[وهج الإيمان]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين
وبعد "

كان ومازال العمرية يبذلون قصارى جهدهم لكي ينقذوا عقيدتهم من الورطة التي وضعهم بها عمر بن الخطاب واصحابه يوم حالوا بين رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وبين أن يعصم الامة من الضلال في واقعة الخميس التي اطلق عليها رزية الحميس تماشيا ً لوصف عبد الله بن عباس
فرغم ان الرواية رويت بالفاظاً كثيرة فتارة يقول فيها عمر ( لقد غلبه الوجع )
وتارة انهم قالوا ( رسول الله يهجر ) وتارة ( هجر رسول الله ) وتارة يقولون ( أهجر رسول الله ؟ )
الأ أن الاتجاه الاخير أخذ يروج للرواية التي تذكر عبارة ( أهجر ؟ ) لانهم يعتقدون ان العبارة عندما تكون بصيغة الاستفهام تكون أهون وأرحم على عقيدتهم وعلى عمر على حد سواء
فهناك جهود كبيرة لترجيح هذه الرواية على بقية الروايات
وكأنهم يريدون انهاء المشكلة , ولكن :

اولا : هذا الترجيح لا يستند على أي دليل علمي لان كل تلك الروايات متساوية من حيث اسنادها
ثانيا : ان رواية الصحيح تؤكد ان الحاضرين انقسموا الى فريقين مما ادى الى الاختلاف الذي سبب بحرمان الامة من فوائد هذا الكتاب .
وبالتالي فان محاولات ترجيح عبارة اهجر على العبارات الاخرى هي مسألة ثانوية .
ثالثا : ان الحضور انقسموا الى فريقين حسب مضمون الرواية في الصحيح فريق يقول ما قاله عمر وفريق يقول ماقاله رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهذا يكفي لادانة وتجريم اصحاب هذه العبارة بصرف النظر ان كانت ( أهجر ) أم غيرها لان مقالة عمر كانت ضد مقاله الله ورسوله
رابعا : ان اقدم نسخة لكتاب صحيح البخاري هي نسخة النويني وهي عبارة عن مخطوط أختفت مطبوعاته يؤكد انهم قالوا ان رسول الله يهجر
اي بصيغة التأكيد لا بصيغة الاستفهام فتبين انهم مجرد محاولة فاشلة لاتسمن ولا تغني من جوع

خامسا : دعونا نتنزل انهم قالوا ( أهجر ؟ )
هل أنتهت المشكلة ؟ وأصبح عمر واصحاب العبارة غير مذنبين ؟
لو أن العبارة لم تقرر النتيجة في نهاية المطاف , أي ان الكتاب قد كٌتب ربما تنتهي المشكلة , رغم ان العبارة بحد ذاتها هي جرم لان سوء الادب مع النبي صلى الله عليه واله منهياً عنه , فضلا ً على ان مجرد التكشيك بعقل النبي صلى الله عليه واله وسلم هو كفر صريح
و لكن على الاقل لو كانت هذه هي النتيجة ربما تكون للعمرية فرصة افضل لأن يعتذروا لاصحابها وفق المنطق الاتي :
اولا : لانهم ربما يجهلون ان النبي صلى الله عليه واله وسلم معصوم من الفساد العقلي والروحي و يعتقدون ان ما يقع على البشر الاخرين مثل الهذيان والهجر يقع عليه صلى الله عليه واله وسلم
ثانيا : لان النبي صلى الله عليه واله وسلم فاجأهم بان عصمتهم من الضلال تحتاج الى كتاب غير القران بعدما كانوا يعتقدون طوال 23 سنة ان القران هو الذي نزل من اجل هذه المهمة
ثالثا :المهم انهم في نهاية المطاف تركوا النبي صلى الله عليه واله يمضي في قراره ويكتب الكتاب
كما حدث في صلح الحديبية تماماً
أما اذا كانت النتيجة خلاف ذلك
فهذا يعني ان التشكيك تحول الى يقين
وعبارة ( أهجر رسول الله ) أصبحت ( هجر رسول الله )
وكأنك يا بو زيد ما غزيت
او كما يقولون فسر الماء بعد جهد جهيد بالماء
فان الذين استفهموا وتسائلوا هل النبي هجر ؟
تبين فيما بعد أن النبي بالفعل هجر الامر الذي أدى الى عدم الانصياع اليه

للتوضيح
مثلا ً :
لو أن وزير قال لا يوجد مانع لقبول متقدم للوظيفة سوى مانع واحد هو شرب الخمر
فتقدم شخص ما للوظيفة فسأله الوزير
: هل تشرب الخمر ؟

كلام الوزير هو استفهامي وليس طعن في البداية
لكن الذي يبقي كلام الوزير استفهامي او يحوله الى طعن هو النتيجة
فان قبل الشخص بالوظيفة فسوف نعرف ان الشخص ليس شارب للخمر وان عبارة الوزير هي فقط للاستفهام
وأن كانت النتيجة خلاف ذلك
فان عبارة الوزير تتحول الى طعن
وهكذا في رزية الخميس
فان المانع الوحيد الذي جعلهم يعترضون على النبي صلى الله عليه واله وسلم
انهم اعتقدوا ان النبي كان يهجر فقالوا ( ماشأنه أأهجر ؟ )
فدعونا نتأكد قبل ان تعطوه ادوات الكتابة
هل هو هجر فعلا أم لا ؟
اي انهم عطلّوا تنفيذ قرار النبي حتى يتأكدوا من سلامة النبي من الهجران
لكن المهم اين وصلوا بالتحقيق والفحص ؟

فان كانت النتيجة انهم سمحوا للنبي ان يكتب الكتاب تبين ان عبارتهم استفهامية ليس ألا
وأن كانت النتيجة خلاف ذلك
تبين ان الاستفهام كان طعن
فقد قرروا عرقلة النبي صلى الله عليه واله وسلم بعد تبين لهم من التدقيق والفحص انه يهجر
نحن الشيعه نقول : ان النبي صلى الله عليه واله وسلم معصوم من اي نوع من انواع فساد العقل
اما غير الشيعه فهم مطالبون الان
اما أن يعتقدوا مثل ما يعتقد الشيعه ,أذن يجب ان يغيروا موقفهم من اصحاب العبارة
وأن اصروا على تأييد اصحاب العبارة
فهذا اعتراف بأن النبي كان يهجر لان هذا هو المانع الوحيد المطروح
اما ان يقبضوا على العصا من المنتصف فيقولوا ان النبي لا يهجر
وبنفس الوقت يؤيدوا عرقلة النبي من كتابة الكتاب
فهذا موقف الذي لا يعرف الناقة من الجمل على حد وصف معاوية لهم
فان كان النبي بنظرهم لا يهجر فلماذا منع من أن يكتب كتابه ؟

بقى هناك اعتراض مهم يحتاج وقفه
قد يقول قائل ان النبي صلى الله عليه واله وسلم هو الذي عدل عن كتابة الكتاب
وبالتالي لا يصح ان نرتب الاثر اعلاه على موقفه
للاجابة عن هذا نضرب المثال الاتي
لو كان هناك أب له عدة ابناء طاعتهم له مبنيه على عقيدة تقول ان طاعة الوالدين واجبه وان معصيتهم من الكبائر
فهل نتوقع ان طاعتهم تتغيير بتغيير قدرة الاب على تنفيذ القرارات ؟
أي هل هم يطيعونه بالصحة ويعصونهه المرض ؟

الجواب المفروض كلا , لان ايمانهم بعقيدتهم الخاصة بهذا النقطة لا تتعلق بقدرة أو عجز ابيهم
فان كانوا يطيعونه بالقوة ويعصونه بالضعف فهذا يعتبر دليل على ان طاعتهم لابيهم لم تكن مرتبطة بعقيدة قلبيه بل مرتبطة بشعورهم بالقوة او شعورهم الضعف امام ابيهم
وماحدث في صلح الحديبية خير مثال

فالنبي صلى الله عليه واله وسلم لم يغير موقفه من كتابة الكتاب بل ان الذي تغير هو طاعة المسلمين
فعدل عن كتابة الكتاب بعدما اكتشف ان طاعتهم لم تكن مبنية على ايمان بعقيدة حتى يصبح الكتاب مفيد
بل كانت مبنية على شعورهم بالقوة او شعورهم بالضعف ازاء النبي صلى الله عليه واله وسلم
وهذا دليل على انهم ليسوا كلهم مؤمنون
فان وصفنا الطائفة التي كانت تقول ما يريده النبي صلى الله عليه واله وسلم بانه مؤمنون لان طاعة النبي صلى الله عليه واله وسلم من الايمان
فان الطائفة الاخرى هي التي تستحق ان تجرد من هذه الصفة

وحتى لو تنزلنا ان جميع الحضور كانوا مؤمنين قبل رزية الخميس الا أن رزية الخميس قد جردت من خالف النبي صلى الله عليه واله وسلم من صفة الايمان بدليل الايات المباركة التالية

1. وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
2. فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ
3. وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ