الموضوع: المتقون
عرض مشاركة واحدة
قديم 2019/02/05, 10:33 PM   #11
الشيخ عباس محمد

موالي بلاتيني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3773
تاريخ التسجيل: 2015/04/07
المشاركات: 1,723
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً
المستوى : الشيخ عباس محمد is on a distinguished road




عرض البوم صور الشيخ عباس محمد
افتراضي

الدرس الحادي عشر: أحوال المتقين

فِي الزَّلاَزِلِ وَقُورٌ، وَفِي المكاره صَبُورٌ، وَفِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ.
نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرّخاء

آثار الإيمان على الحياة آثار مشرقة تنعكس على تصورات الأفراد وسلوكهم في الحياة حتى إنك لترى القرآن يمشي على الأرض في أشخاص بعض الإفراد فإليكم بعض هذه الآثار.
المؤمن القوي إذا انهار الناس فهو متماسك، وإذا تشاءموا هو متفائل، وإذا يئسوا فهو راض عن الله، فهو يثق بالله عز وجل، يثق بنصره، ويعلم أنه تعالى مسبب الأسباب ومدبّر الأمور، وأنه يعامل عباده الصالحين باللطف الظاهر والخفي، وبالتالي لا يمكن أن يصاب باليأس والإحباط.


الابتلاء سنة جارية

إن الابتلاء سنة جارية وقدر نافذ، يبتلي الله عباده بالسراء والضراء والخير والشر، فتنة واختباراً كما قال سبحانه: ï´؟وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةًï´¾1،


--------------------------------------------------------------------------------
119

--------------------------------------------------------------------------------


ليتميز المؤمن من غيره، والصادق من الكاذب: ï´؟ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَï´¾2 فبالفتنة تتميَّز معادن الناس، فينقسمون إلى مؤمنين صابرين، وإلى مدَّعين أومنافقين.
ثم إن الابتلاء بالسراء والرخاء قد يكون أصعب من الابتلاء بالشدة والضراء، وأن اليقظة للنفس في الابتلاء بالخير، أولى من اليقظة لها في الابتلاء بالشر.

كثير هم أولئك الذين يصبرون على الابتلاء بالمرض والضعف، ولكن قليل هم الذين يصبرون على الابتلاء بالصحة والقدرة.كثيرون يصبرون على الفقر والحرمان فلا تتهاوى نفوسهم ولا تذل، ولكن قليل هم الذين يصبرون على الغنى والثراء، وما يغريان به من متاع، وما يثيرانه من شهو ات وأطماع.


حال المؤمنين قي الشدة والرخاء

والنفس المؤمنة هي التي تصبر للضراء ولا تستخفها السراء، وتتجه إلى الله في الحالين، وتوقن أن ما أصابها من الخير والشر فبإذن الله، وقد كان الله يربي هذه الجماعة وهي في مطالع خطواتها لقيادة البشرية فرباها بهذا الابتلاء بالشدة بعد الابتلاء بالرخاء، والابتلاء بالهزيمة المريرة بعد الابتلاء بالنصر العجيب، وإن يكن هذا وهذه قد وقعا وفق أسبابهما ووفق سنن الله الجارية في النصر والهزيمة لتتعلم هذه الجماعة أسباب النصر والهزيمة ولتزيد طاعة لله وتوكلا عليه.
ففي خصوص معركة أحد نزل قوله تعالى : ï´؟إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَï´¾3 وقد انتصر فيها المسلمون في أول الأمر حتى هزم المشركون وقتل منهم سبعون، ثم انقلبت الأمور لصالح المشركين حينما خرج الرماة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واختلفوا


--------------------------------------------------------------------------------
120

--------------------------------------------------------------------------------


فيما بينهم فأصاب المسلمين ما أصابهم في نهاية المعركة، وتحقيقاً لسنة من سنن الله التي لا تتخلف، والله تعالى قد كتب النصر في معارك الجهاد لمن يجاهدون في سبيله لا ينظرون إلى شيء من عرض هذه الدنيا الزهيد.
إن الشدة بعد الرخاء، والرخاء بعد الشدة هما اللذان يكشفان عن معادن النفوس وطبائع القلوب ودرجة الغبش فيها والصفاء ودرجة الهلع فيها والصبر ودرجة الثقة فيها بالله أوالقنوط.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال : وقور في الهزاهز، صبور عند البلاء، شكور عند الرخاء، قانع بما رزقه اللهّ، لا يظلم الأعداء، ولا يتحامل للأصدقاء، بدنه منه في نصب، والناس منه في راحة، إن العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والصبر أمير جنوده، والرفق أخوه، واللين والده "4.
إنّهم موطّنون أنفسهم على ما قدّره اللّه في حقّهم من الشدّة والرّخاء والسّراء والضّراء والضّيق والسّعة والمنحة والمحنة، فهم الراضون بقضاء الله تعالى، المسلّمون لأمره.

وفى رواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "رأس طاعة اللّه الصّبر والرّضا عن اللّه فيما أحبّ العبد أوكره، ولا يرضى عبد عن اللّه فيما أحبّ أوكره إلاّ كان خيرا له فيما أحبّ أوكره"5.
هكذا هو نتاج التربية القرآنية للمؤمنين المتقين، فالواحد منهم:


في الزّلازل وقور

فهو في النوازل والشّدائد والحوادث العظيمة الموجبة لاضطراب النّاس متّصف بشدّة الوقار والرّزانة والسّكينة والثّبات كالجبل لا تحرّكه العواصف، والوقار من جنود العقل ويقابله الخفّة وهي الطيش والعجلة من جنود الجهل.


--------------------------------------------------------------------------------
121

--------------------------------------------------------------------------------


نزول أنفسهم منهم في البلاء كنزولها في الرخاء، أي لا تقنط من بلاء ينزل بها ولا تبطر برخاء يصيبها، بل مقامها في الحالين مقام الشكر.


وفي المكاره صبور

فإنه لا غنى عن الصبر في هذه الحياة، وإذا كانت مرارة الدواء يعقبها الشفاء، فقد رتب الله على الصبر المحتسب عظيم الجزاء فقال جل من قائل: ï´؟إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍï´¾6.
والصبر المشروع هنا ليس يأساً، ولا عجزاً، إنه الثبات على الحق، والنصح بالتي هي أحسن للخلق، والشعور بالعزة الإيمانية رغم الظلم والهضم، والثقة بنصر الله وإن علت رايات الباطل برهة من الزمن.
تحتاج للصبر على الطاعة شكراً للمنعم، وأنساً بالخالق، واستجلاباً لراحة القلب وطمأنينة النفس، وتحتاج للصبر على الطاعة لطول الطريق، وقلة الرفيق، وكثرة الأشواك.
كما تحتاج للصبر عن المعاصي، وضعف النفس، وكيد الشيطان وغروره، وأماني النفس.


من بركات الصبر

ومما يشير إلى آثار الصبر وبركته العظيمة :
قد علق خصال الخير بالصبر فقال تعالى: ï´؟وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَï´¾7.

وحكم بالخسران حكما عاما على كل من لم يؤمن ولم يكن من أهل الحق والصبر فقال تعالى: ï´؟وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرï´¾8.


--------------------------------------------------------------------------------
122

--------------------------------------------------------------------------------


وفي الرّخاء شكور

إن خير العيش أدركه السعداء بصبرهم، وترقوا إلى أعالي المنازل بشكرهم، فساروا بين جناحي الصبر والشكر إلى جنات النعيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذوالفضل العظيم، يقول تعالى ï´؟وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌï´¾9.


اللجوء إلى الله

قال تعالى: ï´؟وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينٌَï´¾10.

الإنسان ضعيف فلابد له من معين يأخذ بيده درب الأمان والراحة والدعة، والله تبارك وتعالى هو القادر على ذلك ولا قادر سواه وقد حثنا الله على دعائه وطلب الحاجات منه وضمن لنا الإجابة‌ لدعوتنا وما أعظمه من ضمان إنه من الله تعالى، الذي بيده أسباب كل شيء.

وإنما الملجأ إلى الله في الشدة والرخاء والسراء والضراء، ونفزع إليه في الملمات، ونتوسل إليه في الكربات بلسان الحال والمقال: اللهم عظم البلاء، وبرح الخفاء، وانكشف الغطاء، وضاقت الأرض بما وسعت السماء، وإليك يا رب المشتكى!.. وعليك المعوّل في الشدّة والرخاء.

فيأتي مدده ويصل إلينا عونه يسرع إلينا فرجه، فينجي الغريق ويرد الغائب ويعافي المبتلى وينصر المظلوم ويهدي الضال ويشفي المريض ويفرج عن المكروب، إذا وجدت الطريق إلى ربك وجدت كل شيء، وان فقدت الإيمان به فقد فقدت كل شيء كل الأبواب توصد إلا بابه، كل الطرق تغلق إلا طريقه هو قريب سميع..مجيب يجيب المضطر إذا دعاه، قد هداك إلى الطريق: ï´؟ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْï´¾.


--------------------------------------------------------------------------------
123

--------------------------------------------------------------------------------




خلاصة الدرس

آثار الإيمان على الحياة آثار مشرقة تنعكس على تصورات الأفراد وسلوكهم في الحياة حتى إنك لترى القرآن يمشي على الأرض في أشخاص بعض الإفراد فإليكم بعض هذه الآثار.

الابتلاء سنة جارية
إن الابتلاء سنة جارية وقدر نافذ، يبتلي الله عباده بالسراء والضراء والخير والشر، فتنة واختباراً.

إن الابتلاء بالسراء والرخاء قد يكون أصعب من الابتلاء بالشدة والضراء، وأن اليقظة للنفس في الابتلاء بالخير، أولى من اليقظة لها في الابتلاء بالشر.

إن الشدة بعد الرخاء، والرخاء بعد الشدة هما اللذان يكشفان عن معادن النفوس وطبائع القلوب ودرجة الغبش فيها والصفاء ودرجة الهلع فيها والصبر ودرجة الثقة فيها بالله أوالقنوط.

نتاج التربية القرآنية للمؤمنين المتقين، فالواحد منهم :

في الزّلازل وقور
فهو في النوازل والشّدائد والحوادث العظيمة الموجبة لاضطراب النّاس متّصف بشدّة الوقار والرّزانة والسّكينة والثّبات كالجبل لا تحرّكه العواصف.

وفي المكاره صبور
فإنه لا غنى عن الصبر في هذه الحياة، وإذا كانت مرارة الدواء يعقبها الشفاء، فقد رتب الله على الصبر المحتسب عظيم الجزاء.

وفي الرّخاء شكور
إن خير العيش أدركه السعداء بصبرهم، وترقوا إلى أعالي المنازل بشكرهم، فساروا بين جناحي الصبر والشكر إلى جنات النعيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

الإنسان ضعيف فلابد له من معين يأخذ بيده درب الأمان والراحة والدعة، والله تبارك وتعالى هو القادر على ذلك ولا قادر سواه وقد حثنا الله على دعائه وطلب الحاجات منه وضمن لنا الإجابة‌ لدعوتنا وما أعظمه من ضمان إنه من الله تعالى، الذي بيده أسباب كل شيء.




أسئلة حول الدرس

1- ما الذي يميز المؤمن الصادق عن غيره؟
2- متى يظهر معدن الإنسان, وما هودور الابتلاء؟
3- بين أحوال الناس في الابتلاء من خلال معركة أحد.
4- ما هو حال المتقين في الزلازل والمكاره والرخاء؟
5- كيف السبيل إلى تحقيق حالة التوازن، وعدم الجنوح إلى حالتي الإفراط أوالتفريط في حالات الشدة والرخاء؟



للحفظ

عن الإمام علي عليه السلام:
"فِي الزَّلاَزِلِ وَقُورٌ، وَفِي المكاره صَبُورٌ، وَفِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ.
نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرّخاء"



أشعار الحكمة

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم
غلب الرجال فما أغنتهم القللُ
واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم
فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا
أين الأسرة والتيجان والحللُ؟
أين الوجوه التي كانت منعمة؟
من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم
تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
قد طالما أكلوا دهرا وما شربوا
فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا
وطالما عمروا دورا لتحصنهم
ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا
وطالما كنزوا الأموال وادخروا
فخلفوها على الأعداء وارتحلوا
أضحت منازلهم قفرا معطلة
وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا



للمطالعة

نقل السيد آقا معين الشيرازي من سكان مدينة طهران فقال: خرجت يوماً مع أحد أبناء عمي في شارع طهران ووقفنا ننتظر سيارة أجرة لتقلنا إلى مكان بعيد نبغيه، وقفنا نصف ساعة كلما مرت سيارة أجرة كانت إما مملوءة بالركاب أوخالية لكن لم تتوقف، وعندما تعبنا أتت سيارة أجرة وتوقف بها سائقها وقال لنا: تفضلوا أيها السادة لأنقلكم حيث تشاؤون. ركبنما السيارة وأخبرناه بمقصدنا.

وفي الطريق قلت لابن عمي: الحمدلله الذي وجدنا أخيراً في طهران سائقاً مسلماً رقَّ قلبه لحالنا وأقلنا.

لما سمع السائق كلامي قال: أيها السادة في الحقيقة أنا لست مسلماً، بل أرمني.

قلت: إذن فلم لاحظت حالنا؟

قال: مع إني لست مسلماً لكني أعتقد بعلماء الإسلام ومن يلبس لباس أهل العلم، واعتقد أن احترامهم واجب لما رأيت منهم.

قلت: وما رأيت منهم؟

قال: عندما حكم على الشيخ ( صادق مجتهد التبريزي ) بالنفي من تبريز إلى طهران تم نقله بسيارتي، وفي الطريق اقتربنا من شجرة ونبع ماء، فقال لي الشيخ: توقف بجنبهما لأصلي الظهر والعصر. لكن الضابط الذي كان مكلفاً بمرافقتي حتى منفاه قال لي: لا تعتني بكلامه وتابع سيرك. وهكذا فعلت، وعندما وصلنا بمحاذاة الماء توقفت السيارة لوحدها، ونزلت لأحاول تشغيلها ومعرفة علة توقفها فلم أهتدِ ولم أوفق. عندها قال الشيخ للضابط: ما دامت السيارة متوقفة فدعني أصلي. سكت الضابط وترجّل الشيخ وصلى، وانشغلتُ بالبحث عن علة توقف السيارة، وبعد أن فرغ الشيخ من صلاته اشتغلت السيارة لوحدها. ومنذ ذلك الحين علمت أن لأهل هذا اللباس احتراماً وكرامة عند رب العالم.




هوامش

1- الأنبياء:35.
2- العنكبوت:1-2.
3- آل عمران:140-141.
4- الشيخ الكليني- الكافي- دار الكتب الإسلامية، آخوندي- الطبعة الثالثة- ج2 ص181.
5- الشيخ الكليني- الكافي- دار الكتب الإسلامية، آخوندي- الطبعة الثالثة- ج2 ص60.
6- الزمر:10.
7- القصص:80.
8- العصر:1-3.
9- إبراهيم:7.
10- غافر:60.



يتبع


رد مع اقتباس