كانت (سلام
الله عليها) كما أخبر أبوها عن يومها ذلك محزونة مكروبة باكية ، تتذكّر انقطاع الوحي عن بيتها مرّة ، وتتذكّر فراق والدها أُخرى ، وتستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوته الذي كانت تستمع إليه إذا تهجّد بالقرآن ، ثم ترى نفسها ذليلةً بعد أن كانت في أيام
أبيها عزيزة .
وكانت ترثي أباها وتقول :
ماذا على مَن شمّ تربة أحمدٍ = أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا
صُبّت عليَّ مصائبٌ لو أنّها = صُبّت على الأيّام صرن لياليا (3)
وتقول أيضاً :
إذا مات يوماً ميّتٌ قلَّ ذكره = وذكر أبي مذ مات والله أزيد
تذكّرت لمّا فرّق الموتُ بيننا = فعزّيت نفسي بالنبيّ محمّد
فقلت لها إنّ الممات سبيلنا = ومَن لم يمت في يومه مات في غد
وتقول أيضاً :
إذا اشتدّ شوقي زرت قبرك باكياً = أنوح وأشكو لا أراك مجاوبي
فيا ساكن الصحراءِ (4) علّمتني البكا = وذكرك أَنساني جميع المصائبِ
فإن كنت عنّي في التراب مُغَيَّباً = فما كنتَ عن قلبي الحزين بغائبِ
وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) اغتسل النبي (صلّى
الله عليه وآله وسلّم) في قميصه ، فكانت فاطمة (عليها السلام) تقول : أرني القميص ، فإذا شمّته غشي عليها ، فلمّا رأى ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) غيّبه (5)