الطيبة والطهارة والبراءة والثّقة بالآخر، بحيث لم يكن يفكّر، ولو للحظة، في أنّ هناك من يكذب أو يغشّ أو يخون، ولذلك، نراه استسلم لأسلوب إبليس الَّذي استعمل القسم لتأكيد صدقه وإخلاصه في نصيحته.

أمّا إبليس، فهو يمثّل عنصر الشرّ منذ رفض السّجود لآدم(ع)، على أساس الاستكبار والحسد، ثم امتدّ بعد ذلك عندما أخرجه الله من الجنّة ومن رحمته، لينفّس عن عقدة الشر الكامنة في شخصيته. ولم يزل الأنبياء(ع) ينطلقون في ربط الإنسان بالخير وإبعاده عن الشّرّ، لأنَّ الخير يؤصّل إنسانيّة الإنسان، ويقربه من الله، وينفتح به على مستقبل السعادة، بينما الشّرّ على العكس من ذلك، يشوّه الإنسان، ويسقط إنسانيّته، ويبعده عن الله، ويسير به في خطّ الشّقاء في الدّنيا والآخرة.

معيار الخير والشرّ

هنا، نحاول أن نبحث في مفردات هذين العنوانين الكبيرين، لنعرف ما هو معيار الشّرّ، وما هو معيار الخير. أمّا الشّرّ، فربما يتصوّره البعض أنّه مسألة تتّصل بالإحساس والألم، وبالجانب السّطحيّ من حركته في الحياة، فهو كلّ شيء لا ينسجم مع مزاجه أو مع شهوته أو مع أحلامه، أو كلّ شيء يثير فيه الألم أو الحزن الطّارئ.

وفي هذا الجوّ، ربما يتصوّر هؤلاء، بهذا المنطق الّذي لا يغوص إلى عمق حقيقة الخير والشّرّ وطبيعتهما، أنَّ الشّرّ هو من خلال ما يعيشونه في شعورهم، أو حتى في مصالحهم الآنيّةِ البداياتِ فحسب، فيعتبرون كلّ شيء يبدأ بداية مزعجة مؤلمة محزنة، شراً، من دون التحديق في النهايات. ولكي نحدّد المعيار فيما هو خير وما هو شر، لا بدّ من الرجوع إلى القرآن والأحاديث الشريفة التي عالجت مفهومي الخير والشر.

كيف نحكم على الأمور؟!

عالج القرآن الكريم هذه المسألة من خلال تأكيده أنّ الشر لا ينطلق من حالة الإحساس والشعور، وإنما ينطلق من طبيعة العناصر الموجودة في الشيء، أو في العمل، أو في الواقع، من خلال ما يختزنه من مصلحة لحياة الإنسان أو مفسدة لها، فربما يعيش الإنسان الألم والانزعاج من شيء، ولكنه في العمق يكون مصلحة له، والعكس قد يكون صحيحاً، فربما يعيش الإنسان الفرح والسرور من شيء، ويكون في العمق مفسدة له، ألا نقرأ قول الشاعر:

تريدين إدراك المعالي رخيصة ولا بدَّ دون الشّهد من إبر النّحل

أو قول الشاعر:

إنّ الحياة لشوك بينه زهـرٌ فحطّم الشّوك حتى تبلغ الزهـرا

فتحطيم الشّوك يسبّب جراحات كثيرة، وقول الله سبحانه وتعالى أصدق من كلّ قول، حيث يقول تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[1]، فهذه الآية توحي للإنسان بأن قضيّة الخير والشّرّ لا تخضع لعاطفتي الحب والكراهية الطّارئتين، لأنهما قد تنطلقان من خلال الإحساس الإيجابي أو السلبي بالشّيء، وربما تكره شيئاً لأنه يؤلمك في البداية، أو تحبّ شيئاً لأنّه يسرّك في البداية، ولكنك لو تعمّقت في هذا الشيء، ورأيت العناصر التي يختزنها، لرأيت أنّ ما آلمك هو في عناصره الإيجابية الخيّرة، مصلحة لك، لأنّ النهايات كانت نهايات سعيدة، وأن ما سرّك لا يحمل في عناصره مصلحة لك، لأن نهاياته كانت سيّئة. ألا تلاحظ أنك لو أكلت شيئاً حلواً، وكانت حلاوته تختزن السمّ في داخله، فأنت قد تستسيغه بلسانك، ولكنه عندما يتفاعل مع أجهزة بدنك، فقد يحمل لك الألم أو الموت؟!

ولذلك، يريد الله سبحانه وتعالى أن يقول لنا: لا تبادروا إلى الحكم بالخير على كل شيء تحبّونه من خلال بداياته، ولكن تعمّقوا، فلعلّ هذه البدايات تتحرك نحو نهايات سيّئة، ولا تحكموا بالشّرّ من خلال كراهتكم لهذا الشّيء، لأنَّ هذه البدايات قد تحمل نتائج طيّبة في ذلك، فلا تستعجلوا الحكم على الشّيء في السّطح، ولكن انفذوا إلى العمق، وأدركوا ما يختزنه من العناصر الإيجابيّة والسلبيّة، وانفتحوا على النهايات، فلعلّها تختلف عن البدايات، والأشياء، كما هو معلوم، بعواقبها.

ولقد جاء شخص إلى رسول الله(ص) فقال له: أوصني يا رسول الله، فقال له: "هل أنت مستوصٍ إن أنا أوصيتك؟"، قال: بلى، وكرّر عليه القول ثلاث مراات، والشابّ يجيب بالإيجاب، فقال(ص): "فإنّي أوصيتك إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يك رشداً فأمضه، وإن يك غيّاً فانتهِ عنه"[2]. أي انظر إلى عاقبة الأمر الذي أنت مقدم عليه، وفي ضوء دراسة هذه العاقبة، اعمل أو اترك، وانظر دائماً إلى العواقب، ولا تنظر إلى البدايات.


من كتابات .....

العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (رحمه الله)




ludhv hgodv ,hgav td hgpdhm



رد مع اقتباس