عرض مشاركة واحدة
قديم 2014/07/06, 08:09 PM   #6
صبر زينب

موالي ماسي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 124
تاريخ التسجيل: 2012/05/04
الدولة: السعوديه
المشاركات: 7,753
صبر زينب غير متواجد حالياً
المستوى : صبر زينب is on a distinguished road




عرض البوم صور صبر زينب
افتراضي

الهزيمة بعد الإنتصار :
قاتل المسلمون في المرحلة الأُولى من معركة «أُحد» بشجاعة خاصّة، ووقفوا وقفة رجل واحد فأحرزوا إنتصاراً سريعاً، وبددوا جيش العدو في أقرب وقت، فدب السرور والفرح في المعسكر الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه كما أسلفنا، إلاّ أنّ تجاهل فريق من الرماة لأوامر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) المشددة بالبقاء عند ثغر الجبل والمحافظة عليه سبّب في أن تنقلب الآية.
فقد أقدم ذلك الفريق من الرماة الذين كلّفهم النبي القائد (صلى الله عليه وآله وسلم) بحراسة الثغر الموجود في جبل «عينين» بقيادة «عبدالله بن جبير» على ترك موقعهم المهم جداً عندما عرفوا بهزيمة قريش، واشتغال المسلمين بجمع الغنائم، وفسح هذا الأمر المجال لكمين من قريش في أن يهاجموا المسلمين من الخلف فيتحمل الجيش الإسلامي ضربة نكراء.
وعندما عاد المسلمون بعد تحمل خسائر عظيمة إلى المدينة كان يسأل أحدهم رفيقه : ألم يعدنا الله سبحانه بالفتح والنصر، فلماذا هزمنا في هذه المعركة ؟
فكانت الآيات الحاضرة جواباً على هذا السؤال، وتوضيحاً للعلل الحقيقية التي سببت تلك الهزيمة، وإليك فيما يلي تفسير جزئيات هذه الآيات وتفاصيلها :
قال سبحانه : (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم(1) بإذنه حتّى إذا(2) فشلتم).
ففي هذه العبارة يشير القرآن الكريم بل ويصرح بأن الله قد صدق وعده وأنزل النصر على المسلمين في بداية تلك المعركة، فقتلوا العدو، وفرقوا جمعهم ومزقوا شملهم ما داموا كانوا يتبعون تعاليم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتقيدون بأوامره، وما
_____________________________
1 ـ «الحس» القتل على وجه الإستئصال، وسمي القتل حساً لأنه يبطل الحس.
2 ـ «إذا» ليست هنا شرطية، بل بمعنى «حين».
(734)
داموا كانوا يتحلون بالثبات والإستقامة، فلم تلحق بهم الهزيمة إلاّ عندما وهنوا وتجاهلوا أوامر القيادة النبوية الدقيقة. وهذا يعنى أن عليهم أن لا يتوهموا بأن الوعد بالتأييد والنصر مطلق لا قيد له ولا شرط، بل كل الوعود الإلهية بالنصر مقيدة باتباع تعاليم الله بحذافيرها، والتمسك بأهدافها.
أما متى وعد الله المسلمين بالنصر في هذه المعركة، فهناك إحتمالان :
الأوّل : أن يكون المراد هو تلك الوعود العامة التي يعد الله بها المؤمنين دائماً حيث يخبرهم بأنّه سبحانه ينصرهم على الكافرين والأعداء.
الآخر : ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد وعد المسلمين بصراحة قبل أن يخوضوا معركة «أُحد» بأنهم منتصرون في تلك المعركة، ووعد النبي هو الوعد الإلهي بلا ريب.
ثمّ إنه سبحانه يقول : بعد بيان هذه الحقيقة حول النصر الإلهي (وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون).
ومن هذه العبارة التي هي إشارة إلى ما طرأ على وضع الرماة في جبل «عينين» يستفاد بوضوح بأن الرماة الذين كلفوا بحراسة الثغر قد إختلفوا فيما بينهم في ترك ذلك الثغر ومغادرة ذلك الموقع في الجبل فعصى فريق كبير منهم، (وهذا قد يستفاد من لفظة عصيتم التي تفيد أن الأغلبية والأكثرية من الرماة قد عصت وتجاهلت تأكيدات النبي بالبقاء هناك).
ولهذا يقول القرآن الكريم بأنّكم عصيتم من بعد ما أراكم النصر الساحق الذي كنتم تحبون، أي أنّكم بذلتم غاية الجهد لتحقيق النصر، ولكنكم وهنتم في حفظه، وتلك حقيقة ثابتة أبداً أن الحفاظ على الإنتصارات أصعب بكثير من تحقيقها.
أجل لقد إختلفتم فيما بينكم وتنازعتم في تلك اللحظات الحساسة البالغة الأهمية (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة).
ففي الوقت الذي كان البعض (وهم الأغلب كما قلنا) يفكرون في الغنائم وقد
(735)
سال لعابهم لها حتّى أنهم تركوا موقعهم الخطير في الجبل، بينما بقيت جماعة أُخرى قليلة مثل «عبدالله بن جبير» وبعض الرماة ثابتين في مكانهم يذبون عنه الأعداء ويطلبون الآخرة والثواب الإلهي العظيم.
وهنا تغير مجرى الأُمور، وانعكست القضية فبدل الله الإنتصار إلى الهزيمة ليمتحنكم وينبهّكم، ويربّيكم : (ولقد صرفكم عنهم ليبتليكم).
ثمّ إن سبحانه غفر لكم كلّ ما صدر وبدر عنكم من عصيان وتجاهل لأوامر الرسول وما ترتب على ذلك من التبعات في حين كنتم تستحقون العقاب، وما ذلك إلاّ لأن الله لا يضن بنعمة على المؤمنين، ولا يبخل عليهم بموهبة (ولقد عفا عنكم، والله ذو فضل على المؤمنين).
أجل، إنه تعالى يحب المؤمنين، ولا يتركهم وشأنهم ولا يكلهم إلى أنفسهم إلاّ في بعض الأحيان ليتنبهوا، ويثوبوا إلى رشدهم فيزدادوا التصاقاً بالشريعة، وإهتماماً بالمسؤوليات، ويقظة وإحساساً.
ثمّ إنه سبحانه يذكر المسلمين بموقفهم في نهاية معركة «أُحد» فيقول : (إذ تصعدون(1) ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في اخراكم(2)) أي تذكروا إذ فررتم من المعركة، ورحتم تلوذون بالجبل أو تنتشرون في السهل، تاركين رسول الله وحده بين المهاجمين المباغتين من المشركين وهو يدعوكم من ورائكم ويناديكم قائلاً : «إِليّ عباد الله ـ إِليّ عباد الله فإني رسول الله» وأنتم لا تلتفتون إلى الوراء أبداً، ولا تلبون نداء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وفي ذلك الوقت أخذت الهموم والأحزان تترى عليكم (فاثابكم غما بغم
_____________________________
1 ـ «تصعدون» من الإصعاد وهو ـ كما في المفردات للراغب ـ الأبعاد والمشي في الأرض سواء كان ذلك في صعود أو حدور في حين أن الصعود يعني الذهاب في المكان العالي، ولعلّ استعمال الإصعاد في الآية بدل الصعود لأن جماعة من الفارين صعدوا الجبل، وجماعة آخرين انتشروا في الصحراء.
2 ـ «أخراكم» بمعنى «ورائكم».
(736)
لِما أصابكم من النكسة ولفقدان مجموعة كبيرة من خيار فرسانكم وجنودكم ولِما أصاب جماعة منكم من الجراحات والإصابات ولِما بلغكم من شائعة قتل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولقد كان كلّ ذلك من نتائج مخالفتكم لأوامر القيادة النبوية، وتجاهلكم لتأكيداتها بالمحافظة على المواقع المناطة لكم.
ولقد كان هجوم تلك الغموم عليكم من أجل أن لا تحزنوا على ما فاتكم من غنائم الحرب، وما أصابكم من الجراحات في ساحة المعركة في سبيل تحقيق الإنتصار (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم).
(والله خبير بما تعملون) فهو يعرف جيداً من ثبت منكم وأطاع، وكان مجاهداً واقعياً، ومن هرب وعصى، وعلى ذلك فليس لأحد أن يخدع نفسه، فيدعي خلاف ما صدر منه في تلك الحادثة، فإذا كنتم من الفريق الأول بحق وصدق فاشكروه سبحانه، وإن لم تكونوا كذلك فتوبوا إليه واستغفروه من ذنوبكم.


توقيع : صبر زينب
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها
رد مع اقتباس