|
2013/02/15, 04:09 PM | #1 |
معلومات إضافية
|
الاُنس بالله
قال مولانا وإمامنا العسكري (عليه السلام) : ( من استأنس بالله استوحش من الناس ) . ونستلهم من روحه الزكية ونفسه القدسية بيان ما جاء في كلمته القصيرة ، الموجزة في الألفاظ ، العظيمة في المغزى والمحتوى والمعنى ، فإنّها وإن كانت مختصرة الحروف إلاّ أ نّها تحمل المعاني السامية والمفاهيم القيّمة ، فإنّ كلام الإمام إمام الكلام ، دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق . وكلام الأئمة الأطهار نور ، له بواطن ووجوه كما للقرآن الكريم ، كما ورد هذا المعنى في الأخبار الشريفة . وأقصد من شرح الرواية التي تلوتها في مطلع الحديث ، فتح آفاق جديدة أمام طلبة العلوم ، ليفكّروا من بعد ويتعمّقوا وينظروا بكل دقّة في روايات أهل البيت (عليهم السلام) فكلّ كلمة منهم تحمل كتاباً قطوراً ، فإنّها كالبحر المتلاطم الأمواج بالعلم والمعرفة ، فيها الدرر الثمينة واللآلئ القيّمة ، يقف عليها من غاص في بحارها ، وأسبر في أعماقها . بيان الحديث : أمّا شرح الرواية الشريفة فعلينا أن نبيّن أوّلا كلماتها ومداليلها ، ثمّ ما تحمل الكلمات من المعاني التي يمكن أن تكون مقصودة ومرادة . فقوله (عليه السلام) : من أنس : ( من ) اسم موصول ويفيد العموم الشمولي وتكون القضية على نحو الموجبة والكلّيّة ، فمن استأنس أي كلّ واحد من الناس سواء كان مسلماً أو غير مسلم من الموحّدين المؤمنين إذا استأنس بالله ، كما أنّ الجملة ، جملة شرطية مرتّبة من فعل الشرط ( من أنس بالله ) وجزاءه ( استوحش من الناس ) . ومفهوم الشرط المخالف : أنّه من لم يستأنس بالله لم يستوحش من الناس ، وعكسه : من أنس بالناس استوحش من الله ، ويجعلون أصابعهم في آذانهم ، لكي لا يسمعوا ذكر الله وكتاب الله جلّ جلاله ، ويقولون هذا سحرٌ مبين ، فيأنسون بالملاهي ومجالس البطّالين ، ويستوحشون من المساجد ومجالس العلماء ومجالس التوّابين والمؤمنين ، ويتّهمونهم بالرجعيّة والتخلّف والانحطاط ، وأنّه أراذل القوم اتّبعوا الأنبياء . وغريزة الاُنس هي من الغرائز ، وهي جذر الحياة الاجتماعية ، ويقال : الإنسان اشتقّ من الاُنس ، إذ يألف بالآخرين ويأنس بمحيطه ، ويبحث عن مجتمع يحكمه الاُنس الجماعي ، فيطالب بحكومة العدل والعلم والفلاح والصلاح ، يطالب من يحترم شخصيّته ، ولا يقيسه بالقرد والفأرة كما في المذهب الرأسمالي ، ولا بآلة ماكنة كما في المذهب الاشتراكي . وأمّا هم فمن الأثرياء ، يحملون الشهادات العليا ، ومن المثقّفين المتحضّرين ، فأنسوا بالناس واستوحشوا من الله ، وأين المفرّ من حكومة الله وسطوته وقدرته وسمعه وبصره ، وهو العليم الخبير . واستأنس : مشتق من الأنس والاُنس غريزة من غرائز الإنسان ، والغرائز حالات روحية ، لها جذور ثابتة في نفس الإنسان وباطنه ، تظهر في ضميره اللاشعوري ، على نحو الحاجة وتطالب إشباعها ، وهي التي تدفع الإنسان نحو حياة أفضل ، ولا تفتقر في تعليمها إلى معلّم ، إنّما هي إدراكات باطنية تختلف ضعفاً وقوّة طيلة مراحل حياة الإنسان ، وتبقى أصالتها مغروزة في وجود الإنسان ، ولا تختصّ بشعب دون شعب ، وبقوم دون قوم ، وبجغرافية وعصر خاص ، إنّما هي مع الإنسان منذ نعومة أظفاره في كلّ عصر ومصر ، تدرك أهدافها التي هي أهداف الحياة ، ولكن لا ندري كيف ترضي حاجتها وتشبع رغبتها ، ولا تدري ما هي مصاديقها إنّما البيئة والمحيط لما فيه من الجاذبيات ، يهديها ويرشدها إلى الخير أو الشرّ ، مثلا غريزة الجوع ، فالإنسان بهذه الغريزة يفهم ويدرك أنّ عليه أن يتغذّى ويأكل ويسدّ جوعه ويقوّي بدنه ، ولكن لا يدري من أيّ غذاء يأكل وكيف يأكل وكم مرّة يأكل ؟ فالمحيط يقدّم له الأكل ويعلّمه كيف يأكل وكم مرّة ، فالإنسان قبل حاجته إلى معلّم يعلّمه العلوم والفنون ويشبع فكره ، فإنّه يحتاج إلى مربٍّ ومعلّم يهدي غرائزه ، فإنّ الغرائز جذور حركة الإنسان من أجل حياة أفضل . وغريزة الاُنس هي من الغرائز ، وهي جذر الحياة الاجتماعية ، ويقال : الإنسان اشتقّ من الاُنس ، إذ يألف بالآخرين ويأنس بمحيطه ، ويبحث عن مجتمع يحكمه الاُنس الجماعي ، فيطالب بحكومة العدل والعلم والفلاح والصلاح ، يطالب من يحترم شخصيّته ، ولا يقيسه بالقرد والفأرة كما في المذهب الرأسمالي ، ولا بآلة ماكنة كما في المذهب الاشتراكي . ويقابل الاُنس التوحّش والفرار ، مقابلة الملكة وعدمها ، فمن يأنس بشيء يفرّ من ضدّه ، والضدّان لا يجتمعان . ( من استأنس بالله ) : الله : اسم علم وضع للذات ، واجب الوجود لذاته ، مستجمع جميع الصفات الكمالية ، من الجمال والجلال ، فهو المطلق في العلم والقدرة والحياة وجميع صفات الكمال ، كما ينزّه عن الجسم والحلول والإمكان وجميع القبائح والنقص ، فهو الواحد الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ، له الأسماء الحسنى والصفات العليا . ( استوحش ) : تعرف الأشياء بأضدادها فإذا عرفنا معنى الاُنس عرفنا ضدّه ، وهو الوحشة ، فمن يستأنس بشيء يستوحش من غيره ، كما يستوحش من فقده ، فالوحشة عبارة عن الاضطراب الباطني . ( من الناس ) : من بيانية ، والناس جمع محلّى بألف واللام يفيد العموم فمن يستأنس بالله ، فإنّ لازمه الطبيعي أن يستوحش من الناس ، هذا ما قاله الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ، وأمّا برهانه وأدلّته ولوازمه . فهذا ما سنذكره . الهوامش: ([1]) القيت مضمون هذه الرسالة كمحاضرة في مجمع من أهل العلم في منتدى اللبنانيين في مدينة قم المقدسة ، ليلة ذكرى ميلاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عام 1412 هجرية ( 8 ربيع الثاني ) . وأغلب مصادر الأحاديث عن موسوعة ( ميزان الحكمة ) وبعض الكلام إنّما هو مستلّ من الروايات الشريفة . المصدر: منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي - من قسم: المواضيع الإسلامية hghEks fhggi hghEks fhggi |
2013/02/15, 04:12 PM | #2 |
معلومات إضافية
|
|
2013/02/15, 04:12 PM | #3 |
معلومات إضافية
|
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا
|
2013/02/15, 05:52 PM | #4 |
معلومات إضافية
|
كل الشكر والاحترام اقدمه لك على هذا الموضوع الرائع وعلى مجهودك
|
2013/02/15, 08:12 PM | #5 |
معلومات إضافية
|
لك منـــــــي اجمل تحية موضوع في قمة الروعــــــــة
جزاك الله خيرا و نفعك و نفع بك جميع المسلمين |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الاُنس بالله |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
حسن الضن بالله | علي مولاي | القصة القصيرة | 8 | 2013/02/11 08:46 PM |
((لوازم الاُنس الإلهي - الحبّ)) | شيعة الحسين | المواضيع الإسلامية | 8 | 2012/10/25 07:38 PM |
ثق بالله ثقة عمياء اذ ..... | نورالانوار | المواضيع الإسلامية | 12 | 2012/08/25 09:50 PM |
| |