|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
#1 |
معلومات إضافية
![]() |
![]() ![]() اللهم صلِّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر العظيم المستودع فيها عدد ما أحاط به علمك . اللهم صلِّ على مُحمد وآل مُحمد وعجل فرجهم واهلك عدوهم من الجن والإنس من الأولين والآخرين 1 ـ أوَّل الناس إسلاماً : أجمعت الروايات على أنَّه لم يتقدّم من عليٍّ شرك أبداً ، ولم يسجد لصنم قط ، وتكرَّم وجهه منذ أول وهلة ، فلا طاف حول صنم ولا سجد له ، فكانت نفسه خالصة لله تعالى ، وكان عنواناً للشرف والاستقامة ، لقد صاحبته منذ الصبا صراحة الإيمان ، والثقة العالية بالنفس ، والشجاعة الضرورية لكل إرادة حقة ، فكان إيمانه هو الحاكم المطلق ، والمسيطر الأوحد على جميع حركاته وسكناته. فلا مجال لأن يتوهّم من عبارة أنه أول الناس اسلاماً كونه على خلاف ذلك قبل البعثة. والحقُّ أنَّه كان أوفر الناس حظاً ، بل هو الاصطفاء بحق ، حيث منَّ الله عليه بصحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ صباه حتَّى نشأ على يديه ، لم يفارقه في سلم أو حرب ، وفي حل أو سفر ، إلى أن لحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى وهو على ، صدر عليٍّ.. إنّه ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يغذِّيه معنوياً وروحياً ويؤدّبه ويعلّمه. ثم أسلمت السيدة خديجة أم المؤمنين فكانت ، ثالثة أهل هذا البيت ، إنّها أجابت وأسرعت الاجابة ، فكان هؤلاء الثلاثة يعبدون الله على هذا الدين الجديد قبل أن يعرفه بعد أحد غيرهم. ففي الصحيح : أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخرج إلى البيت الحرام ليصلِّي فيه ، فيصحبه عليٌّ وخديجة فيصلِّيان خلفه ، على مرأى من الناس ، ولم يكن على الأرض من يصلِّي تلك الصلاة غيرهم (1) . وعن عفيف بن قيس ، قال : كنتُ جالساً مع العبَّاس بن عبدالمطَّلب رضي الله عنه بمكة قبل أن يظهر أمرُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاء شاب فنظر إلى السماء حيث تحلَّقت الشمس ، ثم استقبلَ الكعبة فقام يصلي ، ثم جاء غلامٌ فقام عن يمينه ، ثم جاءت امرأةٌ فقامت خلفهما ، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة ، ثم رفع الشاب فرفعا ، ثم سجد الشاب فسجدا ، فقلت : يا عبَّاس ، أمر عظيم ، فقال العبَّاس : أمر عظيم ، فقال : أتدري من هذا الشاب ؟ هذا محمَّد بن عبدالله ـ ابن أخي ـ أتدري من هذا الغلام ؟ هذا علي بن أبي طالب ـ ابن أخي ـ أتدري من هذه المرأة ؟ هذه خديجة بنت خويلد. إنَّ ابن أخي هذا حدَّثني أنَّ ربَّه ربُّ السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه ، ولا والله ما على ظهر الأرض على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة ، قال عفيف : ليتني كنتُ رابعاً (2) . وبقي هؤلاء الثلاثة على هذا الدين ، يتكتمون من الناس أياماً طوالاً ، رجع في بعضها علي إلى أبيه بعد عودته من بعض الشعاب ، حيث كان يتعبَّد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ـ يا بني : ما هذا الدين الذي أنت عليه ؟ ____________ 1) المستدرك على الصحيحين | الحاكم النيسابوري 3 : 201 ، ح4842 | 440 ، دار الكتب العلمية. 2) تاريخ الطبري 2 : 56 ـ 57. ـ أجاب : يا أبه! آمنت بالله وبرسوله وصلَّيتُ معه. فقال أبوه : أمَّا إنَّه لا يدعونا الا إلى الخير فالزمه (1) . فكان علي أول من أسلم ، هكذا أثبت سائر أهل العلم ، وهذا ماتؤكّده الأحاديث النبوية الشريفة. ففي كلام أهل العلم : قال اليعقوبي في تاريخه : « كان أول من أسلم : خديجة بنت خويلد من النساء ، وعليٌّ بن أبي طالب من الرجال ، ثُمَّ زيد بن حارثة ، ثُمَّ أبو ذرٍّ ، وقيل : أبو بكر قبل أبي ذرٍّ ، ثُمَّ عمرو بن عبسة السلمي ، ثُمَّ خالد بن سعيد بن العاص ، ثُمَّ سعد بن أبي وقَّاص ، ثُمَّ عتبة بن غزوان ، ثُمَّ خبَّاب بن الأرت ، ثُمَّ مصعب بن عمير » (2) . وممَّن قال بأنَّ علياً أولهم إسلاماً : ابن عبَّاس ، وأنس بن مالك ، وزيد ابن أرقم. رواه الترمذي ورواه الطبراني عن سلمان الفارسي رضي الله عنه ، وروي عن محمَّد بن كعب القرظي ، وقال بريدة : أولهم اسلاماً خديجة ، ثُمَّ عليٌّ عليه السلام وحكي مثله عن أبي ذرٍّ ، والمقداد وخباب ، وجابر ، وأبي سعيد الخدري ، والحسن البصري وغيرهم (3) : أنَّ عليَّاً أول من أسلم بعد خديجة ، وفضّله هؤلاء على غيره (4) . وعن أنس بن مالك ، قال : « بعُث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الأثنين ، وأسلم عليٌّ ____________ 1) انظر الكامل في التاريخ 1 : 583. 2) تاريخ اليعقوبي 2 : 23. 3) انظر شذرات الذهب | ابن طولون : 48 ـ 49. 4) أسد الغابة 4 : 103. يوم الثلاثاء » (1) . وجاء في خبر محمَّد بن المنذر ، وربيع بن أبي عبدالرحمن ، وأبي حازم المدني والكلبي : أوَّل من أسلم عليٌّ. قال الكلبي : كان عمره تسع سنين ، وكذا قول الحسن بن زيد بن الحسن ، وقيل : إحدى عشرة سنة ، وقيل غير ذلك (2) . وقال ابن اسحاق : « أول من أسلم علي وعمره إحدى عشرة سنة » (3) ؟. ومن قال : « أسلم عليٌّ وهو ابن عشر سنين » مجاهد برواية يونس عن ابن اسحاق ، عن عبدالله بن أبي نجيح (4) . وقال عروة : أسلم وهو ابن ثمان ، وقال المغيرة : أسلم وله أربع عشرة سنة ، رواه جرير عنه (5) . وعن سعد بن أبي وقَّاص ، وقد سمع رجلاً يشتم أمير المؤمنين عليه السلام فوقف عليه وقرَّره بقوله : يا هذا ، علامَ تشتم عليَّ بن أبي طالب ؟ ألم يكن أول من أسلم ؟ ألم يكن أول من صلَّى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ألم يكن أعلم الناس ؟...إلى آخره (6) . ____________ 1) أسد الغابة 4 : 102 ، ينابيع المودَّة 2 : 68. 2) انظر تهذيب الكمال في أسماء الرجال 13 : 299 ـ 300. 3) الكامل في التاريخ 2 : 582. 4) انظرها في أسد الغابة 4 : 101. 5) سير أعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين) : 227. 6) مستدرك الحاكم 3 : 500 ، وصحَّحه هو والذهبي ، وحياة الصحابة 2 : 514 ـ 515. قال الشيخ المفيد : « والأخبار في كونه أول من اسلم كثيرة وشواهدها جمَّة ، فمن ذلك : قول خُزيمة بن ثابت الأنصاري ذي الشهادتين ؛ رحمه الله فيما أخبرني به أبو عبيدالله محمَّد بن عمران المرزباني ، عن محمَّد بن العباس ، قال : أنشدنا محمَّد بن يزيد النحوي ، عن ابن عائشة لخزيمة بن ثابت رضي الله عنه : ما كنت أحسب هــذا الأمر منصرفاً * عن هاشــم ثُمَّ منها عن أبي حسنِ أليـس أول مـن صلَّــى لقبلتهــم * وأعرف الناس بالآثار والسننِ » (1) أما الأحاديث النبوية الشريفة فإنَّ الواحد منها يكفي هنا لقطع النزاع وردّ أيّ ادعاء في تقديم أحد على عليّ عليه السلام في إسلامه ، والحق أن معظم الذين أدعوا أسبقية أبي بكر لم يقولوا بأنه أسلم قبل علي أو خديجة أو زيد بن حارثة ، بل وضعوا تصنيفاً من عند أنفسهم يجعل لأبي بكر أولوية بحسب هذا التصنيف ، فقالوا : أول من أسلم من النساء خديجة ، ومن الصبيان علي ، ومن الموالي زيد ، ومن العبيد بلال ، ومن الرجال أبو بكر (2) ! هذا مع أن أبا ذر ـ على الأقل ـ كان قد سبق أبا بكر ، وكان رابعاً. ولنقف الآن على بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي قطعت كل نزاع وردّت كل ادعاء : فمما ورد عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بسند صحيح قوله : « أوَّلكم وروداً عليَّ الحوض ، أوَّلكم إسلاماً عليُّ بن أبي طالب » (3) . ____________ 1) الارشاد 1 : 32. 2) انظر : البداية والنهاية 7 : 223. 3) الاستيعاب|ابن عبدالبرالقرطبي3 : 28 ، مطبوع بهامش الإصابة سنة 1328هـ.ق ، دارالمعارف ، مصر ، = وعن سلمان الفارسي : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أول هذه الأُمَّة وروداً على نبيِّها أولها اسلاماً عليٌّ بن أبي طالب ». رواه الدَبَري عن عبدالرزاق ، عن الثوري ، عن قيس بن مسلم ، قال الهيثمي : رواه الطبراني ورجاله ثقات (1) . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة الزهراء عليها السلام ، كما رواه أنس : « قد زوَّجتك أعظمهم حلماً ، وأقدمهم سلماً ، وأكثرهم علماً ». وروى نحوه جابر الجعفي وغيره (2) . وقال أبو ذر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعليٍّ عليه السلام : « أنت أول من آمن بي ، وأنت أول من يصافحني يوم القيامة ، وأنت الصدِّيق الأكبر ، وأنت الفاروق تفرِّق بين الحقِّ والباطل ، وأنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الكافرين » (3) . وأخيراً فقد كان علي عليه السلام يصرِّح في كثير من المناسبات بذلك ، فيقول عن نفسه : « أنا عبدالله وأخو رسوله ، وأنا الصدِّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر ، ولقد صلَّيت قبل الناس سبع سنين » (4) . ____________ = تاريخ بغداد | الخطيب البغدادي2 : 81 ، نشر دار الكتاب العربي ، بيروت ـ لبنان ، المستدرك على الصحيحين 3 : 136 ط سنة 1342هـ الهند وصحَّحه ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال 13 : 299 ، وعنه : أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد باب إسلامه رضي الله عنه 9 : 102. 1) انظر أسد الغابة 4 : 103. 2) سير أعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين) : 230. 3) إعلام الورى 1 : 360. 4) سنن بن ماجة 1 : 44|120 ، الخصائص | النسائي : 3 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 112. ويقول عليه السلام : « أنا الصدّيق الأكبر ، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر » (1) . وأمّا أبو بكر ، فقد أخرج الطبري في تاريخه بسندٍ صحيح أنه أسلم بعد خمسين رجلاً ، وهذا نصّ روايته : « حدّثنا ابن حُميد ، قال حدّثنا كنانة بن جبلة ، عن إبراهيم بن طَهمان ، عن الحجّاج بن الحجّاج ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي سالم بن أبي الجَعْد ، عن محمد بن سعد ، قال : قلت لأبي : أكان أبو بكر أوَّلكم إسلاماً ؟ فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين » (2) . 2 ـ الدعوة الخاصة : عليٌّ يوم الإنذار الأول : بُعثَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يضع في حسابه أنَّ دعوته ستجابه بالرفض والتحدِّي دون أدنى شكٍّ ، فعرب الجاهلية تشرَّبت قلوبهم بعبادة الأوثان ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تشغله هموم التبليغ ، وخاصة انَّه كان يتمنَّى أن يسارع في الاستجابة له أهله وعشيرته ، وكلُّ من يتَّصل به بنسب أو سبب ، لأنَّهم آله وعشيرته الذين يشكِّلون قوة مكينة ، لمكانتهم المرموقة في داخل مكَّة وخارجها ، فسيعود عليه إسلامهم بالنصر حتماً ، فيصبح مرهوب الجانب وفي منعةٍ من الأعداء الألدَّاء ، وهذه وسيلة متينة لتثبيت دعائم دعوته. ومع كلِّ تمنِّياته تلك كان يخشى أيضاً أن يرفضوا دعوته إذا دعاهم ____________ 1) ترجمة الامام علي عليه السلام من تاريخ دمشق 1 : 62|88. 2) تاريخ الطبري 2 : 316. لدين التوحيد ، فينضمُّوا إلى غيرهم من الأعداء والمكذِّبين والمستهزئين ببعثته صلوات الله وسلامه عليه.. في تلك اللحظات الحاسمة دوّى صوت جبرئيل ليملأ أُذني النبي بالنذارة ، مبلِّغاً عن الله عزَّ اسمه قوله : ( وَأنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِينَ* وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَإنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُون ) (1) . ألقاها على عاتقه الشريف ، وليس له مناصر ومعين غير نفر قليل مستخفّين بإيمانهم ، وكان هذا الحدث بعد مبعثه الشريف بثلاث سنين. قال جعفر بن عبدالله بن أبي الحكم : « لمَّا أنزل الله على رسوله ( وَأنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِين ) اشتدَّ ذلك عليه وضاق به ذرعاً ، فجلس في بيته كالمريض ، فأتته عمَّاته يعُدنه ، فقال : « ما اشتكيتُ شيئاً ، ولكن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين » » (2) .. بعد ذلك عزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امتثالاً لأوامر الله تعالى على إنذار آله وعشيرته ودعوتهم إلى الله ، فجمع بني عبدالمطلب في دار أبي طالب ، وكانوا أربعين رجلاً ـ يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً ـ وكان قد قال لعلي عليه السلام : « اصنع لي صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عساً من لبن » ، قال علي عليه السلام وهو ينقل هذا الحديث واصفاً قومه : « وإنَّ منهم ____________ 1) سورة الشعراء : 214. 2) الكامل في التاريخ 1 : 584. من يأكل الجذعة ويشرب الفرق » (1) ، وأراد عليه السلام بإعداد قليل من الطعام والشراب لجماعتهم إظهار الآية لهم في شبعهم وريِّهم ممَّا كان لا يشبع الواحد منهم ولا يرويه (2) . فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل ، أكنتم مصدقي ؟ » قالوا : بلى ، أنت عندنا غير متهم ، وما جرَّبنا عليك كذباً ، فقال : « أني نذير لكم من بين يدي عذاب شديد » فقطع كلامه عمه أبو لهب ، وقال : تباً لك ! ألهذا جمعتنا ؟! ثم عاد فجمعهم ثانية ، فأعاد أبو لهب مثل قولته الاولى ، فتفرّقوا ، فأنزل الله تعالى عليه ( تبت يدا أبي لهب وتب ) (3) الى آخر السورة المباركة. ثم جمعهم مرَّةً أُخرى ليكلِّمهم ، وفيهم أعمامه : أبو طالب والحمزة والعبَّاس وأبو لهب ، وغيرهم من أعمامه وبني عمومته ، فأحضر عليٌّ عليه السلام لهم الطعام ووضعه بين أيديهم ، وكان بإمكان الرجل الواحد أن يأكله بكامله ، فتهامسوا وتبادلوا النظرات الساخرة من تلك المائدة التي لا تقوم حسب العادة لأكثر من رجلين أو ثلاثة رجال ، ثم مدُّوا أيديهم إليها وجعلوا يأكلون ، ولا يبدو عليها النقص حتَّى شبعوا ، وبقي من الطعام مايكفي لغيرهم. فلمَّا أكلوا وشربوا قال لهم النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم : « يا بني عبدالمطَّلب ، والله ____________ 1) تاريخ اليعقوبي 2 : 27. 2) الإرشاد 1 : 49. 3) سورة المسد : 1. ما أعلم شابَّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممَّا جئتكم به ، إنِّي جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه » ثمَّ عرض عليهم أصول الإسلام وقال : « فأيُّكم يؤازرني على هذا الأمر ، على أن يكون أخي ووصيِّي ، وخليفتي فيكم من بعدي » ؟. فلم يجب أحد منهم ، فأعاد عليهم الحديث ثانياً وثالثاً ، وفي كلِّ مرَّةٍ لايجيبه أحد غير عليٍّ عليه السلام ، قال عليٌّ : ـ والرواية عنه ـ « فأحجم القوم عنها جميعاً ، وقلت ـ وأنا لأحدثهم سناً ـ : أنا يا نبيَّ الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ، ثُمَّ قال : إنَّ هذا أخي ، ووصيِّي ، وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ». قال : « فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع » (1) . فقال أبو لهب : خذوا على يَدَي صاحبكم قبل أن يأخذ على يده غيركم ، فإن منعتموه قُتلتم ، وإن تركتموه ذللتم. فقال أبو طالب : يا عورة ، والله لننصرنَّه ثُمَّ لنعيننَّه ، يا ابن أخي إذا أردت أن تدعو إلى ربِّك فأعلمنا حتَّى نخرج معك بالسلاح (2) . ومن بين جميع الأهل والأقارب كان محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم شديد الحزن والمرارة ، فقد كان وحيداً ، وكان يتمنَّى مناصرة قومه له على قوى الشرك المدجَّجة بالمال والسلاح ، لكنَّ عليَّاً عليه السلام كان قوماً له رغم صغر سنه ، ____________ 1) تاريخ الطبري 2 : 217 ، معالم التنزيل في التفسير والتأويل | البغوي 4 : 278 ، الكامل في التاريخ 1 : 586 ، الترجمة من تاريخ ابن عساكر 1 : 100|137 و138 و139 ، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل| الحاكم الحسكاني الحنفي ـ تحقيق محمَّد باقر المحمودي ـ مؤسسة الأعلمي بيروت 1 : 372 ـ 373|514 و420|580 ، كنز العمَّال 13 : 131|36469. 2) تاريخ اليعقوبي 2 : 27 ـ 28. وشاءت الأقدار أن ينصر أخاه بسلاحه « فأنا حربٌ على من حاربت » ، بهذه التلبية أثمر الاصطفاء ، وأُرسيت دعائم الإسلام فوق جماجم الشرك.. وهذا البيان الصريح في علي عليه السلام : « أخي ، ووصي ، وخليفتي من بعدي » لابد أن يجد من يبذل كل جهد للالتفاف عليه إما بالتغييب ، وإما بالتكذيب ، واما بالتأويل... ذكر الشيخ محمَّد جواد مغنية في كتابه ( فلسفة التوحيد والولاية ) ـ بعد أن ذكر المصادر الأساسية لهذه الواقعة ـ : أنَّ من الذين رووا نصَّ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم على عليٍّ عليه السلام بالخلافة ـ عندما دعا عشيرته وبلَّغهم رسالة ربِّه ـ : محمَّد حسين هيكل في الطبعة الأولى من كتابه ( حياة محمَّد ) ، ومحمَّد عبدالله عنان في كتابه ( تاريخ الجمعيات ) ، ولكنَّ هيكل ـ في الطبعة الثانية وما بعدها من الطبعات ـ قد مسخ الحديث المذكور وحرَّف منه كلمة « خليفتي من بعدي » في مقابل خمسمائة جنيه ، أخذها من جماعة ثمناً لهذا التحريف (1) . أمَّا ابن كثير فقد ذكر القصَّة بتفاصيلها ـ ولكن بقصد تكذيبها ـ إلى أن قال : فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « أيُّكم يؤازرني على هذا الأمر ، على أن يكون أخي » وكذا وكذا ؟. قال عليٌّ ـ عليه السلام ـ : « فأحجم القوم جميعاً ، وقلت ـ وإنِّي لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً ، وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً ـ : أنا يا نبيَّ الله أكون وزيرك ____________ 1) أنظر سيرة المصطفى ـ نظرة جديدة| هاشم معروف الحسني ، منشورات الشريف الرضي : 130 ، وكذا ذكره في كتابه سيرة الأئمة الاثني عشر 1 : 157 ، وأضاف قائلاً : بعد أن ساوموه على شراء ألف نسخة من الكتاب فوافق على ذلك ، ورواه في ط2 وما بعدها بدون كلمة « خليفتي من بعدي ». عليه ، فأخذ برقبتي ، فقال : إنَّ هذا أخي ـ وكذا وكذا ـ فاسمعوا له وأطيعوا »! (1). ثم قال : « تفرّد به عبدالغفَّار بن القاسم أبو مريم ، وهو كذَّاب شيعي ، اتهمه عليُّ بن المديني بوضع الحديث وضعَّفه الباقون » (2) . ثمَّ يضيف ـ في الصفحة ذاتها ـ قائلاً : « ولكن روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه ، عن الحسين بن عيسى بن ميسرة الحارثي ، عن عبدالله بن عبدالقدُّوس ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، وعن عبدالله بن الحارث قال : قال عليٌّ عليه السلام : « لمَّا نزلت هذه الآية : ( وَأنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِين ) (3) قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إصنع لي شاةً بصاع من طعام ، وإناء لبناً ، وادعُ لي بني هاشم ؛ فدعوتهم وإنَّهم يومئذٍ لأربعون غير رجل ، أو أربعون ورجل » فذكر القصَّة إلى قوله : « فبدرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكلام ، فقال : أيُّكم يقضي عنِّي دَيني ، ويكون خليفتي في أهلي » ؟ فسكتوا وسكت العبَّاس ، خشية أن يحيط ذلك بماله ، وسكتُّ أنا لسنِّ العبَّاس. ثمَّ قالها مرَّةً أُخرى ، فسكت العبَّاس ، فلمَّا رأيت ذلك ، قلت : أنا يا رسول الله. قال : أنت ؟! قال : وإنِّي يومئذٍ لأسوأهم هيئةً ، وإنِّي لأعمش العينين ، ضخم البطن ، ____________ 1) البداية والنهاية 3 : 40. 2) نفس المصدر. 3) الشعراء : 26. حمش الساقين! » » (1) فلنتناول هذا الكلام من جميع وجوهه ، لنعرف أين محله : 1 ـ فأمَّا عبدالغفَّار بن القاسم أبو مريم ، الذي طعن عليه ، فقد وصفه ابن حجر العسقلاني ، فقال : كان ذا اعتناء بالعلم وبالرجال ـ قال ـ وقال شعبة : لم أرَ أحفظ منه ، وقال ابن عدي : سمعت ابن عقدة يثني علىأبي مريم ويطريه وتجاوز الحدَّ في مدحه ، حتى قال : لو ظهر على أبي مريم ما اجتمع الناس إلى شعبة. أمَّا تضعيفهم له فإنَّما جاء من وصفه بالتشيُّع ، قال ابن حجر (2) ـ في ترجمته ذاتها ـ : قال البخاري : عبدالغفَّار بن القاسم ليس بالقويِّ عندهم ، حدَّثنا أحمد بن صالح حدَّثنا محمَّد بن مرزوق ، حدَّثنا الحسين بن الحسن الفزاري ، عن عبدالغفَّار بن القاسم ، عن عَدي بن ثابت ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عبَّاس ، قال حدَّثني بُريدة : قال صلى الله عليه وآله وسلم : « عليٌّ مولى من كنت مولاه »!! ـ فمن هنا جاء طعنهم عليه. 2 ـ وأمَّا قوله : إنَّ الحديث فيه عبدالغفَّار بن القاسم ، فقد ورد الحديث من طرق أُخرى ليس فيها عبدالغفَّار كما في ( مسند أحمد ) و( الخصائص ) للنسائي ، و( تاريخ الطبري ) و( تاريخ دمشق ) و( شواهد التنزيل ) (3) . ____________ 1) نفس المصدر. 2) لسان الميزان | ابن حجر 4 : 42 ط مؤسسة الأعلمي. 3) اُنظر : مسند أحمد 1 : 159 ، الخصائص : 18 ، تاريخ الطبري 2 : 219 ، ترجمة الامام علي من تاريخ دمشق 1 : 99|137 ، شواهد التنزيل 1 : 420| 580. وراجع منهج في الانتماء المذهبي| الأستاذ صائب عبدالحميد : 80 ـ 83. ugd ugdi hgsghl lu hgvs,g wgn hggi ,Ngi ,sgl fu] hgfuem Z td l;m ![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
السلام عليكم ياآل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) | عبيرالرحمة | سيرة أهـل البيت (عليهم السلام) | 4 | 2015/09/30 08:25 PM |
علي عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة | عاشق نور الزهراء | سيرة أهـل البيت (عليهم السلام) | 3 | 2013/07/30 05:00 AM |
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يهيّئ أهل بيته لتلقّي الظلامة والاضطهاد | علي | المواضيع الإسلامية | 6 | 2013/05/05 05:29 PM |
قالت فاطمة (عليها السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا أبتاه أين ألقاك | عاشق نور الزهراء | الواحة الفاطمية | 4 | 2013/04/11 03:55 AM |
تعزية بمناسبة وفاة الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) | ابراهيم العبيدي | خيمة شيعة الحسين العالميه | 7 | 2013/01/11 10:33 AM |
| |