Untitled 2
العودة   منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي > المنتــديات العامة > المواضيع الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016/06/21, 09:51 AM   #51
السيد مرتضي

موالي ممتاز

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3744
تاريخ التسجيل: 2015/03/16
المشاركات: 369
السيد مرتضي غير متواجد حالياً
المستوى : السيد مرتضي is on a distinguished road




عرض البوم صور السيد مرتضي
افتراضي


إليك ملخص الجلسة التاسعة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

بودّي في هذه الجلسة أن ألخّص مجمل ما ذكرناه في الجلسات السابقة وأستعرض ما خرجنا به من نتائج، لكي يطّلع عليه الإخوة الذين لم يرافقونا من الأول، وكذلك يحصل الإخوة الذين تابعونا من بداية الأبحاث على صورة واضحة عن مجمل ما طرحناه في الليالي الماضية. لابدّ لنا في هذا البحث أن نطوي ثلاثة مراحل، ونحن لم نطوِ عبر الجلسات الماضية إلا المرحلة الأولى منه.
1ـ نحن بحاجة إلى برنامج واحد للحياة والعبادة



نحن ومن أجل أن نحظى بحياة وعبادة أفضل، بحاجة إلى برنامج جيّد. وأساسا نعتقد أن البرنامج الذي يحسّن حياتنا من شأنه أن يحسّن عبادتنا أيضا. وبالعكس، إن البرنامج الذي يحسّن عبادتنا يحسّن حياتنا أيضا.

لابدّ أن يكون هذا البرنامج نافعا لجميع الناس بلا فرق بين المتديّن وغيره، فإذا لم يكن الإنسان متدينا، ينبغي لهذا البرنامج أن يعينه على تحسين حياته، وإن كان متديّنا يعينه على عبادته. ولهذا فمثل هذا البرنامج يهيّئ الأرضيّة لتحاور المتديّنين مع غير المتدينين، كما أن كثيرا من رواياتنا قد اتخذت هذا الخطاب في أسلوبها، يعني أنها قد أشارت إلى أساليب وآداب في الحياة بغض النظر عن الدّين والإيمان، حتى إذا لم يرد أحد أن يعمل بمفادها بدافع ديني، يعمل بها بدافع تطوير حياته.

2ـ يجب أن يكون البرنامج متناسبا مع «تركيبة وجود الإنسان» و «ظروف الحياة الطبيعية»



يجب أن يكون البرنامج متناسبا مع «تركيبة وجود الإنسان» و «ظروف الحياة الطبيعية». فلا ينبغي أن يكون البرنامج خياليّا وبلا علاقة مع هويتنا الإنسانيّة وتركيبتنا الوجودية. وبالإضافة إلى ذلك لابدّ لهذا البرنامج أن يكون منسجما مع خصائص حياة الإنسان والسنن التي تتحكم في عالم الوجود.

فعلى سبيل المثال إحدى خصائص الحياة الدنيا هي أنها كلّما تعطي الإنسان شيئا تسترجعه منه، فإن أعطته الشباب أو الصحّة لا تبقيه على حاله بل تعود إليه وتسلبه ما منحته في الماضي. هذه من طباع الدنيا. وكذلك الدنيا لا تخلو من مشاكل ومنغّصات، فلابدّ أن يؤذيك أحد في حياتك، إما زوجك وإمّا جارك وإما أن تلتقي بعابر مارّ يؤذيك. إن درب الحياة الدنيا لا يخلو من الأشواك ولا فائدة لعقد آمال القلب وأمانيه بعيش خالٍ من المشاكل والمنغّصات. إذن لابدّ أن يكون البرنامج على أساس هذه الميزة في الحياة الدنيا.

مع الأسف إن أكثر مناهجنا الدينية المدوّنة قد تم تنظيمها بغض النظر عن خصائص الحياة. وأساسا أحد المواضيع التي نعاني من الضعف فيها هو معرفة الحياة. بينما هناك قسم كبير من آيات القرآن قد تصدت لتبيين خصائص الحياة.
3ـ أهم رأسمال الإنسان قلبه، أي موطن أمياله/إن أميال الإنسان تمثل الطاقة المحركة لنشاطه



أهم رأسمال الإنسان قلبه الذي هو موطن أمياله ونزعاته. ففي الواقع إن أميالنا ونزعاتنا تمثل أهم رأسمالنا. فإن نزعاتنا هي التي تربط علاقتنا بالحياة وتدفعنا بالطاقة للحركة والنشاط، ففي الواقع إن أميال الإنسان تمثّل الطاقة المحرّكة في وجوده. إن سلطان روح الإنسان قلبه والقلب هو مقرّ الأوامر والإيعازات وهو الذي يأمر الإنسان بالتحرك والنشاط في سبيل سدّ احتياجاته.
4ـ من أهم خصائص الإنسان هو تعارض نزعاته/هناك تضارب في ذات الإنسان



من أهمّ خصائص قلب الإنسان أي مقرّ نزعاته هي أنه ينطوي على أميال ورغائب متضاربة، وليس للإنسان بدّ سوى أن يختار بعض هذه الأميال ويكفّ عن بعض أخر، وبطبيعة الحال سوف يواجه متاعب ومصاعب ومحن في هذا المسار. نحن لم نولد برغبة واحدة بل قد ولدنا برغبات مختلفة ومتنوّعة، فإن اتجهنا لأيّ من هذه الرغبات سوف نقعد عن الأخرى. فمن هذا المنطلق هناك نزاع وتضارب دائم في ذات الإنسان بين مختلف نزعاته المتعارضة.

ينطوي الإنسان على أهواء مختلفة وإن بعضها متضادة ومتعارضة مع بعض وهناك عداء في ما بينهم. ولهذا فإن في ذات الإنسان تضاربا ونزاعا وعليه فدائما هناك ضحايا في ذات الإنسان، إذ لا سبيل له سوى أن يضحّي ببعض رغباته في سبيل بعض أخر.

إن هذا التضارب يبعث في ذات الإنسان حيرة لا مناص منها، إذ هو يحبّ جميع «رغباته»، ولكن ليس بوسعه أن ينال جميعها، فيضطر إلى أن يختار بعضا منها دون الباقي. ثم إن عمليّة الاختيار تحتاج إلى تضحية، وهي بمعنى العبور من إحدى الرغبات في سبيل الوصول إلى رغبة أخرى، إذ لا مجال للحصول على جميع الرغائب معا. إذن لا يخلو ذات الإنسان من الحلاوة والمرارة معا.
5ـ هناك نوعان من الرغبات في وجود الإنسان: 1ـ الرغبات السطحيّة والظاهرة وهي بالفعل و2ـ الرغبات العميقة والخفيّة وهي بالقوّة



هناك رغبتان عامّتان في وجود الإنسان؛ 1ـ الرغبات السطحية والظاهرة وهي بالفعل 2ـ الرغبات العميقة والخفية وهي بالقوّة. وعادة ما تسمى الفئة الأولى بالرغبات الغريزية وتسمّى الثانية بالرغبات الفطريّة. وإن النزاع القائم في وجود الإنسان هو بين هذين النوعين من الرغبات.

وإن تبدو الرغبات السطحية أشدّ وأقوى في بادئ الأمر ولكن النزعات والأميال العميقة هي الأقوى. إن اللذة التي يعيشها الإنسان بعد ما يلبّي رغباته العميقة والكامنة كثيرة جدا ولا تقاس باللذة القليلة والمحدودة الحاصلة بعد تلبية الرغبات السطحية.
6ـ يبدأ الإنسان بتجربة الرغبات السطحية ولكن لا يقف عندها



يبدأ الإنسان بتجربة الرغبات السطحية ولكنه لا يشبع بها، فلا يشعر إنسان بالرضا بعد تمتعه بالرغبات السطحية بل لا يزال حائرا ويبحث عن لذة من نمط آخر تشبع روحه.

في الواقع لا يقنع إنسان بتلبية رغباته السطحية ومهما تمادى في التمتع بهذه الرغبات يزداد إصرارا وولعا بتجربة المزيد من اللذة إذ لم تستقر روحه ولم يشعر بالرضا. وذلك لأنه لم يلتفت إلى رغباته الحقيقية والعميقة التي لا تقنع النفس إلا بها.

يتبع إن شاء الله...




توقيع : السيد مرتضي
رد مع اقتباس
قديم 2016/06/21, 11:53 PM   #52
العقيلة

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3785
تاريخ التسجيل: 2015/04/19
المشاركات: 805
العقيلة غير متواجد حالياً
المستوى : العقيلة is on a distinguished road




عرض البوم صور العقيلة
افتراضي

اللهم صلى على محمد وال محمد
احسنتم ويبارك الله بكم
شكرا كثيرا ع الموضوع


رد مع اقتباس
قديم 2016/06/26, 10:09 AM   #53
السيد مرتضي

موالي ممتاز

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3744
تاريخ التسجيل: 2015/03/16
المشاركات: 369
السيد مرتضي غير متواجد حالياً
المستوى : السيد مرتضي is on a distinguished road




عرض البوم صور السيد مرتضي
افتراضي

7ـ إن غاية الرغبات العميقة والفطريّة في الإنسان هي طلب الله والشوق إلى لقائه



إن غاية الرغبات العميقة والفطريّة في الإنسان هي طلب الله وعشق التقرب منه والشوق إلى لقائه. إنّ العشق المحوري الكامن في قلب الإنسان هو حب الله ولم يكن الإنسان بطالب شيئا كحب الله، ولكنه حبّ محجوب في القلب وغالبا ما تخفيه الرغبات السطحية وتمنع الإنسان من كشفها ونيلها. إن محور الإيمان ليس «وجود الله» إذ أن الإيمان بوجود الله مقدمة الإيمان، بل محور الإيمان هو «حب لقاء الله».
8ـ «الطريق الوحيد» هو غضّ الطرف عن الرغبات الظاهرية، للوصول إلى الرغبات العميقة



«الطريق الوحيد» للحصول على حياة طيّبة وعبادة جيّدة هو أن نغض الطرف عن رغباتنا الظاهرية وما هي بالفعل لنصل إلى الرغبات العميقة والتي هي بالقوة. لابدّ أن نضحّي برغباتنا السطحيّة وهذه النقطة هي مبدأ انطلاقنا في جهاد النفس. وإن مفعول جميع المفاهيم الدينية كالإيمان والتقوى والقيامة ونار جهنّم والجنّة هي أن تأخذ بأيدينا في هذا الطريق. وكذلك لابدّ أن نفهم أثر أولياء الله وحبهم في هذا الإطار، وبالتأكيد إن دور أبي عبد الله الحسين(ع) في هذا المسار دور خاصّ.
إن حب الحسين(ع) هو النزعة الفطرية والخفية الوحيدة التي يمكن كشفها بسهولة



إن الإمام الحسين(ع) يمثل أروع فرصة للإنسان لكشف فطرته. إن حب الحسين(ع) هو تلك النزعة الفطرية والخفية الوحيدة التي يقدر الإنسان على كشفها في قلبه بسهولة، وحتى بإمكان الناس العاديّين الذين لم يطووا مدارج التقوى أن يجدوا هذا الحب في قلبهم.

من أجل كشف حب الله، لابد أن تستأصل حب الدنيا من قلبك تماما، ولكن لا يشترط ذلك في حبّ الحسين(ع)، إذ يمكن للقلب المحب للدنيا أن يحبّ الحسين(ع) ويذوق حلاوة حبّه بسهولة. فإذا أراد الإنسان أن يعيش تجربة حبّ الله ويعرف جنس هذا الحبّ، بإمكانه أن يعرف ذلك عبر الشعور بلذة حب الحسين(ع).
9ـ من أهم قدرات الإنسان هو قدرته على تحديد الأولويات بين مختلف أمياله، أي «التعقل»



بعد ما عرفنا هذه الحقيقة وعدم إمكان تلبية جميع الرغبات معا، وأن لابدّ من اختيار بعضها دون الأخرى، فلابدّ أن نرى بأيّ وسيلة يجب أن نقوم بهذا الاختيار. من أهمّ قدرات الإنسان هو قدرته على تحديد الأولويّات وهو ما يسمّى بالتعقّل. إذن يمكن أن نقول: أهمّ «رأسمال» الإنسان هو أمياله ونزعاته و أهم «قدرة» في وجود الإنسان هي العقل.

العقل يفتينا بأن العشق الخالد واللذة الباقية أفضل بلا ريب. وهناك حرب قائمة بين العقل وهوى النفس، إذ أن العقل يختار النزعات الأفضل والأعمق والأبقى أما هوى النفس فيميل إلى النزعات الأقل قيمة والأكثر سطحية وظهورا.

وعلى أساس ما روي عن رسول الله(ص)، كلّما يفضّل الإنسان رأي هوى نفسه على عقله، ينقص من إمكانيات عقله شيء لا يرجع أبدا؛ «مَن قارَفَ ذَنباً فارَقَهُ عَقلٌ لا یَرجِعُ إلَیهِ أبداً» [میزان الحکمة/ الحدیث6751].
10ـ إن في الاهتمام بالأميال السطحيّة مشكلتين: 1ـ لن يطمئن قلب الإنسان مهما نال منها 2ـ لن يقدر على نيل جميعها أبدا


إذا تمحّض الإنسان في تلبية نزعاته الغريزيّة والظاهريّة سيواجه مشكلتين: 1ـ لن يطمئن قلب الإنسان مهما نال منها 2ـ لن يقدر على تلبية جميع هذه الأميال السطحية. وبعبارة أخرى سواء ألبّى رغباته أم لم يلبّها فهو يشعر بالخيبة.
11ـ إن تلبية الرغبات العميقة تواجه مشكلتين: 1ـ لا يمكن تجربتها في بادئ الأمر 2ـ لابدّ وفي سبيل نيلها من غض البصر عن اللذات السطحيّة


ماذا يواجه الإنسان في ما إذا عمد إلى تلبية رغباته العميقة؟ إن تلبية الرغبات العميقة أيضا لا تخلو من مشكلتين:

الأولى هي أن لا يمكن تجربتها في بادئ الأمر؛ يعني عادة ما لا يذوق الإنسان طعم نزعاته الفطريّة العميقة في البداية، إلا القليل أو بعض النزعات العميقة الخاصة من قبيل حب الحسين(ع).

المشكلة الثانية التي تواجهنا هي أنّ نيل هذه الرغبات يقتضي غضّ النظر عن بعض اللذائذ والأميال السطحيّة والتضحية بها. ولهذا فأوّل ما يبدأ الإنسان بالعبور عن هذه النزعات السطحيّة يواجه صعوبة، خاصة وأنه لم يذق طعم النزعات العميقة بعد، وقد تخلّى عن أهوائه الغريزيّة. فعليه أن يصبر في هذه المرحلة لينال غايته بالتدريج. ولكن ما يمنع الإنسان من التوفيق هو خوفه من «الحرمان من تلك، والفشل في هذه»، فلابدّ من الغلبة على هذا الخوف الكاذب، فقد بُعِث الأنبياء جميعا ليطمئنونا على أن هناك حقائق وبشارات، فاسعوا لها سعيها.

يتبع إن شاء الله...




توقيع : السيد مرتضي
رد مع اقتباس
قديم 2016/06/26, 10:09 AM   #54
السيد مرتضي

موالي ممتاز

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3744
تاريخ التسجيل: 2015/03/16
المشاركات: 369
السيد مرتضي غير متواجد حالياً
المستوى : السيد مرتضي is on a distinguished road




عرض البوم صور السيد مرتضي
افتراضي

12ـ إن مخالفة الأميال السطحية بحاجة إلى «برنامج» والدين هو المرجع لإعطاء البرنامج/ لماذا لا يمكن جهاد النفس بلا برنامج؟


إن مخالفة الأميال السطحيّة بحاجة إلى برنامج والدين يمنح الإنسان هذا البرنامج الجهادي. إن مجمل البرنامج الديني بشكل عام وفلسفة جميع الأحكام الدينية وحتى العبادات هو جهاد النفس.

لماذا لا يمكن جهاد النفس بلا برنامج؟ إذ أن جهاد النفس ومخالفة الأهواء لا يعني رمي جميع النزعات الظاهرية والقضاء عليها! بل لا ينبغي ذبح هذه النزعات واستئصالها كما يجب تلبية بعضها أحيانا. فعلى سبيل المثال إن جعنا يجب أن نأكل، وإن بلغنا ورغبنا في الزواج علينا أن نتزوّج.

فلو كان القرار أن نقضي على نزعاتنا السطحيّة والظاهرية جملة واحدة وأن نضحّي بجميع احتياجاتنا الابتدائية كالمرتاضين، لما كنا بحاجة إلى برنامج. وأساسا من صعوبات هذا البرنامج وتعقيداته هو أن لابدّ من تلبية بعض هذه الرغبات السطحيّة.
13ـ من أهم خصائص حياة الإنسان هو العناء لا اللذة


إن من أهمّ خصائص حياة الإنسان هو العناء لا اللذّة. يعني أن الأصل والأساس في حياتنا هو العسر والعناء؛ (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فی‏ کَبَد)[البلد/4] وبالتأكيد إن هذا العناء لا يخلو من راحة ويسر؛ (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْرا)[الإنشراح/6] ولكن الأساس هو العسر. لم تكن الدنيا مهيأة لتجربة حياة ملؤها اللذة والهناء والراحة وأن لا مشكلة في هذا البين إلا أن نمرّ من احتياجاتنا السطحيّة مرور الكرام وثم نحصل على حياة ممتعة في هذه الدنيا، كلا! إذ قد عجنت ذات حياة الدنيا بالعسر والحرمان.

يمكن تقسيم آلام الدنيا إلى قسمين؛ ثابتة ومتغيّرة. إن بعض الآلام ثابتة للجميع ولا مناص منها تقريبا. فعلى سبيل المثال قد فرضت طبيعة هذا العالم ألم المخاض على جميع النساء وهذا واقع لا مفرّ منه.
يحاول الكثير من الناس أن يفرّوا بأوهامهم عن هذا الواقع وهو «أننا مضطرون إلى تحمل العسر والعناء»


مع الأسف إن كثيرا من الناس غير مستعدين لاستماع وقبول حقيقة أن حياة الإنسان لا تخلو من العسر والعناء، كما لم يقتنع الكثير من الناس بحقيقة «أننا مضطرون إلى تحمل العسر والعناء». بما أننا لا نرغب في تحمل العسر والعناء، نؤمّل أنفسنا أن لا عسر إن شاء الله في حياتنا، في حين أنّ هذا الأمل وهمٌ محض. وقد بلغ امتداد هذه الأوهام إلى حدّ أننا أصبحنا لا نجرأ على ذكر قائمة الآلام والمحن الثابتة والمتغيرة في هذه الدنيا خوفا من طلّاب الراحة والدعة.

إذن أصبح تعريف حياة الإنسان هو «العسر والجهاد» إذ قد انطوت ذات حياة الدنيا على العسر ولابدّ في هذا الخضمّ من مخالفة أهواء النفس وأميالها، فهذان عنصران متلازمان في تعريف الحياة.
إن الآمال والأمانيّ النفسيّة تعمي الإنسان عن مشاهدة عسر الحياة ومشاهدة «الموت»


يخدع كثير من الناس أنفسهم ويكذبون على أنفسهم ولا يريدون أن يشاهدوا حقائق الحياة. وكما قال أمير المؤمنين(ع): « الْأَمَانِيّ‏ تُعْمِي‏ عُیُونَ‏ الْبَصَائِرِ»[غررالحکم/الحديث1417].

أحد أهم محاور مرارة الدنيا هو الموت. إن الالتفات إلى قضية الموت تفهّم الإنسان أن الحياة مرّة واقعا ولا تسمح لحلاوة الدنيا أن تأخذ مأخذها من قلب الإنسان. ولكن الأميال النفسانية والآمال الطويلة تعمي الإنسان عن مشاهدة عسر الحياة ومشاهدة الموت. لقد قال أمير المؤمنين(ع): «الْأَمَلُ‏ حِجَابُ‏ الْأَجَل»[عیون الحکم/ص43] وكذلك قال(ع): «الْأَمَلُ‏ سُلْطَانُ‏ الشَّیَاطِینِ عَلَى قُلُوبِ الْغَافِلِین»‏ّ[غررالحکم/الحديث1853]

وقد قال رسول الله(ص): «إنّ آدمَ قَبْلَ أن یُصیبَ الذَّنْبَ کانَ أجلُهُ بینَ عَیْنَیْهِ و أملُهُ خَلْفَهُ، فلمّا أصابَ الذَّنْبَ جَعَلَ الله ُ أملَهُ بینَ عَیْنَیْهِ وأجلَهُ خَلْفَهُ، فلا یَزالُ یُؤَمِّلُ حتّی یَمُوتَ»[میزان الحکمة/الحديث756]
14ـ مجمل حياة الإنسان عبارة عن: عسر + جهاد/ فلابد أن: 1ـ نعترف بمرارة الدنيا 2ـ نضيف إلى مرارتها مرارة جهاد النفس


إن الأجل يمثل أحد أهم عناصر مرارة الدنيا، وهو ينغّص كل حلاوة الدنيا ولذائذها، فسلّم لهذه الحقيقة ولا تحاول مصارعتها. هذه هي حقيقة الدنيا فلا تخدع نفسك. ليس بإمكانك أن تخدع الدنيا فاعبر منها فإنك إن خضت في الدنيا وآمالها، تصطدم بأشواكها وسوف لا تجني منها إلا الخيبة والحسرة. فالحل هو أن تعبر من الدنيا فهيا تمتّع بهذا الطريق.

الخطوة الأولى للالتذاذ والتمتع في الحياة الدنيا هو أن تعترف بأن الدنيا مرّة. بعد ذلك وبعد الاعتراف بمعاناة الحياة، لابدّ أن تخوض في معمعة أخرى وتوطن نفسك على مرارتها وهي ساحة جهاد النفس، فإن فعلت ذلك سوف تذوق حلاوة الحياة في هذه الدنيا قبل الآخرة. بهذا الأسلوب سوف تأتي الدنيا في قبضتك ويتسنّى لك أن تركب جَمَلها وتمسك بزمامها، لا أن تستحوذ عليك آمال الدنيا وأمانيها.

إن تركنا الدنيا وأسقطناها من عيننا لما فيها من مرارات ومعاناة وجاهدنا أنفسنا، سوف يصل بنا الأمر إلى أن تأتينا الدنيا بنفسها وتعطينا زمام أمرها.

فحصيلة الكلام هو هذا التعريف الموجز للحياة الدنيا، فهي عبارة عن: عسر وجهاد؛ العسر الذي تفرضه علينا الدنيا والجهاد الذي لابدّ لكل امرئ أن يمارسه مع أهوائه ونزعاته السطحيّة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



توقيع : السيد مرتضي
رد مع اقتباس
قديم 2016/07/04, 09:50 AM   #55
السيد مرتضي

موالي ممتاز

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3744
تاريخ التسجيل: 2015/03/16
المشاركات: 369
السيد مرتضي غير متواجد حالياً
المستوى : السيد مرتضي is on a distinguished road




عرض البوم صور السيد مرتضي
افتراضي


إليك ملخص الجلسة العاشرة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.




لقد حاولنا في الجلسات الماضية أن نصل إلى برنامج لرشدنا وارتقائنا على أساس «واقع وجود الإنسان» يعني كيفية وجود الإنسان والغرض من خلقته، وكذلك على أساس «واقع الحياة الدنيا» وكيفية تصميمها. وقلنا إن المحور الرئيس في حركة وجود الإنسان هو «مخالفة أهواء النفس». فلابدّ للإنسان أن يتدرب على التضحية من البداية. لقد انطوى وجود الإنسان على رغبات مختلفة لا يمكن أن ينالها جميعا. وكذلك دنيانا هذه قد ملئت بالآلام والمحن وكثيرا ما تنغص حياة الإنسان. وحتى عندما تعطي الإنسان شيئا وتلبي رغبته في مورد ما، فإنما ذلك مقدمة لسلب ذاك الشيء وإذاقة مرارة الحرمان للإنسان.

لم تصمّم الدنيا بهذا الشكل، بسبب زيادة قيمة المرارة على الحلا. ومن جانب آخر لا يلتذّ الله سبحانه بمعاناتنا، بل إن هذه المحن والمعاناة قد فرضت من أجل إنتاج القيمة المضافة وإحداث التغيير. إذ لابدّ ومن أجل إنتاج القيمة المضافة وإحداث التغيير أن ندع بعض ما نهواه ونشتهيه، وإلا فإن اتجهنا إلى ما نرغب، فلا أحدثنا تغييرا ولا أنتجنا قيمة مضافة.
لماذا يجب التأكيد على العناء في هذا الدرب؟


إذا أردنا أن نزداد ثمنا وتكون حركتنا ذا قيمة وثمن على خلاف النباتات والحيوانات والملائكة، لابدّ أن تجذبنا رغبة إلى ما هو عكس اتجاه الله من جانب، وتجذبنا رغبة أخرى إلى الله من جانب آخر.

كلما نخالف أهواءنا السطحية، فقد خطونا خطوة قيّمة إلى الله سبحانه. وبما أن هذه المخالفة سوف تحدث دائما في حياتنا، ولابدّ أن تحدث فإذن نحن في معاناة مستمرة في هذه الحياة الدنيا وفي حركتنا إلى الله سبحانه.

لماذا يجب أن نؤكد على العناء في هذا الدرب؟ لأن الإنسان ولشدّة حبّه للراحة والدعة واللذة، يزعم أنه سوف يصل إليها في هذه الدنيا، فيؤدي به هذا التوهّم إلى غير صواب. فمن أجل أن لا يقع الإنسان في هذا الفخّ، لابدّ أن يدخل عنصر العناء والألم في تفكيره ومنظومته الفكريّة. فلا يجب أن نتحدث عن فوائد الالتفات إلى موضوع العناء والتسليم للعناء وقبوله وحسب، بل لابد أن نأخذ بعين الاعتبار أضرار إهمال هذا الموضوع أيضا.
ما هي أخطار عدم توطين النفس على المعاناة؟ 1. القعود عن درب الحق الحافل بالمعاناة في المراحل النهائية


إن لم يحلّ أحد لنفسه قضية المعاناة في الدنيا، ولم ينطلق في حركته من موضوع العناء ولم يصحبه في الطريق، فإنه حتى وإن كان إنسانا صالحا، يحتمل أن يكون صلاحه ظاهريا وحتى قد يصبح إنسانا خطرا. إن بعض المتدينين قد تحملوا العناء في ديانتهم وفي أداء طقوسهم الدينية، ولكنهم لم يوطّنوا أنفسهم على أصل العناء في الحياة الدنيا، فأصبحوا يتربّصون الأيّام ليحصلوا على الراحة في الدنيا ولو عن طريق الدين.

لماذا وقف الخوارج أمام أمير المؤمنين(ع) مع أنهم كانوا قد قضوا حياتهم في تحمل عناء الزهد والعبادة؟! لأنهم لم يوطنوا أنفسهم على قبول أصل العناء، فما إن فرضت عليهم محنة جديدة من قبل أمير المؤمنين(ع)، لم يطيقوها وشهروا السلاح على أمير المؤمنين(ع). فإن لم يوطّن الإنسان نفسه على تحمل الصعاب والمعاناة في الدنيا بشكل عام، قد يعجز عن مواصلة الطريق في المراحل المتقدّمة.

وكذلك نجد للمعاناة موقعا خاصّا في حياة النبيّ إبراهيم(ع)، فإنه قد عانا ما عانا من المحن والآلام حتى نال مقام النبوّة، وحتى بعد نبوّته لم يسلم من المحن والآلام. ثم تحمّل العناء والألم سنين حتى رزقه الله ولدا، ثم عانا في تربية ولده وبناء الكعبة مع ولده. ثم بعد كل هذا العناء الطويل، أمره الله أن يقدم ولده قربانا! فيا ترى إلى أين يصل الإنسان في تحمل العناء؟! فمن لم يوطّن نفسه على تحمل «أصل العناء» في الدنيا، يعيى عن المواصلة ويقعد عن الطريق في أواخر المطاف.

يتبع إن شاء الله...



توقيع : السيد مرتضي
رد مع اقتباس
قديم 2016/07/04, 09:51 AM   #56
السيد مرتضي

موالي ممتاز

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3744
تاريخ التسجيل: 2015/03/16
المشاركات: 369
السيد مرتضي غير متواجد حالياً
المستوى : السيد مرتضي is on a distinguished road




عرض البوم صور السيد مرتضي
افتراضي

لابدّ أن نعلم أن العناء مستمر معنا إلى آخر العمر


لماذا كل هذا التأكيد في الروايات على حسن العاقبة؟ إذ بقدر ما يعاني الإنسان من أجل الدين والعبادة يزداد خطر سقوطه. من اتقى ونهى نفسه عمرا طويلا، فإن لم يكن قد حلّ قضية المعاناة لنفسه، فهو في معرض الخطر أكثر من غيره، إذ يصبح مدّعيا ويشعر بأنه دائن وطالب بما قدمه من عناء، فإذا أراد الله أن يضيف إلى معاناته محنة أخرى، لم يعد يطيق ويعيى عن مواصلة الطريق. وما أكثر الذين قعدوا عن الطريق وارتدوا عن درب المعاناة في سبيل الله.

إن بعض الناس وبعد مدة من المعاناة في سبيل الله يسأم من العناء. فمن هذا المنطلق، أحد أسباب ضرورة الاهتمام بموضوع المعاناة، هو أن لا تملّ من المعاناة لطولها واستمرارها، فإنك إن لم توطّن نفسك على استمرار المعاناة في الدنيا قد تعجز عن المداومة وترجع عن الطريق.

لقد قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: (مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن یَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُوا تَبْدِیلًا)[الأحزاب/23]. فتدلّ هذه الآية على أن منتظري الشهادة هم في مرتبة الشهداء، إذ قد استقاموا على نهج الشهداء إلى آخر حياتهم. فالمهمّ هو الاستقامة حتى الموت، إذ أن القيمة التي قد أعطاها الله لفئة من المؤمنين ليست بسبب استشهادهم، بل بسبب بقائهم على العهد؛ فمنهم من قضى نحبه أي استشهد ومنهم من ينتظر.

لماذا أفرز الله هؤلاء المؤمنين عن غيرهم في هذه الآية؟ لأن ليس كل المؤمنين مستقيمين على طريقهم وليس كلهم يطيقون معاناة هذا الدرب حتى نهايته. حتى أن كثيرا من المجاهدين في صدر الإسلام قد انحرفوا عن الطريق بعد طول جهادهم بين يدي رسول الله(ص)، إذ قد يسأم الإنسان المعاناة في سبيل الله بعد مدة، ولعله يشعر بالطلب من الله. فيقول: «إلى متى نعاني من المحن والمشاكل؟ فهل عملنا قبيحا إذ اتقينا الله وسلكنا سبيل دينه وجاهدنا في سبيله؟ ثم بعد كل ذلك لابدّ أن نعاني مرة أخرى؟!»

بعد أن عانا الإنسان من محنة، لابدّ أن يجرّب محنة على مستوى أعلى. إن عالم المعاناة والمحن في هذه الدنيا يشبه مراحل العلاج الطبيعي، إذ أن العلاج الطبيعي لا يؤلم كثيرا في بادئ الأمر، وتظهر آلامه الشديدة في المراحل النهائية. وهكذا سبيل الدين، إذ لا يعاني الإنسان كثيرا في أوائل الطريق.

إذا أراد الله سبحانه أن يحصي المسلّمين لقضائه لا ينظر إلى الناس ليرى من المسلّم، بل يمتحن الناس على الدوام ويبتليهم بأنواع الشدائد والمحن ليرى هل قد سلّموا واقعا أم لا؟ حتى أن الإمام الحسين(ع) في آخر لحظات حياته وفي حفرة المذبح ناجى ربه وعبر أنه ما زال مسلّما: «إلهي... تسليما لأمرك»، ويا ترى هل بقيت مصيبة لم ينزلها الله على الإمام الحسين(ع)؟
ما هي أخطار عدم توطين النفس على المعاناة؟ 2. عدم القفز من الموانع والمرور من جنبها طلبا للراحة


الدليل الثاني على ضرورة توطين النفس على المعاناة، هو أنه إن لم يوطن الإنسان نفسه على تحمل المعاناة، عند ذلك بدلا من أن يقفز من الموانع، يمرّ من جنبها بلا مغامرة ومن وحي طلب الرّاحة. إن بعض المسلمين قد عاشوا تحت ظل الإسلام عمرا طويلا ولكنّهم عملوا بالإسلام بدهاء وشيطنة، إذ كلما اقتضى دينهم شيئا من المحنة والمعاناة، التفّوا حولها ومرّوا منها كراما. يعني أنهم قد انتقوا من الدين ما طاب لهم ولم يصطدم براحتهم، أما إن أراد الله منهم أن يجاهدوا أنفسهم ليعانوا في هذا الدرب، تركوا ما أراد الله ومرّوا منه. فإننا إن نمرّ من جانب الموانع بلا معاناة بدلا من أن نقفز عليها، لكي نريح أنفسنا من عناء جهاد النفس، فقد أعدمنا فرص رشدنا في الواقع.

إن بعض الناس يلتزم بالدين ما لم يطالبه بمخاطرة أو مغامرة

إن بعض الناس غير مستعدين على المخاطرة والمغامرة في الدين، ولهذا فإنهم لا يتخذون موقفا يلامون أو يهانون به، وبعبارة أخرى إنهم مواظبون على أن لا يواجهون مشكلة أو مصيبة في ديانتهم. طبعا لابد أن نعلم أن الله يبتلي الناس ويمتحنهم بحسب قابليتهم. وعلى أي حال إذا كان الإنسان قد وطن نفسه على تحمل العناء في الحياة الدنيا لن يتورط بهذا النمط من التديّن.

كان محمد بن مسلم إنسانا محترما وثريّا. ذات يوم قال الإمام الباقر له: تواضع، فقبل هذا الرجل نصيحة الإمام. لعله بدأ يفكر ويبحث عن ثغرات دينه التي جعلت الإمام يشير عليه بالتواضع. ولعلّه خرج بنتيجة أنه ما زال لم يقلع الكبر من قلبه، وأن لابدّ من وجود مانع وإلا لكان المفترض أن تصلح صلاته كلّ الشيء. رجع إلى الكوفة وأخذ سلة من تمر وميزانا وجلس على باب المسجد وبدأ يبيع التمر بصوت عال. فجاءه قومه وأبناء عشيرته وقالوا له: لقد أخزيتنا وشوّهت سمعتنا، فما هذا العمل؟... عن أبی النَّصرِ: «سَألتُ عبدَ الله ِ بنَ محمّدِ بنِ خالدٍ عَن محمّدِ بنِ مُسلمٍ فقالَ : کانَ رجُلاً شَریفا مُوسِرا ، فقالَ لَهُ أبو جعفرٍ علیه السلام : تَواضَعْ یا مُحمّدُ، فلَمّا انصَرَفَ إلَى الکوفَةِ أخَذَ قَوصَرَةً مِن تَمرٍ مَع المِیزانِ ، و جَلَسَ على بابِ مَسجِدِ الجامِعِ و صارَ یُنادی علَیهِ، فأتاهُ قَومُهُ فقالوا لَهُ : فَضَحتَنا! فقالَ : إنّ مَولای أمَرَنی بأمرٍ فلَن اُخالِفَهُ ، و لَن أبرَحَ حتّى أفرَغَ مِن بَیعِ ما فی هذهِ القَوصَرةِ . فقالَ لَهُ قَومُهُ : إذا أبَیتَ إلاّ أن تَشتَغِلَ بِبَیعٍ و شِراءٍ فاقعُدْ فی الطَّحّانِینَ ، فهَیّأَ رَحىً و جَمَلاً و جَعلَ یَطحَنُ» [الاختصاص/51].

يتبع إن شاء الله...



توقيع : السيد مرتضي
رد مع اقتباس
قديم 2016/07/04, 09:51 AM   #57
السيد مرتضي

موالي ممتاز

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3744
تاريخ التسجيل: 2015/03/16
المشاركات: 369
السيد مرتضي غير متواجد حالياً
المستوى : السيد مرتضي is on a distinguished road




عرض البوم صور السيد مرتضي
افتراضي

إن ديانة الإنسان الفارّ من المعاناة ديانة بلا فائدة


إنّك إن لم تحل قضية المعاناة لنفسك، قد تكون متديّنا ولكن يفرغ دينك من مضمونه وأثره في ترقيتك. فيا ترى ما كنا نفعل لو كنا في مقام محمد بن مسلم وكنّا قد واجهنا الإمام بهذه النصيحة؟ لعلنا كنا نقول: نعم، لابدّ من التواضع. وحسبنا من التواضع هو هذه الابتسامة التي نوزعها على الناس. وهذا يعني المرور من جانب المانع وعدم القفز منه.

طبعا وبالتأكيد ليس طريق التواضع هو ممارسة الأعمال الرديئة دائما ولا أريد أن أنصحكم بممارسة هذه الأعمال، إذ يختلف دواء الناس باختلاف دائهم فكلٌ بحسبه. ولكن حاولوا أن لا تفروا من المحن والابتلاءات التي يقدرها الله لكم ولا تلتفوا حول ابتلاءاتكم. إن الله يمتحن مختلف الناس بمختلف الابتلاءات والمصائب فلابدّ أن توطّن نفسك على البلاء والعناء. وكذلك لابد أن توطّن نفسك على معاناة سحق الهوى والشهوات.

رضوان الله على الشهيد شمران إذ كان قد وعى حقيقة المعاناة بكل وجوده ورحب صدره لأنواع البلاء. لقد جاء في كتاباته: «أنا أعتقد أن الله العظيم يثيب الإنسان بقدر المعاناة التي عاشها في سبيله، وأن قيمة كل إنسان بقدر ما تجرعه من ألم وعناء في هذا السبيل وأرى أن أولياء الله قد ابتلوا بالبلاء والألم والمحنة في حياتهم أكثر من أي أحد». ثم كتب هذا الشهيد العظيم مخاطبا ربه: «إلهي أشكرك إذ عرفتني على الفقر لكي أعيش ألم الجائعين وأشعر بمحنة المحتاجين. إلهي أشكرك إذ قد صببت عليّ أمطار التهم والشتم والافتراءات لكي أغرق في عواصف الظلم والجهل والتهمة الموحشة، وينمحي صوتي المنادي بالحق أمام زئير طوفان الأعداء وعواصفهم، فيحتضنني الألم والبلاء ويفتح عليّ نوافذ فطرتي حتى أشعر بمعاناة عليّ(ع) بأعماق روحي».
أحد الآلام التي يفرضها الله عل الناس هو الموت


أحد الآلام التي فرضها الله علينا هو الموت. فيا ترى لماذا قد أحاط الله الموت بهالة من الشدّة والوحشة والدهشة بحيث يهدم ذكره جميع اللذات؟! لأنه أراد أن تعيش مع ذكر الموت في حياتك كلّها ولا تنساه. لقد قدّم الله تعالى الموت على الحياة وقال: (الَّذي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياة)[الملك/2] فكأن الله قد خلق الموت قبل خلق الحياة، وكأنه قد قدّر للناس الموت قبل أن يقدّر لهم الحياة.

إن ذكر الموت يمثّل أحد أهم الأساليب التربويّة في الإسلام كما قال رسول الله(ص): «کفَی بِالمَوتِ واعِظاً»[الكافي/ج2/ص275] فلا تنسوا الموت وتجرعوا مرارة ذكره، فإن كثيرا من الروايات قد دعتنا إلى هذا الأسلوب التربوي وهو هدم اللذات عبر ذكر الموت وتجرع مرارة ذكره. فهل قد رأيت من يلاقي حتفه أمامك؟ وكم قد شيعت من إخوانك وأنزلت جسدهم في القبر؟ ويا ترى لماذا كل هذا التأكيد على ذكر الموت في رواياتنا؟ وكم له من تأثير إيجابي على النفوس؟ ولماذا جاء هذا التأثير؟

استمعوا هذه الرواية الرائعة المروية عن الإمام الصادق(ع) وتأملوا فيها. قال(ع): «ذِکْرُ الْمَوْتِ‏ یُمِیتُ‏ الشَّهَوَاتِ فِی النَّفْسِ وَ یَقْطَعُ مَنَابِتَ الْغَفْلَةِ وَ یُقَوِّی الْقَلْبَ بِمَوَاعِدِ اللَّهِ تَعَالَى وَ یُرِقُّ الطَّبْعَ وَ یَکْسِرُ أَعْلَامَ الْهَوَى وَ یُطْفِئُ نَارَ الْحِرْصِ وَ یُحَقِّرُ الدُّنْیَا وَ هُوَ مَعْنَى مَا قَالَ النَّبِیُّ ص فِکْرُ سَاعَةٍ خَیْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ وَ ذَلِكَ عِنْدَ مَا تَحُلُّ أَطْنَابَ خِیَامِ الدُّنْیَا وَ تَشُدُّهَا بِالْآخِرَةِ وَ لَا یَسْکُنُ نُزُولُ الرَّحْمَةِ عِنْدَ ذِکْرِ الْمَوْتِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَ مَنْ لَا یَعْتَبِرُ بِالْمَوْتِ وَ قِلَّةِ حِیلَتِهِ وَ کَثْرَةِ عَجْزِهِ وَ طُولِ مُقَامِهِ فِی الْقَبْرِ وَ تَحَیُّرِهِ فِی الْقِیَامَةِ فَلَا خَیْرَ فِیهِ»[مصباح الشريعة/171].
من آثار ذكر الموت رقة الطبع/نصيحة للفنّانين


إن الفنانين معروفين برقّة الطبع، وقد أعطت هذه الرواية وصفة لرقة الطبع وهي ذكر الموت. فإذا أراد فنان أن يزداد طبعه رقّة عليه أن يكثر من ذكر الموت ويقضي بعض وقته في المقابر! هذه نصيحة صادقة وصريحة جدّا للفنانين. كان المجاهدون في الجبهة يذكرون الموت كثيرا، حتى كانوا يحفرون قبرا لهم في الصحراء ويتعبدون فيه في جوف الليل، كانوا يسجدون فيه وينامون فيه ويبكون فيه. ثم كانوا يرجعون من قبرهم وكأنهم وردة من شدة لطافتهم ورقّتهم. فإذا سالتني: من أين حصل على هذه الرقة واللطافة، أقول: قد أخذها من ذلك القبر الذي بات فيه يبكي إلى الصباح. إن كنت ترى أحدهم لرأيته رؤوفا بالجميع ومتفائل بالخير وله جميع الصفات والحسنات التي تبحث عنها أنت. لقد حظى بجميع تلك الخصال الرائعة حتى بلغ درجة تصدير الصفات والتأثير على غيره. وقد نال كل ذلك بذكر الموت وتجسيم الموت. فانظر إلى أثر ذكر الموت التربوي على النفوس وهو أحد مصاديق الألم والعناء في هذه الدنيا. فإن أردت أن تطوّر نفسك بمعزل عن هذا المنهج تضيع في متاهات.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



توقيع : السيد مرتضي
رد مع اقتباس
قديم 2016/07/04, 09:52 AM   #58
السيد مرتضي

موالي ممتاز

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3744
تاريخ التسجيل: 2015/03/16
المشاركات: 369
السيد مرتضي غير متواجد حالياً
المستوى : السيد مرتضي is on a distinguished road




عرض البوم صور السيد مرتضي
افتراضي


إليك ملخص الجلسة الحادية عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.
لا أصالة للعناء ولكنه ضروري لجهاد النفس وإنتاج القيمة المضافة


إن طريق حركتنا الرئيس على أساس خصائص الإنسان والحياة، هو جهاد النفس. فإنّكم عندما تسيرون في درب الدين والكمال والأعمال الصالحة، طريقكم الرئيس هو مخالفة الأهواء بطبيعة حال الحياة وبمقتضى خصائص الإنسان. إن مخالفة الأهواء والرغبات سواء أكانت عبر الأوامر والتكليف أم كانت عبر الفرض والتقدير فهي ما نسميه بالعناء. وهو ما لا تخلو حياتنا منه وإن لم تخل من النّعم واليسر أيضا. إن طريقنا هو طريق جهاد النفس ولا أصالة للعناء، ولكنّه أمر لابدّ منه في عمليّة جهاد النفس. لا يخفى أن العناء الذي يحصل عبر جهاد النفس من خلال البرنامج الإلهي يختلف عن كثير من المعاناة الأخرى، وبودّي أن أسلّط الضوء في هذه الجلسة على هذا الموضوع.

لا أصالة للعناء، ولكنّنا قد خلقنا من أجل إنتاج القيمة المضافة وهذا ما يحتاج إلى جهاد النفس، وجهاد النفس لا ينفك عن العناء.

عادة ما يصطدم الإنسان بمشاكله دون نعمه، فلابد أن يحدّد موقفه تجاه العناء

من بين التكاليف الإلهية قد ينسجم هوانا مع بعض الأوامر والنواهي ولكن الأساس في الأوامر والأعمال الصالحة التي لها دور رئيس في رشدنا هي تلك الأعمال التي لا تنسجم مع هوانا. كما أن العامل الحاسم في تعيين مقامنا من الله سبحانه وتعالى هو الصبر والرضا في المعاناة التي نعيشها في حياتنا، وليس ساعات الراحة واللذة في حياتنا. طبعا لا شك في أن المسرات واللذات طبيعية ولا تخلو منها الحياة ويجب أداء شكرها في المقابل، ولكن أساس العمل الصالح هو المعاناة في سبيل الله. لماذا؟

من جانب يقول الإمام الصادق(ع): «جُبِلَتِ الْقُلُوبُ ‏عَلَى ‏حُبِّ‏ مَنْ ‏یَنْفَعُهَا وَ بُغْضِ مَنْ أَضَرَّ بِهَا»[الكافي/ج8/ص152]. ومن جانب آخر، من طبائع الإنسان هي أنه ينسى مئات النعم، ولكنه يجعل الألم الصغير وقصير الأمد نصب عينيه. وعليه فإذا منّ الله على الإنسان بمئات النعم ووسائل اليسر، ويبتلى معها بعلّة واحدة، يلتفت عن كل نعمه ومسراته إلى تلك العلّة الواحدة. ولهذا فإن خلي الإنسان مع ربّه ليصارحه عن ما في قلبه، قد يضع كل نعمه ودواعي يسره إلى جانب ويعاتب الله لعلة واحدة أو مصيبة واحدة أصابه بها في حياته!

بعبارة أخرى، عادة ما يصطدم الإنسان بمصائبه ويلتفت إليها دون النّعم، ولهذا ومن أجل أن يقدر على السير في هذا الدرب بنجاح، لابدّ في بداية الأمر أن يحدّد موقفه تجاه العناء. فإن كانت نفسك تبحث عن مفرّ من العناء في هذه الدنيا، فهذا وهم باطل وإنك مخطئ في حساباتك. فلابدّ أن نخاطب نفسنا الفارة من العناء ونقول لها بصراحة: إن الحياة غير منفكة عن المعاناة، وإن السّلوك نحو الله سبحانه وتعالى هو صعود وتسلّق عبر طريق مرتفع صعب، وليس بطريق معبد منحدر.

لا نفرّ من الدين بغية الفرار من معاناة التكليف والتقدير فلا فائدة منه

إن طريقنا الرئيس هو جهاد النفس، وأهم قضية تواجهنا في مسار هذا الجهاد هو العناء. فلابدّ أن نحدد موقفنا تجاه العناء ونقبل بوجود أصل العناء ونوطن أنفسنا على مواجهة مختلف المعاناة ولا نفرّ من الدين بغية الفرار من المعاناة إذ لا فائدة منه.

ولابد أن نعلم أن جميع الناس يعانون من مشاكل. فإن وجدنا أحدا يبتسم ولم تبد على ملامحه غبار المصائب فليس ذلك لقلّة معاناته، بل بسبب أنه أكثر صبرا ولعله يسعى لحفظ الظاهر أو أنه إنسان عاقل وفاهم. على أي حال لابدّ لنا أن نحدّد موقفنا تجاه العناء.

لا ينبغي أن ننسى الآلام والمعاناة بل يجب أن نشاهدها بعين مفتوحة، وإلا تخرب عمليّة جهاد النفس ونتهرّب عن المعاناة التكليفية والتقديرية. ثم إن هذا التهرّب لا يرتبط في أكثر الأحيان بقلّة الإيمان. فعندما يواجه الإنسان بعض الناس ممن لم يلتزم بالدين جيدا، قد يقول له: «كن مؤمنا» في حين أنه مؤمن بالفعل ولكنه ليس من أهل تحمّل العناء. إنه مؤمن ولكن قد أخبروه بخبر كاذب فتوّهم أن يوجد مجال في هذه الدنيا لا عناء فيه وهناك طريق مفرّ منه.

إن لم نتعامل مع العناء بالشكل الصحيح، تزدد معاناتنا في الحياة

إن لم نتعامل مع العناء بشكل صحيح، تزدد معاناتنا في الحياة. وقد أشارت روايات كثيرة إلى هذه الحقيقة. روي عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: الجَزَعُ أتْعَبُ مِن الصَّبرِ[غرر الحکم/5620] وقال(ع): «الجَزَعُ عندَ المُصیبَةِ یَزیدُها، و الصّبرُ علَیها یُبیدُها»[غررالحکم/2043] وقال(ع) في رواية أخرى: «لا تَجْزَعوا مِن قلیلِ ما أکْرَهَکُم، فیُوقِعَکُم ذلکَ فی کثیرٍ مِمّا تَکْرَهونَ»[غررالحکم/5638] وكذلك روي عن الإمام الكاظم(ع) أنه قال: «المُصیبَةُ للصّابرِ واحدَةٌ ، و للجازعِ اثْنَتانِ»[تحف العقول/414].

يتبع إن شاء الله...



توقيع : السيد مرتضي
رد مع اقتباس
قديم 2016/07/04, 09:53 AM   #59
السيد مرتضي

موالي ممتاز

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3744
تاريخ التسجيل: 2015/03/16
المشاركات: 369
السيد مرتضي غير متواجد حالياً
المستوى : السيد مرتضي is on a distinguished road




عرض البوم صور السيد مرتضي
افتراضي


إن لم نتعامل مع العناء بشكل صحيح، لم نشكر النعم

إن لم نتعامل مع العناء بشكل صحيح، تتبلور مشكلة أخرى وهي أننا سوف لا نشكر النعم. إن الله سبحانه يعلم أننا أناس نسلّط الضوء على مصيبة واحدة وننشغل بها عن مشاهدة آلاف النعم، ولكنه مع ذلك يستنكر علينا هذا السلوك أن لماذا لا تلتفتون إلى النّعم! (أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً)[اللقمان/20]

ولكن لا يقدر أحد على مشاهدة النعم جيدا إلا أن يكون قد وطّن نفسه على المعاناة في الحياة الدنيا، فمثل هذا يقدر على مشاهدة النعم. وإلا فما إن نبّهت أحدا على نعمة من أنعم الله، يلتفت عنها إلى إحدى مصائبه، فتعمى عينه عن مشاهدة أنعم الله. فمثل هذا الإنسان عاجز عن مشاهدة نعمة الله ورأفته ورحمته وكرمه.

أخي العزيز! أكرّر مرة أخرى أن العناء الذي نتحدث عنه لا أصالة له ولكنه أمر لابدّ منه لإنتاج القيمة المضافة التي لا تتمّ إلا عبر جهاد النفس، وجهاد النفس مصحوب بالعناء غير منفكّ عنه. فاقبل هذه الحقيقة لتصبح الدنيا جنة لك. فإنك إن رأيت إلى المعاناة كقاعدة لابدّ منها في هذه الحياة عندئذ تقف حائرا من جمال الدنيا ومغتبطا من كثرة الفرص التي يعطيها الله لعباده ومدى رأفته وكثرة نعمائه.

إنك ما لم توطّن نفسك على المعاناة وما لم تحل لنفسك قضية العناء وما لم تعجن هذه المسألة لنفسك لن ترى أنعم الله سبحانه. فانظر كم قد أراحك الله في الدنيا من آلامها وأعطاك الفرص فيها. صحيح أن العسر من قواعد هذه الدنيا ولكن بتأكيد مؤكّد يقول الله لكم: (فإنَّ معَ العُسرِ یُسراً * إنَّ معَ العُسر یسراً)[الانشراح/5ـ6]. تمرّنوا أيها الإخوة على مشاهدة النعم الإلهية وعلى رؤية الفرص والمُهَل وعلى مشاهدة رأفة الله وتنازله عن فرض كثير من المحن. إنه إله عظيم وهو الذي يكشف عنا السوء والبلاء على رغم قواعد هذه الدنيا، فكأنه يرقّ قلبه علينا فلا يسمح للبلايا والمصائب أن تنهال علينا بتمامها.

متى يمتلئ قلبنا بمشاعر الشكر لله؟

لعلكم تقولون: لقد أرعبتنا في الليالي الماضية بحديثك عن المعاناة، وإذا بك الآن تقول: إن الله لا يرضى بفرض كثير من العناء علينا! فأقول لكم: إن تعجنوا قضية العناء في قلوبكم جيدا، سوف تمتلئ أدعيتكم ومناجاتكم بشعور الشكر لله. وسوف لا ترون سوى لطف الله عليكم ورأفته بكم. فإن تنظروا إلى هذه الأبحاث جيّدا، تجدوا أنها تفتح علينا خير أبواب الجنان. إنّ فهم الشكر منوط بفهم قاعدة العناء والمحن في هذه الدنيا وأن القرار هو أن نُبتلى بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، ثم نجد أن حياتنا لم تكن بهذه الصعوبة والعناء، وقد منّ الله علينا بأنعم جمّة وأنه قد صحب العسر بكثير من اليسر. وهذه المشاهدة تملأ قلوبنا شعورا بالشكر والامتنان لله عز وجل.

لقد خفف الله علينا المعاناة «التقديرية» و«التكليفية»

إن مقتضى قاعدة الدنيا هي أن نصاب فيها بآلام ومحن كثيرة، ولكن الله قد خفف علينا المعاناة في كلا النوعين منها:

1ـ في ما يرتبط بعالم التكوين والتقدير، قال الله سبحانه وتعالى: (فإنَّ معَ العُسرِ یُسراً) فقد صحب الله العسر المقدَّر لنا باليسر.

2ـ وكذلك في التكاليف أيضا لا يريد الله أن يشقّ علينا بل أراد أن يخفّف علينا عناء التكليف. ولهذا بعد ما يأمرنا بتكليف صيام شهر رمضان، يُعفي من كان مريضا أو على سفر ثم يقول: (یُرِیدُ اللَّهُ بِکمُ الْیُسرَ وَ لا یُرِیدُ بِکمُ الْعُسرَ)[البقرة/185]يعني يريد الله أن يتساهل معكم، لا أن يشقّ عليكم ومن هذا المنطلق قد أعفا المسافر عن الصيام. فقد عبّر الله عن سبب الإعفاء كقاعدة عامّة، ولم يكن في مقام التوجيه أو استغلال الفرصة للدعاية! فإن لم ير أحد هذا اللطف والإحسان من قبل الله، فذلك بسبب أنه لم يحلّ قضية العناء لنفسه ولم يوطّن نفسه على تحمل العناء.

وفي مقام آخر، بعد ما يأمر الله بالوضوء قبل الصلاة، يخفف على من تعذر أو صعب عليه الوضوء فيقول: (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى‏ أَوْ عَلى‏ سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعيداً طَيِّبا)[المائدة/6] بعد ذلك يعلل هذا التساهل ويقول: (ما یُریدُ اللَّهُ لِیَجْعَلَ عَلَیْکُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لکِنْ یُریدُ لِیُطَهِّرَکُمْ وَ لِیُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکُمْ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ) [المائدة/6]
إن ضجرتُ من المعاناة ولم أشكر النعم فإنني أعبد هواي ولا أعبد الله


من لم يكن من متحملي الصعاب والمعاناة، فإنه في الواقع إنسان أنانيّ، ولم يعبد الله بعد. لابدّ أن يبتلینا الله بمختلف المصائب ويفرض علينا المعاناة لتزول نزعة «الأنا» من قلوبنا ویحل محلها «الله». ما هي رؤيتنا عن عبادة الله؟ وأي شعور هي؟ لا يمكن أن يكون الإنسان موحّدا ومشركا في نفس الوقت، بحيث يعبد الله ويعبد نفسه. لابدّ أن تموت «أنا» الإنسان لتحلّ محلها عبادة الله. وإنّ هذا الشرك الذي نتحدث عنه هو الشرك الخفي الذي لا يرى بسهولة كما روي عن رسول الله(ص): «الشِّرْكُ فِي أُمَّتِي أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ‏ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاء»[عوالي اللئالئ/ج2/ص74]. فإن ضجرتُ من المعاناة ولم أشكر النعم فإنني أعبد هواي ولا أعبد الله.
إن لم تكن أنانيّا ووطنت نفسك على العناء، سوف ترى رحمة الله ورأفته خلف المحن التي فرضها عليك


إن لم تكن قد وطّنت نفسك على المعاناة، لا ترى رحمة الله ورأفته، وكذلك لا ترى إمهالاته ونعمه. هل قد رأيتم دموع عين الأمّ عندما يحقن الطبيب طفلها؟ صحيح أن الطفل يتألم بالإبرة ولكنها نافعة له. ومع أن الأم تعلم مدى ضرورة هذه الإبرة لعلاج طفلها ولكنها لا تتحمل صراخ الطفل وتبكي لبكاء طفلها. فإن لم ير الطفل سوى وجعه ولم ير دموع أمه، قد لا يشعر بحنان أمّه وحتى قد يتهجّم عليها إذ قد ألقته بيد الطبيب.

فإن لم تكن أنانيّا ترى رأفة الله وشفقته الخاصة خلف المحن التي فرضها عليك. كذلك ترى رحمة الله في ذروة جوعك وعطشك أثناء الصيّام. فما روي أنه: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْیَبُ عِنْدِی مِنْ رِیحِ الْمِسْک»[من لا یحضره الفقیه/ج2/ص76]‏ فهو في الواقع يحكي عن رأفة الله وشفقته. فإن استطعت أن تنظر إلى عين الله المشفقة أثناء معاناة صومك، عند ذلك تودّ لو كان شهر رمضان في الصيف كلّ عام.

يتبع إن شاء الله...


توقيع : السيد مرتضي
رد مع اقتباس
قديم 2016/07/04, 08:14 PM   #60
الرافضيه صبر السنين


معلومات إضافية
رقم العضوية : 3796
تاريخ التسجيل: 2015/05/07
المشاركات: 7,552
الرافضيه صبر السنين غير متواجد حالياً
المستوى : الرافضيه صبر السنين is on a distinguished road




عرض البوم صور الرافضيه صبر السنين
افتراضي

احسنتم نشرا وجزاكم الله خيرا


توقيع : الرافضيه صبر السنين
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
في رحاب بقية الله: النظام التربوي في المجتمع المهدوي 3 بسمة الفجر الإمام الحجّة ابن الحسن صاحب العصر والزمان (عج) 1 2014/09/16 03:10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي
|

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى || SiteMap Index


أقسام المنتدى

المنتــديات العامة @ السياسة @ المناسبات والترحيب بالأعضاء الجدد @ منتديات اهل البيت عليهم السلام @ سيرة أهـل البيت (عليهم السلام) @ الواحة الفاطمية @ الإمام الحجّة ابن الحسن صاحب العصر والزمان (عج) @ الادعية والاذكار والزيارات النيابية @ المـدن والأماكن المقدسة @ المـنتـديات الأدبيـة @ الكتاب الشيعي @ القصة القصيرة @ الشعر الفصيح والخواطر @ الشعر الشعبي @ شباب أهل البيت (ع) @ المنتـديات الاجتماعية @ بنات الزهراء @ الأمومة والطفل @ مطبخ الاكلات الشهية @ المنتـديات العلمية والتقنية @ العلوم @ الصحه وطب أهل البيت (ع) @ الكمبيوتر والانترنيت @ تطبيقات وألعاب الأندرويد واجهزة الجوال @ المنتـديات الصورية والصوتية @ الصوتيات والمرئيات والرواديد @ الصــور العامة @ الابتسامة والتفاؤل @ المنتــــديات الاداريـــة @ الاقتراحات والشكاوي @ المواضيع الإسلامية @ صور اهل البيت والعلماء ورموز الشيعة @ باسم الكربلائي @ مهدي العبودي @ جليل الكربلائي @ احمد الساعدي @ السيد محمد الصافي @ علي الدلفي @ الالعاب والمسابقات @ خيمة شيعة الحسين العالميه @ الصــور العام @ الاثـــاث والــديــكــورآت @ السياحة والسفر @ عالم السيارات @ أخبار الرياضة والرياضيين @ خاص بالأداريين والمشرفين @ منتدى العلاجات الروحانية @ الابداع والاحتراف هدفنا @ الاستايلات الشيعية @ مدونات اعضاء شيعة الحسين @ الحوار العقائدي @ منتدى تفسير الاحلام @ كاميرة الاعضاء @ اباذر الحلواجي @ البحرين @ القران الكريم @ عاشوراء الحسين علية السلام @ منتدى التفائل ولاستفتاح @ المنتديات الروحانية @ المواضيع العامة @ الرسول الاعظم محمد (ص) @ Biography forum Ahl al-Bayt, peace be upon them @ شهر رمضان المبارك @ القصائد الحسينية @ المرئيات والصوتيات - فضائح الوهابية والنواصب @ منتدى المستبصرون @ تطوير المواقع الحسينية @ القسم الخاص ببنات الزهراء @ مناسبات العترة الطاهرة @ المسابقة الرمضانية (الفاطمية) لسنة 1436 هجري @ فارسى/ persian/الفارسية @ تفسير الأحلام والعلاج القرآني @ كرسي الإعتراف @ نهج البلاغة @ المسابقة الرمضانية لسنة 1437 هجري @ قصص الأنبياء والمرسلين @ الإمام علي (ع) @ تصاميم الأعضاء الخاصة بأهل البيت (ع) @ المسابقة الرمضانية لعام 1439هجري @ الإعلانات المختلفة لأعضائنا وزوارنا @ منتدى إخواننا أهل السنة والجماعه @


تصليح تلفونات | تصليح تلفونات | تصليح سيارات | تصليح طباخات | تصليح سيارات | كراج متنقل | تصليح طباخات | تصليح سيارات |