عرض مشاركة واحدة
قديم 2019/02/05, 10:50 PM   #1
الشيخ عباس محمد

موالي بلاتيني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3773
تاريخ التسجيل: 2015/04/07
المشاركات: 1,723
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً
المستوى : الشيخ عباس محمد is on a distinguished road




عرض البوم صور الشيخ عباس محمد
افتراضي سياسة الحرية في الإسلام

سياسة الحرية في الإسلام

الحريات التي سنها الإسلام للمسلمين ولعامة الناس بمثابة لم ير التاريخ الطويل للعالم لها نظيراً ولا مثيلاً، وحتى هذا اليوم الذي يحب الغربيون أن يسموه بـ(عصر الحرية).
فإن الإسلام يعطي لكل فرد من المسلمين، بل وحتى لغير المسلمين من سائر البشر، كامل الحرية في جميع المجالات المشروعة، مادام لا يضر بحرية غيره(2).



حرية الفكر
وأول ما يبدأ الإسلام بتحرير الناس فيه: الفكر، واختيار الدين، فإن الإسلام لايجبر الناس على دين معين أبداً ولو كانوا في بلاد الإسلام وتحت رعايته وحمايته.
وقد أعلن القرآن الحكيم هذه الحرية الفكرية بقوله:
((لا إكراه في الدين))(3).
وقد نفذ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل حروبه الدفاعية، وغزواته..
فكانت الانتصارات تلو الانتصارات التي يحققها الله تعالى لرسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تحمله على إجبار الناس باعتناق الإسلام، بل يعرض عليهم الإسلام، فمن قبله فهو، ومن لم يقبله فلا جبر عليه بالقبول.
في فتح مكة
ومن أبرز الشواهد على ذلك (فتح مكة).
(فمكة) ضغطت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثة عشر عاماً بمختلف أنواع الضغوط: من قتل المسلمين، وتعذيبهم، وشتمهم، واهانتهم، ومقاطعتهم، وترك مناكحتهم، وترك مبايعتهم، وترك التكلم معهم، وتهجيرهم، وسجنهم..
(ومكة) هي التي تآمرت على قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أمره الله تعالى بالخروج منها ليلاً، فخرج (صلى الله عليه وآله وسلم) منها خائفاً يترقب.
(ومكة) هي التي قادت المسيرة ضد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طيلة عشرين سنة تقريباً.
(ومكة) هي التي أقامت العشرات من الحروب الدموية الطاحنة لتحطيم الإسلام والمسلمين. وهكذا دواليك..
ثم جاء دور انتصار الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على مكة، ووصل زمن وعد الله تعالى للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم):
((إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد))(4).
وللمسلمين المهجرين، والمهاجرين، والمعذبين في سبيل الله:
((لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين))(5).
فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا البلد، ودخل معه الجيش الإسلامي.
أترى أجبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أحداً من المشركين على الإسلام؟
كلا!
فحرية العقيدة من دستور الإسلام.
وهذا الموقف من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تجاه أهل مكة فريد في تاريخ الفتوحات، والانتصارات. إلا اللهم في تاريخ الأنبياء والمرتبطين بالله تعالى من الأوصياء والأولياء (عليهم السلام).
وفعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ تعميقاً في الخير والحب العام ـ أكثر من ذلك.
فإن أحد المسلمين أخذ راية الإسلام بيده وجعل يدور في أسواق وسكك مكة ويصيح:
«اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبى الحرمة»(6).
إلا أنه لما بلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر الإمام علياً (عليه السلام) أن يأخذ الراية بيده ويعلن بضد ذاك النداء.
فأخذ علي (عليه السلام) راية الإسلام بيده وجعل يصيح في طرق وشوارع مكة:
«اليوم يوم المرحمة، اليوم تصان الحرمة».
أترى أي فاتح ـ غير الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ في مثل مكة وموقفها من الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فعل مثل ذلك؟
إنه الإسلام الذي جاء لإسعاد البشر حتى الذي لا يؤمن بالإسلام يريد لـه الخير ويحب لـه النجاة..
إنه أبعاد الحرية المقدسة في الإسلام.



فتح البلاد
وكانت سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما يفتح البلاد أن يرسل إلى أهلها حاكماً، أو قاضياً، أو معلماً للقرآن والأحكام..
فيقوم هؤلاء ببث الثقافة الإسلامية بين أهل تلك البلاد، فمن قبل وآمن فحباً وكرامة، ومن ترك ولم يؤمن فشأنه.
الكفار في مكة والمدينة
ومن الشواهد البارزة لذلك: إن مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وما حولهما من القرى والأرياف، كان يعيش فيها ـ بكثرة ـ اليهود، والنصارى، والمشركون، حتى وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يجبرهم على الإسلام، بل تركهم وشأنهم.
آيات قرآنية
وأساس هذه الحرية العميقة في القرآن الحكيم آيات عديدة منه، وقد عرض ذلك القرآن بأسلوب إنساني وعاطفي غاية في اللطف والجمال، اقرأ معي هذه الآيات:
((لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع
عليم))(7)…
((والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات))(8).
((الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم))(9).
((وهديناه النجدين))(10).
((إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً))(11).
((قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً))(12).
((إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً))(13).




حريات أخرى
والإنسان حر ـ بنظر الإسلام ـ في مزاولة كل أنواع الأعمال، بمختلف أشكالها، وأحوالها، في أي زمان ومكان.
انطلاقاً من الآيات القرآنية الآنفة الذكر.
ومن قوله تعالى:((النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم…))(14).
والذي يستفاد منها أن كل إنسان ولي نفسه، وهو حر في جميع تصرفاته في نفسه وأمواله(15).
وقد استنبط فقهاء الإسلام من ذلك قاعدة ثابتة أساسية هي قولهم:
«الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم».
وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
«إن الناس مسلطون على أموالهم»(16).
وورد عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):
«لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً»(17).
فهذه الآيات والأحاديث الشريفة تؤكد حرية الإنسان في تصرفاته الشخصية في جميع أبعاد الحياة: في نفسه، وماله، كيف شاء، ومتى شاء، وحيث شاء، إلا أن يستغل ذلك في المضرات الشخصية كقتل نفسه وإسراف ماله، أو المضرات الاجتماعية كقتل الآخرين وظلمهم وغصب أموالهم ونحو ذلك.
(وبكلمة واحدة): أي تصرف كان للشخص، في نفسه، أو في أمواله، أو في طاقاته، أو في طاقات الكون ـ مما لا يزاحم حق إنسان آخر ـ فهو حلال، ولـه الحرية الكاملة في مزاولته (في الإطار الإسلامي الواسع).
فإن الإسلام يعطي لكل فرد من المسلمين حرية الكسب والتجارة، حرية العمل والصناعة، حرية السفر والإقامة، حرية الخطابة والكتابة، والحرية في جميع الأمور.
فالتاجر ـ بحكم الإسلام ـ حر في التجارة من أية نقطة إلى أي بلد، دون حاجة إلى أخذ إجازة أو رخصة، وليس عليه جمارك ومكوس، ولا للبلاد الإسلامية التي يتجر فيها حدود!!
والمسافر ـ بحكم الإسلام ـ حر في أن يسافر من أين شاء إلى حيث يريد، ويتوطن أي بلد أراده، دون أن يطالب بجواز سفر، أو إقامة، أو يسأل عن اسمه واسم أبيه وأمه، وأسماء عشيرته وأقربائه وأصدقائه، أو يسأل عن غاية سفره أو هدفه(18).
والعمال، والصناع ـ بنظر الإسلام ـ أحرار في الأعمال التي يختارونها والصناعات التي ينتخبونها دون أية معارضة أو منع أو حاجة إلى إجازة أو نحوها..!
والكاتب ـ عند الإسلام ـ حر فيما يكتب، وما يبث وما ينشر، دون رقابة، أو إجازة، إلا فيما يضر المجتمع نفسياً، أو فكرياً، أو صحياً، أو نحوها!!.
(1) نهج البلاغة، الرسائل: 31 ومن وصية لـه (عليه السلام) للحسن بن علي (عليه السلام) كتبها إليه بحاضرين.
(2) ذكرنا نتفاً من الحرية الإسلامية في سياسة النبي وسياسة أمير المؤمنين علي (عليهما الصلاة والسلام).
(3) سورة البقرة: 256.
(4) سورة القصص: 85.
(5) سورة الفتح: 27.
(6) راجع بحار الأنوار: ج21 ص130 ب26 ضمن ح22.
(7) سورة البقرة: 256.
(8) سورة البقرة: 257.
(9) سورة الأعراف: 157.
(10) سورة البلد: 10.
(11) سورة المزمل:19، وسورة الإنسان: 29.
(12) سورة الفرقان: 57.
(13) سورة الإنسان: 3.
(14) سورة الأحزاب: 6.
(15) في تفسير نور الثقلين: ج4 ص237 عند تفسير سورة الأحزاب زخم كبير من الأحاديث الشريفة بهذا المعنى.
(16) بحار الأنوار: ج2 ص273 ب33 ح7.
(17) نهج البلاغة، الرسائل: 31، ومن وصية لـه (عليه السلام) للحسن بن علي (عليه السلام) كتبها إليه بحاضرين.
(18) يقول أحد الكتّاب: إن حالة الإنسان ـ في العالم ـ أصبحت أسوأ من الحشرات، فالحشرات حينما تصبح، تخرج من أوكارها، وتمضي إلى حيث شاءت بحرياتها الكاملة، والإنسان في هذا العصر الذهبي!! إذا شاء أن يخطو من مكانه خطوات، جاءته العراقيل من كل جانب ومكان، ولا يمكن لـه أن يجوزها إلا بعد فك ألف قيد وقيد؟.





المصدر / السياسة من واقع الاسلام للمرجع صادق الشيرازي


sdhsm hgpvdm td hgYsghl hgYsghl



رد مع اقتباس