عرض مشاركة واحدة
قديم 2019/06/25, 10:56 PM   #5
الشيخ عباس محمد

موالي بلاتيني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3773
تاريخ التسجيل: 2015/04/07
المشاركات: 1,723
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً
المستوى : الشيخ عباس محمد is on a distinguished road




عرض البوم صور الشيخ عباس محمد
افتراضي

أحاديث وجوب طلب العلم

عندما يصل المدافعون عن سياسة تغييب السنة الى أحاديث وجوب طلب العلم وبذله ، وأحاديث وجوب أن يبلغ الشاهد الغائب ، وأحاديث ثواب التحديث وحفظ الأحاديث..الخ. يحاولون العبور عنها وتجاهلها ، أو الإلتفاف عليها كما التفُّوا على أحاديث الأمر بكتابة السنة ، ويقولون إنها تقصد التبليغ الشفهي دون المكتوب ، وتقصد الحفظ في الصدر بدون الكتابة !
لكن هل يستطيع عاقل أن يقنع نفسه بأن النبي’أكد على أمته فقال: إحفظوا أحاديثي وحدثوا بها ، لكن يحرم عليكم أن تكتبوها ! وبلغوها الى الأجيال لكن تبليغاً شفهياً فقط ، لا كتبياً ؟!

ونحن نورد فينا يلي نماذج لأربعة أنواع من الأحاديث في مصادرهم ، كلها تأمر بالتحديث وتدوين الحديث ، أو تستلزم ذلك بالضرورة ، وهي:
أحاديث وجوب طلب العلم وتعليمه .
وأحاديث وجوب التبليغ والتحديث
وأحاديث النهي عن كتمان العلم
وأحاديث من حفظ على أمتي أربعين حديثاً .
أما أحاديث وجوب طلب العلم ، وفيها أحاديث صحيحة متفق عليها ، وهي بمجموعها متواترة في مصادر الشيعة والسنة . فإذا كان طلب العلم فريضة ، وعلم الدين إنما هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله’، فهو يستلزم بالضرورة أنه يجب على الصحابة بذل العلم وأن يحدثوا بما سمعوه من النبي’كما يستلزم جواز كتابة الحديث أو وجوبها، لأنه لايمكن لأكثر المسلمين أن يحفظوا الحديث من إلقائه مرة أو مرتين ، بل ولا خمس مرات !
فهل سقطت هذه الفريضة بمجرد وفاة النبي’أم أراد عمر أن يحصر مصدر العلم به شخصياً ، وبأحاديث أهل الكتاب التي أجازها وشجعها ؟!
روى البخاري في صحيحه:1/28: (باب فضل من علَّمَ وعَلِم...عن النبي(ص) قال: مَثَلُ ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا . وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعانٌ لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعَلِمَ وعَلَّم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ) .

وفي ابن ماجة:1/81: (قال رسول الله(ص): طلب العلم فريضة على كل مسلم).
(قال فإني سمعت رسول الله(ص)يقول: من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً الى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب . إن العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) .

وقد عقد أبو داود:2/175باباً باسم (باب الحث على طلب العلم) أورد فيه روايات . وكذلك الترمذي:4/137 باسم (باب فضل طلب العلم)، وأوسع منه في مستدرك الحاكم: 1/89 و: 3/511 ومسند أحمد:4/240، والدارمي:1/95 والبيهقي:1/282 والهيثمي:1/124 و 131 و191 و 201 وكنز العمال:10/130 الى 261 و:12/85 و:13/ 426 و:15/840 و:16/127 ... وغيرها .
كما عقد الترمذي:4/138 باباً بإسم (باب ما جاء في الإستيصاء بمن يطلب العلم). جاء فيه عن أبي هارون قال: (كنا نأتي أبا سعيد فيقول مرحباً بوصية رسول الله إن النبي(ص)قال: إن الناس لكم تبعٌ وإن رجالاً يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين ، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيراً .
عن أبي سعيد الخدري عن النبي(ص)قال: يأتيكم رجال من قبل المشرق يتعلمون فإذا جاؤوكم فاستوصوا بهم خيراً . قال: فكان أبوسعيد إذا رآنا قال مرحباً بوصية رسول الله(ص). انتهى .

والسؤال هنا: كيف نفَّذ أبو بكر وعمر هذه الوصية ! وأي صدمة كان يواجهها طالب العلم عندما كان يأتي الى مدينة النبي’ومركز أصحابه ، فلا يجد شخصاً يعلمه أو يحدثه عن رسول الله’؟! لأن أبا بكر وعمر منعا التحديث عن النبي’تحت طائلة العقوبة والسوط والسجن !!


الأسئلة

1 ـ هل ألغى أبو بكر وعمر فريضة طلب العلم في مدة سلطتهما ؟ فإن كان الجواب بالإيجاب فهو البدعة مقابل القرآن والسنة ! وإن كان بالنفي فكيف يجب طلب العلم ويحرم التحديث عن النبي’؟!

2 ـ استطاع عمر أن يتخلص من مطلب الصحابة في تدوين السنة النبوية ، وأن يمنع كتابتها في المدينة المنورة وبقية ولايات الدولة الإسلامية ، وأن يمنع مجرد التحديث عن النبي’منعاً باتاً ، حتى أنه حبس بعض الصحابة بهذا الجرم ! وضرب بعض الصحابة الكبار مثل أبي بن كعب ! فهل وجدتم اعتراضاً من أحد من الصحابة على تعطيل عمر لفريضة طلب العلم ؟!
وإذا لم يعترض الصحابة على تعطيل فريضة لخوفهم من عمر ، فمعناه أن عمر كان بإمكانه أن يوقف أي فريضة مشابهة ، والصحابة أمامه مشلولون لا يملكون إلا الصمت !! فقد روى عمر بن شبة في تاريخ المدينة:2/681 ، قال: ( بينما عمر يمشي وخلفه عدة من أصحاب رسول الله وغيرهم ، بدا له فالتفت ، فما بقي منهم أحدٌ إلا سقط إلى الأرض على ركبتيه ) !!

ألا يستوجب ذلك إعادة النظر في أعمال عمر التي سكت عليها الصحابة طيلة خلافته ! وكل ما ادعيتم أنه إجماع الصحابة لسكوتهم عن فعل عمر ؟!







 

آيات وأحاديث النهي عن كتمان العلم

قال الله تعالى: أم تَقُولُونَ إِنَّ إبراهيم وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أعلم أم اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ . (سورة البقرة:140)
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ . إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وأنا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . (سورة البقرة:159 ـ 160)
وروى البخاري:1/38 ونحوه في:3/74 (عن أبي هريرة قال: إن الناس يقولون أكثر أبوهريرة ، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثاً ، ثم يتلو: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى..الى قوله الرحيم . إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم ، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله(ص)بشبع بطنه ، ويحضر ما لا يحضرون ، ويحفظ ما لايحفظون ) .

وروى في:1/48: (قال ابن شهاب: كان عروة يحدث عن حمران ، فلما توضأ عثمان قال: ألا أحدثكم حديثاً، لولا آية ما حدثتكموه: سمعت النبي (ص) يقول: لا يتوضأ رجل يحسن وضوءه ويصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة حتى يصليها . قال عروة الآية: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا...). (ونحوه في مسلم:1/142 و:7/167 وابن ماجه:1/97 وأحمد:2/240 و247 والحاكم:2/271 والسيوطي في الدر المنثور:1/163)

وقال السيوطي في:2/162: (وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله: الذين يبخلون.. الآية.. قال: هؤلاء يهود يبخلون بما آتاهم الله من الرزق ، ويكتمون ما آتاهم الله من الكتب إذا سئلوا عن الشئ !
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كان علماء بني إسرائيل يبخلون بما عندهم من العلم ، وينهون العلماء أن يعلموا الناس شيئاً ، فعيَّرهم الله بذلك ، فأنزل الله: الذين يبخلون .. الآية !!
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير: الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل قال: هذا في العلم ، ليس للدنيا منه شئ) !

وعقد الترمذي:4/138، باباً باسم (باب ما جاء في كتمان العلم) وروى فيه (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(ص): من سئل عن علم ثم كتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار . ثم قال: وفي الباب عن جابر، وعبد الله بن عمر . قال أبو عيسى (أي الترمذي) :هذا حديث حسن ) .

وفي سنن ابن ماجة:1/97:(عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(ص): من كتم علماً مما ينفع الله به في أمر الناس وأمر الدين ، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من النار ) .انتهى .

وروى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة:20/267، عن علي×: ليس كل ذي عين يبصر ، ولا كل ذي أذن يسمع ، فتصدقوا على أولي العقول الزَّمِنَة والألباب الحائرة ، بالعلوم التي هي أفضل صدقاتكم . ثم تلا: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَابَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ.

~ ~

 
الأسئلة

1 ـ إذا لم يكن نهي عمرأمراً بالكتمان، فهل هو أمر ببذل العلم والحديث ؟!

وإذا لم يكن امتناع قرظة وأمثاله عن التحديث كتماناً ، فما هو الكتمان الذي تنهى عنه الآيات والأحاديث؟!
أليس من الكتمان امتناع أكثر الصحابة من التحديث عن النبي’رغم إلحاح المسلمين عليهم ، خاصة المسلمين الجدد الذين لم يروا نبيهم’، وكانوا في شغف لأن يسمعوا أحاديثه ، ويتعرفوا على أخباره؟!
قال الحاكم في المستدرك:1/102: (فلما قدم قرظة قالوا حدثنا ، قال: نهانا ابن الخطاب ! هذا حديث صحيح الإسناد له طرق تجمع ويذاكر بها ) . انتهى.
وفي مصنف عبد الرزاق:3/584: (أتى رجل أبا الدرداء فسأله عن آية فلم يخبره فولى الرجل وهو يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى..!!).

2 ـ هل تقدمون نهي أبي بكر وعمر عن التحديث وأمرهما بالكتمان ، على نهي الله تعالى ورسوله’عن الكتمان ، وأمرهما ببذل العلم ؟!
وماذا تقولون في فتاوي أئمتكم كالجصاص والآمدي والمناوي وغيرهم: ففي الأحكام للآمدي:2/59:(ومنها قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى.. الآية. ووجه الحجة بها أن الله تعالى توعد على كتمان الهدى، وذلك يدل على إيجاب إظهار الهدى، وما يسمعه الواحد من النبي(ص) فهو من الهدى فيجب عليه إظهاره ) .

وفي أحكام القرآن للجصاص:1/122: (ولذلك قال أبو هريرة: لولا آية في كتاب الله عز وجل ما حدثتكم ، ثم تلا: الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى، فأخبر أن الحديث عن رسول الله(ص)من البينات والهدى الذي أنزله الله تعالى ... وقد روى حجاج ، عن عطاء ، عن أبي هريرة ، عن النبي(ص) قال: من كتم علماً يعلمه ، جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار .
فإن قيل: روي عن ابن عباس أن الآية نزلت في شأن اليهود حين كتموا ما في كتبهم من صفة رسول الله(ص)؟
قيل له: نزول الآية على سبب غير مانع من اعتبار عمومها في سائر ما انتظمته ، لأن الحكم عندنا للفظ لا للسبب ، إلا أن تقوم الدلالة عندنا على وجوب الإقتصار به على سببه ) .

وفي فيض القدير للمناوي:4/707:(وقد تظافرت النصوص القرآنية على ذم كاتم العلم: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَايَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إلا النَّارَ وَلايُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلايُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وإذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ ! فوصف المغضوب عليهم بأنهم يكتمون العلم ، تارةً بخلاً به ، وتارة اعتياضاً عن إظهاره بالدنيا ، وتارة خوفاً أن يُحتجَّ عليهم بما أظهروه منه ! وهذا قد يبتلى به طوائف من المنتسبين للعلم ، فإنهم تارةً يكتمونه بخلاً به ، وتارة كراهة أن ينال غيرهم من الفضل والتقدم والوجاهة ما نالوه ، وتارة اعتياضاً برئاسة أو مال فيخاف من إظهاره انتقاص رتبته ، وتارة يكون قد خالف غيره في مسألة أو اعتزى إلى طائفة قد خولفت في مسألة ، فيكتم من العلم مافيه حجة لمخالفه، وإن لم يتيقن أن مخالفه مبطل! وذلك كله مذمومٌ ، وفاعله مطرودٌ من منازل الأبرار ومقامات الأخيار، مستوجب للَّعنة في هذه الدار ودار القرار).انتهى.
فهل ينطبق ذلك على أبي بكر وعمر ومن أطاعهما في كتمان السنة ؟!
3 ـ احتج علينا المخالفون بأنا نقول بإمامة علي والأئمة من ذريته^استناداً الى نص النبي’فقالوا أين النص؟ وأجبناهم بالأحاديث الصحيحة المتواترة التي رواها رواتهم ودونتها صحاحهم رغم تغييب السنة ، كحديث الغدير ، وحديث الثقلين ، وحديث المنزلة ، وعشرات غيرها !
ولنا أن نجيبهم أيضاً ، بأن سياسة أبي بكر وعمر في تغييب السنة وتعطيلها، تُسقط حجتكم علينا ومطالبتكم بالأحاديث من مصادركم ، لأن أئمتكم تعمدوا تغييبها ، وعاقبوا رواتها بالضرب والسجن !
وبهذا يظهر بطلان قول ابن تيمية في منهاج سنته:7/48: (لكن أهل العلم يعلمون بالإضطرار أن النبي(ص)لم يبلغ شيئاً من إمامة علي ، ولهم على هذا طرق كثيرة يثبتون بها هذا العلم، منها: أن هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فلو كان له أصل لنقل كما نقل أمثاله من حديثه ، لاسيما مع كثرة ما ينقل من فضائل علي من الكذب الذي لا أصل له ، فكيف لاينقل الحق الصدق الذي قد بلغ للناس؟! ولأن النبي(ص)أمر أمته بتبليغ ما سمعوا منه ، فلا يجوز عليهم كتمان ما أمرهم الله بتبليغه ). انتهى.
لأنا نقول له: نعم إن النبي’بلَّغ الأمة ولاية علي×في عشرات الأحاديث والخطب في مناسبات عديدة ، وأمر الحاضرين بتبليغ ما سمعوا منه ، لكن مخالفي علي×ألزموا المسلمين بعدم كتابة الحديث ، وحرموا عليهم حتى قول (قال رسول الله’) ! فالكتمان وقع منهما لامن النبي’!
ولذا ورد عن الإمام العسكري×في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أنزل اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قليلاً أُولَئِكَ مَايَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إلا النَّارَ وَلايُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلايُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. (البقرة:174) قال: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَاأَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ ، المشتمل على ذكر فضل محمد’على جميع النبيين ، وفضل علي×على جميع الوصيين، وَيَشْتَرُونَ بِهِـ بالكتمان ـ ثَمَناً قليلاً، يكتمونه ليأخذوا عليه عرضاً من الدنيا يسيراً ، وينالوا به في الدنيا عند جهال عباد الله رياسة . قال الله تعالى:أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ـ يوم القيامة ـ إِلا النَّارَ ، بدلاً من إصابتهم اليسير من الدنيا لكتمانهم الحق . وَلايُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بكلام خير ، بل يكلمهم بأن يلعنهم ويخزيهم ويقول بئس العباد أنتم! غيَّرتم ترتيبي وأخرتم من قدمته ، وقدمتم من أخرته ، وواليتم من عاديته ، وعاديتم من واليته ). انتهى.

ويظهر منه أن الكتمان المذموم في الآية شامل لكتمان اليهود ، ولكتمان قريش لصفات النبي وآله ، وكتمان فضائلهم صلوات الله عليهم . فما رأيكم؟!

4 ـ نعيد آية الكتمان لنعرف حكم اللعن فيها ، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَابَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُون )َ. فمن هم الذين يشملهم هذا اللعن ، وهل لعنهم واجبٌ، أو مستحب ؟!







 


أحاديث وجوب التبليغ والتحديث عن رسول الله’
ماذا يصنع المدافعون عن تغييب السنة بهذه المجموعة من الأحاديث المتواترة التي تنص على أنه’كان يوصي دائماً بأن يبلغ الحاضر الغائب؟!
فقد عقد البخاري:1/34 باباً باسم ( باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب ) وأورد فيه ما يدل على وجوب تبليغ أحاديث النبي’. وكذا في:2/191 ، وفيها: (قال: اللهم اشهد ، فليبلغ الشاهد الغائب ، فرب مبلغ أوعى من سامع ) ونحوه في:5/94 و127 . وفي:6/236: ( ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه) . ثم قال البخاري: ( وكان محمد إذا ذكره قال: صدق النبي(ص) ، ثم قال: ألا هل بلغت ألا هل بلغت ؟). وكرره في:8/186 وفي:8/91: ( فإنه رب مبلغ يبلغه من هو أوعى له). وفي ص115: ( ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه) .
ونحوه في صحيح مسلم:5/108 ، وابن ماجه:1/85 و86 ، والترمذي:2/152 ، وعقد الأخير في: 4/141 ، باباً باسم (باب في الحث على تبليغ السماع) روى فيه عن زيد بن ثابت (سمعت رسول الله(ص) يقول: نَضَّرَ الله أمراً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره فرب حامل فقه الى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه . ثم قال الترمذي: وفي الباب عن عبدالله بن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وجبير بن مطعم ، وأبي الدرداء ، وأنس . وروى نحوه عن عبد الله بن مسعود . ثم قال: هذا حديث حسن صحيح ).
وكذا في مستدرك الحاكم:3/174 ، وسنن البيهقي:5/140 و:6/92 وفيه: ( ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، مرتين ، فرب مبلغ هو أوعى من سامع). ونحوه في:8/20و:9/212 وسنن النسائي:5/206 ، ومسند أحمد:1/83 و437 و:4/31 ، وكذا في:5/37 و39 و183.
وفي ص4 من مسند أحمد:5/: (ألا إن ربي داعيَّ ، وإنه سائلي هل بلغت عبادي ، وأنا قائل له رب قد بلغتهم ، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب).
وفي ص41 منه:(فلعل الغائب أن يكون أوعى له من الشاهد ). وفي ص45 منه: (ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، مرتين ) .
وفي ص73 منه: (ثم قال ليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ أسعد من سامع . قال حميد قال الحسن حين بلغ هذه الكلمة: قد والله بلغوا أقواماً كانوا أسعد به ) .

وفي366 منه: (فليبلغ الشاهد الغائب . ولولا عزمة رسول الله(ص)ما حدثتكم) .

وفي:6/456 ( فمن حضر مجلسي وسمع قولى فليبلغ الشاهد منكم الغائب ) .

وفي مجمع الزوائد:1/139:(وعن عبادة بن الصامت أن رسول الله(ص)كان يقول إني محدثكم الحديث فليحدث الحاضر منكم الغائب.رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون . وفيه:(فرفع يديه(ص)الى السماء فقال: اللهم اشهد . ثم قال يا أيها الناس ليبلغ الشاهد منكم الغائب. (وقال الراوي): فادنوا نبلغكم كما قال لنا رسول الله . رواه البزار ورجاله موثقون ) .

وفي كنز العمال:10/224: ( إني أحدثكم الحديث فليحدث الحاضر منكم الغائب. طب ـ عن عبادة بن الصامت ) .

وفي ص229: إني أحدثكم بحديث فليحدث الحاضر منكم الغائب- الديلمي عن عبادة بن الصامت . نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها عني فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه الى من هو أفقه منه - حم ، ه‍ ، ص ـ عن أنس، الخطيب عن أبي هريرة ، طبـ عن عمير بن قتادة الليثي ، طس عن سعد ، الرافعي في تاريخه عن ابن عمر ). انتهى. وقد أورد تحت الأرقام التي بعده نحو ثلاثين حديثاً بألفاظ ما تقدم ، أو مضمونها ، أو مايشهد لها .
~ ~

الأسئلة

1 ـ هذه أحاديث نبوية صحيحة ومتواترة ، تؤكد فريضة شرعية في أعناق الصحابة: أن يبلغوا ما سمعوه من رسول الله’؟!
فما قولكم بمن يستدركُ على رسول الله’ويقول: أيها المسلمون قال رسول الله ليبلغ الشاهد منكم الغائب، ولكني أنهاكم عن ذلك وأعاقبكم عليه، فلا تحدثوا عن رسول الله’بشئ ، وأنا شريككم في الإثم ! فإن لم يكن هذا استدراكاً على النبي’، فما هو الإستدراك الذي يعتبر رداً على النبي’؟!


2 ـ عاش الصحابة خوفاً شديداً من عمر ، لنهيه إياهم عن كتابة الحديث والتحديث ، وأزمة تأنيب ضمير لتركهم فريضة فرضها عليهم النبي’!
ونلاحظ ذلك حتى عند الصحابة والرواة الذين حدثوا الناس بعد وفاة عمر بسنين طويلة ، كما في قول أبي هريرة الذي تقدم من البخاري: (ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثاً ، ثم يتلو: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ...) وفي قول البخاري عن شيخه محمد بن سلام: (وكان محمد إذا ذكره قال: صدق النبي(ص)، ثم قال: ألا هل بلغت ، ألا هل بلغت ؟ وما تقدم من مجمع الزوائد: ( ولولا عزمة رسول الله(ص) ما حدثتكم... فادنوا نبلغكم كما قال لنا رسول الله(ص) !
فما قولكم في هذا الإرهاب العمري الذي صار ديناً ، أو خوفاً مستمراً ؟!



 

أحاديث: من حفظ على أمتي أربعين حديثاً

اهتم عدد من علماء المسلمين السنة والشيعة بتأليف كتاب يحتوي على أربعين حديثاً ، في موضوع واحد ، أو مواضيع متعددة ، لقول النبي’: (من حفظ من أمتي أربعين حديثاً ينتفعون به بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً). وقد أوردت معاجم المؤلفات أسماء العديد منها:
من ذلك: الأربعون حديثاً لمحمد بن المقري المتوفى381 (معجم المؤلفين: 8/210) ، والأربعون حديثاً لابن أبي الصيف المتوفى 609، عن أربعين شيخاً في أربعين بلداً (الأعلام:6/36) ، والأربعون حديثاً الطائية لأبي الفتوح الطائي المتوفى سنة 555 عن أربعين شيخاً (الأعلام:7/24)، والأربعون حديثاً في العبادات، لابن أبي زيد الأندلسي (الأعلام:8/240) والأربعون البلدانية لابن عساكر ، والأربعون في الجهاد للمقري ، والأربعون العشارية للعراقي ، وهي مطبوعة .
ومن أشهرها عند الشيعة الأربعون حديثاً للبهائي من الشيعة ، والأربعون حديثاً للنووي من السنة .
وقد أورد الطهراني&في المجلد الأول من الذريعة نحو ثمانين كتاباً لمؤلفين شيعة باسم:الأربعون حديثاً، وقال في ص1/409: (قد تحققت السنة الأكيدة البالغة إلينا بالطرق الصحيحة عن سيد الرسل’بقوله: من حفظ على أمتي أربعين حديثاً..إلخ. قال شيخنا الشهيد سنة 786 في أول أربعينه: إن حديث حفظ الأربعين هو المشهور في النقل الصحيح عنه’.

كما عقد العلامة المجلسي في أول مجلدات البحار باباً لمن حفظ أربعين حديثاً ، أورد فيه ما وصل إليه من رواياته عن كتب كثيرة بأسانيد متعددة ومتون متقاربة ، وقال في آخر الباب: هذا المضمون مشهور مستفيض بين الخاصة والعامة بل قيل إنه متواتر). انتهى. (ورواه في الكافي:1/49 ، ونحوه في عيون أخبار الرضا×: 1/28و41 ، والخصال ص541 ، و542، والأمالي ص382 ، وثواب الأعمال ص134، وغيرها) .
ونسبه العلامة الى النبي’بلا ترديد في تحرير الأحكام:1/40فقال: قال’:من حفظ من أمتي أربعين حديثاً ينتفعون به ، بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً ).

ورواه في كنز العمال:10/158 بألفاظ متقاربة وطرق متعددة ، منها: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من سنتي أدخلته يوم القيامة في شفاعتيـ ابن النجارـ عن أبي سعيد.
من حمل من أمتي أربعين حديثاً بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً ـ عن أنس .
وفي ص164:( من تعلم أربعين حديثاً ابتغاء وجه الله تعالى ليعلم به أمتي في حلالهم وحرامهم ، حشره الله يوم القيامة عالماً ـ أبونعيم ـ عن علي.

وفي ص224:(من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها ، بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً ـ عد في العلل ـ عن ابن عباس عن معاذ ، حب في الضعفاء ـ عن ابن عباس ، ابن سعد وابن عساكر من طرق عن أبي هريرة ، ابن الجوزي عن أنس .

من حفظ على أمتي أربعين حديثاً فيما ينفعهم من أمر دينهم ، بُعث يوم القيامة من العلماء، وفضل على العالم على العابدسبعين درجة، الله أعلم بمابين كل درجتينـ ع، عد ، هب ـ عن أبي هريرة . انتهى . ونحوه الأحاديث التي بعده الى رقم 29192 .

ومن طريف ما رواه في كنز العمال:10/232:(من كتب عني أربعين حديثاً رجاء أن يغفر الله له ، غفر له وأعطاه ثواب الشهداء . ابن الجوزي في العلل ، عن ابن عمرو .

لكن مع تصحيح علماء الشيعة لهذا الحديث ، وكثرة طرقه عند السنيين ، وعمل الجميع به ، وتأليفهم الكتب الأربعينية ، فلا عبرة بتضعيفهم له !!


~ ~

الأسئلة

1 ـ ما رأيكم في أسانيد حديث (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً..) ، ولماذا لا تأخذون بسنده الصحيح من طرق أهل البيت^؟

2 ـ من الواضح أن هدف النبي’أن تصل أحاديثه وما أوحاه الله اليه الى أوسع نطاق من الأمة والعالم ، وأن يحفظ الصحابة والرواة هذه الأحاديث ويعلموها للناس ، بمختلف الوسائل المناسبة المتجددة في كل عصر .
فلماذا لاتعترفون بأن عمر نقض هذا الغرض النبوي في إصراره على تغييب السنة ومنع تدوينها ، وحتى التحديث بها ، ومعاقبته على ذلك ؟!








متى تم الإفراج عن تدوين السنة وبأي شروط؟!

استطاع عمر بن الخطاب أن يمنع الأمة من كتابة حديث نبيها’! واستبدلها بإسرائيليات تميم الداري التي كان يلقيها في المسجد النبوي يومين أسبوعياً !! ثم زاده عثمان يوماً آخر ، فصارت مجالس تميم ثلاثة أيام .
ثم أضاف اليه كعب الأحبار وأعطاه يومين في الأسبوع !
ولك أن تقدر حالة أهل البيت^والصحابة الأبرار ، الذين حرَّم عليهم عمر باسم مصلحة الإسلام أن يقولوا: قال رسول الله’!!
وحالة الجمهور المتعطش لمعرفة سيرة نبيه ومعجزاته وأحاديثه’!
وهذا التعطش يفسر لنا الخروقات لقانون عمر ، التي لم يستطع السيطرة عليها !
وقد استمر منع التحديث وكتابة الحديث بعد عمر في خلافة عثمان ، لكنه كان متسامحاً غالباً في خرق المنع ، فكثرت في زمنه الخروقات !
ومع أن عصر خلافة علي×الذي دام أكثر من خمس سنوات ، كَسَرَ منع عمر وفتح الباب على مصراعيه للتحديث عن النبي’وكتابة حديثه.. لكن ما أن استشهد الإمام×وسيطر معاوية حتى أعاد سياسة المنع العمرية ! فكان معاوية يقول: ( عليكم من الحديث بما كان في عهد عمر ، فإنه كان قد أخاف الناس في الحديث عن رسول الله (ص). (تذكرة الحفاظ للذهبي:1/5)

وعادت سياسة المنع ، وغالى فيها المتعصبون لعمر ، ورووا الأحاديث التي تنهى عن كتابة التحديث، وكان بعضهم ينظر الى كتابة الأحاديث على أنها إثم! لكن ذلك لم يمنع انتشار التحديث الشفهي خاصة أن السلطةكانت بحاجة اليه !

وهكذا استمر منع التدوين أكثر من قرن من الزمان ، حتى دعا عمر بن عبد العزيز الأموي ، في مطلع القرن الثاني علماء السلطة الى كتابته ، وعمل شخصياً على كسر حرمة الكتابة !
( قال أبو قلابة: خرج علينا عمر بن عبد العزيز لصلاة الظهر ومعه قرطاس، ثم خرج علينا لصلاة العصر وهو معه فقلت له: يا أمير المؤمنين ما هذا الكتاب ؟ قال: حديث حدثني به عون بن عبد الله ، فأعجبني فكتبته). (الدارمي:1/130) .
لكن مع ذلك ، تأخرت استجابتهم لدعوته فترة زمنية طويلة !

قال الدارمي:1/126:(عن عبد الله بن دينار قال كتب عمر بن عبد العزيز الى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن أكتب الى بما ثبت عندك من الحديث عن رسول الله (ص) ، وبحديث عمر ، فإني قد خشيت درس العلم وذهابه ) .

وفي طبقات ابن سعد:8/480: (أخبرنا يزيد بن هارون ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبد الله بن دينار قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن محمد بن حزم أن: أنظر ما كان من حديث رسول الله(ص)، أو سنة ماضية ، أو حديث عمرة (خادمة عائشة) فاكتبه ، فإني خشيت دروس العلم وذهاب أهله ).

وفي تنوير الحوالك للسيوطي ص4: (وأخرج الهروي في ذم الكلام من طريق يحيى بن عبدالله بن دينار ، قال: لم يكن الصحابة ولا التابعون يكتبون الحديث إنما كانوا يؤدونها لفظاً ويأخذونها حفظاً ، إلا كتب الصدقات والشئ اليسير الذي يقف عليه الباحث بعد الإستقصاء ، حتى خيف عليه الدروس وأسرع في العلماء الموت ، فأمر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أبا بكر الحزمي فيما كتب إليه: أن انظر ما كان من سنة ، أو حديث عمر ، فاكتبه ).


شروط عمر بن عبد العزيز لتدوين السنة !

الشرط الأول: أن يقوم بالمشروع أمويون دون سواهم ! فالخليفة الأموي هو صاحب المشروع ، وقد طلب أن يُرسل اليه كل ما يدون ! لكنه مات قبل أن يرسل اليه ابن حزم وغيره ما جمعوه .
والمكلف بالمشروع ابن حزم الأنصاري النسب ، الأموي الهوى ، وهو والي بني أمية على المدينة ، ثم قاضيهم فيها ! الذي كان يلبس خاتماً ذهبياً بارزاً ، وكان راتبه ثلاث مئة دينار، وهو مبلغ كبير في ذلك العصر. قال الذهبي في سيره:5/313: (أبو بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم ... أمير المدينة ، ثم قاضي المدينة ... قال أبوالغصن المدني: رأيت في يد أبي بكر بن حزم خاتم ذهب فصُّهُ ياقوتة حمراء! قلت: لعله ما بلغه التحريم ! ويجوز أن يكون فعله وتاب! وقيل: كان رزقه في الشهر ثلاث مئة دينار... وقيل: مات في سنة سبع عشرة). انتهى .

ومع الوالي والقاضي ابن حزم: ابن شهاب الزهري ، من علماء البلاط الأموي ، أخذ علم الحديث من سالم ونافع عبدي عمر ، وكان يرى أن أحاديث أبي بكر وعمر وعثمان سنة كسنة رسول الله ’! ففي طبقات ابن سعد:2/388: (وأخبرت عن عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر أخبرني صالح بن كيسان قال: اجتمعت أنا والزهري ونحن نطلب العلم فقلنا نكتب السنن، قال وكتبنا ما جاء عن النبي(ص).
قال ثم قال: نكتب ما جاء عن الصحابة فإنه سنة ! قال قلت: إنه ليس بسنة فلا نكتبه ، قال فكتب ولم أكتب ، فأنجح وضيعت...!!
وأخبرت عن عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري قال: كنا نكره كتاب العلم ، حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء ...!
وأخبرت عن عبد الرزاق قال: سمعت معمراً قال: كنا نرى أنا قد أكثرنا عن الزهري حتى قتل الوليد ، فإذا الدفاتر قد حملت على الدواب من خزائنه ، يقول من علم الزهري ! ) . انتهى.

فسبب تَحَسُّر ابن كيسان أن زميله الزهري ( أنجَحَ ) بكتابة سنة الخلفاء ، وفاز بجائزة الدولة ، ومنها ألوف الوليد بن عبد الملك بن مروان التي قبضها الزهري ثمناً لدفاتره ! أما هو فلم (يُنجح) لأنه اقتصر على سنة النبي’!

والشرط الثاني: أن تدون أحاديث أبي بكر وعمر وعثمان وسنتهم ، وأحاديث عائشة الى جانب أحاديث النبي’أما أحاديث أبي هريرة فقد كتب لهم الخليفة: ( إلا حديث أبي هريرة ، فإنه عندنا ) ! (الطبقات: 7/447)
وقد تقدم ذلك في كلام صالح بن كيسان ، وفي مرسوم الخليفة لابن حزم: (أنظر ما كان من حديث رسول الله ، أو سنة ماضية ، أو حديث عمرة ، فاكتبه) ، فسنة أبي بكر وعمر وعثمان سنة ماضية شرعية ، يجب أن تدون مع سنة النبي ’ومعها حديث عائشة ، لأن أحاديث عمرة هي أحاديث عائشة !
قال الذهبي في من له رواية في كتب الستة:2/514: (عمرة بنت عبد الرحمن ... من فقهاء التابعين ، أخذت عن عائشة وكانت في حجرها . ماتت 106 ).
وقال ابن سعد في الطبقات:2/387: أن عمر بن عبد العزيز قال: (ما بقي أحد أعلم بحديث عائشة منها ، يعني عمرة ، قال: وكان عمر يسألها ).
وفي طبقات المحدثين بأصبهان:2/190: عن (عبد الله بن دينار قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة: أنظر ما كان من حديث عمرة عن رسول الله (ص) فاكتبه ، فإني أخشى ذهاب العلماء ودروس العلم). انتهى.

وقد مات الخليفة الأموي ، ومات ابن حزم والزهري ، قبل نشر ما جمعوه، (فتوفي عمر وقد كتب ابن حزم كتباً قبل أن يبعث بها إليه).( تنوير الحوالك4 ) ، وتأخر ظهور المسانيد نصف قرن آخر !

وقد ورث العباسيون خلافة بني أمية ، وورثوا منها هذا المشروع وعدَّلوا في شروطه ، وكلف المنصور العباسي مالك بن أنس أن يكت كتاباً سهلاً موطأً ليفرضه على الناس ويحملهم عليه ، فألف له ( الموطأ ) ونشره الخليفة ، وألزم به المسلمين! ولكن الخط الأموي عاد وغلب في زمن المتوكل العباسي فألفوا الصحاح الستة وغلبت الموطأ ، لأنها أقرب منه الى خط عمر ومعاوية !


الأسئلة

1 ـ إذا كان عمل عمر في منع كتابة السنة غير شرعي، فلماذا تدافعون عنه؟ وإذا كان شرعياً فلماذا خالفتموه وكتبتم ؟!


2 ـ ألا ترون أن تأخير كتابة السنة النبوية قرناً أو قرنين من الزمان ، قد كلف السنة الشريفة خسارات أساسية كبيرة ؟!

ـ فلو أن عمر سمح للصحابة أن يدونوا السنة ، لوصلت إلينا بأسانيد عالية بواسطة واحدة ، بينما صارت الآن بوسائط عديدة ! والفرق كبير بين الحديث المنقول بواسطة راو واحد ، أو عن بضعة رواة ، على مدى قرن أو قرنين ؟!
ـ ولكان كذب الرواة على رسول الله’قليلاً ، بينما هو اليوم كثير كثير !

ـ ولكانت رقابة الصحابة وتذكيرهم لبعضهم عاملاً مهماً في ضبط السنة ، بينما كتبت السنة برضا الحكام بلا رقابة على المؤلفين !
ـ ولوصلت الينا أحاديث المعارضة لحكم أبي بكر وعمر وعثمان ، بينما لا نجد منها اليوم إلا لقليل !
ـ ولظهرت مكانة العترة النبوية الذين أمر النبي’الأمة أن تتمسك بالقرآن وبهم ، ولنقدوا أحاديث النبي’وبينوا الصحيح منها والمكذوب !

فهل تعترفون بأن عمر يتحمل مسؤولية ذلك جميعاً ؟!

3 ـ ما هو أقدم كتاب في الحديث عندكم ؟وهل كَتَبَ البخاري صحيحه نقلاً من كتب لمؤلفين قبله ، أو من أفواه الرواة ؟!

4 ـ يمتاز شيعة أهل البيت^بأنهم لم يطبقوا تحريم عمر ، وواصلوا التحديث وكتابة الحديث عن النبي’والأئمة من العترة الطاهرة^.
ومن جهة أخرى ، فإن حضور الأئمة من العترة النبوية^الذي هو امتدادٌ لوجود النبي’بحكم عصمتهم وعلمهم^قد استمر ثلاثة قرون وكان الرواة يتلقون منهم الحديث النبوي ويكتبونه مباشرة ، وكان الراوي الذي عنده كتاب يسمى(صاحب أصل)، ثم جاء مؤلفوا الموسوعات كالكليني والصدوق ومن بعدهم فألفوا موسوعاتهم من تلك الأصول المكتوبة ، ووثقوها بالسماع المباشر . ألاترون أن ذلك يمثل ميزةً كبرى للأحاديث المروية في مصادرنا ، وأنها أدقُّ في نقل معاني الأحاديث النبوية وألفاظها ، وأصحُّ من مصادركم التي اعتمدت محفوظات راوٍ عن راوٍ عن راوٍ ، لمدة قرنين من الزمان ؟!
وقد أخبرني السيد مرتضى الرضوي أن الكاتب المصري الدكتور حفني داود كان يقول له: ألاحظ أن أحاديثكم مروية بألفاظ النبي’وأهل البيت^، بينما أحاديثنا مروية بالمعنى ! فما رأيكم بذلك ؟!

5 ـ لماذا لم يكلف الخليفة الأموي غير ابن حزم والزهري بكتابة السنة ، وأين هو عن بقية علماء الإسلام، وأين هو عن الإمامين محمد الباقر وجعفر الصادق ‘، وهو يعرفهما جيداً ، وقد طبقت شهرتهما في عصره الآفاق ؟!


6 ـ كيف تثقون بالزهري وابن حزم ، وهما موظفان عند بني أمية ، وهذه أخبار ترفهما وتقربهما الى السطة في مصادر الجرح والتعديل ؟!

7 ـ هل أن سنة أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة برأيكم ، سنةٌ شرعية تعبَّدنا الله تعالى بها كسنة النبي’؟!

8 ـ قال مالك في الموطأ: (عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن: أنظر ما كان من حديث رسول الله(ص)أو سنة ، أو حديث عمر ، أو نحو هذا ، فاكتبه لي). انتهى. (تنوير الحوالك ص6) . فهل الحديث النبوي غير السنة وما معنى قوله (أو نحو هذا) ؟!


9 ـ ما قولكم في زعم البخاري أن عمر بن العزيز أمر ابن حزم أن لايقبل إلا حديث النبي’؟ قال في صحيحه:1/33: (وكتب عمر بن عبد العزيز الى أبي بكر بن حزم: أنظر ما كان من حديث رسول الله(ص)فاكتبه ، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ، ولا تقبل إلا حديث النبي(ص) . انتهى.
فمن أين أتى به البخاري ، وهل قاله إلا ليرفع خلطهم لسنة النبي’بغيرها ؟!









كيف صار الرافضونَ لسنة النبي’أهل السنة والجماعة !!

من مفارقات التاريخ وما أكثرها ، أن الذي واجه النبي’في مرض وفاته ومنعه من كتابة وصيته وعهده لأمته ، ورفع في وجهه شعار رفض سنته فقال له:(كتاب الله حسبنا) ! صار هو رئيس الدولة بعد النبي’!!
وأن الذي أصدر مرسوماً من دار الخلافة بتحريم كتابة السنة النبوية ونهى عن التحديث بها.. صارت دولته دولة السنة ، وصار أتباعها: (أهل السنة والجماعة) !
أما الذين جاهدوا من أجل تبليغ سنة النبي’وتدوينها، وتحملوا اضطهاد الحكومات وعقوبات المنع ، فصاروا أعداء السنة والخارجين عن الجماعة !
إنها السياسة التي تجعل الأبيض أسود كالليل ، والفحم أبيض كالثلج !!

والذي حدث أن السلطة الأموية اختارت اسم(عام الجماعة) لعام تسلط معاوية على المسلمين ، وسمت أتباعها (أهل الجماعة) ، وسمت من خالفهم (أهل الفرقة والفتنة). ثم طورت إسم أتباعها فصار (أهل السنة والجماعة) ! وصار اسم من خالفهم (أهل البدعة والفرقة ) !


 
الأسئلة

1 ـ ما معنى قول عمر للنبي’الذي رواه البخاري في عدة مواضع من صحيحه: (قال عمر إن النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا ، فاختلفوا وكثر اللغط !! قال: قوموا عني ولاينبغي عندي التنازع! فخرج ابن عباس يقول إن الرزيئة كل الرزيئة ما حال بين رسول الله وبين كتابه)!! (صحيح البخاري:1/37)
وما حكم من قال في عصرنا: حسبنا كتاب الله ، لا نريد سنة النبي’؟!

2 ـ مهما كان دفاعكم عن عمر ومؤيديه الذين صاحوا في وجه النبي’: (القول ماقاله عمر) ! فهل يصدق عليهم: (أهل السنة النبوية) أم السنة العمرية ؟!

3 ـ في تهذيب الكمال:2/269: (عن أبي نضرة العبدي: قال رجل منا يقال له جابر أو جويبر: طلبت حاجة إلى عمر في خلافته فانتهيت إلى المدينة ليلاً ، فغدوت عليه...وإلى جنبه رجل أبيض الشعر أبيض الثياب . . . فقلت: يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي إلى جنبك؟ قال: سيد المسلمين أبيُّ بن كعب ) .

وفي تحفة الأحوذي:10/271:(فضل أبي بن كعب رضي الله عنه)هو أبيُّ بن كعب الأنصاري الخزرجي كان يكتب للنبي(ص)الوحي وهوأحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله(ص)، وأحد الفقهاء الذين كانوا يفتون على عهد رسول الله(ص) ، وكان أقرأ الصحابة لكتاب الله تعالى، كنَّاهُ النبي (ص)أبا المنذر، وعمر أبا الطفيل! وسماه النبي(ص): سيد الأنصار، وعمر: سيد المسلمين . مات بالمدينة سنة تسع عشرة ).

وفي تاريخ المدينة لابن شبة:2/691: (حدثني أبو عمرو الجملي ، عن زاذان أن عمر خرج من المسجد فإذا جَمْعٌ على رجل فسأل: ما هذا؟ قالوا: هذا أبي بن كعب كان يحدث الناس في المسجد ، فخرج الناس يسألونه ، فأقبل عمر حرداً فجعل يعلوه بالدرة خفقاً ، فقال: يا أمير المؤمنين أنظر ما تصنع ! قال: فإني على عمد أصنع ، أما تعلم أن هذا الذي تصنع فتنة للمتبوع مذلة للتابع)! انتهى.
فمن هو الأحق باسم أهل السنة: أبيُّ بن كعب الذي ضربه عمر من أجل تحديثه المسلمين بأحاديث رسول الله’أم عمر الذي ضربه بجرم نشر السنة؟!



يتبع


رد مع اقتباس