2014/10/21, 11:29 PM | #1 |
معلومات إضافية
|
مواضيع حسينية 2
الامام الحسين أحد الكواكب المشرقة من أئمة أهل البيت (ع) الذين استكملت فيهم الصفات الانسانية ، وبلغوا ذروة الكمال المطلق ، وأقاموا منار هذا الدين ، ورفعوا شعار الحق والعدل في الارض ، وتبنوا القضايا المصيرية للاسلام ، وعانوا في سبيله جميع الوان الكوارث والخطوب ، ولاقوا كل جهد وضيق من جبابرة عصورهم الذين اتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا . وقد نظر النبي (ص) - وهو يوحي اليه - من خلال الاحقاب المترامية إلى الائمة الطاهرين من أهل بيته فعرفهم باسمائهم وصفاتهم ، ودلل بنصوصه العامة والخاصة على أنهم خلفاؤه وأوصياؤه ، وانهم سفن النجاة وأمن العباد وقرنهم بكتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وقد المعنا إلى الكثير من تلكم النصوص في البحوث السابقة فلم تعد هنا ضرورة لذكرها ، كما أنا بحثنا بصورة موضوعية وشاملة عن الامامة وضرورتها ، وواجبات الامام وصفاته في كتابنا (حياة الامام الحسن) فلا حاجة لاعادة البحث هنا . مظاهر شخصيته : أما الظاهر الفذة التي اتصفت بها شخصية أبي الاحرار ، وكانت من عناصره ومقوماته فهي : 1 - قوة الارادة : من النزعات الذاتية لابي الشهداء (ع) قوة الارادة ، وصلابة العزم والتصميم ، وقد ورث هذه الظاهرهة الكريمة من جده الرسول (ص) الذي غير التاريخ ، وقلب مفاهيم الحياة ، ووقف صامدا وحده أمام القوى الهائلة التي هبت لتمنعه من أن يقول كلمة الله ، فلم يعن بها وراح يقول لعمه أبي طالب مؤمن قريش : " والله لو وضعوا الشمس بيميني والقمر بيساري على أن أترك هذا الامر ما تركته حتى أموت أو يظهره الله...". بهذا الارادة الجبارة قابل قوى الشرك ، واستطاع أن يتغلب على مجريات الاحداث ، وكذلك وقف سبطه العظيم في وجه الحكم الاموي فاعلن بلا تردد رفضه لبيعة يزيد ، وانطلق مع قلة الناصر إلى ساحات الجهاد ليرفع كلمة الحق ، ويدحض كلمة الباطل ، وقد حشدت عليه الدولة الاموية جيوشها الهائلة ، فلم يحفل بها ، واعلن عن عزمه وتصميمه بكلمته الخالدة قائلا : " لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما...". وانطلق مع الاسرة الكريمة من أهل بيته وأصحابه إلى ميدان الشرف والمجد ليرفع راية الاسلام ، ويحقق للامة الاسلامية اعظم الانتصارات والفتح حتى استشهد سلام الله عليه ، وهو من أقوى الناس ارادة ، وامضاهم عزيمة وتصميما . غير حافل بما عاناه من الكوارث التي تذهل العقول وتحير الالباب . 2 - الاباء عن الضيم : والصفة البارزة من نزعات الامام الحسين (ع) الاباء عن الضيم حتى لقب (بأبي الضيم) وهي من أعظم القابه ذيوعا وانتشارا بين الناس فقد كان المثل الاعلى لهذه الظاهرة فهو الذي رفع شعار الكرامة الانسانية ورسم طريق الشرف والعزة ، فلم يخنع ، ولم يخضع لقرود بني أمية ، وآثر الموت تحت ظلال الاسنة ، يقول عبد العزيز بن نباتة السعدي : والحسين الذي رأى الموت في العـ * -ز حياة والعيش في الذل قتلا ووصفه المؤرخ الشهير اليعقوبي بأنه شديد العزة(1) يقول ابن أبي الحديد : " سيد أهل الاباء الذي علم الناس الحمية ، والموت تحت ظلال السيوف اختيارا على الدنية أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) عرض عليه الامان هو وأصحابه فأنف من الذل ، وخاف ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان مع أنه لا يقتله ، فاختار الموت على ذلك . وسمعت النقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلوي يقول : كأن أبيان أبي تمام في محمد بن حميد الطائي ما قيلت إلا في الحسين : وقد كان فــــــوت الموت سهلا فــــــرده * اليه الحفاظ المـر والخلـــــــق الوعـــر ونفس تعـــــاف الضيم حــــــتى كأنــــــه * هو الكفر يوم الروع أو دونه الــــــكفر فأثبت في مستـــنقع المــــــوت رجــــــله * وقال لها : من دون أخصمــــك الحشر تردى ثيـــاب الموت حمـــــــرا فمــــا بدا * لها الليل إلا وهي من سندس خضر(2) لقد علم أبوالاحرار الناس نبل الاباء ونبل التضحية يقول فيه مصعب ابن الزبير : " واختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة " (3) ثم تمثل : وإن الالى بالطف من آل هاشم * تآسوا فسنوا للكرام التآسيا وقدكات كلماته يوم الطف من أروع ما أثر من الكلام العربي في تصوير العزة والمنعة والاعتداد بالنفس يقول : " ألا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت ، وأنوف حمية ، ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام...". ووقف يوم الطف كالجبل الاشم غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة من جيوش الردة الاموية ، وقد ألقى عليهم وعلى الاجيال أروع الدروس عن الكرامة وعزة النفس وشرف الاباء قائلا : " والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل ، ولا أفر فرار العبيد إني عذت بربي وربكم أن ترجمون..."." وألقت هذه الكلمات المشرقة الاضواء على مدى ما يحمله الامام العظيم من الكرامة التي التي لا حد لابعادها ، والتي هي من أروع ما حفل به تاريخ الاسلام من صور البطولات الخالدة في جميع الآباد . وتسابق شعراء أهل البيت (ع) إلى تصوير هذ الظاهرة الكريمة فكان ما نظموه في ذلك من أثمن ما دونته مصادر الادب العربي وقد عنى السيد حيدر الحلي إلى تصوير ذلك في كثير من روائعه الخالدة التي رثى بها جده الحسين يقول : طمعت أن تسومه القوم ضيمــا * وأبى الله والحســــام الصنيــــع كيف يلوي على الدنيــــة جـــيدا * لسوى الله ما لــــواه الخــضوع ولديه جأش أرد مــــن الــــدرع * لضمأى القنــــــا وهن شــــروع وبه يرجــــع الحفــــاظ لصــــدر * ضاقت الارض وهـي فيـه تضيع فأبـــــى أن يعــــيــش إلا عزيزا * أو تجلى الكفاح وهو صريع(4) ولم تصور منعة النفس وإباؤها بمثل هذا التصوير الرائع ، فقد عرض حيدر إلى ما صممت عليه الدولة الاموية من ارغام الامام الحسين (ع) على الذل والهوان ، واخضاعه لجورهم واستبدادهم ، ولكن يأبى له الله ذلك وتأبى له نفسه العظيمة التي ورثت عز النبوة أن يقر على الضيم ، فانه سلام الله عليه لم يلو جيده خاضعا لاي أحد إلا لله ، فكيف يخضع لاقزام بني امية ؟ ! وكيف يلويه سلطانهم عن عزمه الجبار الذي هو أرد من الدرع للقنا الضامئة ، وما أروع قوله : وبه يرجع الحفاظ لصدر * ضاقت الارض وهي فيه تضيع وهل هناك أبلغ أو أدق وصفا لاباء الامام الحسين وعزته من هذا الوصف ، فقد أرجع جميع طاقات الحفاظ والذمام لصدر الامام (ع) التى ضاقت الارض من صلابة عزمه وتصميمه ، بل أنها على سعتها تضيع فيه ومن الحق انه قد حلق في وصفه لاباء الامام ، ويضاف لذلك جمال اللفظ فليس في هذا الشعر كلمة غريبة أو حرف ينبو على السمع . وانظر إلى هذه الابيات من رائعته الاخرى التي يصف بها اباء الحسين يقول : لقد مات لكــــــن ميتـــة هاشميـــة * لهم عرفت تحـــت القــــــنا المتقصد كريم أبــــى شـــم الدنية أنــــــفـــه * فأشممــه شـــوك الوشيـــج المسدد وقال: قـــفي يا نفس وقـفــــه وارد * حيـــــاض الردى لا وقفــــة المتردد رأى أن ظهر الذل أخشن مركبـــــا * من الموت حيث الموت منه بمرصد فآثر أن يسعى على جمرة الوغــى * برجـل ولا يعطى المقادة عن يد (5) لا أكاد أعرف شعرا أدق ، ولا أعذب من هذا الشعر فهو يمثل أصدق تمثيل منعة الامام العظيم وعزة نفسه التي آثرت الموت تحت ظلال الاسنة على العيش الرغيد بذل وخنوع ، ناهجا بذلك منهج الشهداء من أسرته الذين تسابقوا إلى ساحات النضال ، واندفعوا بشوق إلى ميادين التضحية والفداء لينعموا بالكرامة والعزة . ومضى حيدر في تصويره لاباء الامام الشهيد فوصفه بأنه أبى شم الدنية والضيم ، وعمد إلى شم الرماح والسيوف لان بها طعام الاباء وطعم الشرف والمجد...".وعلى هذا الغرار من الوصف الرائع يمضي حيدر في تصويره لمنعة الامام ، تلك المنعة التي ملكت مشاعره وعواطفه كما ملكت عواطف غيره ، ومن المقطوع به أنه لم يكن متكلفا بذلك ، ولا منتحلا وانما وصف الواقع وصفا صادقا لا تكلف فيه . ويقول حيدر : في رائعة أخرى يصف بها اباء الامام وسمو ذاته ، ولعلها من أجمل ما رثى به الامام (ع) يقول : وسامته يركــــب احدى اثنتين * وقــــد صرت الحــــرب أسنانها فإما يــــرى مذعنا أو تمـــوت * نــــفس أبــــى العــــز اذعانها فقال لها: اعتصـــــمي بالاباء * فنــــفس الابــــي ومــــا زانها اذا لم تجد غير لبس الهـــوان * فبالمــــوت تنزع جــــثمانـــها رأى القتل صبرا شعار الكرام * وفخــــرا يزيــــن لها شأنهـــا فشمر للحــــرب فــــــي معرك * به عرك الموت فرسانها (6) إن مراثي حيدر للامام تعد - بحق - طغراء مشرقا في تراث الامة العربية ، فقد فكر فيها تفكيرا جادا ورتب أجزاءها ترتيبا دقيقا حتى جاءت بهذه الروعة ، وكان - فيما يقول معاصروه - ينظم في كل حول قصيدة خاصة في الامام (ع) ويعكف طيلة عامه على اصلاحها ، ويمعن امعانا دقيقا في كل كلمة من كلماتها حتى جاءت بمنتهى الروعة والابداع . 3 - الشجاعة : ولم يشاهد الناس في جميع مراحل التاريخ أشجع ، ولا أربط جأشا ، ولا أقوى جنانا من الامام الحسين (ع) فقد وقف يوم الطف موقفا حير فيه الالباب ، وأذهل فيه العقول ، وأخذت الاجيال تتحدث باعجاب واكبار عن بسالته ، وصلابة عزمه ، وقدم الناس شجاعته على شجاعة أبيه التي استوعبت جميع لغات الارض . وقد بهر أعداؤه الجبناء بقوة بأسه ، فانه لم ينهار أمام تلك النكبات المذهلة التي أخذت تتواكب عليه ، وكان يزداد انطلاقا وبشرا كلما ازاداد الموقف بلاء ومحنة ، فانه بعد ما فقد أصحابه وأهل بيته زحف عليه الجيش بأسره وكان عدده - فيما يقول الرواة - ثلاثين الفا ، فحمل عليهم وحده وقد ملك الخوف والرعب قلوبهم فكانوا ينهزمون أمامه كالمعزى اذا شد عليها الذئب - على حد تعبير الرواة - وبقي صامدا كالجبل يتلقى الطعنات من كل جانب ، ولم يوه له ركن ، وإنما مضى في أمره استبسالا واستخفافا بالمنية يقول السيد حيدر : فتلقى الجموع فردا ولكن * كل عضو في الروع منه جموع رمحه من بنانه وكأن من * عزمه حد سيفه مطبوع زوج السيف بالنفوس ولكن * مهرها الموت والخضاب النجيع ويقول في رائعة أخرى : ركين وللارض تحت الكماة * رجيف يزلزل ثهلانها أقر على الارض من ظهرها * إذا ململ الرعب أقرانها تزيد الطلاقة في وجهه * اذا غير الخوف الوانها ولما سقط أبي الضيم على الارض جريحا وقد أعياه نزف الدماء تحامى الجيش بأسره من الاجهاز عليه رعبا وخوفا منه ، يقول السيد حيدر : عفيرا متى عاينته الكماة * يختطف الرعب الوانها فما أجلت الحرب عن مثله * صريعا يجبن شجعانها وتغذى أهل بيته وأصحابه بهذ الروح العظيمة فتسابقوا إلى الموت بشوق واخلاص لم يختلج في قلوبهم رعب ولا خوف ، وقد شهد لهم عدوهم بالبسالة ورباطة الجأش فقد قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد ويحك أقتلتم ذرية رسول الله (ص) ؟ فاندفع قائلا : " عضضت بالجندل ، إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ، ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالاسود الضارية ، تحطم الفرسان يمينا وشمالا ، وتلقي أنفسها على الموت ، لا تقبل الامان ، ولا ترغب في المال ، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية ، والاستيلاء على الملك ، فلو كففنا عنها رويدا لاتت على نفوس العسكر بحذافيره ، فما كنا فاعلين لا أم لك..."(7). ووصف بعض الشعراء هذه البسالة النادرة بقوله : فلو وقفت صم الجبال مكانهم * لمادت على سهل ودكت على وعر فمن قائم يستعرض النبل وجه * ومن مقدم يرمي الاسنة بالصدر وما أروع قول السيد حيدر : دكوا رباها ثم قالوا لها * وقد جثوا: نحن مكان الربا لقد تحدى أبوالاحرار ببسالته النادرة الطبيعة البشرية فسخر من الموت وهزأ من الحياة ، وقد قال لاصحابه حينما مطرت عليه سهام الاعداء : " قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابد منه ، فان هذه السهام رسل القوم اليكم...". لقد دعا أصحابه إلى الموت كأنما هو يدعوهم إلى مأدبه لذيذة ، ولقد كانت لذيذة عنده حقا ، لانه هو ينازل الباطل ويرتسم له برهان ربه الذي هو مبدؤه (8). 4 - الصراحة : من صفات ابي الاحرار الصراحة في القول ، والصراحة في السلوك ففي جميع فترات حياته لم يوارب ولم يخادع ، ولم يسلك طريقا فيه أي التواء ، وإنما سلك الطريق الواضح الذي يتجاوب مع ضميره الحي ، وابتعد عن المنعطفات التي لا يقرها دينه وخلقه ، وكان من الوان ذلك السلوك النير أن الوليد حاكم يثرب دعاه في غلس الليل ، وأحاطه علما بهلاك معاوية ، وطلب منه البيعة ليزيد مكتفيا بها في جنح الظلام ، فامتنع (ع) وصارحه بالواقع قائلا : " يا أمير إنا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد فاسق فاجر ، شارب الخمر ، قاتل النفس المحرمة ، معلن بالفسق والفجور ، ومثلي لا يبايع مثله...". وكشف هذه الكلمات عن مدى صراحته ، وسمو ذاته ، وقوة العارضة عنده في سبيل الحق . ومن الوان تلك الصراحة التي اعتادها وصارت من ذاتياته أنه لما خرج إلى العراق وافاه النبأ المؤلم وهو في أثناء الطريق بمقتل سفيره مسلم ابن عقيل ، وخذلان أهل الكوفة ، فقال للذين اتبعوه طلبا للعافية لا للحق : " قد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ، ليس عليه ذمام...". فتفرق عنه ذوو الاطماع ، وبقى مع الصفوة من أهل بيته(9) لقد تجنب (ع) في تلك الساعات الحرجة التي يتطلب فيها إلى الناصر الاغراء والخداع مؤمنا ان ذلك لا يمكن أن تتصف به النفوس العظيمة المؤمنة بربها والمؤمنة بعدالة قضيتها . ومن الوان تلك الصراحة أنه جمع أهل بيته وأصحابه في ليلة العاشر من المحرم ، فاحاطهم علما بأنه يقتل في غد ، ويقتل جميع من كان معه صارحهم بذلك ليكونوا على بصيرة وبينة من أمرهم ، وأمرهم بالتفرق في سواد ذلك الليل ، فأبت تلك الاسرة العظيمة مفارقته ، وأصرت على الشهادة بين يديه . تدول الدول ، وتزول المالك ، وهذه الاخلاق الرفيعة أحق بالبقاء وأجدر بالخلود من كل كائن حي لانها تمثل القيم العليا التي لا كرامة للانسان بدونها . 5 - الصلابة في الحق : أما الصلاة في الحق فهي من مقومات أبي الشهداء ومن أبرز ذاتياته فقد شق الطريق في صعوبة مذهلة لاقامة الحق ، ودك حصون الباطل ، وتدمير خلايا الجور . لقد تبنى الامام (ع) الحق بجميع رحابه ومفاهيمه ، واندفع إلى ساحات النضال ليقيم الحق في ربوع الوطن الاسلامي ، وينقذ الامة من التيارات العنيفة التي خلقت في أجوائها قواعد للباطل ، وخلايا للظلم ، وأوكارا للطغيان تركتها تتردى في مجاهل سحيقة من هذ الحياة رأى الامام (ع) الامة قد غمرتها الاباطيل والاضاليل ، ولم يعد ماثلا في حياتها أي مفهوم من مفاهيم الحق ، فانبرى (ع) إلى ميادين التضحية والفداء ليرفع راية الحق : وقد أعلن (ع) هذا الهدف المشرق في خطابه الذي ألقاه أمام أصحابه قائلا : " ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، والى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله...". لقد كان الحق من العناصر الوضائة في شخصية أبي الاحرار ، وقد استشف النبي (ص) فيه هذه الظاهرة الكريمة فكان - فيما يقول المؤرخون - يرشف دوما تغره الكريم ذلك الثغر الذي قال كلمة الله وفجر ينابيع العدل والحق في الارض . 6 - الصبر : من النزعات الفذة التي تفرد بها سيد الشهداء الصبر على نوائب الدنيا ومحن الايام ، فقد تجرع مرارة الصبر منذ أن كان طفلا ، فرزئ بجده وامه ، وشاهد الاحداث الرهيبة التي جرت على أبيه ، وما عاناه من المحن والخطوب ، وتجرع مرارة الصبر في عهد أخيه ، وهو ينظر إلى خذلان جيشه له ، وغدرهم به ، حتى ارغم على الصلح ، وبقي معه يشاركه في محنه وآلامه ، حتى اغتاله معاوية بالسم ، ورام أن يوارى جثمانه بجوار جده فمنعته بنو امية فكان ذلك من أشق المحن عليه . ومن أعظم الرزايا التي صبر عليها أنه كان يرى انتقاض مبادئ الاسلام ، وما يوضع على لسان جده من الاحاديث المنكرة التي تغير وتبدل شريعة اللهه ، ومن الدواهي التي عاناها أنه كان يسمع سب أبيه وانتقاضه على كل هذه الرزايا والمصائب . وتواكبت عليه المحن الشاقة التي تميد بالصبر في يوم العاشر من المحرم فلم يكد ينتهي من محنة حتى تطوف به مجموعة من الرزايا والام ، فكان يقف على الكواكب المشرقة من أبنائه وأهل بيته ، وقد تناهبت السيوف والرماح أشلاءهم فيخاطبهم بكل طمأنينة وثبات : " صبرا يا أهل بيتي ، صبرا يا بني عمومتي ، لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم " . وقد بصر شقيقته عقيلة بني هاشم ، وقد أذهلها الخطب ، ومزق الاسى قلبها ، فسارع اليها ، وأمرها بالخلود إلى الصبر والرضا بما قسم الله . ومن أهوال تلك الكوارث التي صبر الامام عليها أنه كان يرى أطفاله وعياله ، وهم يضجون من ألم الظمأ القاتل ، ويستغيثون به من أليم العطش فكان يأمرهم بالصبر والاستقامة ، ويخبرهم بالعاقبة المشرقة التي يؤل اليها أمرهم بعد هذه المحن الحازبة . وقد صبر على ملاقاة الاعداء الذين ملئت الارض جموعهم المتدفقة ، وهو وحده يتلقى الضرب والطعن من جميع الجهات ، قد تفتت كبده من العطش وهو غير حافل بذلك كله . لقد كان صبره وموقفه الصلب يوم الطف من أندر ما عرفته الانسانية يقول الاربلي : " شجاعة الحسين يضرب بها المثل ، وصبره في الحرب أعجز الاوائل والاواخر " (10). إن أي واحدة من رزاياه لو ابتلى بها أي انسان مهما تدرع بالصبر والعزم وقوة النفس لاوهنت قواه واستسلم للضعف النفسي ، ولكنه (ع) لم يعن بما ابتلي به في سبيل الغاية الشريفة التي سمت بروحه أن تستسلم للجزع أو تضرع للخطوب ، يقول المؤرخون : إنه تفرد بهذه الظاهرة ، فلم توه عزمه الاحداث مهما كانت ، وقد توفى له ولد في حياته فلم ير عليه أثر للكآبه فقيل له في ذلك فقال (ع) : " إنا أهل بيت نسأل الله فيعطينا ، فاذا أراد ما نكره فيما نحب رضينا " (11) لقد رضى بقضاء الله واستسلم لامره ، وهذا هو جوهر الاسلام ومنتهى الايمان . 7 - الحلم : أما الحلم فهو من أسمى صفات أبي شهداء (ع) ومن أبرز خصائصه فقد كان - فيما أجمع عليه الرواة - لا يقابل مسيئا باسائته ، ولا مذنبا بذنبه ، وإنما كان يغدق عليهم ببره ومعروفه شأنه في ذلك شأن جده الرسول (ص) الذي وسع الناس جميعا باخلاقه وفضائله ، وقد عرف بهذه الظاهرة وشاعت عنه ، وقد استغلها بعض مواليه فكان يعمد إلى اقتراف الاسائة إليه لينعم بصلته واحسانه ، ويقول المؤرخون : إن بعض مواليه قد جنى عليه جناية توجب التأديب فأمر (ع) بتأديبه ، فانبرى العبد قائلا : " يا مولاي ، إن الله تعالى يقول : " الكاظمين الغيظ " . فقابله الامام ببسماته الفياضة وقال له : " خلوا عنه ، فقد كظمت غيظي...". وسارع العبد قائلا : " والعافين عن الناس " . " قد عفوت عنك...". وانبرى العبد يطلب المزيد من الاحسان قائلا : " والله يحب المحسنين " . " أنت حر لوجه الله...". ثم أمر له بجائزة سنية (12) تغنيه عن الحاجة ومسألة الناس . لقد كان هذا الخلق العظيم من مقوماته التي لم تنفك عنه ، وظلت ملازمة له طوال حياته . 8 - التواضع : وجبل الامام الحسين (ع) على التواضع ومجافاة الانانية والكبرياء ، وقد ورث هذه الظاهرة من جده الرسول (ص) الذي أقام اصول الفضائل ومعالي الاخلاق في الارض ، وقد نقل الرواة بوادر كثيرة من سمو أخلاقه وتواضعهه نلمع إلى بعضها : 1 - انه اجتاز على مساكين يأكلون في (الصفة) فدعوه إلى الغداء فنزل عن راحلته ، وتغذى معهم ، ثم قال لهم : قد أجبتكم فأجيبوني ، فلبوا كلامه وخفوا معه إلى منزله ، فقال (ع) لزوجه الرباب : اخرجي ما كنت تتدخرين ، فاخرجت ما عندها من نقود فناولها لهم (13). 2 - مر على فقراء يأكلون كسرا من أموال الصدقة ، فسلم عليهم فدعوه إلى طعامهم ، فجلس معهم ، وقال : لولا انه صدقة لاكلت معهم ثم دعاهم إلى منزله ، فاطعمهم ، وكساهم ، وأمر لهم بدراهم (14). لقد اقتدى (ع) في ذلك بجده الرسول (ص) وسار على هديه فقد كان - فيما يقول المؤرخون - يخالط الفقراء ويجالسهم ، ويفيض عليهم ببره واحسانه ، حتى لا يتبيغ بالفقير فقره ، ولا يبطر الغنى ثراؤه . 3 - وجرت مشادة بين الحسين وأخيه محمد بن الحنفية ، فانصرف محمد إلى داره وكتب اليه رسالة جاء فيها " أما بعد : فان لك شرفا لا أبلغه ، وفضلا لا أدركه ، أبونا علي لا أفضلك فيه ولا تفضلني ، وأمي أمرأة من بني حنيفة ، وأمك فاطمة بنت رسول الله (ص) ولو كان ملء الارض مثل أمي ما وفين بأمك ، فاذا قرأت رقعتي هذه فالبس رداءك ونعليك وسر الي ، وترضيني ، واياك أن أكون سابقك إلى الفضل الذي أنت أولى به مني...". ولما قرأ الحسين رسالة أخيه سارع اليه وترضاه (15) وكان ذلك من معالي أخلاقه وسمو ذاته . 9 - الرافة والعطف : ومن صفات أبي الاحرار أنه كان شديد الرأفة بالناس يمد يده لكل ذي حاجة ، ويسعف كل ذي لهفة ، ويجير كل من استجار به ، وقد فزع مروان اليه والى أخيه وهو من ألد أعدائهم ، بعد فشل واقعة الجمل ، وطلب منهما أن يشفعا له عند أبيهما ، فخفا اليه وكلماه في شأنه وقالا له : " يبايعك يا أمير المؤمنين " . فقال (ع) : " أولم يبايعني قبل قتل عثمان لا حاجة لي في بيعته انها كف يهودية ، لو بايعني بيده لغدر بسبابته ، أما أن له امرة كلعقة الكلب أنفه ، وهو أبوالاكبش الاربعة ، وستلقى الامة من ولده يوما أحمر " . وما زالا يلطفان به حتى عفا عنه ، إلا أن هذا الوغد قد تنكر لهذا المعروف وقابل السبطين بكل ما يملك من وسائل الشر والمكروه ، فهو الذي منع جنازة الامام الحسن أن تدفن بجواز جده ، وهو الذي أشار على الوليد بقتل الامام الحسين إن امتنع من البيعة ليزيد ، كما اظهر السرور والفرح بمقتل الامام (ع) وحسب مروان أنه من تلك الشجرة التي لم تثمر إلا الخبيث الدنس وما يضر الناس . ومن ألوان تلك الصور الخالدة لعطف الامام ورأفته بالناس أنه لما استقبله الحر بجيشه البالغ ألف فارس ، وكان قد أرسل لمناجزته وقتاله فرأه الامام وقد أشرف على الهلاك من شدة العطش فلم تدعه أريحيته ولا سمو ذاته أن لا يقوم بانقاذهم ، فأمر (ع) غلمانه وأهل بيته أن يسقوا القوم عن آخرهم ، ويسقوا خيولهم فسقوهم عن آخرهم ، وكان فيهم علي بن الطعان المحاربي الذي اشتد به العطش فلم يدر كيف يشرب فقام (ع) بنفسه فسقاه ، وكانت هذه البادرة من أروع ما سجل في قاموس الانسانية من الشرف والنيل . 10 - الجود والسخاء : من مزايا الامام أبي الاحرار (ع) الجود والسخاء فقد كان ملاذا للفقراء والمحرومين ، وملجأ لمن جارت عليه الايام ، وكان يثلج قلوب الوافدين إليه بهباته وعطاياه يقول كمال الدين بن طلحة : " وقد اشتهر النقل عنه أنه كان يكرم الضيف ، ويمنح الطالب ، ويصل الرحم ، ويسعف السائل ، ويكسوا العاري ، ويشبع الجائع ، ويعطي الغارم ويشد من الضعيف ، ويشفق على اليتيم ، ويغنى ذا الحاجة ، وقل أن وصله مال إلا فرقه ، وهذه سجية الجواد وشنشنه الكريم ، وسمة ذي السماحة ، وصفة من قد حوى مكارم الاخلاق ، فأفعالهه المتلوة شاهدة له بصنعه الكرم ، ناطقة بأنه متصف بمحاسن الشيم ..." (16) . ويقول المؤرخون إنه كان يحمل في دجى الليل السهم الجراب يملؤه طعاما ونقودا إلى منازل الارامل واليتامى والمساكين حتى أثر ذلك في ظهره (17) وكان يحمل اليه المتاع الكثير فلا يقوم حتى يهب عامته ، وقد عرف معاوية فيه هذه الظاهرة فأرسل اليه بهدايا والطاف كما أرسل إلى غيره من شخصيات يثرب وأخذ يحدث جلساءه بما يفعله كل واحد منهم بتلك الالطاف فقال في الحسين : " أما الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفين فان بقي شئ نحر به الجزور وسقى به اللبن...". وبعث رقيبا يرى ما يفعله القوم فكان كما أخبر فقال معاوية : " أنا ابن هند ، أنا أعلم بقريش من قريش " (18). وعلى أي حال فقد نقل المؤرخون بوادر كثيرة من جود الامام وسخائه نلمع إلى بعضها : 1 - مع اسامة بن زيد . ومرض اسامة بن زيد مرضه الذي توفي فيه فدخل عليه الامام عائدا فلما استقر به المجلس قال أسامة : - واغماه . - ما غمك ؟ . - ديني وهو ستون الفا . - هو علي . - أخشى أن أموت قبل أن يقضى . - لن تموت حتى أقضيها عنك . وبادر الامام (ع) فقضاها عنه قبل موته (19) وقد غض طرفه عن اسامة فقد كان من المتخلفين عن بيعة أبيه ، فلم يجازيه بالمثل وإنما أغدق عليه بالاحسان . 2 - مع جارية له : روى أنس قال : كنت عند الحسين فدخلت عليه جارية بيدها طاقة ريحانة فحيته بها ، فقال لها : أنت حرة لوجه الله تعالى ، وبهر أنس فانصرف يقول : - جارية تجيئك بطاقة ريحان ، فتعتقها ؟ ! ! - كذا أدبنا الله ، قال تبارك وتعالى : " واذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " ، وكان أحسن منها عتقها (20) وبهذا السخاء والخلق الرفيع ملك قلوب المسلمين وهاموا بحبه وولائه . 3 - مع غارم : كان الامام الحسين (ع) جالسا في مسجد جده الرسول (ص) وذلك بعد وفاة أخيه الحسن (ع) ، وكان عبد الله بن الزبير جالسا في ناحية منه كما كان عتبة بن أبي سفيان جالسا في ناحية أخرى منه ، فجاء اعرابي على ناقة فعقلها ودخل المسجد فوقف على عتبة بن أبي سفيان فسلم عليه فرد عليه السلام ، فقال له الاعرابي : " اني قتلت ابن عم لي ، وطولبت بالدية فهل لك أن تعطيني شيئا ؟ " . فرفع عتبة اليه رأسه وقال لغلامه : ادفع اليه مائة درهم ، فقال له الاعرابي : " ما أريد إلا الدية تامة " . فلم يعن به عتبة ، فانصرف الاعربي آيسا منه ، فالتقى بابن الزبير فعرض عليه قصته ، فأمر له بمائتي درهم فردها عليهه ، وأقبل نحو الامام الحسين (ع) فرفع اليه حاجته ، فأمر له بعشرة آلاف درهم ، وقال له : هذه لقضاء ديونك ، وأمر له بعشرة آلاف درهم أخرى وقال له : هذه تلم بها شعثك وتحسن بها حالك ، وتنفق بها على عيالك ، فاستولت على الاعرابي موجات من السرور واندفع يقول : طربت وما هاج لي معبق * ولا لي مقام ولا معشق ولكن طربت لآل الرسو * ل فلذ لي الشعر والمنطق هم الاكرمون الانجبون * نجوم السماء بهم تشرق سبقت الانام إلى المكرمات * وأنت الجواد فلا تلحق أبوك الذي ساد بالمكرمات * وأنت الجواد فلا تلحق أبوك الذي ساد بالمكرمات * فقصر عن سبقه السبق به فتح الله باب الرشاد * وباب الفساد بكم مغلق (21) 4 - مع اعرابي : وقصده اعرابي فسلم عليه وسأله حاجته ، وقال : سمعت جدك يقول : إذا سألتم حاجة فاسألوها من أربعة أما عربي شريف ، أو مولى كريم ، أو حامل القرآن ، أو صاحب وجه صبيح ، فأما العرب فشرفت بجدك ، وأما الكرم فدأبكم وسيرتكم ، وأما القرآن ففي بيوتكم نزل ، وأما الوجه الصبيح فاني سمعت رسول الله (ص) يقول : إذا أردتم أن تنظروا الي فانظروا إلى الحسن والحسين . فقال له الحسين (ع) : ما حاجتك ؟ فكتبها الاعرابي على الارض ، فقال له الحسين (ع) : سمعت أبي عليا يقول : المعروف بقدر المعرفة فأسألك عن ثلاث مسائل إن أجبت عن واحدة فلك ثلث ما عندي ، وان أجبت عن اثنين فلك ثلثا ما عندى وان أجبت عن الثلاث فلك كل ما عندي ، وقد حملت الي صرة من العراق الاعرابي : سل ولا حول ولا قوة إلا بالله . الامام الحسين : أي الاعمال أفضل ؟ - الايمان بالله . - ما نجاة العبد من الهلكة ؟ - الثقة بالله . - ما يزين المرء ؟ علم معه حلم . - فان أخطأه ذلك ؟ - مال معه كرم . - فان أخطأه ذلك . - فقر معه صبر . - فان أخطأه ذلك . - صاعقة تنزل من السماء فتحرقه . فضحك الامام ورمى اليه بالصرة (22) . 5 - مع سائل : ووفد عليه سائل فقرع الباب وأنشاء يقول : لم يخب اليوم من رجاك ومن * حرك من خلف بابك الحلقه أنت ذو الجود أنت معدنه * أبوك قد كان قاتل الفسقه وكان الامام واقفا يصلي فخف من صلاته ، وخرج إلى الاعرابي فرأى عليه أثر الفاقة ، فرجع ونادى بقنبر فلما مثل عندهه قال له : ما تبقى من نفقتنا ؟ قال : مائتا درهم أمرتني بتفرقتها في أهل بيتك ، فقال هاتها فقد أتى من هو أحق بها منهم ، فاخذها ودفعها إلى الاعرابي معتذرا منه وهو ينشد هذه الابيات : خذها فاني اليك معتذر * واعلم بأني عليك ذو شفقة لو كان في سيرنا عصا تمد اذن * كانت سمانا عليك مندفقة لكن ريب المنون ذو نكد * والكف منا قليلة النفقة فاخذها الاعرابي شاكرا وداعيا له بالخير ، وانبرى مادحا له : مطهرون نقيات جيوبهم * تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا وأنتم أنتم الاعلون عندكم * علم الكتاب وما جاءت به السور من لم يكن علويا حين تنسبه * فما له في جميع الناس مفتخر (23) هذه بعض بوادر كرمه وسخائه وهي تكشف عن مدى تعاطفه وحنوه على الفقراء ، وأنه لم يبغ أي مكسب سوى ابتغاء مرضاة الله والتماس الاجر في الدار الآخرة...".وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض نزعاته وصفاته التي بلغ بها ذروة الكمال المطلق ، واحتل بها قلوب المسلمين فهاموا بحبه والولاء له . عبادته وتقواه : واتجه الامام الحسين (ع) بعواطفه ومشاعره نحو الله فقد تفاعلت جميع ذاتياته بحب الله والخوف منه ، ويقول المؤرخون : إنه عمل كل ما يقر به إلى الله فكان كثير الصلاة والصوم والحج والصدقة وأفعال الخير (24). ونعرض لبعض ما أثر عنه من عبادته واتجاهه نحو الله : أ - خوفه من الله كان الامام (ع) في طليعة العارفين بالله ، وكان عظيم الخوف منه شديد الحذر من مخالفته حتى قال له بعض أصحابه : " ما أعظم خوفك من ربك ؟ ! ! " فقال (ع) : " لا يأمن يوم القيامة الا من خاف الله في الدنيا ..." (25). وكانت هذه سيرة المتقين الذين أضاؤا الطريق ، وفتحوا آفاق المعرفة ، ودللوا على خالق الكون وواهب الحياة . ب - كثرة صلاته وصومه : كان (ع) أكثر أوقاته مشغولا بالصلاة والصوم(26) وكان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة - كما حدث بذلك ولده زين العابدين - (27) وكان يختم القرآن الكريم في شهر رمضان(28) وتحدث ابن الزبير عن عبادة الامام فقال : " أما والله لقد قتلوه طويلا بالليل قيامه كثيرا في النهار صومه "(29). ج - حجه : كان الامام (ع) كثير الحج وقد حج خمسا وعشرين حجة ماشيا على قدميه (30) وكانت نجائبه تقاد بين يديه(31) وكان يمسك الركن الاسود ويناجي الله ويدعو قائلا : " إلهي أنعمتني فلم تجدني شاكرا ، وابتليتني فلم تجدني صابرا ، فلا أنت سلبت النعمة بترك الشكر ، ولا أدمت الشدة بترك الصبر ، إلهي ما يكون من الكريم إلا الكرم..." (32) . وخرج (ع) معتمرا لبيت الله فمرض في الطريق فبلغ ذلك أباه أمير المؤمنين (ع) وكان في يثرب فخرج في طلبه فأدركه في (السقيا) وهو مريض فقال له : " يا بني ما تشتكي ؟ " . " أشتكي رأسي " . فدعا أمير المؤمنين ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة ، فلما أبل من مرضه قفل راجعا إلى مكة واعتمر (33) هذا بعض ما أثر من طاعته وعبادته . د - صدقاته : كان (ع) كثير البر والصدقة ، وقد ورث أرضا وأشياء فتصدق بها قبل أن يقبضها (34) وكان يحمل الطعام في غلس الليل إلى مساكين أهل المدينة (35) لم يبتغ بذلك إلا الاجر من الله ، والتقرب اليه ، وقد المعنا - فيما سبق - إلى كثير من الوان بره واحسانه . مواهبه العلمية : ولم يدان الامام الحسين (ع) أحد في فضله وعلمه فقد فاق غيره بملكاته ومواهبه العلمية ، وقد انتهل وهو في سنه المبكر من نمير علوم جده التي أضاءت آفاق هذا الكون ، كما تتلمذ على يد أبيه الامام أمير المؤمنين باب مدينة علم النبي (ص) وأعلم الامة ، وأفقهها بشؤون الدين ، وورد في الحديث " كان الحسن والحسين يغران العلم غرا " (36) وقال حبر الامة عبد الله بن عباس : " الحسن من بيت النبوة وهم ورثة العلم " (37) . وقال بعض من ترجمه : " كان الحسن أفضل أهل زمانه في العلم والمعرفة بالكتاب والسنة " (38) ونعرض - بايجاز - لبعض شؤونه العلمية. الرجوع اليه في الفتيا : كان الامام الحسين (ع) من مراجع الفتيا في العالم الاسلامي ، وقد رجع اليه أكابر الصحابة في مسائل الدين ، وكان ممن سأله عبد الله بن الزبير فقد استفتاه قائلا : " يا أبا عبد الله ما تقول في فكاك الاسير على من هو ؟ " . فأجابه (ع) : " على القوم الذين أعانهم أو قاتل معهم...". وسأله ثانيا " يا أبا عبد الله متى يجب عطاء الصبي ؟ " . فاجابه (ع) : إذا استهل وجب له عطاؤه ورزقه " . وسأله ثالثا عن الشرب قائما ؟ فدعا (ع) بلقحة - أي ناقة - له فحلبت فشرب قائما ، وناوله (39) قال ابن القيم الجوزي : " إن الباقي من الصحابة من رجال الفتيا هم أبوالدرداء وأبوعبيدة الجراح ، والحسن والحسين " (40) لقد كان المسلمون يرجعون اليه في مسائل الحلال والحرام ويأخذون من أحكام الاسلام وآداب الشريعة كما كانوا يرجعون إلى أبيه . مجلسه : كان مجلسه مجلس علم ووقار قد ازدان بأهل العلم من الصحابة ، وهم يأخذون عنه ما يلقيه عليهم من الادب والحكمة ، ويسجلون ما يروون عنه من أحاديث جده (ص) ويقول المؤرخون : إن الناس كانوا يجتمعون اليه ويحتفون به ، وكأن على رؤوسهم الطير يسمعون منه العلم الواسع والحديث الصادق (41) وكان مجلسه في جامع جده رسول الله (ص) وله حلقة خاصة به ، وسأل رجل من قريش معاوية أين يجد الحسين ؟ فقال له : " اذا دخلت مسجد رسول الله (ص) فرأيت حلقة فيها قوم كأن على رؤوسهم الطير فتلك حلقة أبي عبد الله " (42) . ويقول العلائلي : " كان مجلسه مهوى الافئدة ، ومتراوح الاملاك يشعر الجالس بين يديه أنه ليس في حضرة انسان من عمل الدنيا ، وصنيعة الدنيا ، تمتد اسبابها برهبته وجلاله وروعته ، بل في حضرة طفاح بالسكينة كأن الملائكة تروح فيها ، وتغدوا ..." (43) . لقد جذبت شخصية الامام ، وسمو مكانته الروحية قلوب المسلمين ومشاعرهم فراحوا يتهافتون على مجلسه ، ويستمعون لاحاديثه ، وهم في منتهى الاجلال ، والخضوع . من روى عنه : كان الامام (ع) من أعلام النهضة الفكرية والعلمية في عصره ، وقد ساهم مساهمة ايجابية في نشر العلوم الاسلامية ، واشاعة المعارف والآداب بين الناس ، وقد انتهل من نمير علومه حشد كبير من الصحابة وابنائهم وهم : ولده الامام زين العابدين ، وبنته فاطمة(44) وسكينة وحفيده الامام أبوجعفر الباقر (ع) والشعبي ، وعكرمة ، وكرز التميمي ، وسنان ابن أبي سنان الدوئلي ، و عبد الله بن عمر ، وابن عثمان والفرزدق(45) وابن أخيه زيد بن الحسن (46) وطلحة العقيلي وعبيد بن حنين (47) وأبو هريرة ، وعبيدالله بن أبي يزيد ، والمطلب بن عبيدالله بن خنطب ، وأبوحازم الاشجعي ، وشعيب بن خالد ، ويوسف الصباغ ، وأبوهشام(48) وغيرهم وقد الف احمد بن محمد بن سعيد الهمداني كتابا في أسماء من روى عن الحسن والحسين (49). لقد اتخذ الامام الجامع النبوي مدرسة له فكان به يلقي محاضراته في علم الفقه والتفسير ، ورواية الحديث ، وقواعد الاخلاق وآداب السلوك وكان المسلمون يفدون عليه من كل فج للانتهال من نمير علومه المستمدة من علوم النبي (ص) ومعارفه . رواياته عن جده : وروى الامام الحسين (ع) مجموعة كبيرة من الاحاديث عن جده الرسول (ص) وقد ذكر الزهري في كتاب (المغازي) أن البخاري روى عن الحسين أحاديث كثيرة ، وفيها باب تحريض النبي (ص) على قيام الليل ، كما روى عنه الترمذي في كتاب (الشمائل النبوية) أحاديث كثيرة ، وقد نقلها عنه سفيان بن وكيع (50) ونلمع إلى بعض رواياتههه عن جده : 1 - قال (ع) : قال رسول الله (ص) : " من حسن اسلام المرء قلة الكلام فيما لا يعنيه " (51) . 2 - قال (ع) : قال رسول الله (ص) : " من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه " (52). 3 - قال (ع) : سمعت رسول الله (ص) يقول : " ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة (أو قال تصيبه مصيبة) وان قدم عهدههها فيحدث لها استراجاعا إلا أحدث الله عنه ذلك ، وأعطاه ثواب ما وعده عليها يوم أصيب بها " (53) . 4 - قال (ع) : سمعت النبي (ص) يقول : " إن الله يحب معالي الامور ويكره سفاسفها " (54). 5 - قال (ع) : سمعت النبي (ص) يقول : " من يطع الله يرفعه ، ومن يعص الله يضعه ومن يخلص نيته لله يزينه ، ومن يثق بما عند الله يغنيه ، ومن يتعزز على الله يذله " (55). 6 - قال (ع) : كان رسول الله (ص) اذا استقى قال : " اللهم اسقنا سقيا واسعة وادعة عامة نافعة غير ضارة تعم بها حاضرنا وبادينا ، وتزيد بها في رزقنا ، وشكرنا ، اللهم اجعله رزق ايمان وعطاء ايمان ، ان عطاءك لم يكن محظورا ، اللهم انزل علينا في ارضنا سكنها (56) وانبت فيها زينتها ومرعاها " (57) . 7 - قال (ع) : حدثني أبي عن النبي (ص) أنه قال : " المغبون لا محمود ولا مأجور " (58). 8 - روى (ع) عن أبيه قال : قال رسول الله (ص) : " رأس العقل بعد الايمان بالله عزوجل التحبيب إلى الناس " (59). 9 - روى عن أبيه قال : قال رسول الله (ص) : " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ، عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن حبنا أهل البيت " (60). مسنده : الف هذا المسند أبوبشير محمد بن أحمد الدولابي المتوفى سنة (320 ه) وقد أدرجه في غضون كتابه " الذرية الطاهرة " (61) ، وهذه بعض بنوده : 1 - روى علي بن الحسين عن أبيه أن رسول الله (ص) قال : " من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه .." . 2 - قال الحسين (ع) : وجدت في قائم سيف رسول الله (ص) صحيفة مربوطة وهي : " أشد الناس على الله عذابا القاتل غير قاتله ، والضارب غير ضاربه . ومن جحد نعمة مواليه فقد برئ مما أنزل الله عزوجل. 3 - روى الحسين (ع) قال : قال رسول الله (ص) : " إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي " . 4 - روى الحسين عن أبيه عن جده قال (ص) : " يكون بعدي ثلاث فرق ، مرجئة ، وحرورية ، وقدرية ، فان مرضوا فلا تعودوهم ، وان ماتوا فلا تشهدوهم ، وان دعوا فلا تجيبوهم " . 5 - روى (ع) عن جده (ص) أنه قال : " ما من عبد أو أمه يضمن بنفقة ينفقها فيما يرضي الله إلا أنفق أضعافها في سخط الله ، وما من عبد يدع معونة أخيه المسلم ، والسعي في حاجته ، قضيت تلك الحاجة ، أو لم تقض إلا ابتلي بمعونة من يأثم فيه ، ولا يؤجر عليه ، وما من عبد ولا أمة يدع الحج وهو يجد السبيل اليه لحاجة من حوائج الدنيا إلا نظر إلى المحلقين قبل أن يقضي الله تلك الحاجة . 6 - روى يحيى بن سعيد قال : كنت عند علي بن الحسين فجاءه نفر من الكوفيين فقال علي بن الحسين : يا أهل العراق ، أحبونا حب الاسلام فاني سمعت أبي يقول : قال رسول الله (ص) : " يا أيها الناس ، لا ترفعوني فوق حقي فان الله عزوجل قد اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا " . 7 - روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها و عبد الله بن عباس أن رسول الله (ص) كان يقول : " لا تديموا النظر إلى المجذومين ، من كلمهم منكم فليكن بينه وبينكم قيد رمح...". 8 - روت فاطمة بنت الحسين (ع) عن أبيها قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " ان الله يحب معالي الاخلاق وأشرافها ، ويكره سفاسفها...". 9 - روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها أن رسول الله (ص) قال : " لا تديموا النظر إلى المجذومين " . 10 - روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها قال : كان رأس رسول الله صلى الله عليه وآله في حجر علي ، وكان يوحى اليه ، فلما سرى عنه - أي الوحي - قال : يا علي صليت العصر ؟ قال : لا ، قال : اللهم انك تعلم أنه كان في حاجتك وحاجة رسولك فردها عليه فردها عليه ، فصلى وغابت الشمس . 11 - روت فاطمة عن أبيها أن النبي (ص) قال : " للسائل حق وان جاء على فرس " . 12 - روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها قال : قال رسول الله (ص) : " من اصيب بمصيبة فذكرها وان تقادم عهدها فأحدث لها استرجاعا احدث الله له ثواب ما وعده حين اصيب بها...". 13 - روت فاطمة بنت الحسين (ع) عن أبيها ، قال : قال رسول الله (ص) : " لما اخذ الله ميثاق العباد جعل في (الحجر) فمن الوفاء بالبيعة استلام الحجر " . 14 - روى عبد الله بن سليمان بن نافع مولى بني هاشم ، عن الحسين ابن علي قال : قال رسول الله (ص) : " يا بني هاشم أطيبوا الكلام ، واطعموا الطعام " . 15 - روى أبوسعيد الميثمي قال : سمعت الحسين بن علي يقول : قال رسول الله (ص) : " من لبس ثوب شهرة كساه الله ثوب نار...". هذه بعض بنود مسند الامام الحسين (ع) وهي حافلة بآداب السلوك وتهذيب الاخلاق التي لا غني للناس عنها . رواياته عن امه فاطمة (ع): وروى (ع) عن أمه سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) من الاحاديث ما يلي : 1 - روى محمد بن علي بن الحسين قال : خرجت مع جدي الحسين ابن علي إلى أرضه فادركنا النعمان بن بشير على بغلة له فنزل عنها وقال للحسين : اركب أبا عبد الله ، فأبى فلم يزل يقسم عليه ، حتى قال : أما انك قد كلفتني ما اكره ، ولكن احدثك حديثا حدثتنيه امي فاطمة ان رسول الله (ص) قال : " الرجل أحق بصدر وفراشه ، والصلاة في بيته الا إماما الجمع من الناس ، فاركب أنت على صدر الدابة ، وسارت تدف ، فقال النعمان :صدقت فاطمة..."." 2 - روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله قالت : قال رسول الله (ص) : " لا يلو من إلا نفسه من بات وفي يده غمره ..(62)،"(63). رواياته عن أبيه : وروى الامام الحسين عن أبيه الامام أمير المؤمنين (ع) الشئ الكثير سواء أكان مما يتعلق بالسيرة النبوية أم في الاحكام الشرعية وهذه بعضها : 1 - روى (ع) عن أبيه (ع) أن رسول الله (ص) بعث سرية فأسروا رجلا من بني سليم يقال له الاصيد من سلمة فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله رق لحاله ، وعرض عليه السلام فأسلم فبلغ ذلك أباه وكان شيخا فكتب اليه رسالة فيها هذه الابيات : من راكب نحو المدينة سالما * حتى يبلغ ما أقول الا صيدا ان البنين شرارهم أمثالهم * من عق والده وبر الابعدا أتركت دين أبيك والشم العلى * أودوا وتابعت الغداة محمدا وعرض الاصيد رسالة أبيه على النبي (ص) واستأذنه في جوابه فأذن له فكتب اليه : إن الذي سمك السماء بقدرة * حتى علا في ملكه فتوحدا بعث الذي لا مثلهه فيما مضى * يدعو لرحمته النبي محمدا فدعا العباد لدينه فتتابعوا * طوعا وكرها مقبلين على الهدى وتخوفوا النار التي من أجلها * كان الشقي الخاسر المتلددا واعلم بانك ميت ومحاسب * فالى من هذي الضلالة والردى ولما قرأ سلمة رسالة ابنه وفد على النبي (ص) وأسلم (64) . 2 - قال (ع) سألت أبي عن سيرة رسول الله (ص) في جلسائه فقال : كان رسول الله دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مشاح ، يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه ، ولا يخيب فيه فيه ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء ، والاكبار وما لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحدا ولا يعيبه ، ولا يطلب عورته ، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه ، ه واذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير ، فاذا سكت تكلموا ، لا يتنازعون عنده الحديث ومن تكلم عنده أنصتوا اليه ، حتى يفرغ حديثهم عنده حديث أولهم ، يضحك مما يضحكون منه ، ويتعجب مما يتعجبون ، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقة ومسألته حتى ان كأن اصحابه ليستجلبونهم ، ويقول : اذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فارفدوه ، ولا يقبل الثناء الا من مكافئ ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجور (65) فيقطعه بنهي أو قيام..."." (66). وقد امتاز النبي (ص) على عامة النبيين بهذه الاخلاق العالية التي الفت ما بين قلوب المسلمين ، ووحدت ما بين مشاعرهم وعواطفهم ، وجعلتهم في عصورهم الاولى سادة الامم والادلاء على مرضاة الله وطاعته 3 - روى (ع) عن أبيه قال : قال رسول الله (ص) : " من قتل دون ماله فهو شهيد " (67). 4 - روى عليه السلام عن أبيه قال : قال رسول الله (ص) : " عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء ، كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار " (68) . 5 - قال (ع) : سمعت أبي يقول : " الايمان معرفة بالقلب واقرار باللسان وعمل بالاركان..."." (69) . 6 - روى (ع) عن ابيه انه قال : " لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم أشراركم ، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم..."." (70) . 7 - روى عن ابيه انه قال : " إن الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة : أخفى رضاه في طاعته ، فلا تستصغرن شيئا من طاعته فربما وافق رضاه ، وأنت لا تعلم وأخفى سخطه فلا تستصغرن شيئا من طاعته فربما وافق سخطه معصيته وأنت لا تعلم ، وأخفى اجابته في دعوته فلا تستصغرن شيئا من دعائه فربما وافق اجابته وانت لا تعلم ، وأخفى وليه في عباده فلا تستصغرن عبدا من عبيد الله فربما يكون وليه وانت لا تعلم"(71). 8 - روى (ع) عن ابيه انه قال : قال رسول الله (ص) : " خير دور الانصار بنو النجار ، ثم بنو عبدالاشهل ، ثم بنو الحرث ، ثم بنو ساعدة ، وفي كل دور الانصار خير . . ." (72) . 9 - روى (ع) عن ابيه انه قال : قال رسول الله (ص) : " خير الدعاء الاستغفار ، وخير العبادة قول لا إله إلا الله ..."(73) . وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض رواياته عن جده وأبويه . من تراثه الرائع : للامام (ع) تراث رائع خاض في جملة منه مجموعة من البحوث الفلسفية والمسائل الكلامية التي منيت بالغموض والتعقيد ، فأوضحها وبين وجهة الاسلام فيها ، كما خاض في كثير من كلماته أصول الاخلاق وقواعد الآداب ، واسس الاصلاح الاجتماعي والفردي ، ونعرض فيما يلي لبعض ما اثر عنه : القدر : من أهل المسال الكلامية وأعمقها مسألة القدر فقد اثير حولها الكلام منذ فجر التاريخ الاسلامي ، وقد تصدى أئمة أهل البيت (ع) لبيانها ودفع الشبهات عنها ، وقد سأل الحسن بن الحسن البصري الامام الحسين عنها ، فأجابه (ع) برسالة هذا نصها : " اتبع ما شرحت لك في القدر مما افضى الينا اهل البيت ، فإنه من لم يؤمن بالقدر خيره وشره كفر ، ومن حمل المعاصي على الله عزوجل فقد افترى على الله افتراء عظيما ، وان الله لا يطاع بإكراه ، ولا يعصى بغلبة ، ولا يهمل العباد في الهلكة ، لكنه المالك لما ملكهم ، والقادر لما عليه أقدرهم ، فإن ائتمروا به فعل فليس هو حملهم عليها قسرا ، ولا كلفهم جبرا ، بل بتمكينه إياهم بعد اعذاره وانذاره لهم واحتجاجه عليهم طوقهم ومكنهم وجعل لهم السبيل إلى ما اخذ ما إليه دعاهم ، وترك ما عنه نهاهم عنه ، جعلهم مستطيعين لاخذ ما امرهم به من شئ غير آخذ به ، ولترك ما نهاهم عنه من شئ غير تاركيه ، والحمد لله الذي جعل عباده أقوياء لما امرهم به ينالون بتلك القوة ، وما نهاهم عنه ، وجعل العذر لمن لم يجعل له السبيل حمدا متقبلا ، فأنا على ذلك اذهب ، وبه اقول انا واصحابي ايضا عليه وله الحمد..."." (74) . وقد عرض هذا الكلام الشريف إلى بحوث كلامية مهمة . والتعرض لها يستدعي الاطالة والخروج عن الموضوع . الصمد : كتب اليه جماعة يسألونه عن معنى الصمد في قوله تعالى : " الله الصمد " فكتب (ع) لهم بعد البسملة : " أما بعد : فلا تخوضوا في القرآن ، ولا تجادلوا فيه ، ولا تتكلموا فيه بغير علم ، فقد سمعت جدي رسول الله (ص) يقول : من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ، وان الله سبحانه قد فسر الصمد فقال (الله أحد الله الصمد) ثم فسره فقال : " لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) (لم يلد) لم يخرج منه شئ كثيف كالولد وسائر الاشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ، ولا شئ لطيف كالنفس ، ولا يتشعب من البدوات كالسنة والنوم ، والخطرة والهم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء ، والرغبة والسأمة والجوع والشبع ، تعالى عن أن يخرج منه شئ ، وان يتولد منه شئ كثيف أو لطيف " ولم يولد " : لم يتولد منه شئ ، ولم يخرج منه شئ كما تخرج الاشياء الكثيفة من عناصرهم والدابة من الدابة ، والنبات من الارض ، والماء من الينابيع والثمار من الاشجار ، ولا كما يخرج الاشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الاذن ، والشم من الانف ، والذوق من الفم ، والكلام من اللسان ، والمعرفة والتمييز من القلب ، وكالنار من الحجر ، لا بل هو اللهه الصمد الذي لا شئ ، ولا في شئ ، ولا على شئ ، مبدع الاشياء وخالقها ومنشئ الاشياء بقدرته ، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته ، ويبقى ما خلق للبناء بعلمه ، فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ، ولم يكن له كفوا احد ..."(75) . التوحيد : وعرض الامام الحسين (ع) في كثير من كلامه إلى توحيد الله فبين حقيقته وجوهره ، وفند شبه الملحدين وأوهامهم ، ونعرض فيما يلي لبعض ما اثر عنه : 1 - قال (ع) : " ايها الناس اتقوا هؤلاء المارقة الذين يشبهون الله بأنفسهم يضاهون قول الذين كفروا من أهل الكتاب ، بل هو الله ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ، لا تدركه الابصار ، وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير ، استخلص الوحدانية والجبروت ، وامضى المشيئة والارادة والقدرة والعلم بما هو كائن ، لا منازع له في شئ من امره ، ولا كفو له يعادله ، ولا ضد له ينازعه ولا سمي له يشابهه ، ولا مثل له يشاركه ، لا تتداوله الامور ولا تجري عليه الاحوال ، ولا ينزل عليه الاحداث ، ولا يقدر الواصفون كنه عظمته ، ولا يخطر على القلوب مبلغ جبروته ، لانه ليس له في الاشياء عديل ، ولا تدركه العلماء بألبابها ، ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلا بالتحقيق ، ايقانا بالغيب لانه لا يوصف بشئ من صفات المخلوقين ، وهو الواحد الصمد ، ماتصور في الاوهام فهو خلافه ، ليس برب من طرح تحت البلاغ ، ومعبود من وجد في هواء أو غير هواء ، هو في الاشياء كائن ، لا كينونة محظور بها عليه ، ومن الاشياء بائن لا بينونة غائب عنها ، ليس بقادر من قارنه ضد أو ساواه ند ، ليس عن الدهر قدمه ، ولا بالناحية اممه ، احتجب عن العقول كما احتجب عن الابصار ، وعمن في السماء احتجابه كمن في الارض ، قر به كرامته ، وبعده اهانته ، لا يحله في ، ولا توقته إذ ، ولا تؤامره إن علو من غير توقل ، ومجيئه من غير تنقل ، يوجد المفقود ، ويفقد الموجود ولا تجتمع لغيره الصفتان في وقت ، يصيب الفكر منه الايمان به موجودا ووجود الايمان لا وجود صفة ، به توصف الصفات لا بها يوصف ، وبه تعرف المعارف لابها يعرف ، فذلك الله لا سمي له ، سبحانه ليس كمثله شئ ، وهو السميع البصير ..." (76). وحذر الامام من تشبيه الخالق العظيم بعباده او بسائر الممكنات التي يلاحقها العدم ، ويطاردها الفناء . ان الانسان مهما اوتي من طاقات فهي محدودة كما وكيفا ، ويستحيل ان يصل إلى ادارك حقيقة المبدع العظيم الذي خلق هذه الاكوان وخلق هذه المجرات التي تذهل العقول تصورها ، وما بنيت عليه من الانظمة الدقيقة المذهلة...".إن الانسان قد عجز عن معرفة نفسه التي انطوت على هذه الاجهزة العميقة كجهاز البصر والسمع والاحساس وغيرها فكيف يصل إلى ادراك خالقه ؟ ! وعلى اي حال فقد اوضحت هذه اللوحة الرائعة كثيرا من شؤون التوحيد ، ودللت على كيفيته ، وهي من أثمن ما اثر من ائمة اهل البيت عليهم السلام في هذا المجال . 2 - يقول المؤرخون ان حبر الامة عبد الله بن عباس كان يحدث الناس في مسجد رسول الله (ص) فقام اليه نافع الازرق فقال له : تفتي الناس في النملة والقملة صف لي إلهك الذي تعبد ، فاطرق اعظاما لقوله ، وكان الامام الحسين (ع) جالسا فانبرى قائلا : - إلي يابن الازرق ؟ - لست اياك . فثار ابن عباس ، وقال له : " إنه من بيت النبوة ، وهم ورثة العلم...". فاقبل نافع نحو الحسين فقال (ع) له : " يا نافع من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس سائلا ناكبا عن المنهاج ، ظاعنا بالاعوجاج ، ضالا عن السبيل ، قائلا غير الجميل اصف لك إلهي ، بما وصف به نفسه ، واعرفه بما عرف به نفسه لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس قريب غير ملتصق بعيد غير منتقص يوحد ولا يبغض معروف بالآيات موصوف بالعلامات لا إله إلا هو الكبير المتعال ..."(77). فحار الازرق ، ولم يطق جوابا ، فقد ملكت الحيرة أهابه ، وسد عليه الامام كل نافذة ينفذ منها ، وبهر جميع من سمعوا مقالة الامام ، وراحوا يرددون كلام ابن عباس ان الحسين من بيت النبوة وهم ورثة العلم . الامر بالمعروف : وجه الامام (ع) هذه الكلمة النيرة إلى الانصار والمهاجرين ، ونعى عليهم تسامحهم عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين بني عليهما المجتمع ال: auto; ****-iرض إلى المظالم الاجتماعية التي منيت بها الامة ، والتي كانت ناجمة عن تقصيرها في اقامة هذا الواجب الخطير ، وهذا نصها : " اعتبروا أيها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الاحبار إذ يقول : " لو لا ينههم الربانيون والاحبار عن قولهم الاثم " (78) وقال : " لعن الذين كفروا من بني اسرائيل - إلى قوله - لبئس ما كانوا يفعلون " (79) وإنما عاب الله ذلك عليهم لانهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم ، ورهبة مما يحذرون ، والله يقول : " فلا تخشوا الناس واخشون " (80) . وقال : " المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر "(81) فبدأ الله بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنها إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها ، وذلك أن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الاسلام مع رد المظالم ومخالفة الظالم وقسمة الفئ والغنائم وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها...".ثم أنتم أيتها العصابة عصابة بالعلم مشهورة وبالخير مذكورة وبالنصيحة معروفة وبالله في أنفس الناس مهابة . يهابكم الشريف ، ويكرمكم الضعيف ، ويؤثركم من لا فضل لكم عليه ، ولا يدلكم عنده ، تشفعون في الحوائج اذا امتنعت من طلابها ، وتمشون في الطريق بهيبة الملوك وكرامة الاكابر ، أليس كل ذلك إنما نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحق الله ، وإن كنتم عن أكثر حقه تقصرون ، فاستخففتم بحق الائمة ، فأما حق الضعفاء فضيعتم ، وأما حقكم بزعمكم فطلبتم ، فلا مالا بذلتموه ولا نفسا خاطرتم بها للذي خلقها ، ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله ، أتتم تتمنون على الله جنته ، ومجاورة رسله ، وأمانا من عذابه ، لقد خشيت عليكم أيها المتمنون على الله أن تحل بكم نقمة من نقماته لانكم بلغتم من كرامة الله منزلة فضلتم بها ، ومن يعرف بالله لا تكرمون ، وأنتم بالله في عباده تكرمون وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تفزعون ، وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون ، وذمة رسول الله صلى الله عليه وآله محقورة ، والعمى والبكم والزمن في المدائن مهملة لا ترحمون ، ولا في منزلتكم تعملون ، ولا من عمل فيها تعينون ، وبالادهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون كل ذلك مما أمركم الله به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون ، وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسعون ذلك بأن مجاري الامور والاحكام على أيدي العلماء بالله الامناء على حلاله وحرامه فأنتم المسلوبون تلك المنزلة وما سلبتم ذلك إلا بتفرقكم عن الحق واختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة ولو صبرتم على الاذى ، وتحملتم المؤونة في ذات الله ، كانت أمور الله عليكم ترد ، وعنكم تصدر ، وإليكم ترجع ، ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم ، واستسلمتم أمور الله في ايديهم يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات ، سلطهم على ذلك فراركم من الموت واعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم ، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم فمن بين مستعبد مقهور ، وبين مستضعف على معيشته ، مغلوب يتقلبون في الملك بآرائهم ، ويستشعرون الخزي بأهوائهم اقتداءا بالاشرار ، وجرأة على على الجبار ، في كل بلد منهم لهم خول ، لا يدفعون يد لامس ، فمن بين جبار عنيد ، وذي سطوة على الضعفة شديد ، مطاع لا يعرف المبدئ المعيد ، فيا عجبا ! : وما لي لا أعجب والارض من غاش غشوم ، ومتصدق ظلوم ، وعامل على المؤمنين بهم غير رحيم ، فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا ، القاضي بحكمه فيما شجر بيننا..."." (82) . وحفلت هذه الوثيقة السياسية بذكر الاسباب التي أدت إلى تردي الاخلاق وشيوع المنكر في البلاد الناجمة من عدم قيام المهاجرين والانصار بمسؤولياتهم وواجباتهم الدينية والاجتماعية ، فقد كانت لهم المكانة المرموقة في المجتمع الاسلامي لانهم صحابة النبي (ص) وحضنة الاسلام ويمكنهم أن يقولوا : كلمة الحق ، ويناهضوا الباطل إلا انهم تقاعسوا عن واجباتهم مما أدى إلى أن تتحكم في رقاب المسلمين الطغمة الحاكمة من بني امية الذين اتخذوا عباد الله خولا ، ومال الله دولا . أنواع الجهاد : وسئل الامام أبو عبد الله (ع) عن الجهاد هل هو سنة أو فريضة فأجاب (ع) : " الجهاد على أربعة أوجه : فجهادان فرض ، وجهاد سنة لا يقام إلا مع فرض ، وجهاد سنة ، فأما أحد الفرضين فجهاد الرجل نفسه عن معاصي الله ، وهو من أعظم الجهاد ، ومجاهدة الذين يلونكم من الكفار فرض ، وأما الجهاد الذي هو سنة لا يقام إلا مع فرض فان مجاهدة العدو فرض على جميع الامة لو تركوا الجهاد لاتاهم العذاب ، وهذا هو من عذاب الامة ، وهو سنة على الامام وحده أن يأتي العدو مع الامة فيجاهدهم ، وأما الجهاد الذي هو سنة فكل سنة أقامها الرجل وجاهد في اقامتها ، وبلوغها واحيائها فالعمل والسعي فيها من أفضل الاعمال لانها احياء سنة ، وقد قال رسول الله (ص) : " من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من اجورهم شيئا..."." (83) . تشريع الصوم : سئل الامام الحسين (ع) عن الحكمة في تشريع الصوم على العباد فقال (ع) : " ليجد الغني مس الجوع فيعود بالفضل على المساكين " (84) . انواع العبادة : وتحدث (ع) عن أنواع العبادة فقال : " إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الاحرار ، وهي أفضل العبادة " (85). وتحدث (ع) عمن عبد الله حق عبادته فقال : " من عبد الله حق عبادته أتاه الله فوق أمانيه وكفايته " (86). مودة أهل البيت : وحث الامام الحسين على مودة أهل البيت (ع) يقول أبوسعيد : سمعت الحسين يقول : " من أحبنا نفعه الله بحبنا ، وإن كان أسيرا في الديلم ، وإن حبنا ليساقط الذنوب كما تساقط الريح الورق..."." (87). قال (ع) : " الزموا مودتنا أهل البيت فان من لقي الله وهو يودنا دخل في شفاعتنا " . روى بشير بن غالب أن الامام الحسين (ع) قال : " من أحبنا لله وردنا نحن وهو على نبينا (ص) هكذا - وضم اصبعيه - ومن أحبنا للدنيا فان الدنيا تسع البر والفاجر .."(88). وحدث (ع) عما يكتسبه من أتى إليهم من الفوائد قال : " من أتانا لم يعدم خصلة من أربع : آية محكمة ، وقضية عادلة ، وأخا مستفادا ، ومجالسة العلماء ..."(89). مكارم الاخلاق : ورسم الامام (ع) لاهل بيته وأصحابه مكارم الاخلاق ، ومحاسن الصفات وأمرهم بالتحلي بها ليكونوا قدوة لغيرهم ، وفيما يلي بعضها . 1 - قال (ع) : " الحلم زينة ، والوفاء مروءة ، والصلة نعمة ، والاستكثار صلف ، والعجلة سفه ، والسفه ضعف ، والغلو ورطة ، ومجالسة أهل الدنائة شر ، ومجالسة أهل الفسوق ريبة..."." (90). 2 - قال (ع) : " الصدق عز ، والكذب عجز ، والسر أمانة ، والجوار قرابة ، والمعونة صدقة ، والعمل تجربة ، والخلق الحسن عبادة ، والصمت زين ، والشح فقر ، والسخاء غنى ، والرفق لب..."." (91). 3 - قال (ع) : " أيها الناس ، من جاد ساد ، ومن بخل رذل وان أجود الناس من أعطى من لا يرجوه..."." (92) . 4 - قال (ع) : " من جاد ساد ، ومن بخل رذل ، ومن تعجل لاخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا..."." (93) . 5 - قال (ع) : " اعلموا ان حوائج الناس إليكم من نعم الله عزوجل عليكم ، فلا تملوا النعم فتعود النقم..."." (94) . 6 - رأى الامام (ع) رجلا قد دعي إلى طعام فامتنع من الاجابة فقال (ع) له : " قم فليس في الدعوة عفو ، وإن كنت مفطرا فكل ، وانت صائما فبارك..."." (95) . 7 - قال (ع) : " صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك ، فاكرم وجهك عن رده..."." (96) . 8 - كان (ع) دوما ينشد هذه الابيات الداعية إلى حسن الخلق ، وعدم العناء في طلب الدنيا ، ويزعم بعض الرواة انها من نظمه وهي : لئن كانت الافعال يوما لاهلها * كمالا فحسن الخلق أبهى وأكمل وإن كانت الارزاق رزقا مقدرا * فقلة جهد المرء في الكسب أجمل وإن كانت الدنيا تعد نفيسة * فدار ثواب الله أعلى وأنبل وإن كانت الابدان للموت أنشأت * فقتل امرء بالسيف في الله أفضل وإن كانت الاموال للترك جمعها * فما بال متروك به المرء يبخل (97) وألمت هذه الابيات برغبة الامام بالشهادة في سبيل الله ، كما حكت عن طبيعة كرمه وسخائه . 9 - قال (ع) : " لا تتكلف ما لا تطيق ، ولا تتعرض لما لا تدرك ، ولا تعد بما لا تقدر عليه ، ولا تنفق إلا بقدر ما تستفيد ، ولا تطلب من الجزاء إلا بقدر ما صنعت ، ولا تفرح الا بما نلت من طاعة الله ولا تتناول إلا ما رأيت نفسك أهلا له..."." (98). 10 - قال (ع) لابن عباس : " لا تتكلمن فيما لا يعنيك فاني أخاف عليك الوزر ، ولا تتكلمن فيما لا يعنيك حتى ترى للكلام موضعا فرب متكلم قد تكلم بالحق فعيب ، ولا تمارين حليما ولا سفيها ، فإن الحليم يقلبك ، والسفيه يؤذيك ، ولا تقولن في أخيك المؤمن إذا توارى عنك إلا ما تحب أن يقول فيك إذا تواريت عنه ، واعمل عمل رجل يعلم أنه مأخوذ بالاجرام مجزي بالاحسان..."." (99). وهذه الكلمات الذهبية هي بعض ما اثر عنه في مكارم الاخلاق ، ومحاسن الصفات التي يكسب بها الانسان المنهج السليم ، وحسن السلوك وسلامة الدارين . تشريع الاذان : وزعم بعض المعاصرين للامام أن الذي شرع الاذان عبد الله ابن زيد لرؤيا رآها ، فأخبر بها النبي (ص) فأمر (ص) به ، فأنكر الامام (ع) ذلك وقال : " الوحي يتنزل على نبيكم ، وتزعمون انه أخذ الاذان عن عبد الله ابن زيد والاذان وجه دينكم..."." (100). الاخوان : قال (ع) " الاخوان أربعة : فأخ لك وله ، وأخ عليك ، وأخ لا لك ولا له .." . وأوضح (ع) ذلك بقوله : " الاخ الذي هو لك وله فهو الاخ الذي يطلب بإخائه بقاء الاخاء ولا يطلب بإخائه موت الاخاء فهذا لك وله ، لانه إذا تم الاخاء طابت حياتهما جميعا ، وإذا دخل الاخاء في حال التناقض بطلا جميعا ، والاخ الذي لك فهو الاخ الذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع إلى حال الرغبة فلم يطمع في الدنيا إذا رغب في الاخاء فهو موفور عليك بكليته ، والاخ الذي هو عليك فهو الاخ الذي يتربص بك الدوائر ، ويغشى السرائر ، ويكذب عليك بين العشائر ، وينظر في وجهك نظر الحاسد فعليه لعنة الواحد ، والاخ الذي لك ولا له فهو الذي قد ملاه الله حمقا فأبعده سحقا فتراه يؤثر نفسه عليك ، ويطلب شح ما لديك..."." (101). العلم والتجارب : قال (ع) : " دراسة العلم لقاح المعرفة ، وطول التجارب زيادة في العقل ، والشرف والتقوى والقنوع راحة الابدان ، ومن حبك نهاك ، ومن أبغضك أغراك..."." (102) . حقيقة الصدقة : وتصدق رجل من بني امية بأموال كثيرة ، ولم تكن تلك الاموال من حلال ، وإنما كانت من حرام ، فقال الامام (ع) : " مثله مثل الذي سرق الحاج ، وتصدق بما سرق ، إنما الصدقة صدقة من عرق فيها جبينه ، وأغبر فيها وجهه .." (103). الوعظ والارشاد : وعنى الامام (ع) بوعظ الناس وارشادهم كما عنى أبوه من قبله ، مستهدفين من ذلك تنمية القوى الخيرة في النفوس ، وتوجيه الناس نحو الحق والخير وإبعادهم عن نزعات الشر من الاعتداء والغرور والطيش وغير ذلك ، ونعرض فيما يلي لبعض ما أثر عنه : 1 - قال (ع) : " أوصيكم بتقوى الله ، وأحذركم أيامه ، وأرفع لكم أعلامه ، فكأن المخوف قد أقل بمهول وروده ، ونكير حلوله ، وبشع مذاقه ، فاغتلق مهجكم ، وحال بين العمل وبينكم ، فبادروا بصحة الاجسام ومدة الاعمار ، كأنكم نبعات طوارقه فتنقلكم من ظهر الارض إلى بطنها ، ومن علوها إلى سفلها ، ومن أنسها إلى وحشتها ، ومن روحها وضوئها إلى ظلمتها ، ومن سعتها إلى ضيقها حيث لا يزار حميم ، ولا يعاد سقيم ، ولا يجاب صريخ ، أعاننا الله وإياكم على أهوال ذلك اليوم ، ونجانا وإياكم من عقابه وأوجب لنا ولكم الجزيل من ثوابه . عباد الله : فلو كان ذلك قصر مرماكم ، ومدى مضعنكم ، كان حسب العامل شغلا يستفرغ عليه أحزانه ، ويذهله عن دنياه ، ويكثر نصبه لطلب الخلاص منه ، فكيف وهو بعد ذلك مرتهن باكتسابه مستوقف على حسابه ، لا وزير له يمنعه ، ولا ظهير عنه يدفعه ويومئذ " لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانهم خيرا قل انتظروا إنا منتظرون " (104) . أوصيكم بتقوى الله فان الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره إلى ما يحب ، ويرزقه من حيث لا يحتسب ، فإياك أن تكون ممن يخاف على العباد بذنوبهم ، ويأمن العقوبة من ذنبه ، فان الله تبارك وتعالى لا يخدع عن جنته ، ولا ينال ما عنده إلا بطاعته إن شاء الله (105) . وحفل هذا الكلام بما يقرب الناس إلى الله ، وبما يبعدهم عن معاصيه ويجنبهم عن دواعي الهوى ونزعات الشرور . 2 - كتب إليه رجل يطلب منه أن يعظه بحرفين أي يوجز القول فكتب (ع) له : " من حاول أمرا بمعصية الله تعالى كان أفوت لما يرجو وأسرع لمجئ ما يحذر..."." (106) . 3 - قال (ع) : " عباد الله اتقوا الله ، وكونوا من الدنيا على حذر فإن الدنيا لو بقيت لاحد أو بقي عليها أحد لكانت الانبياء أحق بالبقاء ، وأولى بالرضاء ، وأرضى بالقضاء ، غير أن الله خلق الدنيا للبلاء وخلق أهلها للفناء ، فجديدها بال ، ونعيمها مضمحل ، وسرورها مكفهر والمنزلة بلغة ، والدار قلعة فتزودوا فإن خير الزاد التقوى..."." (107) . 4 - كتب إليه رجل يسأله عن خير الدنيا والآخرة فأجابه (ع) : " أما بعد : فإن من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس ، ومن طلب رضا الناس بسخط الله ، وكله الله إلى الناس والسلام " (108) . 5 - قال (ع) : " إن جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الارض ومغاربها ، بحرها وبرها ، سهلها وجبلها عند ولي من أولياء الله وأهل المعرفة بحق الله كفئ الظلال..."." (109) . وأضاف يقول : " ألا حر يدع هذه اللماظة - يعني الدنيا - لاهلها ، ليس لانفسكم ثم إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها ، فانه من رضى الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس...". 6 - قال له رجل : كيف أصبحت يابن رسول الله (ص) ؟ فقال عليه السلام : " أصبحت ولي رب فوقي ، والنار أمامي ، والموت يطلبني والحساب محدق بي ، وأنا مرتهن بعملي ، لا أجد ما أحب ، ولا أدفع ما اكره ، والامور بيد غيري ، فان شاء عذبني ، وإن شاء عفا عني ، فأي فقير أفقر مني ؟ " (110) . 7 - قال (ع) : يابن آدم تفكر ، وقل : أين ملوك الدنيا وأربابها الذين عمروا خرابها واحتفروا أنهارها ، وغرسوا أشجارها ، ومدنوا مدائنها ، فارقوها وهم كارهون ، وورثها قوم آخرون ، ونحن بهم عما قليل لاحقون . يابن آدم اذكر مصرعك ، وفي قبرك مضجعك بين يدي الله ، تشهد جوارحك عليك يوم تزول فيه الاقدام ، وتبلغ القلوب الحناجر ، وتبيض وجوه ، وتبدو السرائر ، ويوضع الميزان القسط . يابن آدم اذكر مصارع آبائك ، وأبنائك ، كيف كانوا ، وحيث حلوا ، وكأنك عن قليل قد حللت محلهم ، وصرت عبرة المعتبرة...".ثم أنشد هذه الابيات : أين الملوك التي عن حفظها غفلت * حتى سقاها بكأس الموت ساقيها تلك المدائن في الآفاق خالية * عادت خرابا وذاق الموت بانيها أموالنا لذوي الوارث نجمعها * ودورنا لخراب الدهر نبنيها (111) هذه بعض ما أثر عنه من المواعظ الهادفة إلى صلاح النفوس وتهذيبها وأبعادها عن نزعات الهوى والشرور . من خطبه : وللامام (ع) مجموعة كبيرة من الخطب الرائعة التي تجسدت فيها صلابة الحق ، وقوة العزم ، وروعة التصميم على الجهاد في سبيل الله ، وقد ألقاها الامام في وقت كان الجو ملبدا بالمشاكل السياسية ، وقد شجب فيها سياسة الحكم الاموي ودعا المسلمين إلى الانتفاضة عليه ، وسنذكر جملة منها في مواضعها الخاصة ، ونذكر هنا خطبة واحدة منها : صعد (ع) المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على النبي (ص) فسمع رجلا يقول : من هذا الذي يخطب ؟ فأجابه (ع) : " نحن حزب الله الغالبون ، وعترة رسول الله (ص) الاقربون ، وأهل بيته الطيبون وأحد الثقلين اللذين جعلنا رسول الله (ص) ثاني كتاب الله تبارك وتعالى ، الذي فيه تفصيل كل شئ لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه ، والمعول علينا في تفسيره ، ولا يبطئنا تأويله ، بل نتبع حقائقه ، فأطيعونا فان طاعتنا مفروضة إذا كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة ، قال الله عزوجل : " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول " وقال : " ولو ردوه إلى الرسول وأولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ، ولو لا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا " واحذركم الاصغاء إلى هتاف الشيطان بكم فإنه لكم عدو مبين ، فتكونوا كاوليائه الذين قال لهم : " لا غالب لكم اليوم من الناس وأني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال : " إني برئ منكم " فتقلون للسيوف ضربا ، وللرماح وردا ، وللعمد حطما ، وللسهام غرضا ، ثم لا يقبل من نفس إيمانهم لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا..."." (112). وحفل هذا الخطاب بالدعوة إلى التمسك بعترة رسول الله (ص) ولزوم طاعتهم والانقياد لهم ، وحذرهم من الدعايات المضللة التي ثبتها أجهزة الاعلام الاموي الداعية إلى إبعاد الناس عن أهل البيت (ع) الذين هم مصدر الوعي والنور في الارض . أدعيته : وحفلت الادعية التي أثرت عن الحسين (ع) بالدروس التربوية الهادفة إلى بناء صروح العقيدة والايمان بالله ، وتنمية الخوف والرهبة من الله في أعماق نفوس الناس لتصدهم عن الاعتداء وتمنعهم عن الظلم والطغيان ، وقدكان اهتمام أهل البيت (ع) بهذه الجهة اهتماما بالغا...".ولم يؤثر عن أحد من أئمة المسلمين وخيارهم من الادعية مثل ما أثر عنهم ، وأنها لتعد من أروع الثروات الفكرية ، والادبية في الاسلام ، فقد حوت أصول الاخلاق ، وقواعد السلوك والآداب ، كما ألمت بفلسفة التوحيد ومعالم السياسة العادلة ، وغير ذلك ، ونلمع لبعض أدعيته (ع) : 1 - دعاؤه من وقاية الاعداء : كان (ع) يدعو بهذا الدعاء يستجير بالله من شرور أعدائه ، وهذا نصه : " اللهم يا عدتي عند شدتي ، ويا غوثي عند كربتي إحرسني بعينك التي لا تنام ، واكنفني بركنك الذي لا يرام ، وارحمني بقدرتك علي ، فلا أهلك وأنت رجائي ، اللهم انك أكبر وأجل وأقدر مما أخاف وأحذر ، اللهم بك أدرأ في نحره ، واستعيذ من شره ، انك على كل شئ قدير...". ودعا بهذا الدعاء الشريف الامام الصادق (ع) حينما أمر الطاغية المنصور باحضاره مخفورا لينكل به ، فانقذه الله من شره ، وفرج عنه فسئل عن سبب ذلك ، فقال إنه دعا بدعاء جده الحسين (ع) (113) . 2 - دعاؤه للاستسقاء : كان (ع) يدعو بهذا الدعاء إذا خرج للاستسقاء : " اللهم اسقنا سقيا ، واسعة وادعة ، عامة ، نافعة ، غير ضارة ، تعم بها حاضرنا وبادينا وتزيد بها في رزقنا وشكرنا ، اللهم اجعله رزق ايمان ، وعطاء ايمان ، إن عطاءك لم يكن محظورا ، اللهم انزل علينا في أرضنا سكنها ، وأنبت فيها زيتها ومرعاها..."." (114) . 3 - دعاؤه يوم عرفة : وهو من أجل أدعية أئمة أهل البيت (ع) وأكثرها استيعابا لالطاف الله ونعمه على عباده وقد روى هذا الدعاء الشريف بشر وبشير الاسديان قالا : كنا مع الحسين بن علي (ع) عشية عرفة ، فخرج (ع) من فسطاطه متذللا خاشعا ، فجعل يمشي هونا هونا حتى وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه ، في ميسرة الجبل مستقبل البيت ، ثم رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين ، وقال : " الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع ، ولا لعطائه مانع ، ولا كصنعه صانع ، وهو الجواد الواسع ، فطر أجناس البدائع ، واتقن بحكمته الصنائع لا تخفى عليه الطلائع ، ولا تضيع عند الودائع ، ورأيش كل قانع ، وراحم كل ضارع ، منزل المنافع ، والكتاب الجامع بالنور الساطع ، وهو للدعوات سامع ، وللكربات دافع ، وللدرجات رافع ، وللجبابرة قامع ، فلا إله غيره ، ولا شئ يعدله ، وليس كمثله شئ ، وهو السميع البصير ، اللطيف الخبير ، وهو على كل شئ قدير . اللهم إني أرغب إليك ، وأشهد بالربوبية لك ، مقرا بأنك ربي وإليك مردي ، ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا ، وخلقتني من التراب ، ثم أسكنتني الاصلاب آمنا لريب المنون ، واختلاف الدهور والسنين ، فلم أزل ظاعنا من صلب إلى رحم ، في تقادم من الايام الماضية والقرون الخالية ، لم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي (أو بي) وإحسانك إلي في دولة أئمة الكفر الذين نقضوا عهدك ، وكذبوا رسلك ، لكنك أخرجتني رأفة منك وتحننا ، - علي خ ل - للذي سبق لي من الهدى الذي له يسرتني ، وفيه أنشأتني ومن قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك ، وسوابغ نعمك ، فابتدعت خلقي من يمني وأسكتني في ظلمات ثلاث بين لحم ودم وجلد ، لم تشهدني خلقي (لم تشهرني بخلقي - خ ل -) ولم تجعل إلي شيئا من أمري ، لم ترض لي يا إلهي نعمة دون أخرى ورزقتني من أنواع المعاش وصنوف الرياش بمنك العظيم الاعظم علي ، واحسانك القديم إلي حتى اذا أتممت علي جميع النعم ، وصرفت عني كل النقم لم يمنعك جهلي وجرأتي عليك أن دللتني إلى (على - خ ل -) ما يقربني اليك ، ووفقتني لما يزلفني لديك فان دعوتك أجبتني ، وأن أطعتك شكرتني ، وإن شكرتك زدتني (115) كل ذلك اكمال (لا - خ ل -) لانعمك علي ، واحسانك الي فسبحانك سبحانك من مبدئ معيد حميد مجيد تقدست أسماؤك وعظمت آلاؤك فأي نعمك أحصى عددا ثم أخرجتني للذي سبق لي من الهدى إلى الدنيا تاما سويا وحفظتني في المهد طفلا صبيا ، ورزقتني من الغذاء لبنا مريا وعطفت علي قلوب الحواضن الامهات وكفلتني الامهات الرواحم (الرحائم - خ ل -) ، وكلاتني من طوارق الجان ، وسلمتني من الزيادة والنقصان فتعاليت يا رحيم يا رحمن حتى إذا استهللت ناطقا بالكلام أتممت علي سوابغ الانعام وربيتني زائدا في كل عام ، حتى إذا اكتملت فطرتي واعتدلت مرتي (116) أوجبت علي حجتك بأن ألهمتني معرفتك وروعتني بعجائب حكمتك وأيقظتني لما ذرأت في سمائك وأرضك من بدائع خلقك ، ونبهتني لشكرك وذكرك وأوجبت علي طاعتك وعبادتك وفهمتني ما جاءت به رسلك ، ويسرت لي تقبل مرضاتك ومننت علي - في جميع ذلك - بعونك ولطفك ، ثم إذ خلقتني من خير الثرى يا إلهي فاي نعمك أحصى عددا وذكرا ، أم أي عطاياك أقوم بها شكرا وهي يارب أكثر من أن يحصيها العادون ، أو يبلغ علما بها الحافظون ، ثم ما صرفت ودرأت(117) عني اللهم - من الضر والضراء - أكثر مما ظهر لي من العافية والسراء وأنا أشهد يا الهي بحقيقة ايماني وعقد عزمات يقيني وخالص صريح توحيدي ، وباطن مكنون ضميري وعلائق مجاري نور بصري وأسارير صفحة جبيني (118) وخرق مسارب (119) نفسي وخذاريف (120) مارن عريني ومسارب سماخ (121) (صماخ - خ ل -) سمعي وما ضمت وأطبقت عليه شفتاي ، وحركات لفظ لساني ، ومغرز (122) حنك فمي وفكي ومنابت (123) أضراسي ومساغ (124) مطعمي ومشربي وحمالة (125) أم رأسى وبلوغ فارغ حبائل (وبلوغ حبائل) عنقي وما اشتمل عليه تامور (126) صدري وحمائل حبل وتيني (127) ونياط حجاب قلبي (128) وأفلاذ حواشي كبدي (129) وما حوته شراسيف أضلاعي (130) وحقاق مفاصلي (131) وقبض عواملي ، وأطراف أناملي ولحمي ودمي وشعري وبشري وعصبي وقصبي (132) وعظامي ومخي وعروقي وجميع جوارحي ، وما انتسج على ذلك أيام رضاعي ، وما أقلت الارض مني (133) ونومي ويقظتي (134) وسكوني ، وحركات ركوعي وسجودي - ان لو حاولت واجتهدت - مدى الاعصار والاحقاب (135) لو عمرتها - أن أؤدي شكر واحدة من أنعمك ، ما استطعت ذلك إلا بمنك الموجب علي به شكرك أبدا جديدا ، وثناء طارفا عتيدا (136) أجل : ولو حرصت أنا والعادون من أنامك أن نحصي مدى انعامك سالفه (لفة - خ ل -) وآنفه ما حصرناه عددا ، ولا أحصيناه أمدا ، هيهات أنى ذلك ! ! ! وأنت المخبر في كتابك الناطق ، والنبأ الصادق (وان تعدوا نعمة الله لاتحصوها " (137) صدق كتابك اللهم وأنباؤك وبلغت أنبياؤك ورسلك ما أنزلت عليهم من وحيك ، وشرعت لهم وبهم من دينك ، غير أني - يا إلهي - أشهد بجهدي وجدي ، ومبلغ طاعتي ووسعي ، وأقول مؤمنا موقنا : الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا فيكون موروثا ، ولم يكن له شريك في ملكه فيضاده فيما ابتدع ولا ولي من الذل فيرفده فيما صنع (138) فسبحانه سبحانه (لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا) وتفطرتا (139) سبحان الله الواحد الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، الحمد لله حمدا يعادل حمد ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ، وصلى الله على خيرته محمد خاتم النبيين ، وآله الطيبين الطاهرين المخلصين وسلم " . وأخذ الحسين (ع) يدعو الله وقد جرت دموع عينيه على سحنات وجهه الشريف وهو يقول : " اللهم اجعلني أخشاك ، كأني أراك ، واسعدني بتقواك ، ولا تشقني بمعصيتك وخر لي في قضائك (140) وبارك لي في قدرك ، حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت ، اللهم اجعل غناي في نفسي ، واليقين في قلبي ، والاخلاص في عملي ، والنور في بصري ، والبصيرة في ديني ، ومتعني بجوارحي ، واجعل سمعي وبصري الوارثين مني ، وانصرني على من ظلمني ، وأرني فيه ثاري ومآربي (141) وأقر بذلك عيني اللهم اكشف كربتي واستر عورتي ، وأغفر لي خطيئتي ، واخسأ شيطاني (142) وفك رهاني ، واجعل لي - يا إلهي - الدرجة العليا في الآخرة والاولى ، اللهم لك الحمد كما خلقتني ، فجعلتني سميعا بصيرا ولك الحمد كما خلقتني ، فجعلتني خلقا (حيا - خ ل -) سويا رحمة بي وقد كنت عن خلقي غنيا ، رب بما برأتني فعدلت فطرتي رب بما انشأتني فاحسنت صورتي ، رب بما أحسنت إلي وفي نفسي عافيتي ، رب بما كلاتني ووفقتني رب بما أنعمت علي فهديتني ، رب بما أوليتني ومن كل خير أعطيتني ، رب بما أطعمتني وسقيتني ، رب بما أغنيتني وأفنيتني ، رب بماأعنتني وأعززتني ، رب بما ألبستني من سترك الصافي ويسرت لي من صنعك الكافي ، صل على محمد وآل محمد وأعني بوائق الدهور(143) وصروف الليالي والايام ، ونجنا من أهوال الدنيا وكربات الآخرة ، وأكفني شر ما يعمل الظالمون في الارض ، اللهم ما أخاف فاكفني ، وما أحذر فقني وفي نفسي وديني فاحرسني ، وفي سفري فاحفظني ، وفي أهلي ومالي فأخلفني(144) وفيما رزقتني فبارك لي ، وفي نفسي فذللني ، وفي أعين الناس فعظمني ومن الشر الجن والانس فسلمني ، وبذنوبي فلا تفضحني ، وبسريرتي فلا تخزني وبعملي فلا تبتلني ، ونعمك فلا تسلبني ، وإلى غيرك فلا تكلني (145) إلهي إلى من تكلني ؟ إلى قريب فيقطعني أم إلى بعيد فيتجهمني (146) أم إلى المستضعفين لي وأنت ربي ومليك أمري أشكو اليك غربتي ، وبعد داري ، وهواني على من ملكته أمري إلهي ، فلا تحلل علي غضبك فان لم تكن غضبت علي فلا بالي سواك ، سبحانك غير أن عافيتك أوسع لي ، فأسألك يا رب بنور وجهك الذي أشرقت له الارض والسموات ، وكشف به الظلمات وصلح به أمر الاولين والآخرين أن لا تميتني على غضبك ، ولا تنزل بي سخطك ، لك العتبى (147) حتى ترضى قبل ذلك ، لا إله إلا أنت رب البلد الحرام ، والمشعر الحرام ، والبيت العتيق الذي أحللته البركة وجعلته للناس أمنا ، يا من عفا عن عظيم الذنوب بحمله ، يا من أسبغ النعماء بفضله (148) يا من أعطى الجزيل بكرمه ، يا عدتي في شدتي (149) يا صاحبى في وحدتي يا غياشي في كربتي ، يا ولي في نعمتي ، يا إلهي وإله آبائي : ابراهيم ، واسماعيل واسحاق ويعقوب ، ورب جبرئيل وميكائيل واسرافيل ، ورب محمد خاتم النبيين وآله المنتجبين منزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان ، ومنزل كهيعص وطه ويس القرآن الحكيم ، أنت كهفي حين تعييني المذاهب في سعتها(150) وتضيق بي الارض يرحبها ولو لا رحمتك لكنت من الهالكين وأنت مقيل عثرتي (151) ولولا سترك إياي لكنت من المفضوحين ، وأنت مؤيدي بالنصر على أعدائي ولولا نصرك إياى (لي - خ ل -) لكنت من المغلوبين ، يا من خص نفسه بالسمو والرفعة ، فأولياؤه بعزه يعتزون ، يا من جعلت له الملوك نير المذلة على أعناقهم (152) فهم من سطواته خائفون يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور وغيب ما تأتي به الازمنة والدهور ، يا من لا يعلم كيف هو إلا هو ، يا من لا يعلم ما هو إلا هو ، يا من لا يعلمه إلا هو (يا من لا يعلم ما يعلمه إلا هو - خ ل -) يا من كبس الارض على الماء (153) وسد الهواء بالسماء (154) ، يا من له أكرم الاسماء ، ياذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا ، يا مقيض الركب ليوسف في البلد القفر ومخرجه من الجب (155) وجاعله بعد العبودية ملكا ، يا راده على يعقوب بعد أن أبيضت عيناه من الحزن فهو كظيم يا كاشف الضر والبلوى عن أيوب وممسك يدي ابراهيم عن ذبح ابنه بعد كبر سنه وفناء عمره ، يا من استجاب لزكريا فوهب له يحيى ، ولم يدعه فردا وحيدا ، يا من أخرج يونس من بطن الحوت ، يا من فلق البحر لبني اسرائيل فأنجاهم وجعل فرعون وجنوده من المغرقين ، يا من أرسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته ، يا من لم يجعل على من عصاه من خلقه ، يا من استنقذ السحرة من بعد طول الجحود ، وقد غدوا في نعمته يأكلون رزقه ، ويعبدون غيره وقد حادوه ونادوه (156) وكذبوا رسله ، يا الله يا الله يا بدئ يا بديع لا ندلك ، يا دائما لا نفاد لك (157) يا حيا حين لا حي يا محي الموتى ، يا من هو قائم على كل نفس بما كسبت ، يا من قل له شكري فلم يحرمني ، وعظمت خطيئتي فلم يفضحني ، ورآني على المعاصي فلم يشهرني ، يا من حفظني في صغري ، يا من رزقني في كبرى ، يا من أياديه عندي لا تحصى ونعمه لا تجازى ، يا من عارضني بالخير والاحسان وعارضته بالاسائة والعصيان ، يا من هداني للايمان من قبل أن أعرف شكر الامتنان ، يا من دعوته مريضا فشفاني ، وعريانا فكساني ، وجائعا فاشبعني ، وعطشانا فأرواني وذليلا فاعزني ، وجاهلا فعرفني ، ووحيدا فكثرني ، وغائبا فردني ، ومقلا فاغناني ، ومنتصرا فنصرني ، وغنيا فلم يسلبني ، وأمسكت عن جميع ذلك فابتدأني فلك الحمد والشكر ، يا من أقال عثرتي ونفس كربتي ، وأجاب دعوتي ، وستر عورتي ، وغفر ذنوبي ، وبلغني طلبتي ، ونصرني على عدوي ، وان أعد نعمك ومننك وكرائم منحك لا أحصيها ، أنت الذي أجملت ، أنت الذي أفضلت ، أنت الذي أكملت ، أنت الذي رزقت ، أنت الذي وفقت ، أنت الذي أعطيت ، أنت الذي اغنيت ، أنت الذي اقنيت(158) ، أنت الذي آويت ، أنت الذي كفيت ، أنت الذي هديت ، أنت الذي عصمت أنت الذي سترت ، أنت الذي غفرت ، أنت الذي أقلت ، أنت الذي مكنت ، أنت الذي أعززت ، أنت الذي أعنت ، أنت الذي عضدت أنت الذي أيدت ، أنت الذي نصرت . أنت الذي شفيت ، أنت الذي عافيت ، أنت الذي أكرمت ، تباركت وتعاليت فلك الحمد دائما ، ولك الشكر واصبا أبدا ثم أنا - يا إلهي - المعترف بذنوبي فاغفرها لي ، أنا الذي أسأت ، أنا الذي أخطأت ، أنا الذي هممت ، أنا الذي جهلت ، أنا الذي غفلت ، أنا الذي سهوت ، أنا الذي اعتمدت ، أنا الذي تعمدت أنا الذي وعدت ، أنا الذي أخلفت ، أنا الذي نكثت ، أنا الذي أقررت أنا الذي اعترفت بنعمتك علي وعندي ، وأبوء بذنوبي فاغفرها لي (159) يا من لا تضره ذنوب عباده وهو الغني عن طاعتهم ، والموفق من عمل صالحا منهم بمعونته ورحمته ، فلك الحمد إلهي وسيدي ، إلهي أمرتني فعصيتك ونهيتني فارتكبت نهيك ، فاصبحت لا ذا براءة (لي - خ ل -) فاعتذر ولا ذا قوة فانتصر فبأي شئ استقبلك (استقيلك - خ ل -) يا مولاي ابسمعي أم ببصري أم بلساني أم بيدي أم برجلي ، أليس كلها نعمك عندي وبكلها عصيتك ؟ يا مولاي فلك الحجة والسبيل علي يا من سترني من الآباء والامهات أن يزجروني ، ومن العشائر والاخوان أن يعبروني ومن السلاطين أن يعاقبوني ، ولو اطلعوا يا مولاي على ما اطلعت عليه مني إذا ما انظروني ، ولرفضوني وقطعوني ، فها أنا ذا يا إلهي بين يديك يا سيدي خاضع ذليل حصير حقير ، لا ذو برائة فاعتذر ولا ذو قوة فانتصر ، ولا حجة فاحتج بها ، ولا قائل لم اجترح (160) ولم أعمل سوء ، وما عسى الجحود ولو جحدت يا مولاي ينفعني ، كيف وانى ذلك ، وجوارحي كلها شاهدة علي بما قد علمت وعلمت يقينا غير ذي شك انك سائلي من عظائم الامور وأنك الحكم العدل الذي لا تجور ، وعدلك مهلكي ، ومن كل عدلك مهربي فان تعذبني - يا إلهي - فبذنوبي بعد حجتك علي ، وإن تعف عني فبحلمك وجودك وكرمك ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الوجلين لا إله إلا أنت سبحانك أني كنت من الراجين ، لا اله الا انت سبحانك إني كنت من الراغبين ، لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من المهللين ، لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من السائلين ، لا إلا أنت سبحانك اني كنت من المسبحين لا اله الا أنت سبحانك اني كنت من المكبرين ، لا اله الا أنت سبحانك ربي ورب آبائي الاولين ، اللهم هذا ثنائي عليك ممجدا واخلاصي لذكرك موحدا ، واقراري بآلائك معددا وان كنت مقرا أني لم أحصها لكثرتها وسبوغها وتظاهرها وتقادمها إلى حادث ما لم تزل تتعهدني به معها منذ خلقتني وبرأتني من أول العمر من الاغناء بعد الفقر ، وكشف الضر ، وتسبيب اليسر ، ودفع العسر ، وتفريج الكرب ، والعافية في البدن والسلامة في الدين ولو رفدني على قدر ذكر نعمتك جميع العالمين من الاولين والآخرين ما قدرت ولا هم على ذلك تقدست وتعاليت من رب كريم عظيم رحيم لا تحصى آلاؤك ، ولا يبلغ ثناؤك ، ولا تكافي نعماؤك ، صل على محمد وآل محمد واتمم علينا نعمك واسعدنا بطاعتك ، سبحانك لا اله الا أنت . اللهم انك تجيب المضطر وتكشف السوء ، وتغيث المكروب ، وتشفي السقيم وتغني الفقير ، وتجبر الكسير ، وترحم الصغير ، وتعين الكبير ، وليس دونك ظهير ، ولا فوقك قدير ، وأنت العلي الكبير يا مطلق المكبل الاسير يا رازق الطفل الصغير ، يا عصمة الخائف المستجير ، يا من لا شريك له ولا وزير صل على محمد وآله محمد ، وأعطني في هذه العشية أفضل ما أعطيت وأنلت أحدا من عبادك ، ومن نعمة توليها ، وآلاء تجددها ، وبلية تصرفها ، وكربة تكشفها ، ودعوة تسمعها ، وحسنة تتقبلها ، وسيئة تتغمدها ، انك لطيف بما تشاء خبير ، وعلى كل شئ قدير ، اللهم انك أقرب من دعي وأسرع من أجاب وأكرم من عفا وأوسع من أعطى ، وأسمع من سئل ، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، ليس كمثلك مسؤول ، ولا سواك مأمول دعوتك فاجبتني ، وسألتك فأعطيتني ، ورغبت اليك فرحمتني ، ووثقت بك فنجيتني ، وفزعت اليك فكفيتني اللهم فصل على محمد عبدك ورسولك ونبيك وعلى آله الطيبين الطاهرين أجمعين وتمم لنا نعماءك وهنئنا عطاءك واكتبنا لك شاكرين ولآلائك ذاكرين آمين آمين رب العالمين اللهم يا من ملك فقدر ، وقدر فقهر وعصي فستر ، واستغفر فغفر يا غاية الطالبين الراغبين ، ومنتهى أمل الراجين ، يا من أحاط بك شئ علما ، وسع المستقيلين رأفة ورحمة وحلما ، اللهم انا نتوجه اليك في هذهه العشية التي شرفتها وعظمتها ، بمحمد نبيك ورسولك ، وخيرتك من خلقك ، وأمينك على وحيك البشير النذير ، السراج المنير الذي أنعمت به على المسلمين ، وجعلته رحمة للعالمين ، اللهم فصل على محمد وآله محمد ، كما محمد أهل لذلك منك يا عظيم ، فصل وعلى آله المنتجبين الطيبين الطاهرين أجمعين ، وتغمدنا بعفوك عنا ، فاليك عجت (161) الاصوات بصنوف اللغات فاجعل لنا اللهم في هذه العشية نصيبا من كل خير تقسمه بين عبادك ونورا تهدي به ، ورحمة تنشرها وبركة تنزلها ، وعافية تجللها ورزقا تبسطه يا أرحم الراحمين ، اللهم إقبلنا في هذا الوقت منجحين مفلحين ، مبرورين غانمين (162) ولا تجعلنا من القانطين (163) ولا تخلنا من رحمتك ، ولا تحرمنا ما نؤمله من فضلك ، ولا تجعلنا من رحمتك محرومين ولا لفضل ما نؤمله من عطائك قانطين ولا تردنا خائبين ، ولا من بابك مطرودين ، يا أجود الاجودين ، وأكرم الاكرمين ، إليك أقبلنا موقنين ، ولبيتك الحرام آمين قاصدين (164) فاعنا على مناسكنا ، واكمل لنا حجنا ، واعف عنا ، وعافنا فقد مددنا اليك أيدينا ، فهي بذلة الاعتراف موسومة ، اللهم فاعطنا في هذه العشية ما سألناك واكفنا ما استكفيناك ، فلا كافي لنا سواك ، ولا رب لنا غيرك نافذ فينا حكمك محيط بنا علمك ، عدل فينا قضاؤك ، أقض لنا الخير ، واجعلنا من أهل الخير ، اللهم أوجب لنا بجودك عظيم الاجر ، وكريم الذخر ، ودوام اليسر ، واغفر لنا ذنوبنا أجمعين ، ولا تهلكنا مع الهالكين ولا تصرف عنا رأفتك ورحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم اجعلنا في هذا الوقت ممن سألك فأعطيته وشكرك فزدته ، وتاب اليك فقبلته وتنصل (165) اليك من ذنوبه كلها فغفرتها له ياذا الجلال والاكرام ، اللهم تضرعنا (وفقنا - خ ل -) وسددنا (واعصمنا - خ ل -) واقبل تضرعنا ، يا خير من سئل ، ويا أرحم من استرحم ، يا من لا يخفى عليه اغماض الجفون ولا لحظ العيون ، ولا ما استقر في المكنون ولا ما أنطوت عليه مضمرات القلوب ، ألا كل ذلك قد أحصاه علمك ووسعه حلمك ، سبحانك وتعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، تسبح لك السموات السبع ، والارضون ومن فيهن ، وان من شئ الا يسبح بحمدك ، فلك الحمد والمجد ، وعلو الجد ، ياذا الجلال والاكرام والفضل والانعام ، والايادي الجسام ، وأنت الجواد الكريم ، الرؤوف الرحيم ، اللهم أوسع علي من رزقك الحلال ، وعافني في بدني وديني ، وآمن خوفي واعتق رقبتي من النار ، اللهم لا تمكر بي ولا تستدرجني (166) ولا تخدعني ، وادرأ عني شر فسقة الجن والانس (ثم رفع بصره إلى السماء وقال برفيع صوته) : يا أسمع السامعين ، يا أبصر الناظرين ويا أسرع الحاسبين ، ويا أرحم الراحمين ، صلى على محمد وآل محمد السادة الميامين (167) وأسألك اللهم حاجتى التي ان اعطيتنيها لم يضرني ما منعتني ، وان منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني ، اسألك فكاك رقبتي من النار لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك لك الملك ولك الحمد ، وأنت على كل شئ قدير يا رب يا رب " . وأثر هذا الدعاء تأثيرا عظيما في نفوس من كان مع الامام ، فاتجهوا بقلوبهم وعواطفهم نحوه يستمعون دعاءه ، وعلت أصواتهم بالبكاء معه ، وذهلوا عن الدعاء لانفسهم في ذلك المكان الذي يستحب فيه الدعاء ، ويقول الرواة : ان الامام استمر يدعو حتى غربت الشمس ، فأفاض إلى (المزدلفة) وفاض الناس معه (168) . جوامع الكلم : ومنح الله الامام الحسين أعنة الحكمة ، وفصل الخطاب فكانت تتدفق على لسانه سيول من الموعظة والآداب ، والامثال السائرة ، وفيما يلي بعض حكمه القصار . 1 - قال عليه السلام : " العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه ، ولا يسأل من يخاف منعه ، ولا يثق بمن يحاف غدره ، ولا يرجو من لا يوثق برجائه..."." (169) . 2 - قال (ع) لابنه علي بن الحسين : " أي بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله عزوجل..."." (170) . 3 - قال (ع) : ما أخذ الله طاقة أحد الا وضع عنه طاعته ، ولا أخذ قدرته الا وضع عنه كلفته..."." (171) . 4 - قال (ع) : " إياك وما تعتذر منه ، فان المؤمن لا يسئ ، ولا يعتذر ، والمنافق كل يوم يسئ ويعتذر..."." (172) . 5 - قال (ع) : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فان الكذب ريبة ، والصدق طمأنينة..."(173) . 6 - قال (ع) : " اللهم لا تستدرجني بالاحسان ، ولا تؤدبني بالبلاء..."." (174) . 7 - قال (ع) : " خمس من لم تكن فيه ، لم يكن فيه كثير مستمتع العقل ، والدين والادب ، والحياء ، وحسن الخلق.."(175). 8 – قال (ع): البخيل من بخل بالسلام(176). 9 – قال (ع): من حاول أمراً بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأسرع لما يحذر...)(177). 10 – قال (ع): من دلائل علامات القبول: الجلوس إلى أهل العقول، ومن علامات أسباب الجهل المماراة لغير أهل الكفر، ومن دلائل العالم انتقاده لحديثه، وعلمه بحقائق فنون النظر... (178). 11 – قال (ع): إن المؤمن اتخذ الله عصمته، وقوله مرآته فمرة ينظر في نعت المؤمنين، وتارة ينظر في وصف المتجبرين، فهو منه في لطائف ومن نفسه في تعارف، ومن فطنته في يقين، ومن قدسه على تمكين... (179). 12 – قال: إذا سمعت أحداً يتناول أعراض الناس فاجتهد أن لا يعرفك... (180). 13 ـ قال (ع) لرجل اغتاب عنده رجلاً: يا هذا كف عن الغيبة فإنها إدام كلاب النار... (181). 14 – تكلم رجل عنده فقال: إن المعروف إذا أسدي إلى غير أهله ضاع، فقال (ع): ليس كذلك، ولن تكون الصنيعة مثل وابر المطر تصيب البر والفاجر... (182). 15 - سأله رجل عن تفسير قوله تعالى : " وأما بنعمة ربك فحدث " (183) قال (ع) : " أمره أن يحدث بما أنعم الله به عليه في دينه " (184) . 16 - قال (ع) : " موت في عز خير من حياة في ذل " (185) . 17 - قال (ع) : " البكاء من خشية الله نجاة من النار " (186). 18 - " من أحجم عن الرأي ، وأعيت له الحيل كان الرفق مفتاحه " (187). 19 - قال (ع) : " من قبل عطاءك فقد أعانك على الكرم " (188). 20 - قال (ع) : " اذا كان يوم القيامة نادى مناد ، أيها الناس من كان له على الله أجر فليقم ، فلا يقوم الا أهل المعروف .." (189) . 21 - قال (ع) : " ما من أعمال هذه الامة من صباح إلا ويعرض على الله عزوجل " (190) . إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض ما أثر عنه من روائع الحكم ، والمواعظ والآداب ، ولم نحلل مضامينها إيثارا للايجاز ، وابتعادا عن الاطالة . في حلبات الشعر : وعرضت مصادر التاريخ والادب العربي إلى بعض ما نظمه الامام الحسين (ع) من الشعر وما استشهد به في بعض المناسبات ، وإن كان بعضها - فيما نحسب - لا يخلو من الانتحال ، وهذه بعضها : 1 - دخل اعرابي مسجد الرسول الاعظم (ص) فوقف على الحسين ابن علي وحوله حلقة مجتمعة من الناس فسأل عنه ، فقيل له إنه الحسن ابن علي ، فقال : إياه أردت بلغتي أنهم يتكلمون فيعربون في كلامهم ، واني قطعت بوادي ، وقفارا ، وأودية ، وجبالا ، وجئت لا طارحة الكلام وأسأله عن عويص العربية ، فقال له أحد جلساء الامام : ان كنت جئت لهذا فابدأ بذلك الشاب ، وأومأ إلى الحسين ، فبادر اليه ، ووقف فسلم عليه فرد الامام عليه السلام ، فقال له : - ما حاجتك ؟ - جئتك من الهرقل والجعلل والاينم ، والهمهم . فتبسم الامام الحسين ، وقال له : يا اعرابي لقد تكلمت بكلام ما يعقله الا العالمون ، فقال الاعرابي : وأقول : أكثر من هذا ، فهل أنت مجيبي على قدر كلامي ؟ فقال له الحسين : - قل ما شئت فاني مجيبك . - إني بدوي ، وأكثر مقالي الشعر ، وهو ديوان العرب . - قل ما شئت فاني مجيبك . وأنشأ الاعرابي يقول : هفا قلبي إلى اللهو * وقد ودع شرخيه وقد كان أنيقا عصر تجراري ذيليه عيالات ولذات * فيا سقيا لعصريه فلما عمم الشيب * من الرأس نطاقيه وأمسى قد عناني منه تجديد خضابيه تسليت عن اللهو * وألقيت قناعيه وفي الدهر أعاجيب * لمن يلبس حاليه فلو يعمل ذو رأي * أصيل فيه رأييه لالفى عبرة منه * له في كر عصريه فأجابه الامام الحسين (ع) ارتجالا : فما رسم شجاني قد * محت آيات رسميه سفور درجت ذيلين * في بوغاء قاعيه (191) هتوف حرجف تترى * على تلبيد ثوبيه (192) وولاج من المزن * دنا نوء سماكيه أتى مثغنجر الورق * بجود من خلاليه وقد أحمد برقاه * فلا ذم لبرقيه وقد جلل رعداه * فلا ذم لرعديه ثجيج الرعد ثجاج * اذا أرخى نطاقيه فاضحى دارسا قفرا * لبينونة أهليه فلما سمع الاعرابى ذلك بهر وانطلق يقول : ما رأيت كاليوم أحسن من هذا الغلام كلاما وأذرب لسانا ، ولا أفصح منه نطقا ، فقال له الامام الحسن (ع) يا اعرابي : غلام كرم الرحمن بالتطهير جديه كساه القمر القمقام من نور سنائيه وقد أرصنت من شعري وقومت عروضيه فلما سمع الاعرابي قول الامام الحسن (ع) انبرى يقول : بارك الله عليكما ، مثلكما تجلهما الرجال فجزاكما الله خيرا وانصرف (193) ودلت هذه البادرة على مدى ما يتمتع به الامام (ع) من قوة العارضة في الشعر ، ومقدرته الفائقة في الارتجال والابداع ، إلا أن بعض فصول هذه القصة - فيما نحسب - لا يخلو من الانتحال ، وهو مجئ الاعرابي من بلد نائي قد تحمل عناء السفر وشدته من أجل اختبار الامام ومعرفة مقدراته الادبية. 2 - نسبت له هذه الابيات الحكمية : اذا ما عضك الدهر * فلا تجنح إلى الخلق ولا تسأل سوى الله * تعالى قاسم الرزق فلو عشت وطوفت * من الغرب إلى الشرق لما صادفت من يقد * ر أن يسعد أو يشقى (194) وحث هذا الشعر على القناعة واباء النفس ، وعدم الخنوع للغير ، وأهاب بالانسان أن يسأل أحدا إلا ربه الذي بيده مجريات الاحداث . 3 - قال (ع) : اغن عن المخلوق بالخالق * تغن عن الكاذب والصادق واسترزق الرحمن من فضله * فليس غير الله من رازق من ظن أن الناس يغنونه * فليس بالرحمن بالواثق أو ظن أن المال من كسبه * زلت به النعلان من حالق(195) وفي هذه الابيات دعوة إلى الالتجاء إلى الله خالق الكون وواهب الحياة ، والاستغناء عمن سواه فان من ركن لغيره فقد خاب سعيه وحاد عن الصواب . 4 - زار الامام الحسين (ع) مقابر الشهداء بالبقيع فانبرى يقول : ناديت سكان القبور فاسكتوا * فأجابني عن صمتهم ترب الحشا قالت : أتدري ما صنعت بساكني * مزقت لحمهم وخرقت الكسا وحشوت أعينهم ترابا بعدما * كانت تأذى باليسير من القذا أما العظام فانني مزقتها * حتى تباينت المفاصل والشوى قطعت ذا من ذا ومن هذا كذا * فتركتها مما يطول بها البلى (196) وحفلت هذه الابيات بالدعوة إلى الاعتبار والعظة بمصير الانسان وأنه حينما يودع في بطن الارض لم يلبث أن يتلاشى وتذهب نضارته ويعود بعد قليل كتلة من التراب المهين . 5 - ونسب الاعشى هذه الابيات للامام الحسين (ع) : كلما زيد صاحب المال مالا * زيد في همه وفي الاشتغال قد عرفناك يا منغصة العيش ويا دار كل فان وبال ليس يصفو لزاهد طلب الزهد اذا كان مثقلا بالعيال (197) وتحدث الامام بهذه الابيات عن ظاهرة خاصة من ظواهر الحياة وهي أن الانسان كلما اتسع نطاقه المادي ازدادت آلامه وهمومه ، وازداد جهدا وعناءا في تصريف شؤون أمواله ، وزيادة أرباحه ، كما تحدث الامام عمن يرغب في الزهد في الحياة فانه لا يجد سبيلا إلى ذلك ما دام مثقلا بالعيال فان شغله بذلك يمنعه عن الزهد في الدنيا . 6 - روى الاربلي أن الامام قال هذه الابيات في ذم البغي : ذهب الذين أحبهم * وبقيت فيمن لا أحبه في من أراه يسبني * ظهر المغيب ولا أسبه يبغي فسادي ما استطا * ع وأمره مما أربه (198) حنقا يدب لي الضرا * ء وذاك مما لا أدبه ويرى ذباب الشر من * حولي يطن ولايذ به واذا خبا (199) وغر الصدو * ر فلا يزال به يشبه أفلا يعيج بعقله (200) * أفلا يثوب إليه لبه (201) أفلا يرى من فعله * ما قد يسور اليه غبه (202) حسبى بربى كافيا * ما أختشي والبغي حسبه ولقل من يبغى عليه * فما كفاه الله ربه (203) وتحدث الامام (ع) بهذه الابيات عن احدى النزعات الشريرة في الانسان وهي البغي فان من يتلوث به يسعى دوما إلى سب أخيه والاعتداء عليه وافساده أمره ، وانه اذا سكن وغر الصدور فانه يسعى لاثارتها انطلاقا منه في البغي والاعتداء ، وقد وجه (ع) اليه النصح فانه اذا رجع عقله وفكر في أمره فان غيه على حيه يرجع اليه ، وتلحقه أضراره وآثامه ومن الطبيعي انه اذا أطال التفكير في ذلك فانه يقلع عن نفسه هذه الصفة الشريرة حسب ما نص عليه علماء الاخلاق . 7 - وزعم أبوالفرج الاصبهاني ان الامام الحسين (ع) قال : هذين البيتين في بنته سكينة وامها الرباب : لعمرك أنني لاحب دارا * تكون بها سكينة والرباب أحبهما وأبذل جل مالي * وليس لعاتب عندي عتاب (204) وزاد غيره هذا البيت : فلست لهم وان غابوا مضيعا * حياتي أو يغيبني التراب (205) وهذه الابيات فيما نحسب من المنتحلات والموضوعات فان الامام الحسين عليه السلام أجل شأنا وأرفع قدرا من أن يذيع حبه لزوجته وابنته بين الناس ، فليس هذا من خلقه ، ولا يليق به ، ان ذلك - من دون شك - من المفتريات التى تعمد وضعها للحط من شأن أهل البيت (ع) . 8 - ومما قاله : الله يعلم أن مــــــا * بيدي يزيد لــــــغيره وبأنه لم يكــــــتسبـ * ـه بخيره وبمـــــــــيره لو انصف النفس الخؤو * ن لقـــصرت من سيره ولكان ذلك منه أد * نى شره من خيره (206) وبهذا ينتهي بنا المطاف عن بعض مثل الامام الحسين (ع) ونزعاته التي كان بها فذا من أفذاذ العقل الانساني ومثلا رائعا من أمثلة الرسالة الاسلامية بجميع قيمها ومكوناتها . (1) تاريخ العقوبي 2 / 293 . (2) شرح ابن أبي الحديد 1 / 302 . (3) تاريخ الطبري 6 / 273 . (4) ديوان سيد حيدر (ص 87) . (5) ديوان السيد حيدر (ص 71) . (6) ديوان السيد حيدر . (7) شرح نهج البلاغة 3 / 263 . (8) الامام الحسين (ص 101) . (9) أنساب الاشراف ج 1 ق 1 . (10) كشف الغمة . (11) الاصابة 2 / 222 . (12) الحسين 1 / 117 . (13) تاريخ ابن عساكر 13 / 54 . (14) اعيان الشيعة 4 / 110 . (15) نهاية الارب 3 / 260 ، الف باء 1 / 467 . (16) مطالب السؤول (ص 73) . (17) ريحانة الرسول (ص 71) . (18) عيون الاخبار 3 / 40 . (19) أعيان الشيعة 4 / 104 . (20) الفصول المهمة لابن الصباغ (ص 184) . (21) عقد الآل في مناقب الآل للبحراني . (22) فضائل الخمسة من الصحاح الستة 3 / 268 . (23) تاريخ ابن عساكر 4 / 323 - 324 . (24) تهذيب الاسماء 1 / 163 . (25) اعيان الشيعة 4 / 104 ، ريحانة الرسول (ص 85) . (26) تهذيب الاسماء 1 / 163 ، خطط المقريزي 2 / 285 . (27) تاريخ اليعقوبي 2 / 219 ، تاريخ ابن الوردي 1 / 173 . (28) سير اعلام النبلاء 3 / 193 . (29) تاريخ الطبري 6 / 273 . (30) تاريخ ابن عساكر 13 / 254 ، سير أعلام النبلاء 3 / 193 مجمع الزوائد 9 / 201 ، تهذيب الاسماء 1 / 163 ، مناقب ابن المغازلي رقم الحديث 64 ، مختصر صفوة الصفوة (ص 62) . (31) صفوة الصفوة 1 / 321 ، طبقات الشعراني 1 / 23 ، تاريخ ابن عساكر 13 / 54 . (32) الكواكب الدرية 1 / 58 . (33) دعائم الاسلام 1 / 395 . (34) دعائم الاسلام 2 / 337 . (35) تذكرة الخواص (ص 264) . (36) النهاية لابن الاثير مادة : غر . (37) الثائر الاول في الاسلام (ص 10) . (38) الكواكب الدرية 1 / 58 . (39) الاستيعاب المطبوع على هامش الاصابة 2 / 283 . (40) الاعلام . (41) الحقائق في الجوامع والفوارق (ص 105) . (42) تاريخ ابن عساكر 4 / 222 . (43) أشعة من حياة الحسين (93) . (44) الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الاول (ص 55) . (45) تهذيب التهذيب 2 / 345 . (46) تاريخ ابن عساكر 4 / 311 . (47) سير اعلام النبلاء 3 / 188 . (48) تاريخ ابن عساكر 13 / 50 . (49) النجاشي (ص 73) . (50) الثائر الاول في الاسلام (ص 10) . (51) و (52) مسند الامام احمد بن حنبل 1 / 201 . (53) تاريخ ابن عساكر 4 / 312 ، أسد الغابة 2 / 19 ، الاصابة 1 / 222 . (54) و (55) تاريخ اليعقوبي 2 / 219 . (56) سكنها : بفتح السين والكاف ، غياث أهلها الذين تسكن أنفسهم اليه . (57) عيون الاخبار 2 / 273 . (58) تاريخ ابن عساكر 4 / 312 . (59) الخصال (ص 17) . (60) الخصال (ص 23) . (61) من مخطوطات المكتبة الاحمدية بجامع الزيتونة في تونس توجد منه نسخة مصورة في مكتبة الامام أمير المؤمنين استنسخها العلامة السيد عزيز الطباطبائي اليزدي . (62) الغمر : - بالتحريك - الدسم والزهومة من اللحم . (63) الذرية الطاهرة ، مسند الفردوس ج 41 . (64) أسد الغابة 1 / 100 . (65) يجور : أي يميل عن الحق . (66) الحسين 1 / 137 - 138 . (67) مسند أحمد بن حنبل . (68) الاربعين (ص 111) لبهاء الدين العاملي . (69) الحسين 1 / 140 . (70) مسند الامام زيد (ص 185) . (71) الخصال (ص 191) . (72) مسند الفردوس من مصورات مكتبة الامام الحكيم تأليف شهردار ابن شيرويه الشافعي المتوفى سنة (558 هـ) . (73) مسند الفردوس 37 / 27 . (74) فقه الرضا (ص 55) بحار الانوار 5 / 123 . (75) معادن الحكمة في مكاتيب الائمة 2 / 48 - 49 . (76) تحف العقول (ص 244) . (77) الكواكب الدرية 1 / 58 . (78) سورة المائدة : آية 63 . (79) سورة المائدة : آية 78 . (80) سورة المائدة : آية 44 . (81) سورة التوبة : آية 71 . (82) تحف العقول (ص 237 - 239) . (83) تحف العقول (ص 243) . (84) تاريخ ابن عساكر 13 / 56 . (85) بحار الانوار ، تحف العقول (ص 246) . (86) تفسير العسكري . (87) مناقب ابن المغازلي : رقم الحديث 388 ، من مخطوطات مكتبة الامام امير المؤمنين (ع) . (88) تاريخ ابن عساكر 13 / 56 . (89) كشف الغمة . (90) نور الابصار (ص 166) . (91) تاريخ اليعقوبي 2 / 219 . (92) نهاية الارب 3 / 205 . (93) نهاية الارب 3 / 205 . (94) طبقات الشعراني 1 / 23 ، مختصر صفوة الصفوة (ص 62) . (95) دعائم الاسلام 2 / 105 . (96) نور الابصار (ص 166) ، كشف الغمة 2 / 244 . (97) مختصر صفة الصفوة (ص 62) ، الانوار البهية (ص 46) . (98) أسرار الحكماء (ص 90) لياقوت المستعصمي . (99) البحار . (100) دعائم الاسلام 1 / 172 . (101) البحار . (102) البحار . (103) دعائم الاسلام 1 / 292 . (104) سورة الانعام : آية 158 . (105) الانوار البهية (ص 45) . (106) أصول الكافي 2 / 273 . (107) تاريخ ابن عساكر 4 / 333 . (108) مجالس الصدوق (ص 121) . (109) البحار . (110) البحار . (111) الارشاد للديلمي . (112) البحار 9 / 247 . (113) نور الابصار (ص 133) . (114) عيون الاخبار . (115) يشير (ع) إلى قوله تعالى في سورة ابراهيم - الآية 7 - " لئن شكرتم لازيدنكم " . (116) المرة : بكسر الميم : قوة الخلق وشدته ، أصالة العقل . (117) الدرء : الدفع . (118) أسارير أسرار وهي جمع السر بالكسر والضم : خطوط الجبهة . (119) مسارب النفس : مجاريها في العروق والاعضاء ، وخرقها : منافذها . (120) خذاريف جمع خذروف : القطعة ، والمارن : مالان من الانف . (121) مسارب الصماخ : ملتوياتها وقنواتها التي تصل منها الهواء إلى السامعة . (122) المغرز : موضع الغرز ، ومغرز الفكين : محل اتصالهما بالجسم . (123) المنابت : جمع منبت محل النبت ، والاضراس جمع ضرس بالكسر الاسنان الخمسة أو الاربعة من كل جانب من جوانب الفك . (124) مساغ : مصدر ميمي : الذي سهل ولان وهنأ . (125) الحمالة : علاقة السيف لانها تحمله . وحمالة أم الرأس الرابطة التي ترتبط أم الرأس وهو : المخ بالبدن حتى لا يتزحزح عن محله . (126) التامور : الوعاء . (127) الوتين : عرق في القلب يجري منه الدم إلى كافة العروق وحمائله مواضع اتصاله بالجسم . (128) نياط القلب : عرقه الغليظ الذي إذا قطع مات الشخص . (129) الافلاذ : جمع فلذة بالكسرة : القطعة ، أي قطع أطراف الكبد التي تعمل لاخذ الغذاء ، وتقسيمه إلى الاخلاط الاربعة . (130) شراسيف : جمع شرسوف بالضم : طرف الضلع المشرف على البطن وهو القلب والرئتان وما إليهما من الاعضاء الرئيسية . (131) الحقاق : بالكسر جمع حق بالضم : النقر التي هي الاقفال للقبض والبسط . (132) العصب : الاطناب المنتشرة في الجسم الذي بها يتحرك الانسان والقصب : كل شئ مجوف مثل الانبوب ومنه القصب الذي يخرج منه النفس (133) أقل : رفع . (134) اليقظة بالتحريك : خلاف النوم . (135) الاحقاب جمع حقب بضمتين : الدهر ، السنة أو السنون ، ثمانون سنة أو أكثر . (136) الطارف : المستحدث ، العتيد : الجسيم . (137) سورة ابراهيم : آية 34 . (138) رفده ، وأرفده : أعطاه . (139) تفطر : انشق . (140) " اللهم خر لي " أي اختر لي أصلح الامرين . (141) الثار ، من ثأر من باب منع : الدم ، والمآرب جمع مأرب بتثليث الراء : الحاجة . (142) خسأ من باب منع : طرد . (143) بوائق جمع بائقة : الشر والغائلة . (144) أي عوضني . (145) من وكل يكل من باب ضرب التفويض والتسليم إلى الغير . (146) تجهمه : استقبله بوجه كريه عبوس . (147) العتبى بالضم : الرضا . (148) أسبغ عليه النعم : وسع وأتم عليه جميع ما يحتاجه . (149) العدة بالضم : ما يستعد به الانسان من مال أو سلاح . (150) الكهف بالفتح : الملجأ ، والعي : العجز . (151) مقيل العثرة : الذي يصفح عن الذنوب ومنه الحديث : " من اقال مؤمنا أقاله الله يوم القيامة " . (152) النير : الخشبة التي توضع على عنق الثور . (153) الكبس على الشئ : الشد والضغط عليه . (154) وهو الغلا الجوي الذي يمنع من تسرب الهواء من الارض . (155) الجب : البئر والحفرة العميقتين . (156) حاده : غضبه وأظهر العداوة له ، نادوه : أي جعلوا له ندا وشريكا . (157) النفاد : الفناء والانقطاع . (158) أقناه الله : أي أعطاه بقدر ما يكفيه . (159) باء يبوء : بالذنب : اعترف وتكلم به . (160) الاجتراح : الارتكاب والاكتساب . (161) عج : صاح وارتفع صوته . (162) البر بالكسر : الصلاح والطاعة ، والغانم : هو الذي يفوز وينال الغنيمة . (163) القنوط بالضم : اليأس . (164) آمين بالتشديد : قاصدين . (165) تنصل : خرج وتبرأ . (166) الاستدراج من الله للعبد أن يفعل شيئا بالنسبة إلى العبد حتى لا يوفق أن يتوب ويرجع إلى خالقه . (167) الميامين جمع ميمون : ذو اليمين والبركة . (168) زاد المعاد للمجلسي ، البلد الامين للكفعمي ، بلاغة الامام الحسين ، الاقبال لابن طاووس وفيه زيادة على هذا الدعاء . (169) ريحانة الرسول (ص 55) (170) و (171) و (172) تحف العقول (ص 46) . (173) أنساب الاشراف ج 1 ق 1 . (174) كشف الغمة 2 / 243 . (175) ريحانة الرسول (ص 55) . (176) ريحانة الرسول (ص 55) . (177) و (178) و (179) تحف العقول ص 246 – 248. (180) ريحانة الرسول (ص 55) . (181) البحار ، تحف العقول (ص 245) . (182) تحف العقول (ص 245) . (183) سورة الضحى : آية 11 . (184) تحف العقول (ص 246) . (185) البحار . (186) نزهة الناظر في تنبيه الخاطر . (187) تاريخ ابن عساكر 4 / 323 . (188) و (189) و (190) البحار . (191) سفور : مأخوذ من سفرت الريح التراب أو الورق أزالتهما وذهبت بهما كل مذهب ، درجت من نعوت الريح ، البوغاء التراب . (192) الهتوف : الريح ذات الصوت ، والحرجف : الريح الباردة . التلبيد : التداخل . (193) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول . (194) كشف الغمة 2 / 246 الفصول المهمة . (195) تاريخ ابن عساكر 4 / 324 (196) البداية والنهاية 8 / 208 . (197) تاريخ ابن عساكر 4 / 324 (198) أربه : أصلحه . (199) خبا : سكن . (200) يعيج : ينتفع . (201) اللب : العقل . (202) يسور : يرجع . (203) كشف الغمة . ريحانة الرسول (ص 48) . (204) الاغاني . (205) ذكرى الحسين 1 / 139 ، البداية والنهاية 8 / 209 . (206) ريحانة الرسول (ص 49) . المصدر: منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي - من قسم: عاشوراء الحسين علية السلام l,hqdu psdkdm 2 |
2014/10/21, 11:31 PM | #2 |
معلومات إضافية
|
2-الدعوه الى نصره سبطه الحسين
روى الحنفى القندوزى، فى ينابيع الموده، فى المشكاه، عن ام الفضل بنت الحارث، امراه العباس رضى اللّه عنهما: (انها دخلت على رسول اللّه(ص)، فقالت: يا رسول اللّه، انى رايت حلما منكرا الليله، قال: ما هو؟ قالت: رايت كان قطعه من جسدك المبارك قطعت ووضعت فى حجرى. فقال عليه السلام: رايت خيرا، تلد فاطمه، ان شاء اللّه تعالى، غلاما يكون فى حجرك. قالت: فولدت فاطمه الحسين فكان فى حجرى فارضعته بلبن قثم، فدخلت يوما على النبى(ص)، فوضعته فى حجره، ثم حانت منى التفاته، فاذا عينا رسول اللّه(ص)، تهريقان الدموع، فقلت: يا رسول اللّه، بابى وامى، مالك؟، قال: اتانى جبرائيل فاخبرنى ان امتى ستقتل ابنى هذا، فقلت: هذا؟، قال: نعم، واتانى بتربه حمراء) (5)رواه البيهقى. وفى الاصابه(انس بن الحارث) قال البخارى فى تاريخه: (سمعت رسول اللّه(ص)، يقول: ان ابنى هذا يعنى الحسين يقتل بارض يقال لها كربلاء، فمن شهد ذلك منكم فلينصره، قال: فخرج انس بن الحارث الى كربلاء، فقتل بها مع الحسين(ع)،). (6) وفى الصواعق المحرقه، لابن حجر الهيثمى، اخرج ابن سعد والطبرانى عن عائشه ان النبى(ص) قال: (اخبرنى جبرائيل ان ابنى الحسين يقتل، بعدى، بارض الطف، وجاءنى بهذه التربه واخبرنى ان فيها مضجعه). (7) اخرج البغوى، فى معجمه من حديث انس ان النبى(ص)، قال: (استاذن ملك القطر ربه ان يزورنى فاذن له وكان فى يوم ام سلمه، فقال رسول اللّه(ص): يا ام سلمه احفظى علينا الباب لا يدخل احد، فبينا على الباب اذ دخل الحسين، فاقتحم فوثب على رسول اللّه(ص)، فجعل رسول اللّه يلثمه ويقبله، فقال له الملك: اتحبه؟ قال: نعم، قال: ان امتك ستقتله وان شئت اريك المكان الذى يقتل به، فاراه، فجاء بسهله او تراب احمر فاخذته ام سلمه فجعلته فى ثوبها. قال ثابت: كنا نقول انها كربلاء. وفى روايه الملا، وابن احمد فى زياده المسند، قالت: ثم ناولنى كفا من تراب احمر، وقال: ان هذا من تربه الارض التى يقتل بها، فمتى صار دما فاعلمى انه قد قتل، قالت ام سلمه: فوضعته فى قاروره عندى، وكنت اقول: ان يوما يتحول فيه دما ليوم عظيم، وفى روايه عنها، فاصبته يوم قتل الحسين وقد صار دما). (8) 3-محاوله اغتيال فاشله تعيين جماعه المنافقين اورد ابن كثير، فى تفسيره، نقلا عن البيهقى فى (دلائل النبوه)، عن حذيفه بن اليمان قال: (كنت آخذا بخطام ناقه رسول اللّه(ص)، اقود به وعمار يسوق الناقه او انا اسوقه وعمار يقوده، حتى اذا كنا بالعقبه، فاذا انا باثنى عشر راكبا قد اعترضوه فيها، قال: فانبهت رسول اللّه(ص)، بهم، وصرخ بهم فولوا مدبرين، فقال لنا رسول اللّه: هل عرفتم القوم؟، قلنا: لا يا رسول اللّه، قد كانوا ملثمين، ولكنا عرفنا الركاب، قال: هولاء المنافقون الى يوم القيامه، وهل تدرون ما ارادوا؟، قلنا: لا، قال: ارادوا ان يزاحموا رسول اللّه(ص) فيلقوه منها، قلنا: يا رسول اللّه، افلا نبعث الى عشائرهم حتى يبعث اليك كل قوم براس صاحبهم؟، قال: لا، اكره ان تتحدث العرب بينها ان محمدا قاتل بقوم حتى اذا اظهره اللّه بهم، اقبل عليهم يقتلهم، ثم قال: اللهم ارمهم بالدبيله، قلنا يا رسول اللّه وما الدبيله؟ قال: شهاب من نار يقع على نياط قلب احدهم فيهلك). (9) وروى الامام احمد الروايه نفسها، وهى وارده فى تفسير قوله تعالى، فى الايه (74) من سوره التوبه: (يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمه الكفر وكفروا بعد اسلامهم وهموا بما لم ينالوا). (10) كما روى ابن كثير، ايضا، فى الموضع نفسه، نقلا عن صحيح مسلم، عن عمار بن ياسر، عن حذيفه، عن رسول اللّه(ص)، انه قال: (فى اصحابى اثنا عشر منافقا، لا يدخلون الجنه ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل فى سم الخياط.. ولهذا كان حذيفه يقال له صاحب السر الذى لا يعلمه غيره، اى تعيين جماعه المنافقين). (11) حدثت هذه الحادثه الخطيره، فى تاريخ الاسلام، فى اثناء غزوه تبوك فى رجب، من العام التاسع للهجره، ولم تذكر فى كتب السيره او غيرها، تحت عناوين رئيسيه، وانما تحت عناوين فرعيه، على الرغم من ثبوتها بنص القرآن ووقوعها ضمن احداث غزوه تبوك، حيث اشراب النفاق واطلع راسه من منبته، وورودها فى سوره التوبه التى تسمى، ايضا، (الفاضحه)، لانها فضحت المنافقين وعرتهم. اما خطورتها فتكمن فى ان الذين راوا فى شخص الرسول الاكرم عائقا امام تحقيق اهدافهم لا بد انهم وضعوا هدفا كبيرا تهون من اجل تحقيقه كل الجرائم، حتى ولو كانت قتل الرسول الاكرم(ص)، او الحسين بن على(ع)، او استباحه المدينه، او هدم الكعبه، كما حدث بعد ذلك بالفعل. الفصل الاول ابناء الشجره الملعونه رواد الفتنه فى الاسلام شهدت (صفين)، وهى مكان يقع بالقرب من شاطىء الفرات بين الشام والعراق. (واقعه صفين)، التى دارت بين جيش الامام على الذى يمثل القياده الشرعيه للامه الاسلاميه وبين جيش القاسطين الظالمين، بقياده معاويه بن آكله الاكباد ووزيره الاول عمرو بن العاص. توشك النبوءه ان تتحقق، يوشك من حذر رسول اللّه(ص)، منهم ان يتسنموا منبره. الصراع محتدم بين قيم الاسلام المحمدى الاصيل، كما يمثله امام الحق على بن ابى طالب(ع) والفئه الباغيه بقياده ابن آكله الاكباد ووزيره الاول ابن النابغه. وسنعرض نماذج متقابله لخطاب كل فريق من الفريقين ولسلوكه، ثم نرى النهايه الفاجعه لهذا الصراع، او نهايه البدايه لفجر الاسلام المضىء، على يد هذه العصابه، وهو عين ما حاولوه يوم عقبه تبوك، فلم يحالفهم التوفيق. 1-خطاب رواد الفتنه، الخارجين على القياده الشرعيه رفع معاويه بن ابى سفيان شعار الثار لعثمان بن عفان، فهل كان ابن آكله الاكباد ووزيره الاول صادقين فى دعواهما؟ فلنقرا سويا فى صفحات التاريخ. روى ابن جرير الطبرى، فى تاريخه: (لما قتل عثمان قدم النعمان بن بشير على اهل الشام بقميص عثمان ووضع معاويه القميص على المنبر، وكتب بالخبر الى الاجناد، وثاب اليه الناس، وبكوا سنه وهو على المنبر والاصابع معلقه فيه (اصابع نائله زوجه عثمان) وآلى الرجال من اهل الشام الا ياتوا النساء ولا يناموا على الفرش حتى يقتلوا قتله عثمان، ومن عرض دونهم بشىء او تفنى ارواحهم، فمكثوا حول القميص سنه، والقميص يوضع كل يوم على المنبر ويجلله احيانا فيلبسه، وعلق فى اردانه اصابع نائله). (ثم مضى معاويه ينشر فى الناس ان عليا(ع) قتل عثمان) (12). كان هذا هو الشعار المعلن، فهل كان هذا الشعار يمثل الحقيقه؟، فلنقرا اولا فى تاريخ عمرو بن العاص. ا- الشعار المعلن وحقيقته: الاستحواذ على السلطان وروى الطبرى، ايضا: (لما بلغ عمرا قتل عثمان، رضى اللّه عنه، قال: انا ابو عبداللّه قتلته «يعنى عثمان» وانا بوادى السباع، من يلى هذا الامر من بعده؟ ان يله طلحه فهو فتى العرب سيبا، وان يله ابن ابى طالب فلا اراه الا سيستنطق الحق وهو اكره من يليه الى. قال: فبلغه ان عليا قد بويع له، فاشتد عليه وتربص اياما ينظر ما يصنع الناس، فبلغه مسير طلحه والزبير وعائشه، وقال استانى وانظر ما يصنعون، فاتاه الخبر ان طلحه والزبير قد قتلا، فارتج عليه امره فقال له قائل: ان معاويه بالشام لا يريد ان يبايع لعلى، فلو قاربت معاويه، فكان معاويه احب اليه من على بن ابى طالب. وقيل له: ان معاويه يعظم شان قتل عثمان بن عفان ويحرض على الطلب بدمه، فقال عمرو: ادعوا لى محمدا وعبداللّه فدعيا له، فقال: قد كان ما قد بلغكما من قتل عثمان رضى اللّه عنه وبيعه الناس لعلى وما يرصد معاويه من محالفه على، وقال: ما تريان؟ اما على فلا خير عنده وهو رجل يدل بسابقته، وهو غير مشركى فى شىء من امره، فقال عبداللّه بن عمرو:... ارى ان تكف يدك وتجلس فى بيتك حتى يجتمع الناس على امام فتبايعه، وقال محمد بن عمرو: انت ناب من انياب العرب، فلا ارى ان يجتمع هذا الامر وليس لك فيه صوت ولا ذكر، قال عمرو: اما انت، يا عبداللّه، فامرتنى بالذى هو خير لى فى آخرتى واسلم فى دينى، واما انت، يا محمد، فامرتنى بالذى هو انبه لى فى دنياى وشر لى فى آخرتى. ثم خرج عمرو بن العاص، ومعه ابناه، حتى قدم على معاويه، فوجد اهل الشام يحضون معاويه على الطلب بدم عثمان. فقال عمرو بن العاص: انتم على الحق، اطلبوا بدم الخليفه المظلوم، ومعاويه لا يلتفت الى قول عمرو. فقال ابنا عمرو لعمرو: الا ترى الى معاويه لا يلتفت الى قولك، انصرف الى غيره، فدخل عمرو على معاويه فقال: واللّه لعجب لك انى ارفدك بما ارفدك وانت معرض عنى، اما واللّه ان قاتلنا معك نطلب بدم الخليفه، ان فى النفس من ذلك ما فيها حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته، ولكنا انما اردنا هذه الدنيا، فصالحه معاويه وعطف عليه). (13) هذا هو حال الوزير الاول، فهو نفسه ممن البوا على عثمان وهو القائل: (انا ابو عبداللّه، قتلته وانا بوادى السباع)، وهو المقر بان انضمامه لابن آكله الاكباد انما هو من اجل الدنيا). اما معاويه، صاحب القميص الذى صار مضربا للمثل على الادعاءات الكاذبه، فنورد فقره من خطبته التى استهل بها عهده المشووم. روى ابو الفرج الاصفهانى فى مقاتل الطالبيين: (لما انتهى الامر لمعاويه، وسار حتى نزل النخيله وجمع الناس بها فخطبهم قبل ان يدخل الكوفه خطبه طويله). واورد بعض مقاطعها ومنها: (ما اختلفت امه بعد نبيها الا ظهر اهل باطلها على اهل حقها.. فندم فقال: الا هذه الامه فانها وانها...) (الا ان كل شىء اعطيته الحسن بن على تحت قدمى هاتين لا افى به). (انى واللّه ما قاتلتكم لتصلوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجوا، ولا لتزكوا، انكم لتفعلون ذلك. وانما قاتلتكم لاتامر عليكم، وقد اعطانى اللّه ذلك وانتم كارهون). (14) هل كان ابن آكله الاكباد ووزيره الاول عمرو بن العاص يطالبان بدم عثمان او ان السلطه كانت هدفا لهما؟ وهل يبقى شك، بعد قراءتنا خطاب كل منهما فى طبيعه الادعاءات المرفوعه من قبل الفئه الباغيه والصوره الحقيقيه لحركه الرده التى ما كان لها ان تحقق هدفها لولا تخاذل بعض المسلمين ووهن بعضهم الاخر. كانت هذه هى الاهداف الحقيقيه: (الاستحواذ على السلطه) و (اذلال المومنين)، وهى تختلف عن الاهداف الدعائيه: (الثار من قتله عثمان). ب - وسائل التامر على الناس اما عن الوسائل التى اتبعها ابن آكله الاكباد من اجل تحقيق غاياته الشيطانيه (وهى اقامه حكومه من بدوا فى رويا رسول اللّه(ص) (قرده)، فى مواجهه حكومه العدل الالهيه) فهى فى المستوى نفسه، ومن نماذجها نذكر: اولا: الرشوه والاغراء بالمناصب واليك النموذج الاتى: حاول معاويه رشوه قيس بن سعد بن عباده، والى الامام على على مصر. فكتب له: (... فان استطعت، يا قيس، ان تكون ممن يطلب بدم عثمان فافعل. تابعنا على امرنا ولك سلطان العراقين، اذا ظهرت ما بقيت، ولمن احببت من اهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لى سلطانى. وسلنى غير هذا مما تحب فانك لا تسالنى شيئا الا اوتيته) (15). اما رد قيس بن سعد بن عباده، رضوان اللّه عليه، على ابن آكله الاكباد فكان ردا مخرسا فقد كتب اليه: (بسم اللّه الرحمن الرحيم، من قيس بن سعد الى معاويه بن ابى سفيان. اما بعد، فان العجب من اغترارك بى وطمعك فى، واستسقاطك رايى، اتسومنى الخروج من طاعه اولى الناس بالامره واقولهم للحق واهداهم سبيلا واقربهم من رسول اللّه(ص)، وتامرنى بالدخول فى طاعتك، طاعه ابعد الناس من هذا الامر، واقولهم للزور واضلهم سبيلا، وابعدهم من اللّه عز وجل ورسوله(ص)، وسيله، ولد ضالين مضلين، طاغوت من طواغيت ابليس. واما قولك انى مالىء عليك مصر خيلا ورجلا، فواللّه ان لم اشغلك بنفسك حتى تكون نفسك اهم اليك، انك لذو جد، والسلام) (16). ثانيا: الاغتيال السياسى جاء فى تاريخ الطبرى: (فبعث على الاشتر اميرا الى مصر حتى اذا صار بالقلزم، شرب شربه عسل كان فيها حتفه، فبلغ حديثهم معاويه وعمرا، فقال عمرو: ان للّه جنودا من عسل) (17). ثالثا: الاختلاق والخداع جاء فى تاريخ الطبرى: (ولما ايس معاويه من قيس ان يتابعه على امره، شق عليه ذلك لما يعرف من حزمه وباسه، واظهر للناس قبله ان قيس بن سعد قد تابعهم فادعوا اللّه وقرا عليهم كتابه الذى لان له فيه وقاربه. قال: واختلق معاويه كتابا من قيس، فقراه على اهل الشام) (18). رابعا: الاغاره على المدنيين وقتل النساء والاطفال ذكر ابن جرير الطبرى فى تاريخه: 1- (وجه معاويه، فى هذا العام، سفيان بن عوف فى سته آلاف رجل وامره ان ياتى (هيت)، فيقطعها، وان يغير عليها ثم يمضى حتى ياتى الانبار والمدائن فيوقع باهلها) (19). 2 - (وجه معاويه عبداللّه بن مسعده الفزارى فى الف وسبعمائه رجل الى تيماء، وامره ان يصدق (ياخذ صدقه المال) من مر به من اهل البوادى، وان يقتل من امتنع من اعطائه صدقه ماله. ثم ياتى مكه والمدينه والحجاز ويفعل ذلك) (20). 3 - وجه معاويه الضحاك بن قيس، وامره ان يمر باسفل واقصه، وان يغير على كل من مر به ممن هو فى طاعه على من الاعراب، ووجه معه ثلاثه آلاف رجل فسار، فاخذ اموال الناس وقتل من لقى من الاعراب، ومر بالثعلبيه فاغار على مسالح على، واخذ امتعتهم ومضى حتى انتهى الى القطقطانه فاتى عمرو بن عميس بن مسعود، وكان فى خيل لعلى وامامه اهله وهو يريد الحج، فاغار على من كان معه وحبسه عن المسير، فلما بلغ ذلك عليا سرح حجر بن عدى الكندى فى اربعه آلاف واعطاهم خمسين خمسين، فلحق الضحاك بتدمر فقتل منهم تسعه عشر رجلا، وقتل من اصحابه رجلان وحال بينهم الليل فهرب الضحاك واصحابه ورجع حجر ومن معه (21). 4- فى عام 40ه، ارسل معاويه بن ابى سفيان بسر بن ابى ارطاه فى ثلاثه آلاف من المقاتله الى الحجاز حتى قدموا المدينه، وعامل على على المدينه يومئذ ابو ايوب الانصارى، ففر منهم ابو ايوب، واتى بسر المدينه فصعد المنبر وقال: يا اهل المدينه، واللّه لولا ما عهد الى معاويه ما تركت بها محتلما الا قتلته. ثم مضى بسر الى اليمن وكان عليها عبيداللّه بن عباس عاملا لعلى، فلما بلغه مسيره فر الى الكوفه حتى اتى عليا، واستخلف عبداللّه بن عبد المدان الحارثى على اليمن، فاتاه بسر فقتله وقتل ابنه، ولقى بسر ثقل عبيداللّه بن عباس وفيه ابنان له صغيران فذبحهما، وقد قال بعض الناس انه وجد ابنى عبيداللّه بن عباس عند رجل من بنى كنانه من اهل الباديه، فلما اراد قتلهما قال الكنانى: علام تقتل هذين ولا ذنب لهما؟ فان كنت قاتلهما فاقتلنى، قال: افعل، فبدا بالكنانى فقتله ثم قتلهما، وقتل فى مسيره ذلك جماعه كثيره من شيعه على باليمن. ولما ارسل على جاريه بن قداحه فى طلبه هرب) (22). تلك هى لمحات من اهداف الدوله الامويه وملامحها واساليبها فى الوصول الى هذه الاهداف. لا فارق بين معاويه وصدام حسين وهتلر. الغايه، عند كل هولاء، تبرر الوسيله، بل ونزعم ان ابن آكله الاكباد، على قرب عهده بالنبوه، اشد وزرا من صدام حسين الذى قتل النساء والاطفال واستخدم السلاح الكيماوى فى قتل الابرياء، فصدام حسين لم ير رسول اللّه(ص)، ولا سمع منه ولا ادعى له بعض المورخين انه كان كاتبا للوحى، الى آخر هذه الادعاءات التى يمزج فيها الحق بالباطل. 2-خطاب قياده الامه الشرعيه: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه، ويكون الدين للّه) على الجانب الاخر كان معسكر الحق، معسكر القياده الشرعيه للامه الاسلاميه، قياده اهل البيت، ورمزها يومئذ امير المومنين على بن ابى طالب(ع)،3، يجاهد للحفاظ على الاسلام نقيا صافيا. وكان هذا هو الهدف الحقيقى الذى تهون من اجله كل التضحيات. كان الامام على(ع) ومن حوله كوكبه المومنين الخلص من اصحاب النبى محمد(ص). روى ابن ابى الحديد، فى شرح نهج البلاغه، نقلا عن (كتاب صفين) لنصر بن مزاحم: (خطب على(ع)، فى صفين، فحمد اللّه واثنى عليه، وقال: اما بعد، فان الخيلاء من التجبر، وان النخوه من التكبر، وان الشيطان عدو حاضر، يعدكم الباطل. الا ان المسلم اخو المسلم فلا تنابذوا ولا تجادلوا، الا ان شرائع الدين واحده، وسبله قاصده، من اخذ بها لحق، ومن فارقها محق، ومن تركها مرق، ليس المسلم بالخائن اذا ائتمن، ولا بالمخلف اذا وعد، ولا بالكذاب اذا نطق. نحن اهل بيت الرحمه، وقولنا الصدق، وفعلنا الفضل، ومنا خاتم النبيين، وفينا قاده الاسلام، وفينا حمله الكتاب. الا انا ندعوكم الى اللّه ورسوله، والى جهاد عدوه والشده فى امره، وابتغاء مرضاته، واقام الصلاه، وايتاء الزكاه، وحج البيت، وصيام شهر رمضان، وتوفير الفىء على اهله. الا وان من اعجب العجائب ان معاويه بن ابى سفيان الاموى وعمرو بن العاص السهمى، يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما، ولقد علمتم انى لم اخالف رسول اللّه(ص)، قط، ولم اعصه فى امر، اقيه بنفسى فى المواطن التى ينكص فيها الابطال، وترعد فيها الفرائص، بنجده اكرمنى اللّه سبحانه بها، وله الحمد. ولقد قبض رسول اللّه(ص) وان راسه لفى حجرى، ولقد وليت غسله بيدى وحدى، تقلبه الملائكه المقربون معى. وايم اللّه ما اختلفت امه قط، بعد نبيها، الا ظهر اهل باطلها على اهل حقها الا ما شاء اللّه) (23). ولا باس، ايضا، ان ننتقل الى معسكر الافك والباطل لنسمع ذلك الحوار العجيب الذى رواه نصر بن مزاحم، ونقله عنه ابن ابى الحديد قال: (طلب معاويه الى عمرو بن العاص ان يسوى صفوف اهل الشام، فقال له عمرو: على ان لى حكمى ان قتل اللّه ابن ابى طالب، واستوثقت لك البلاد، فقال: اليس حكمك فى مصر؟ قال: وهل مصر تكون عوضا عن الجنه، وقتل ابن ابى طالب ثمنا لعذاب النار الذى (لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون) «الدخان/75»، فقال معاويه: ان لك حكمك، ابا عبداللّه، ان قتل ابن ابى طالب، رويدا لا يسمع اهل الشام كلامك. فقام عمرو، فقال: معاشر اهل الشام سووا صفوفكم قص الشارب، واعيرونا جماجمكم ساعه، فقد بلغ الحق مقطعه، فلم يبق الا ظالم او مظلوم) (24). ونعود الى معسكر الحق، لنسمع الكلمات المضيئه لابى الهيثم بن التيهان وكان من اصحاب رسول اللّه(ص)، بدريا نقيبا عقبيا يسوى صفوف اهل العراق، ويقول: (يا معشر اهل العراق، انه ليس بينكم وبين الفتح فى العاجل، والجنه فى الاجل، الا ساعه من النهار، فارسوا اقدامكم وسووا صفوفكم، واعيروا ربكم جماجمكم، واستعينوا باللّه الهكم، وجاهدوا عدو اللّه وعدوكم، واقتلوهم قتلهم اللّه وابادهم، واصبروا فان الارض للّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبه للمتقين) (25). اما عن مواقف عمار بن ياسر، رضوان اللّه عليه، فى صف الامام، فهى فى المكانه العليا، ويمكن ان نتبينها من خلال هذه الروايه: (عن اسماء بن حكيم الفزارى، قال: كنا بصفين مع على، تحت رايه عمار بن ياسر، ارتفاع الضحى، وقد استظللنا برداء احمر، اذ اقبل رجل يستقرى الصف حتى انتهى الينا، فقال: ايكم عمار بن ياسر؟ فقال عمار: انا عمار، قال: ابو اليقظان؟ قال: نعم، قال: ان لى اليك حاجه افانطق بها سرا او علانيه؟، قال: اختر لنفسك ايهما شئت، قال: لا بل علانيه، قال: فانطق، قال: انى خرجت من اهلى مستبصرا فى الحق الذى نحن عليه، لا اشك فى ضلاله هولاء القوم، وانهم على الباطل، فلم ازل على ذلك مستبصرا، حتى ليلتى هذه، فانى رايت فى منامى مناديا تقدم، فاذن وشهد ان لا اله الا اللّه وان محمدا رسول اللّه(ص)، ونادى بالصلاه، ونادى مناديهم مثل ذلك، ثم اقيمت الصلاه، فصلينا صلاه واحده، وتلونا كتابا واحدا، ودعونا دعوه واحده، فادركنى الشك فى ليلتى هذه، فبت بليله لا يعلمها الا اللّه، حتى اصبحت، فاتيت امير المومنين، فذكرت ذلك له فقال: هل لقيت عمار بن ياسر؟، قلت: لا، قال: فالقه، فانظر ما يقول لك عمار فاتبعه، فجئتك لذلك. فقال عمار: تعرف صاحب الرايه السوداء المقابله لى، فانها رايه عمرو بن العاص، قاتلتها مع رسول اللّه(ص)، ثلاث مرات وهذه الرابعه فما هى بخيرهن ولا ابرهن، بل هى شرهن وافجرهن، اشهدت بدرا واحدا ويوم حنين، اوشهدها اب لك فيخبرك عنها؟، قال: لا، قال: فان مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول اللّه(ص)، يوم بدر ويوم احد ويوم حنين، وان مراكز رايات هولاء على مراكز رايات المشركين من الاحزاب، فهل ترى هذا العسكر ىىىىومن فيه؟ واللّه لوددت ان جميع من فيه ممن اقبل مع معاويه يريد قتالنا، مفارقا للذى نحن عليه كانوا خلقا واحدا، فقطعته وذبحته، واللّه لدماوهم جميعا احل من دم عصفور، افترى دم عصفور حراما؟، قال: لا بل حلال، قال: فانهم حلال كذلك، اترانى بينت لك؟، قال: قد بينت لى، قال: فاختر اى ذلك احببت. فانصرف الرجل، فدعاه عمار ثم قال: اما انهم سيضربونكم باسيافكم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولوا: لو لم يكونوا على حق ما ظهروا علينا، واللّه ما هم من الحق ما يقذى عين ذباب، واللّه لو ضربونا باسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر، لعلمنا انا على حق وانهم على باطل) (26). وعمار، اذ يقف هذا الموقف، انما يصغى الى صوت اللّه تعالى يدعوه: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه ويكون الدين للّه..) «البقره/193». 3-مفهوم الفتنه، والعجز عن الوقوف مع الحق قال تعالى: (ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتنى الا فى الفتنه سقطوا) «التوبه/49». جرت على السنه بعض الباحثين، قديما وحديثا، مقوله ان هذه الاحداث، كانت فتنه لا يدرى المرء فيها وجه الخطا من الصواب او الحق من الباطل، وكلمه (الفتنه)، هنا، بمعنى انعدام القدره على التمييز. وهذه الحاله، اى انعدام القدره على التمييز، قد تكون نابعه من قدره الشخص نفسه وضميره ومعارفه، او من الظروف الملتبسه بالاحداث كان تكون احداثا ومعارك لا تعرف الهويه الحقيقيه لابطالها ولا تاريخهم الشخصى او تاريخهم العام، ولا يمكن معرفه تسلسل الوقائع التى قادت الى هذه اللحظه. واعتقد ان هذا الكلام لا ينطبق بحال على هذه الكارثه الفاجعه، او على مجموعه الكوارث التى حلت بامه محمد(ص)، فلا يبقى الا ان نقول ان عدم وضوح الرويه انما هو نابع من الحاله الشخصيه والنفسيه لبعض الاشخاص الذين عجزت نفوسهم وهممهم عن ملاحقه تيار الحق الصامد بقياده امير المومنين على(ع)، فاختاروا موقفا يكون شعاره (ولا تفتنى) وحقيقته كما قال سبحانه وتعالى: (الا فى الفتنه سقطوا). لم تكن الكارثه الفاجعه التى لحقت بالامه الاسلاميه، فى هذه المرحله من بدايات تاريخها، هينه ولا سهله فقد كانت كارثه انشقاق اولا ثم كارثه ضلال واضلال ثانيا، وقد مارسها ائمه الفتنه والضلال من بنى اميه، اضافه الى ان حادثه الانقسام لم تحدث فى فراغ، وانما شقت معها جسد الامه الوليد الذى لم يكن قد بلغ بعد مرحله النضج، ولا هى جرت فى هدوء وصمت، وانما صاحبها ضجيج وصخب ادى الى التشويش على امام الحق على(ع)، ما ادى الى حاله من الارتياب اصابت الجميع، وليس ادل على هذا من ذلك الرجل التائه الذى راى الفريقين يصلون ويقروون قرآنا واحدا، فاصابته هزه شديده فذهب يسال الامام(ع)، فاحاله على عمار، رضوان اللّه عليه، الذى اجابه اجابه العارف الخبير الذى لا يخدع. ولكن من اين للامه بمثل عمار او مالك الاشتر او ابو الهيثمى التيهان، هولاء الخلص من اصحاب محمد(ص)، الذين صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه وعملوا بوصيته الخالده: (من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه). 4-التحكيم: خديعه الذين جعلوا القرآن عضين وتلبس ابليس (الذين جعلوا القرآن عضين) قال تعالى: (كما انزلنا على المقتسمين× الذين جعلوا القرآن عضين) «الحجر/90-91». الفتنه تبلغ مداها، والهزيمه على وشك ان تحل بجيش الرده الاموى، يتفتق ذهن الوزير الاول عن مكيده يكيد بها الامه ويشق صفها ويذهب ريحها، وبهذا يتحقق له من داخل الصف المسلم ما فشل فى تحقيقه، طوال قرابه عشرين عاما، من المواجهه المسلحه مع الرسول الاكرم(ص)، قبيل ادعائه الاسلام. ولنرجع الى تاريخ الطبرى. (لما راى عمرو بن العاص ان امر اهل العراق قد اشتد وخاف الهلاك، قال لمعاويه: هل لك فى امر اعرضه عليك لا يزيدنا الا اجتماعا ولا يزيدهم الا فرقه؟، قال: نعم. قال: نرفع المصاحف ثم نقول ما فيها حكم بيننا وبينكم، فان ابى بعضهم وجدت فيهم من يقول: بلى ينبغى ان نقبل، فتكون فرقه تقع بينهم، وان قالوا: بلى نقبل ما فيها، رفعنا هذا القتال عنا وهذه الحرب الى اجل وحين. فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا: هذا كتاب اللّه عز وجل بيننا وبينكم، من لثغور اهل الشام بعد اهل الشام؟ ومن لثغور اهل العراق بعد اهل العراق؟ فلما راى الناس المصاحف قد رفعت قالوا: نجيب الى كتاب اللّه عز وجل وننيب اليه) (27). وهنا لا بد لنا من وقفه مع قضيه التحكيم، رغم كونها ليست قضيه اساسيه فى هذا البحث، وانما نعرض لها فى اطار بحث رويه الامويين للاسلام وحقيقه موقفهم من كتاب اللّه، عز وجل، وما ورد فيه من احكام ومن ثم طبيعه دولتهم التى قامت بعد هذا من خلال هذه الرويه. ثم نعرض موقف ائمه الحق من آل محمد، عليهم السلام، من هذه الدوله من خلال ثوره الامام الشهيد الحسين(ع)،. فها هو عمرو بن العاص يعلن الغرض الحقيقى لطلاب التحكيم، فيقول: ان عرض التحاكم لكتاب اللّه عز وجل امر يراد به تفريق الصف المسلم، او الكيان الشرعى للامه المتجمع خلف امام الامه على بن ابى طالب(ع)، وزياده توحد الفئه الباغيه او حزب الشيطان، فماذا بعد الحق الا الضلال؟ ترى كيف كان موقف ابى جهل او ابى سفيان، من ائمه الكفر والضلال، من وحده الصف المسلم ومن القياده الشرعيه للامه؟ هل كان اى من هولاء يحلم بان يحقق ما حققه معاويه وعمرو؟ ولكن هذه المره يحاربون الاسلام بالسلاح نفسه الذى انتصر به على معسكر الشرك فى الجوله الاولى، ولكن هذه المره بعد ان جعله ابن ابى سفيان وابن العاص (عضين)، اى مزقا وهزوا. ثم نرى ونسمع، بعد ذلك، من يحاول ويزعم ويدعى ان الدوله الامويه كانت تمثل امتدادا للشرعيه التى جاء بها رسول اللّه(ص). او يقول قائل: ان الحسين(ع) قتل بسيف جده رسول اللّه(ص)، هل كان الرسول على الباطل؟! وهل جاء الرسول بقرآن يتخذه معبرا ليجلس على اجساد المسلمين وينعم باموالهم؟! ام انه(ص) كان كما قال عنه ربنا عز وجل: (لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمومنين رووف رحيم) «التوبه/128» وقوله تعالى: (هو الذى بعث فى الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمه) «الجمعه/2». ونعود الى تاريخ الطبرى لنسمع رد الامام على(ع)، على هذا العرض المخادع، فلو كان القوم اصحاب ديانه حقا فلماذا لم يدخلوا فى طاعه امام الحق؟! ولماذا استباحوا قتال من لا يحل قتاله من النساء والاطفال ولو كانوا مشركين؟!، فاى مصداقيه لطلبهم التحاكم الى كتاب اللّه؟ فكان رده(ع): (عباد اللّه، امضوا على حقكم وصدقكم وقتال عدوكم، فان معاويه وعمرو بن العاص وابن ابى معيط وحبيب بن مسلمه وابن ابى سرح والضحاك بن قيس ليسوا باصحاب دين ولا قرآن، انا اعرف بهم منكم، قد صحبتهم اطفالا وصحبتهم رجالا فكانوا شر اطفال وشر رجال، ويحكم انهم ما رفعوها ثم لا يرفعونها ولا يعلمون بما فيها. وما رفعوها لكم الا خديعه ودهنا ومكيده، فقالوا له: ما يسعنا ان ندعى الى كتاب اللّه عز وجل فنابى ان نقبله، فقال لهم: فانى انما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب، فانهم قد عصوا اللّه عز وجل ونسوا عهده ونبذوا كتابه) (28). وهكذا وقعت الكارثه والفتنه، حيث امتنعت الرويه الصائبه على اكثر المسلمين وصار الناس فى حيره، وصدق اللّه عز وجل: (مثلهم كمثل الذى استوقد نارا فلما اضاءت ما حوله ذهب اللّه بنورهم وتركهم فى ظلمات لا يبصرون) «البقره/17»، واى ظلمه اشد من العجز عن ادراك الطريق، صراط اللّه المستقيم ونهج الرسول وائمه الحق. اسباب قبول التحكم لا بد لنا من تامل هذه المرحله المفصليه فى تاريخ الامه، فنسال: لماذا قبل الامام على(ع)، التحكيم فى نهايه المطاف؟، ولماذا لم يصر على مواصله القتال حتى القضاء على راس الافعى الامويه؟ فاذا قيل: ان الناس خذلوه، قالوا: اليس هولاء هم الشيعه الذين خذلوا الحسين(ع) بعد ذلك؟! لا سبيل امامنا سوى مواصله قراءه النص التاريخى حتى تتضح الحقيقه لكل ذى عينين. ينقل لنا ابن ابى الحديد، عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم، قال: (انه لما كان يوم الثلاثاء، عاشر شهر ربيع الاول، سنه سبع وثلاثين، زحف امير المومنين على(ع) بجيشه، وخرج رجل من اهل الشام فنادى بين الصفين: يا ابا الحسن ابرز الى، فخرج اليه على عليه السلام فقال: ان لك يا على لقدما فى الاسلام والهجره، فهل لك فى امر اعرضه عليك، يكون فيه حقن هذه الدماء؟، قال: وما هو؟، قال: ترجع الى عراقك فنخلى بينك وبين العراق، ونرجع نحن الى شامنا فتخلى بيننا وبين الشام، فقال على(ع): قد عرفت ما عرضت، ان هذه لنصيحه وشفقه، ولقد اهمنى هذا الامر واسهرنى، وضربت انفه وعينه فلم اجد الا القتال او الكفر بما انزل اللّه على محمد. ان اللّه، تعالى ذكره، لم يرض من اوليائه ان يعصى فى الارض، وهم سكوت مذعنون، لا يامرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر، فوجدت القتال اهون على من معالجه فى الاغلال فى جهنم، قال: فرجع الرجل وهو يسترجع) (29). امام الامه يتلقى عرضا من مندوب بنى اميه بتقسيم الامه الى قسمين (عراق وشام) هكذا ببساطه شديده، فيكون يومها اسلام عراقى واسلام شامى، واليوم اسلام امريكى، فهل كان بامكانه القبول بهذا العرض المرادف للكفر؟. التهب القتال، ودارت آله الحرب فى ما عرف بليله الهرير، وتشاور ابن آكله الاكباد وابن النابغه حول الورقه الاخيره للخروج من الهزيمه المروعه، فلم يجد الشيطان اجدى ولا انجح من الاستهزاء بكتاب اللّه وادعاء التحاكم اليه، كما صرح هو بذلك. ولما اصبح الصبح، نظر عسكر العراق الى عسكر الشام ليجدوا المصاحف قد ربطت فى اطراف الرماح. (قال ابو جعفر وابو الطفيل: استقبلوا عليا بمئه مصحف، ووضعوا فى كل مجبنه مائتى مصحف فكان جميعها خمسمئه مصحف) (30). كان هذا هو الحال على المستوى السياسى، وسنقرا بعد هذا بعض ردود افعال من كانوا فى صف الامام على(ع)، لنعرف حقيقه هولاء (الشيعه المزعومين). اما على المستوى العسكرى، فيروى نصر بن مزاحم: (وكان الاشتر، صبيحه ليله الهرير، قد اشرف على عسكر معاويه، عندما جاءه رسول الامام على(ع)، ان ائتنى، فقال: ليس هذه بالساعه التى ينبغى لك ان تزيلنى عن موقفى، انى قد رجوت الفتح فلا تعجلنى، فرجع يزيد بن هانىء الى على(ع) فاخبره، فما هو الا ان انتهى الينا حتى ارتفع الرهج وعلت الاصوات من قبل الاشتر، وظهرت دلائل الفتح والنصر لاهل العراق، ودلائل الخذلان والادبار على اهل الشام، فقال القوم لعلى: واللّه ما نراك امرته الا بالقتال! قال: ارايتمونى ساررت رسولى اليه؟ اليس انما كلمته على رووسكم علانيه وانتم تسمعون؟، قالوا: فابعث اليه ان ياتيك، والا فواللّه اعتزلناك! فقال: ويحك يا يزيد قل له: اقبل فان الفتنه قد وقعت، فاتاه فاخبره، فقال الاشتر: ابرفع هذه المصاحف؟ قال: نعم، قال: واللّه الا ترى الى الفتح! الا ترى الى ما يلقون! الا ترى الى الذى يصنع اللّه لنا؟ اينبغى ان ندع هذا وننصرف عنه! قال له يزيد: اتحب انك ظفرت هاهنا وان امير المومنين بمكانه الذى هو فيه يسلم الى عدوه! قال: لا واللّه لا احب ذلك، قال: فافهم قد قالوا له، وحلفوا عليه، لترسلن الى الاشتر فلياتينك او لنقتلنك باسيافنا كما قتلنا عثمان، او لنسلمنك الى عدوك. فاقبل الاشتر حتى انتهى اليهم وقال: يا امير المومنين احمل الصف على الصف تصرع القوم، فتصايحوا: ان امير المومنين قد قبل الحكومه، ورضى بحكم القرآن، فقال الاشتر: ان كان امير المومنين(ع) قد قبل ورضى فقد رضيت، فاقبل الناس يقولون: قد رضى امير المومنين، قد قبل امير المومنين، وهو ساكت لا ينطق بكلمه، مطرق الى الارض. ثم قام فسكت الناس كلهم، فقال: ان امرى لم يزل معكم على ما احب الى ان اخذت منكم الحرب، وقد واللّه اخذت منكم وتركت، واخذت من عدوكم ولم تترك، وانها فيكم انكى وانهك، الا انى كنت امس امير المومنين فاصبحت اليوم مامورا، وكنت ناهيا فاصبحت منهيا، وقد احببتم البقاء وليس لى ان احملكم على ما تكرهون، ثم قعد) (31). هل بعد هذا يقال: ان امير المومنين(ع) كان راضيا؟ وهل كان بامكانه سلام اللّه عليه اجبارهم على النهوض لقتال الظالمين؟ ولو كان اجبار الناس على الاستجابه للامر الالهى من مهام الرسل والانبياء والائمه، فلماذا عاتب القرآن القاعدين عن الجهاد بقوله تعالى:(ياايها الذين آمنوا مالكم اذا قيل لكم انفروا فى سبيل اللّه اثاقلتم الى الارض) «التوبه/38» ولما فر من فر من المسلمين من اصحاب محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم(ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين) «التوبه/25» ولما فروا يوم احد(ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا) «آل عمران/155». وان لم نكن فى صدد تحقيق تاريخ بعض روساء العشائر الذين كانوا مع الامام على، تفصيلا، فاننا نكتفى بان نورد ما قاله الدكتور طه حسين فى كتابه (على وبنوه): (واكبر الظن ان بعض الروساء، من اصحاب على، لم يكونوا يخلصون له نفوسهم ولا قلوبهم، ولم يكونوا ينصحون له، لانهم كانوا اصحاب دنيا لا اصحاب دين، وكانوا يندمون، فى دخائل انفسهم، على تلك الايام الهينه اللينه التى قضوها ايام عثمان ينعمون بالصلات والجوائز والاقطاع. ويجب ان نذكر، ايضا، ان عليا لم ينهض الى الشام باهل الكوفه وبمن تابعه من اهل الحجاز وحدهم، وانما نهض كذلك بالوف من اهل البصره، كان منهم من وفى له يوم الجمل وكان منهم من اعتزل الناس فى ذلك اليوم ايضا، وكان منهم مع ذلك كثير من الذين انهزموا بعد مقتل طلحه والزبير) (32). لم يكن هولاء، اذا، من الشيعه ولا من العارفين بفضل آل بيت محمد عامه والامام على خاصه والا لما هددوا بقتله، او تسليمه الى ابن آكله الاكباد كما اسلفنا. ولسنا نجد ما يصف هولاء ابلغ من كلمات الامام(ع) مخاطبا اياهم: (اما والذى نفسى بيده ليظهرن هولاء القوم عليكم، ليس لانهم اولى بالحق منكم، ولكن لاسراعهم الى باطل صاحبهم، وابطائكم عن حقى، ولقد اصبحت الامم تخاف ظلم رعاتها، واصبحت اخاف ظلم رعيتى. استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، واسمعتكم فلم تسمعوا، ودعوتكم سرا وجهرا فلم تستجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا، اشهود كغياب وعبيد كارباب! اتلوا عليكم الحكم فتنفرون منها، واعظكم بالموعظه البالغه فتتفرقون عنها، واحثكم على جهاد اهل البغى فما آتى على آخر قولى حتى اراكم متفرقين ايادى سبا. ترجعون الى مجالسكم، وتتخادعون عن مواعظكم. اقومكم غدوه وترجعون الى عشيه، كظهر الحنيه عجز المقوم واعضل المقوم. ايها القوم، الشاهده ابدانهم الغائبه عنهم عقولهم، المختلفه اهواوهم المبلى بهم امراوهم، صاحبكم يطيع اللّه وانتم تعصونه، وصاحب اهل الشام يعصى اللّه وهم يطيعونه! لوددت واللّه ان معاويه صارفنى بكم صرف الدينار بالدرهم، فاخذ منى عشره منكم واعطانى رجلا منهم) (33). وهكذا سارت امور هذه الامه المنكوبه، امر الباطل يعلو وامر الحق يهبط، اجتماع على الباطل والدنيا فى معسكر الشام وتفرق عن الحق فى المعسكر المقابل حتى بلغ الكتاب اجله، ففاض الكيل وطف الصاع، حتى قتل الامام(ع)، على يد اشقاها ابن ملجم المرادى. وهكذا غاب عن الحضور ولا نقول عن الوجود شمس هذه الامه بعد رسولها.. الامام على(ع)، اول من اسلم واول من صلى خلف رسول اللّه، صلى اللّه عليه وآله وسلم، وباب مدينه علم رسول اللّه، وهكذا صار المشروع الاموى، قاب قوسين او ادنى من التحقق. هدنه فى صراع يمتد قرونا بويع للامام الحسن(ع)، بالخلافه، بعد استشهاد امير المومنين على(ع)، عام (40هر661م). وقد زاغت الابصار، وبلغت القلوب الحناجر، ولم يعد للقوم صبر ولا رغبه فى قتال القاسطين. احب القوم الحياه ورغبوا فيها، يستوى لديهم ان يكون قائدهم عليا او معاويه، بل لعل معاويه اصلح لدنيا بعض الذين لم يعد لهم الا الحياه الدنيا. امر القائد الجديد جيشه واتباعه بان يستعدوا للقتال فخطبهم قائلا: (اما بعد، فان اللّه كتب الجهاد على خلقه، وسماه كرها، ثم قال لاهل الجهاد من المومنين: اصبروا ان اللّه مع الصابرين. فلستم، ايها الناس نائلين ما تحبون الا بالصبر على ما تكرهون. اخرجوا رحمكم اللّه الى معسكركم بالنخيله حتى ننظر وتنظروا ونرى وتروا. قال: وانه فى كلامه ليتخوف خذلان الناس له، قال: فسكتوا فما تكلم منهم احد، ولا اجابه بحرف. فلما راى ذلك عدى بن حاتم، قام فقال: انا ابن حاتم! سبحان اللّه! ما اقبح هذا المقام الا تجيبون امامكم وابن بنت نبيكم! اين خطباء مضر الذين السنتهم كالمخاريق فى الدعه؟! فاذا جد الجد فرواغون كالثعالب، اما تخافون مقت اللّه ولا عيبها وعارها؟!) (34). يتضح، من طبيعه خطاب الامام الحسن(ع) للقوم، واستخدامه لهذه العبارات: (ان اللّه فرض القتال وسماه كرها) و(لستم نائلون ما تحبون الا بالصبر على ما تكرهون) ثم حاله الصمت التى انتابت الناس، ان الهزيمه النفسيه قد اصابتهم ولم تعد بهم رغبه فى جهاد ولا بذل ولا تضحيه، فقد جربوا الدنيا وحلاوتها وباتوا يريدونها، وهم لن يجدوا ما يطمعون فيه وخاصه روسائهم فى ظل العدل، وانما اشرابت نفوسهم الى بنى اميه قاده المرحله القادمه، ومنظرو الاسلام الاموى الذى كان المقدمه الطبيعيه لكل الانحرافات واصناف الشذوذ التى عانت منها الامه المسلمه وصولا للاسلام الامريكى. نعود الى النص التاريخى فنقرا: (قال عدى بن حاتم ما قال، ثم اعلن توجهه الى معسكر القتال. وقام قيس بن سعد بن عباده ومعقل بن قيس الرياحى فقالوا مثل ما قال عدى بن حاتم وتحركوا الى معسكرهم. ومضى الناس خلفهم متثاقلين. وعبا الامام الحسن(ع)، جيشه ثم خطبهم (فقال: الحمد للّه كلما حمده حامد، واشهد الا اله الا اللّه كلما شهد له شاهد، واشهد ان محمدا رسول اللّه، ارسله بالحق، وائتمنه على الوحى، صلى اللّه عليه وآله. اما بعد، فواللّه انى لارجو ان اكون بحمد اللّه ومنه، وانا انصح خلقه لخلقه، وما اصبحت محتملا على مسلم ضغينه، ولا مريدا له بسوء ولا غائله. الا وان ما تكرهون فى الجماعه خير لكم مما تحبون فى الفرقه، الا وانى ناظر لكم خيرا من نظركم لانفسكم، فلا تخالفوا امرى ولا تردوا على رايى. غفر اللّه لى ولكم، وارشدنى واياكم لما فيه محبته ورضاه، ان شاء اللّه، ثم نزل. قال: فنظر الناس بعضهم الى بعض، وقالوا: ما ترونه يريد بما قال، قالوا: نظنه يريد ان يصالح معاويه، ويكل الامر اليه، كفر واللّه الرجل! ثم شدوا على فسطاطه فانتهبوه حتى اخذوا مصلاه من تحته، ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبداللّه بن جعال الازدى فنزع مطرفه عن عاتقه، فبقى جالسا متقلدا سيفا بغير رداء، فدعا بفرسه فركبه.... فلما مر فى مظلم ساباط، ىىىىقام اليه رجل من بنى اسد، فاخذ بلجام فرسه، وقال: اللّه اكبر، يا حسن، اشرك ابوك، ثم اشركت انت. وطعنه بالمعول، فوقعت فى فخذه، فشقه حتى بلغت اربيته،... وحمل الحسن(ع)، على سرير الى المدائن...) (35). هكذا كانت الصوره، وهى لا تحتاج الى مزيد من الايضاح والتعليق، معاول الفتنه والهدم تضرب جسد الامه من كل جانب. الامراض الفكريه والاخلاقيه تنهش فيها وقد اجتمع الدعاه الى دوله القرده والخنازير على كلمه سواء، هى هدم دوله ائمه الحق من آل محمد بكل ما لديهم من وسائل الاقناع والتشويه والتمويه والاغراء والاغتيال والفساد. والان لا مفر من هدنه، والصراع سيمتد قرونا وقرونا ولم يات بعد اوان حسم الصراع، والمهمه العاجله امام ائمه الحق من آل محمد فى هذه اللحظه هى امامه الخط الالهى الربانى داخل جسد الامه والحفاظ على من يمثلون هذه الرويه لينقلوها الى من بعدهم، لا اهلاكهم فى جوله صراع معلومه النتائج سلفا. |
2014/10/21, 11:32 PM | #3 |
معلومات إضافية
|
2-الدعوه الى نصره سبطه الحسين
روى الحنفى القندوزى، فى ينابيع الموده، فى المشكاه، عن ام الفضل بنت الحارث، امراه العباس رضى اللّه عنهما: (انها دخلت على رسول اللّه(ص)، فقالت: يا رسول اللّه، انى رايت حلما منكرا الليله، قال: ما هو؟ قالت: رايت كان قطعه من جسدك المبارك قطعت ووضعت فى حجرى. فقال عليه السلام: رايت خيرا، تلد فاطمه، ان شاء اللّه تعالى، غلاما يكون فى حجرك. قالت: فولدت فاطمه الحسين فكان فى حجرى فارضعته بلبن قثم، فدخلت يوما على النبى(ص)، فوضعته فى حجره، ثم حانت منى التفاته، فاذا عينا رسول اللّه(ص)، تهريقان الدموع، فقلت: يا رسول اللّه، بابى وامى، مالك؟، قال: اتانى جبرائيل فاخبرنى ان امتى ستقتل ابنى هذا، فقلت: هذا؟، قال: نعم، واتانى بتربه حمراء) (5)رواه البيهقى. وفى الاصابه(انس بن الحارث) قال البخارى فى تاريخه: (سمعت رسول اللّه(ص)، يقول: ان ابنى هذا يعنى الحسين يقتل بارض يقال لها كربلاء، فمن شهد ذلك منكم فلينصره، قال: فخرج انس بن الحارث الى كربلاء، فقتل بها مع الحسين(ع)،). (6) وفى الصواعق المحرقه، لابن حجر الهيثمى، اخرج ابن سعد والطبرانى عن عائشه ان النبى(ص) قال: (اخبرنى جبرائيل ان ابنى الحسين يقتل، بعدى، بارض الطف، وجاءنى بهذه التربه واخبرنى ان فيها مضجعه). (7) اخرج البغوى، فى معجمه من حديث انس ان النبى(ص)، قال: (استاذن ملك القطر ربه ان يزورنى فاذن له وكان فى يوم ام سلمه، فقال رسول اللّه(ص): يا ام سلمه احفظى علينا الباب لا يدخل احد، فبينا على الباب اذ دخل الحسين، فاقتحم فوثب على رسول اللّه(ص)، فجعل رسول اللّه يلثمه ويقبله، فقال له الملك: اتحبه؟ قال: نعم، قال: ان امتك ستقتله وان شئت اريك المكان الذى يقتل به، فاراه، فجاء بسهله او تراب احمر فاخذته ام سلمه فجعلته فى ثوبها. قال ثابت: كنا نقول انها كربلاء. وفى روايه الملا، وابن احمد فى زياده المسند، قالت: ثم ناولنى كفا من تراب احمر، وقال: ان هذا من تربه الارض التى يقتل بها، فمتى صار دما فاعلمى انه قد قتل، قالت ام سلمه: فوضعته فى قاروره عندى، وكنت اقول: ان يوما يتحول فيه دما ليوم عظيم، وفى روايه عنها، فاصبته يوم قتل الحسين وقد صار دما). (8) 3-محاوله اغتيال فاشله تعيين جماعه المنافقين اورد ابن كثير، فى تفسيره، نقلا عن البيهقى فى (دلائل النبوه)، عن حذيفه بن اليمان قال: (كنت آخذا بخطام ناقه رسول اللّه(ص)، اقود به وعمار يسوق الناقه او انا اسوقه وعمار يقوده، حتى اذا كنا بالعقبه، فاذا انا باثنى عشر راكبا قد اعترضوه فيها، قال: فانبهت رسول اللّه(ص)، بهم، وصرخ بهم فولوا مدبرين، فقال لنا رسول اللّه: هل عرفتم القوم؟، قلنا: لا يا رسول اللّه، قد كانوا ملثمين، ولكنا عرفنا الركاب، قال: هولاء المنافقون الى يوم القيامه، وهل تدرون ما ارادوا؟، قلنا: لا، قال: ارادوا ان يزاحموا رسول اللّه(ص) فيلقوه منها، قلنا: يا رسول اللّه، افلا نبعث الى عشائرهم حتى يبعث اليك كل قوم براس صاحبهم؟، قال: لا، اكره ان تتحدث العرب بينها ان محمدا قاتل بقوم حتى اذا اظهره اللّه بهم، اقبل عليهم يقتلهم، ثم قال: اللهم ارمهم بالدبيله، قلنا يا رسول اللّه وما الدبيله؟ قال: شهاب من نار يقع على نياط قلب احدهم فيهلك). (9) وروى الامام احمد الروايه نفسها، وهى وارده فى تفسير قوله تعالى، فى الايه (74) من سوره التوبه: (يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمه الكفر وكفروا بعد اسلامهم وهموا بما لم ينالوا). (10) كما روى ابن كثير، ايضا، فى الموضع نفسه، نقلا عن صحيح مسلم، عن عمار بن ياسر، عن حذيفه، عن رسول اللّه(ص)، انه قال: (فى اصحابى اثنا عشر منافقا، لا يدخلون الجنه ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل فى سم الخياط.. ولهذا كان حذيفه يقال له صاحب السر الذى لا يعلمه غيره، اى تعيين جماعه المنافقين). (11) حدثت هذه الحادثه الخطيره، فى تاريخ الاسلام، فى اثناء غزوه تبوك فى رجب، من العام التاسع للهجره، ولم تذكر فى كتب السيره او غيرها، تحت عناوين رئيسيه، وانما تحت عناوين فرعيه، على الرغم من ثبوتها بنص القرآن ووقوعها ضمن احداث غزوه تبوك، حيث اشراب النفاق واطلع راسه من منبته، وورودها فى سوره التوبه التى تسمى، ايضا، (الفاضحه)، لانها فضحت المنافقين وعرتهم. اما خطورتها فتكمن فى ان الذين راوا فى شخص الرسول الاكرم عائقا امام تحقيق اهدافهم لا بد انهم وضعوا هدفا كبيرا تهون من اجل تحقيقه كل الجرائم، حتى ولو كانت قتل الرسول الاكرم(ص)، او الحسين بن على(ع)، او استباحه المدينه، او هدم الكعبه، كما حدث بعد ذلك بالفعل. الفصل الاول ابناء الشجره الملعونه رواد الفتنه فى الاسلام شهدت (صفين)، وهى مكان يقع بالقرب من شاطىء الفرات بين الشام والعراق. (واقعه صفين)، التى دارت بين جيش الامام على الذى يمثل القياده الشرعيه للامه الاسلاميه وبين جيش القاسطين الظالمين، بقياده معاويه بن آكله الاكباد ووزيره الاول عمرو بن العاص. توشك النبوءه ان تتحقق، يوشك من حذر رسول اللّه(ص)، منهم ان يتسنموا منبره. الصراع محتدم بين قيم الاسلام المحمدى الاصيل، كما يمثله امام الحق على بن ابى طالب(ع) والفئه الباغيه بقياده ابن آكله الاكباد ووزيره الاول ابن النابغه. وسنعرض نماذج متقابله لخطاب كل فريق من الفريقين ولسلوكه، ثم نرى النهايه الفاجعه لهذا الصراع، او نهايه البدايه لفجر الاسلام المضىء، على يد هذه العصابه، وهو عين ما حاولوه يوم عقبه تبوك، فلم يحالفهم التوفيق. 1-خطاب رواد الفتنه، الخارجين على القياده الشرعيه رفع معاويه بن ابى سفيان شعار الثار لعثمان بن عفان، فهل كان ابن آكله الاكباد ووزيره الاول صادقين فى دعواهما؟ فلنقرا سويا فى صفحات التاريخ. روى ابن جرير الطبرى، فى تاريخه: (لما قتل عثمان قدم النعمان بن بشير على اهل الشام بقميص عثمان ووضع معاويه القميص على المنبر، وكتب بالخبر الى الاجناد، وثاب اليه الناس، وبكوا سنه وهو على المنبر والاصابع معلقه فيه (اصابع نائله زوجه عثمان) وآلى الرجال من اهل الشام الا ياتوا النساء ولا يناموا على الفرش حتى يقتلوا قتله عثمان، ومن عرض دونهم بشىء او تفنى ارواحهم، فمكثوا حول القميص سنه، والقميص يوضع كل يوم على المنبر ويجلله احيانا فيلبسه، وعلق فى اردانه اصابع نائله). (ثم مضى معاويه ينشر فى الناس ان عليا(ع) قتل عثمان) (12). كان هذا هو الشعار المعلن، فهل كان هذا الشعار يمثل الحقيقه؟، فلنقرا اولا فى تاريخ عمرو بن العاص. ا- الشعار المعلن وحقيقته: الاستحواذ على السلطان وروى الطبرى، ايضا: (لما بلغ عمرا قتل عثمان، رضى اللّه عنه، قال: انا ابو عبداللّه قتلته «يعنى عثمان» وانا بوادى السباع، من يلى هذا الامر من بعده؟ ان يله طلحه فهو فتى العرب سيبا، وان يله ابن ابى طالب فلا اراه الا سيستنطق الحق وهو اكره من يليه الى. قال: فبلغه ان عليا قد بويع له، فاشتد عليه وتربص اياما ينظر ما يصنع الناس، فبلغه مسير طلحه والزبير وعائشه، وقال استانى وانظر ما يصنعون، فاتاه الخبر ان طلحه والزبير قد قتلا، فارتج عليه امره فقال له قائل: ان معاويه بالشام لا يريد ان يبايع لعلى، فلو قاربت معاويه، فكان معاويه احب اليه من على بن ابى طالب. وقيل له: ان معاويه يعظم شان قتل عثمان بن عفان ويحرض على الطلب بدمه، فقال عمرو: ادعوا لى محمدا وعبداللّه فدعيا له، فقال: قد كان ما قد بلغكما من قتل عثمان رضى اللّه عنه وبيعه الناس لعلى وما يرصد معاويه من محالفه على، وقال: ما تريان؟ اما على فلا خير عنده وهو رجل يدل بسابقته، وهو غير مشركى فى شىء من امره، فقال عبداللّه بن عمرو:... ارى ان تكف يدك وتجلس فى بيتك حتى يجتمع الناس على امام فتبايعه، وقال محمد بن عمرو: انت ناب من انياب العرب، فلا ارى ان يجتمع هذا الامر وليس لك فيه صوت ولا ذكر، قال عمرو: اما انت، يا عبداللّه، فامرتنى بالذى هو خير لى فى آخرتى واسلم فى دينى، واما انت، يا محمد، فامرتنى بالذى هو انبه لى فى دنياى وشر لى فى آخرتى. ثم خرج عمرو بن العاص، ومعه ابناه، حتى قدم على معاويه، فوجد اهل الشام يحضون معاويه على الطلب بدم عثمان. فقال عمرو بن العاص: انتم على الحق، اطلبوا بدم الخليفه المظلوم، ومعاويه لا يلتفت الى قول عمرو. فقال ابنا عمرو لعمرو: الا ترى الى معاويه لا يلتفت الى قولك، انصرف الى غيره، فدخل عمرو على معاويه فقال: واللّه لعجب لك انى ارفدك بما ارفدك وانت معرض عنى، اما واللّه ان قاتلنا معك نطلب بدم الخليفه، ان فى النفس من ذلك ما فيها حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته، ولكنا انما اردنا هذه الدنيا، فصالحه معاويه وعطف عليه). (13) هذا هو حال الوزير الاول، فهو نفسه ممن البوا على عثمان وهو القائل: (انا ابو عبداللّه، قتلته وانا بوادى السباع)، وهو المقر بان انضمامه لابن آكله الاكباد انما هو من اجل الدنيا). اما معاويه، صاحب القميص الذى صار مضربا للمثل على الادعاءات الكاذبه، فنورد فقره من خطبته التى استهل بها عهده المشووم. روى ابو الفرج الاصفهانى فى مقاتل الطالبيين: (لما انتهى الامر لمعاويه، وسار حتى نزل النخيله وجمع الناس بها فخطبهم قبل ان يدخل الكوفه خطبه طويله). واورد بعض مقاطعها ومنها: (ما اختلفت امه بعد نبيها الا ظهر اهل باطلها على اهل حقها.. فندم فقال: الا هذه الامه فانها وانها...) (الا ان كل شىء اعطيته الحسن بن على تحت قدمى هاتين لا افى به). (انى واللّه ما قاتلتكم لتصلوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجوا، ولا لتزكوا، انكم لتفعلون ذلك. وانما قاتلتكم لاتامر عليكم، وقد اعطانى اللّه ذلك وانتم كارهون). (14) هل كان ابن آكله الاكباد ووزيره الاول عمرو بن العاص يطالبان بدم عثمان او ان السلطه كانت هدفا لهما؟ وهل يبقى شك، بعد قراءتنا خطاب كل منهما فى طبيعه الادعاءات المرفوعه من قبل الفئه الباغيه والصوره الحقيقيه لحركه الرده التى ما كان لها ان تحقق هدفها لولا تخاذل بعض المسلمين ووهن بعضهم الاخر. كانت هذه هى الاهداف الحقيقيه: (الاستحواذ على السلطه) و (اذلال المومنين)، وهى تختلف عن الاهداف الدعائيه: (الثار من قتله عثمان). ب - وسائل التامر على الناس اما عن الوسائل التى اتبعها ابن آكله الاكباد من اجل تحقيق غاياته الشيطانيه (وهى اقامه حكومه من بدوا فى رويا رسول اللّه(ص) (قرده)، فى مواجهه حكومه العدل الالهيه) فهى فى المستوى نفسه، ومن نماذجها نذكر: اولا: الرشوه والاغراء بالمناصب واليك النموذج الاتى: حاول معاويه رشوه قيس بن سعد بن عباده، والى الامام على على مصر. فكتب له: (... فان استطعت، يا قيس، ان تكون ممن يطلب بدم عثمان فافعل. تابعنا على امرنا ولك سلطان العراقين، اذا ظهرت ما بقيت، ولمن احببت من اهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لى سلطانى. وسلنى غير هذا مما تحب فانك لا تسالنى شيئا الا اوتيته) (15). اما رد قيس بن سعد بن عباده، رضوان اللّه عليه، على ابن آكله الاكباد فكان ردا مخرسا فقد كتب اليه: (بسم اللّه الرحمن الرحيم، من قيس بن سعد الى معاويه بن ابى سفيان. اما بعد، فان العجب من اغترارك بى وطمعك فى، واستسقاطك رايى، اتسومنى الخروج من طاعه اولى الناس بالامره واقولهم للحق واهداهم سبيلا واقربهم من رسول اللّه(ص)، وتامرنى بالدخول فى طاعتك، طاعه ابعد الناس من هذا الامر، واقولهم للزور واضلهم سبيلا، وابعدهم من اللّه عز وجل ورسوله(ص)، وسيله، ولد ضالين مضلين، طاغوت من طواغيت ابليس. واما قولك انى مالىء عليك مصر خيلا ورجلا، فواللّه ان لم اشغلك بنفسك حتى تكون نفسك اهم اليك، انك لذو جد، والسلام) (16). ثانيا: الاغتيال السياسى جاء فى تاريخ الطبرى: (فبعث على الاشتر اميرا الى مصر حتى اذا صار بالقلزم، شرب شربه عسل كان فيها حتفه، فبلغ حديثهم معاويه وعمرا، فقال عمرو: ان للّه جنودا من عسل) (17). ثالثا: الاختلاق والخداع جاء فى تاريخ الطبرى: (ولما ايس معاويه من قيس ان يتابعه على امره، شق عليه ذلك لما يعرف من حزمه وباسه، واظهر للناس قبله ان قيس بن سعد قد تابعهم فادعوا اللّه وقرا عليهم كتابه الذى لان له فيه وقاربه. قال: واختلق معاويه كتابا من قيس، فقراه على اهل الشام) (18). رابعا: الاغاره على المدنيين وقتل النساء والاطفال ذكر ابن جرير الطبرى فى تاريخه: 1- (وجه معاويه، فى هذا العام، سفيان بن عوف فى سته آلاف رجل وامره ان ياتى (هيت)، فيقطعها، وان يغير عليها ثم يمضى حتى ياتى الانبار والمدائن فيوقع باهلها) (19). 2 - (وجه معاويه عبداللّه بن مسعده الفزارى فى الف وسبعمائه رجل الى تيماء، وامره ان يصدق (ياخذ صدقه المال) من مر به من اهل البوادى، وان يقتل من امتنع من اعطائه صدقه ماله. ثم ياتى مكه والمدينه والحجاز ويفعل ذلك) (20). 3 - وجه معاويه الضحاك بن قيس، وامره ان يمر باسفل واقصه، وان يغير على كل من مر به ممن هو فى طاعه على من الاعراب، ووجه معه ثلاثه آلاف رجل فسار، فاخذ اموال الناس وقتل من لقى من الاعراب، ومر بالثعلبيه فاغار على مسالح على، واخذ امتعتهم ومضى حتى انتهى الى القطقطانه فاتى عمرو بن عميس بن مسعود، وكان فى خيل لعلى وامامه اهله وهو يريد الحج، فاغار على من كان معه وحبسه عن المسير، فلما بلغ ذلك عليا سرح حجر بن عدى الكندى فى اربعه آلاف واعطاهم خمسين خمسين، فلحق الضحاك بتدمر فقتل منهم تسعه عشر رجلا، وقتل من اصحابه رجلان وحال بينهم الليل فهرب الضحاك واصحابه ورجع حجر ومن معه (21). 4- فى عام 40ه، ارسل معاويه بن ابى سفيان بسر بن ابى ارطاه فى ثلاثه آلاف من المقاتله الى الحجاز حتى قدموا المدينه، وعامل على على المدينه يومئذ ابو ايوب الانصارى، ففر منهم ابو ايوب، واتى بسر المدينه فصعد المنبر وقال: يا اهل المدينه، واللّه لولا ما عهد الى معاويه ما تركت بها محتلما الا قتلته. ثم مضى بسر الى اليمن وكان عليها عبيداللّه بن عباس عاملا لعلى، فلما بلغه مسيره فر الى الكوفه حتى اتى عليا، واستخلف عبداللّه بن عبد المدان الحارثى على اليمن، فاتاه بسر فقتله وقتل ابنه، ولقى بسر ثقل عبيداللّه بن عباس وفيه ابنان له صغيران فذبحهما، وقد قال بعض الناس انه وجد ابنى عبيداللّه بن عباس عند رجل من بنى كنانه من اهل الباديه، فلما اراد قتلهما قال الكنانى: علام تقتل هذين ولا ذنب لهما؟ فان كنت قاتلهما فاقتلنى، قال: افعل، فبدا بالكنانى فقتله ثم قتلهما، وقتل فى مسيره ذلك جماعه كثيره من شيعه على باليمن. ولما ارسل على جاريه بن قداحه فى طلبه هرب) (22). تلك هى لمحات من اهداف الدوله الامويه وملامحها واساليبها فى الوصول الى هذه الاهداف. لا فارق بين معاويه وصدام حسين وهتلر. الغايه، عند كل هولاء، تبرر الوسيله، بل ونزعم ان ابن آكله الاكباد، على قرب عهده بالنبوه، اشد وزرا من صدام حسين الذى قتل النساء والاطفال واستخدم السلاح الكيماوى فى قتل الابرياء، فصدام حسين لم ير رسول اللّه(ص)، ولا سمع منه ولا ادعى له بعض المورخين انه كان كاتبا للوحى، الى آخر هذه الادعاءات التى يمزج فيها الحق بالباطل. 2-خطاب قياده الامه الشرعيه: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه، ويكون الدين للّه) على الجانب الاخر كان معسكر الحق، معسكر القياده الشرعيه للامه الاسلاميه، قياده اهل البيت، ورمزها يومئذ امير المومنين على بن ابى طالب(ع)،3، يجاهد للحفاظ على الاسلام نقيا صافيا. وكان هذا هو الهدف الحقيقى الذى تهون من اجله كل التضحيات. كان الامام على(ع) ومن حوله كوكبه المومنين الخلص من اصحاب النبى محمد(ص). روى ابن ابى الحديد، فى شرح نهج البلاغه، نقلا عن (كتاب صفين) لنصر بن مزاحم: (خطب على(ع)، فى صفين، فحمد اللّه واثنى عليه، وقال: اما بعد، فان الخيلاء من التجبر، وان النخوه من التكبر، وان الشيطان عدو حاضر، يعدكم الباطل. الا ان المسلم اخو المسلم فلا تنابذوا ولا تجادلوا، الا ان شرائع الدين واحده، وسبله قاصده، من اخذ بها لحق، ومن فارقها محق، ومن تركها مرق، ليس المسلم بالخائن اذا ائتمن، ولا بالمخلف اذا وعد، ولا بالكذاب اذا نطق. نحن اهل بيت الرحمه، وقولنا الصدق، وفعلنا الفضل، ومنا خاتم النبيين، وفينا قاده الاسلام، وفينا حمله الكتاب. الا انا ندعوكم الى اللّه ورسوله، والى جهاد عدوه والشده فى امره، وابتغاء مرضاته، واقام الصلاه، وايتاء الزكاه، وحج البيت، وصيام شهر رمضان، وتوفير الفىء على اهله. الا وان من اعجب العجائب ان معاويه بن ابى سفيان الاموى وعمرو بن العاص السهمى، يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما، ولقد علمتم انى لم اخالف رسول اللّه(ص)، قط، ولم اعصه فى امر، اقيه بنفسى فى المواطن التى ينكص فيها الابطال، وترعد فيها الفرائص، بنجده اكرمنى اللّه سبحانه بها، وله الحمد. ولقد قبض رسول اللّه(ص) وان راسه لفى حجرى، ولقد وليت غسله بيدى وحدى، تقلبه الملائكه المقربون معى. وايم اللّه ما اختلفت امه قط، بعد نبيها، الا ظهر اهل باطلها على اهل حقها الا ما شاء اللّه) (23). ولا باس، ايضا، ان ننتقل الى معسكر الافك والباطل لنسمع ذلك الحوار العجيب الذى رواه نصر بن مزاحم، ونقله عنه ابن ابى الحديد قال: (طلب معاويه الى عمرو بن العاص ان يسوى صفوف اهل الشام، فقال له عمرو: على ان لى حكمى ان قتل اللّه ابن ابى طالب، واستوثقت لك البلاد، فقال: اليس حكمك فى مصر؟ قال: وهل مصر تكون عوضا عن الجنه، وقتل ابن ابى طالب ثمنا لعذاب النار الذى (لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون) «الدخان/75»، فقال معاويه: ان لك حكمك، ابا عبداللّه، ان قتل ابن ابى طالب، رويدا لا يسمع اهل الشام كلامك. فقام عمرو، فقال: معاشر اهل الشام سووا صفوفكم قص الشارب، واعيرونا جماجمكم ساعه، فقد بلغ الحق مقطعه، فلم يبق الا ظالم او مظلوم) (24). ونعود الى معسكر الحق، لنسمع الكلمات المضيئه لابى الهيثم بن التيهان وكان من اصحاب رسول اللّه(ص)، بدريا نقيبا عقبيا يسوى صفوف اهل العراق، ويقول: (يا معشر اهل العراق، انه ليس بينكم وبين الفتح فى العاجل، والجنه فى الاجل، الا ساعه من النهار، فارسوا اقدامكم وسووا صفوفكم، واعيروا ربكم جماجمكم، واستعينوا باللّه الهكم، وجاهدوا عدو اللّه وعدوكم، واقتلوهم قتلهم اللّه وابادهم، واصبروا فان الارض للّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبه للمتقين) (25). اما عن مواقف عمار بن ياسر، رضوان اللّه عليه، فى صف الامام، فهى فى المكانه العليا، ويمكن ان نتبينها من خلال هذه الروايه: (عن اسماء بن حكيم الفزارى، قال: كنا بصفين مع على، تحت رايه عمار بن ياسر، ارتفاع الضحى، وقد استظللنا برداء احمر، اذ اقبل رجل يستقرى الصف حتى انتهى الينا، فقال: ايكم عمار بن ياسر؟ فقال عمار: انا عمار، قال: ابو اليقظان؟ قال: نعم، قال: ان لى اليك حاجه افانطق بها سرا او علانيه؟، قال: اختر لنفسك ايهما شئت، قال: لا بل علانيه، قال: فانطق، قال: انى خرجت من اهلى مستبصرا فى الحق الذى نحن عليه، لا اشك فى ضلاله هولاء القوم، وانهم على الباطل، فلم ازل على ذلك مستبصرا، حتى ليلتى هذه، فانى رايت فى منامى مناديا تقدم، فاذن وشهد ان لا اله الا اللّه وان محمدا رسول اللّه(ص)، ونادى بالصلاه، ونادى مناديهم مثل ذلك، ثم اقيمت الصلاه، فصلينا صلاه واحده، وتلونا كتابا واحدا، ودعونا دعوه واحده، فادركنى الشك فى ليلتى هذه، فبت بليله لا يعلمها الا اللّه، حتى اصبحت، فاتيت امير المومنين، فذكرت ذلك له فقال: هل لقيت عمار بن ياسر؟، قلت: لا، قال: فالقه، فانظر ما يقول لك عمار فاتبعه، فجئتك لذلك. فقال عمار: تعرف صاحب الرايه السوداء المقابله لى، فانها رايه عمرو بن العاص، قاتلتها مع رسول اللّه(ص)، ثلاث مرات وهذه الرابعه فما هى بخيرهن ولا ابرهن، بل هى شرهن وافجرهن، اشهدت بدرا واحدا ويوم حنين، اوشهدها اب لك فيخبرك عنها؟، قال: لا، قال: فان مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول اللّه(ص)، يوم بدر ويوم احد ويوم حنين، وان مراكز رايات هولاء على مراكز رايات المشركين من الاحزاب، فهل ترى هذا العسكر ىىىىومن فيه؟ واللّه لوددت ان جميع من فيه ممن اقبل مع معاويه يريد قتالنا، مفارقا للذى نحن عليه كانوا خلقا واحدا، فقطعته وذبحته، واللّه لدماوهم جميعا احل من دم عصفور، افترى دم عصفور حراما؟، قال: لا بل حلال، قال: فانهم حلال كذلك، اترانى بينت لك؟، قال: قد بينت لى، قال: فاختر اى ذلك احببت. فانصرف الرجل، فدعاه عمار ثم قال: اما انهم سيضربونكم باسيافكم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولوا: لو لم يكونوا على حق ما ظهروا علينا، واللّه ما هم من الحق ما يقذى عين ذباب، واللّه لو ضربونا باسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر، لعلمنا انا على حق وانهم على باطل) (26). وعمار، اذ يقف هذا الموقف، انما يصغى الى صوت اللّه تعالى يدعوه: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه ويكون الدين للّه..) «البقره/193». 3-مفهوم الفتنه، والعجز عن الوقوف مع الحق قال تعالى: (ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتنى الا فى الفتنه سقطوا) «التوبه/49». جرت على السنه بعض الباحثين، قديما وحديثا، مقوله ان هذه الاحداث، كانت فتنه لا يدرى المرء فيها وجه الخطا من الصواب او الحق من الباطل، وكلمه (الفتنه)، هنا، بمعنى انعدام القدره على التمييز. وهذه الحاله، اى انعدام القدره على التمييز، قد تكون نابعه من قدره الشخص نفسه وضميره ومعارفه، او من الظروف الملتبسه بالاحداث كان تكون احداثا ومعارك لا تعرف الهويه الحقيقيه لابطالها ولا تاريخهم الشخصى او تاريخهم العام، ولا يمكن معرفه تسلسل الوقائع التى قادت الى هذه اللحظه. واعتقد ان هذا الكلام لا ينطبق بحال على هذه الكارثه الفاجعه، او على مجموعه الكوارث التى حلت بامه محمد(ص)، فلا يبقى الا ان نقول ان عدم وضوح الرويه انما هو نابع من الحاله الشخصيه والنفسيه لبعض الاشخاص الذين عجزت نفوسهم وهممهم عن ملاحقه تيار الحق الصامد بقياده امير المومنين على(ع)، فاختاروا موقفا يكون شعاره (ولا تفتنى) وحقيقته كما قال سبحانه وتعالى: (الا فى الفتنه سقطوا). لم تكن الكارثه الفاجعه التى لحقت بالامه الاسلاميه، فى هذه المرحله من بدايات تاريخها، هينه ولا سهله فقد كانت كارثه انشقاق اولا ثم كارثه ضلال واضلال ثانيا، وقد مارسها ائمه الفتنه والضلال من بنى اميه، اضافه الى ان حادثه الانقسام لم تحدث فى فراغ، وانما شقت معها جسد الامه الوليد الذى لم يكن قد بلغ بعد مرحله النضج، ولا هى جرت فى هدوء وصمت، وانما صاحبها ضجيج وصخب ادى الى التشويش على امام الحق على(ع)، ما ادى الى حاله من الارتياب اصابت الجميع، وليس ادل على هذا من ذلك الرجل التائه الذى راى الفريقين يصلون ويقروون قرآنا واحدا، فاصابته هزه شديده فذهب يسال الامام(ع)، فاحاله على عمار، رضوان اللّه عليه، الذى اجابه اجابه العارف الخبير الذى لا يخدع. ولكن من اين للامه بمثل عمار او مالك الاشتر او ابو الهيثمى التيهان، هولاء الخلص من اصحاب محمد(ص)، الذين صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه وعملوا بوصيته الخالده: (من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه). 4-التحكيم: خديعه الذين جعلوا القرآن عضين وتلبس ابليس (الذين جعلوا القرآن عضين) قال تعالى: (كما انزلنا على المقتسمين× الذين جعلوا القرآن عضين) «الحجر/90-91». الفتنه تبلغ مداها، والهزيمه على وشك ان تحل بجيش الرده الاموى، يتفتق ذهن الوزير الاول عن مكيده يكيد بها الامه ويشق صفها ويذهب ريحها، وبهذا يتحقق له من داخل الصف المسلم ما فشل فى تحقيقه، طوال قرابه عشرين عاما، من المواجهه المسلحه مع الرسول الاكرم(ص)، قبيل ادعائه الاسلام. ولنرجع الى تاريخ الطبرى. (لما راى عمرو بن العاص ان امر اهل العراق قد اشتد وخاف الهلاك، قال لمعاويه: هل لك فى امر اعرضه عليك لا يزيدنا الا اجتماعا ولا يزيدهم الا فرقه؟، قال: نعم. قال: نرفع المصاحف ثم نقول ما فيها حكم بيننا وبينكم، فان ابى بعضهم وجدت فيهم من يقول: بلى ينبغى ان نقبل، فتكون فرقه تقع بينهم، وان قالوا: بلى نقبل ما فيها، رفعنا هذا القتال عنا وهذه الحرب الى اجل وحين. فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا: هذا كتاب اللّه عز وجل بيننا وبينكم، من لثغور اهل الشام بعد اهل الشام؟ ومن لثغور اهل العراق بعد اهل العراق؟ فلما راى الناس المصاحف قد رفعت قالوا: نجيب الى كتاب اللّه عز وجل وننيب اليه) (27). وهنا لا بد لنا من وقفه مع قضيه التحكيم، رغم كونها ليست قضيه اساسيه فى هذا البحث، وانما نعرض لها فى اطار بحث رويه الامويين للاسلام وحقيقه موقفهم من كتاب اللّه، عز وجل، وما ورد فيه من احكام ومن ثم طبيعه دولتهم التى قامت بعد هذا من خلال هذه الرويه. ثم نعرض موقف ائمه الحق من آل محمد، عليهم السلام، من هذه الدوله من خلال ثوره الامام الشهيد الحسين(ع)،. فها هو عمرو بن العاص يعلن الغرض الحقيقى لطلاب التحكيم، فيقول: ان عرض التحاكم لكتاب اللّه عز وجل امر يراد به تفريق الصف المسلم، او الكيان الشرعى للامه المتجمع خلف امام الامه على بن ابى طالب(ع)، وزياده توحد الفئه الباغيه او حزب الشيطان، فماذا بعد الحق الا الضلال؟ ترى كيف كان موقف ابى جهل او ابى سفيان، من ائمه الكفر والضلال، من وحده الصف المسلم ومن القياده الشرعيه للامه؟ هل كان اى من هولاء يحلم بان يحقق ما حققه معاويه وعمرو؟ ولكن هذه المره يحاربون الاسلام بالسلاح نفسه الذى انتصر به على معسكر الشرك فى الجوله الاولى، ولكن هذه المره بعد ان جعله ابن ابى سفيان وابن العاص (عضين)، اى مزقا وهزوا. ثم نرى ونسمع، بعد ذلك، من يحاول ويزعم ويدعى ان الدوله الامويه كانت تمثل امتدادا للشرعيه التى جاء بها رسول اللّه(ص). او يقول قائل: ان الحسين(ع) قتل بسيف جده رسول اللّه(ص)، هل كان الرسول على الباطل؟! وهل جاء الرسول بقرآن يتخذه معبرا ليجلس على اجساد المسلمين وينعم باموالهم؟! ام انه(ص) كان كما قال عنه ربنا عز وجل: (لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمومنين رووف رحيم) «التوبه/128» وقوله تعالى: (هو الذى بعث فى الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمه) «الجمعه/2». ونعود الى تاريخ الطبرى لنسمع رد الامام على(ع)، على هذا العرض المخادع، فلو كان القوم اصحاب ديانه حقا فلماذا لم يدخلوا فى طاعه امام الحق؟! ولماذا استباحوا قتال من لا يحل قتاله من النساء والاطفال ولو كانوا مشركين؟!، فاى مصداقيه لطلبهم التحاكم الى كتاب اللّه؟ فكان رده(ع): (عباد اللّه، امضوا على حقكم وصدقكم وقتال عدوكم، فان معاويه وعمرو بن العاص وابن ابى معيط وحبيب بن مسلمه وابن ابى سرح والضحاك بن قيس ليسوا باصحاب دين ولا قرآن، انا اعرف بهم منكم، قد صحبتهم اطفالا وصحبتهم رجالا فكانوا شر اطفال وشر رجال، ويحكم انهم ما رفعوها ثم لا يرفعونها ولا يعلمون بما فيها. وما رفعوها لكم الا خديعه ودهنا ومكيده، فقالوا له: ما يسعنا ان ندعى الى كتاب اللّه عز وجل فنابى ان نقبله، فقال لهم: فانى انما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب، فانهم قد عصوا اللّه عز وجل ونسوا عهده ونبذوا كتابه) (28). وهكذا وقعت الكارثه والفتنه، حيث امتنعت الرويه الصائبه على اكثر المسلمين وصار الناس فى حيره، وصدق اللّه عز وجل: (مثلهم كمثل الذى استوقد نارا فلما اضاءت ما حوله ذهب اللّه بنورهم وتركهم فى ظلمات لا يبصرون) «البقره/17»، واى ظلمه اشد من العجز عن ادراك الطريق، صراط اللّه المستقيم ونهج الرسول وائمه الحق. اسباب قبول التحكم لا بد لنا من تامل هذه المرحله المفصليه فى تاريخ الامه، فنسال: لماذا قبل الامام على(ع)، التحكيم فى نهايه المطاف؟، ولماذا لم يصر على مواصله القتال حتى القضاء على راس الافعى الامويه؟ فاذا قيل: ان الناس خذلوه، قالوا: اليس هولاء هم الشيعه الذين خذلوا الحسين(ع) بعد ذلك؟! لا سبيل امامنا سوى مواصله قراءه النص التاريخى حتى تتضح الحقيقه لكل ذى عينين. ينقل لنا ابن ابى الحديد، عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم، قال: (انه لما كان يوم الثلاثاء، عاشر شهر ربيع الاول، سنه سبع وثلاثين، زحف امير المومنين على(ع) بجيشه، وخرج رجل من اهل الشام فنادى بين الصفين: يا ابا الحسن ابرز الى، فخرج اليه على عليه السلام فقال: ان لك يا على لقدما فى الاسلام والهجره، فهل لك فى امر اعرضه عليك، يكون فيه حقن هذه الدماء؟، قال: وما هو؟، قال: ترجع الى عراقك فنخلى بينك وبين العراق، ونرجع نحن الى شامنا فتخلى بيننا وبين الشام، فقال على(ع): قد عرفت ما عرضت، ان هذه لنصيحه وشفقه، ولقد اهمنى هذا الامر واسهرنى، وضربت انفه وعينه فلم اجد الا القتال او الكفر بما انزل اللّه على محمد. ان اللّه، تعالى ذكره، لم يرض من اوليائه ان يعصى فى الارض، وهم سكوت مذعنون، لا يامرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر، فوجدت القتال اهون على من معالجه فى الاغلال فى جهنم، قال: فرجع الرجل وهو يسترجع) (29). امام الامه يتلقى عرضا من مندوب بنى اميه بتقسيم الامه الى قسمين (عراق وشام) هكذا ببساطه شديده، فيكون يومها اسلام عراقى واسلام شامى، واليوم اسلام امريكى، فهل كان بامكانه القبول بهذا العرض المرادف للكفر؟. التهب القتال، ودارت آله الحرب فى ما عرف بليله الهرير، وتشاور ابن آكله الاكباد وابن النابغه حول الورقه الاخيره للخروج من الهزيمه المروعه، فلم يجد الشيطان اجدى ولا انجح من الاستهزاء بكتاب اللّه وادعاء التحاكم اليه، كما صرح هو بذلك. ولما اصبح الصبح، نظر عسكر العراق الى عسكر الشام ليجدوا المصاحف قد ربطت فى اطراف الرماح. (قال ابو جعفر وابو الطفيل: استقبلوا عليا بمئه مصحف، ووضعوا فى كل مجبنه مائتى مصحف فكان جميعها خمسمئه مصحف) (30). كان هذا هو الحال على المستوى السياسى، وسنقرا بعد هذا بعض ردود افعال من كانوا فى صف الامام على(ع)، لنعرف حقيقه هولاء (الشيعه المزعومين). اما على المستوى العسكرى، فيروى نصر بن مزاحم: (وكان الاشتر، صبيحه ليله الهرير، قد اشرف على عسكر معاويه، عندما جاءه رسول الامام على(ع)، ان ائتنى، فقال: ليس هذه بالساعه التى ينبغى لك ان تزيلنى عن موقفى، انى قد رجوت الفتح فلا تعجلنى، فرجع يزيد بن هانىء الى على(ع) فاخبره، فما هو الا ان انتهى الينا حتى ارتفع الرهج وعلت الاصوات من قبل الاشتر، وظهرت دلائل الفتح والنصر لاهل العراق، ودلائل الخذلان والادبار على اهل الشام، فقال القوم لعلى: واللّه ما نراك امرته الا بالقتال! قال: ارايتمونى ساررت رسولى اليه؟ اليس انما كلمته على رووسكم علانيه وانتم تسمعون؟، قالوا: فابعث اليه ان ياتيك، والا فواللّه اعتزلناك! فقال: ويحك يا يزيد قل له: اقبل فان الفتنه قد وقعت، فاتاه فاخبره، فقال الاشتر: ابرفع هذه المصاحف؟ قال: نعم، قال: واللّه الا ترى الى الفتح! الا ترى الى ما يلقون! الا ترى الى الذى يصنع اللّه لنا؟ اينبغى ان ندع هذا وننصرف عنه! قال له يزيد: اتحب انك ظفرت هاهنا وان امير المومنين بمكانه الذى هو فيه يسلم الى عدوه! قال: لا واللّه لا احب ذلك، قال: فافهم قد قالوا له، وحلفوا عليه، لترسلن الى الاشتر فلياتينك او لنقتلنك باسيافنا كما قتلنا عثمان، او لنسلمنك الى عدوك. فاقبل الاشتر حتى انتهى اليهم وقال: يا امير المومنين احمل الصف على الصف تصرع القوم، فتصايحوا: ان امير المومنين قد قبل الحكومه، ورضى بحكم القرآن، فقال الاشتر: ان كان امير المومنين(ع) قد قبل ورضى فقد رضيت، فاقبل الناس يقولون: قد رضى امير المومنين، قد قبل امير المومنين، وهو ساكت لا ينطق بكلمه، مطرق الى الارض. ثم قام فسكت الناس كلهم، فقال: ان امرى لم يزل معكم على ما احب الى ان اخذت منكم الحرب، وقد واللّه اخذت منكم وتركت، واخذت من عدوكم ولم تترك، وانها فيكم انكى وانهك، الا انى كنت امس امير المومنين فاصبحت اليوم مامورا، وكنت ناهيا فاصبحت منهيا، وقد احببتم البقاء وليس لى ان احملكم على ما تكرهون، ثم قعد) (31). هل بعد هذا يقال: ان امير المومنين(ع) كان راضيا؟ وهل كان بامكانه سلام اللّه عليه اجبارهم على النهوض لقتال الظالمين؟ ولو كان اجبار الناس على الاستجابه للامر الالهى من مهام الرسل والانبياء والائمه، فلماذا عاتب القرآن القاعدين عن الجهاد بقوله تعالى:(ياايها الذين آمنوا مالكم اذا قيل لكم انفروا فى سبيل اللّه اثاقلتم الى الارض) «التوبه/38» ولما فر من فر من المسلمين من اصحاب محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم(ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين) «التوبه/25» ولما فروا يوم احد(ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا) «آل عمران/155». وان لم نكن فى صدد تحقيق تاريخ بعض روساء العشائر الذين كانوا مع الامام على، تفصيلا، فاننا نكتفى بان نورد ما قاله الدكتور طه حسين فى كتابه (على وبنوه): (واكبر الظن ان بعض الروساء، من اصحاب على، لم يكونوا يخلصون له نفوسهم ولا قلوبهم، ولم يكونوا ينصحون له، لانهم كانوا اصحاب دنيا لا اصحاب دين، وكانوا يندمون، فى دخائل انفسهم، على تلك الايام الهينه اللينه التى قضوها ايام عثمان ينعمون بالصلات والجوائز والاقطاع. ويجب ان نذكر، ايضا، ان عليا لم ينهض الى الشام باهل الكوفه وبمن تابعه من اهل الحجاز وحدهم، وانما نهض كذلك بالوف من اهل البصره، كان منهم من وفى له يوم الجمل وكان منهم من اعتزل الناس فى ذلك اليوم ايضا، وكان منهم مع ذلك كثير من الذين انهزموا بعد مقتل طلحه والزبير) (32). لم يكن هولاء، اذا، من الشيعه ولا من العارفين بفضل آل بيت محمد عامه والامام على خاصه والا لما هددوا بقتله، او تسليمه الى ابن آكله الاكباد كما اسلفنا. ولسنا نجد ما يصف هولاء ابلغ من كلمات الامام(ع) مخاطبا اياهم: (اما والذى نفسى بيده ليظهرن هولاء القوم عليكم، ليس لانهم اولى بالحق منكم، ولكن لاسراعهم الى باطل صاحبهم، وابطائكم عن حقى، ولقد اصبحت الامم تخاف ظلم رعاتها، واصبحت اخاف ظلم رعيتى. استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، واسمعتكم فلم تسمعوا، ودعوتكم سرا وجهرا فلم تستجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا، اشهود كغياب وعبيد كارباب! اتلوا عليكم الحكم فتنفرون منها، واعظكم بالموعظه البالغه فتتفرقون عنها، واحثكم على جهاد اهل البغى فما آتى على آخر قولى حتى اراكم متفرقين ايادى سبا. ترجعون الى مجالسكم، وتتخادعون عن مواعظكم. اقومكم غدوه وترجعون الى عشيه، كظهر الحنيه عجز المقوم واعضل المقوم. ايها القوم، الشاهده ابدانهم الغائبه عنهم عقولهم، المختلفه اهواوهم المبلى بهم امراوهم، صاحبكم يطيع اللّه وانتم تعصونه، وصاحب اهل الشام يعصى اللّه وهم يطيعونه! لوددت واللّه ان معاويه صارفنى بكم صرف الدينار بالدرهم، فاخذ منى عشره منكم واعطانى رجلا منهم) (33). وهكذا سارت امور هذه الامه المنكوبه، امر الباطل يعلو وامر الحق يهبط، اجتماع على الباطل والدنيا فى معسكر الشام وتفرق عن الحق فى المعسكر المقابل حتى بلغ الكتاب اجله، ففاض الكيل وطف الصاع، حتى قتل الامام(ع)، على يد اشقاها ابن ملجم المرادى. وهكذا غاب عن الحضور ولا نقول عن الوجود شمس هذه الامه بعد رسولها.. الامام على(ع)، اول من اسلم واول من صلى خلف رسول اللّه، صلى اللّه عليه وآله وسلم، وباب مدينه علم رسول اللّه، وهكذا صار المشروع الاموى، قاب قوسين او ادنى من التحقق. هدنه فى صراع يمتد قرونا بويع للامام الحسن(ع)، بالخلافه، بعد استشهاد امير المومنين على(ع)، عام (40هر661م). وقد زاغت الابصار، وبلغت القلوب الحناجر، ولم يعد للقوم صبر ولا رغبه فى قتال القاسطين. احب القوم الحياه ورغبوا فيها، يستوى لديهم ان يكون قائدهم عليا او معاويه، بل لعل معاويه اصلح لدنيا بعض الذين لم يعد لهم الا الحياه الدنيا. امر القائد الجديد جيشه واتباعه بان يستعدوا للقتال فخطبهم قائلا: (اما بعد، فان اللّه كتب الجهاد على خلقه، وسماه كرها، ثم قال لاهل الجهاد من المومنين: اصبروا ان اللّه مع الصابرين. فلستم، ايها الناس نائلين ما تحبون الا بالصبر على ما تكرهون. اخرجوا رحمكم اللّه الى معسكركم بالنخيله حتى ننظر وتنظروا ونرى وتروا. قال: وانه فى كلامه ليتخوف خذلان الناس له، قال: فسكتوا فما تكلم منهم احد، ولا اجابه بحرف. فلما راى ذلك عدى بن حاتم، قام فقال: انا ابن حاتم! سبحان اللّه! ما اقبح هذا المقام الا تجيبون امامكم وابن بنت نبيكم! اين خطباء مضر الذين السنتهم كالمخاريق فى الدعه؟! فاذا جد الجد فرواغون كالثعالب، اما تخافون مقت اللّه ولا عيبها وعارها؟!) (34). يتضح، من طبيعه خطاب الامام الحسن(ع) للقوم، واستخدامه لهذه العبارات: (ان اللّه فرض القتال وسماه كرها) و(لستم نائلون ما تحبون الا بالصبر على ما تكرهون) ثم حاله الصمت التى انتابت الناس، ان الهزيمه النفسيه قد اصابتهم ولم تعد بهم رغبه فى جهاد ولا بذل ولا تضحيه، فقد جربوا الدنيا وحلاوتها وباتوا يريدونها، وهم لن يجدوا ما يطمعون فيه وخاصه روسائهم فى ظل العدل، وانما اشرابت نفوسهم الى بنى اميه قاده المرحله القادمه، ومنظرو الاسلام الاموى الذى كان المقدمه الطبيعيه لكل الانحرافات واصناف الشذوذ التى عانت منها الامه المسلمه وصولا للاسلام الامريكى. نعود الى النص التاريخى فنقرا: (قال عدى بن حاتم ما قال، ثم اعلن توجهه الى معسكر القتال. وقام قيس بن سعد بن عباده ومعقل بن قيس الرياحى فقالوا مثل ما قال عدى بن حاتم وتحركوا الى معسكرهم. ومضى الناس خلفهم متثاقلين. وعبا الامام الحسن(ع)، جيشه ثم خطبهم (فقال: الحمد للّه كلما حمده حامد، واشهد الا اله الا اللّه كلما شهد له شاهد، واشهد ان محمدا رسول اللّه، ارسله بالحق، وائتمنه على الوحى، صلى اللّه عليه وآله. اما بعد، فواللّه انى لارجو ان اكون بحمد اللّه ومنه، وانا انصح خلقه لخلقه، وما اصبحت محتملا على مسلم ضغينه، ولا مريدا له بسوء ولا غائله. الا وان ما تكرهون فى الجماعه خير لكم مما تحبون فى الفرقه، الا وانى ناظر لكم خيرا من نظركم لانفسكم، فلا تخالفوا امرى ولا تردوا على رايى. غفر اللّه لى ولكم، وارشدنى واياكم لما فيه محبته ورضاه، ان شاء اللّه، ثم نزل. قال: فنظر الناس بعضهم الى بعض، وقالوا: ما ترونه يريد بما قال، قالوا: نظنه يريد ان يصالح معاويه، ويكل الامر اليه، كفر واللّه الرجل! ثم شدوا على فسطاطه فانتهبوه حتى اخذوا مصلاه من تحته، ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبداللّه بن جعال الازدى فنزع مطرفه عن عاتقه، فبقى جالسا متقلدا سيفا بغير رداء، فدعا بفرسه فركبه.... فلما مر فى مظلم ساباط، ىىىىقام اليه رجل من بنى اسد، فاخذ بلجام فرسه، وقال: اللّه اكبر، يا حسن، اشرك ابوك، ثم اشركت انت. وطعنه بالمعول، فوقعت فى فخذه، فشقه حتى بلغت اربيته،... وحمل الحسن(ع)، على سرير الى المدائن...) (35). هكذا كانت الصوره، وهى لا تحتاج الى مزيد من الايضاح والتعليق، معاول الفتنه والهدم تضرب جسد الامه من كل جانب. الامراض الفكريه والاخلاقيه تنهش فيها وقد اجتمع الدعاه الى دوله القرده والخنازير على كلمه سواء، هى هدم دوله ائمه الحق من آل محمد بكل ما لديهم من وسائل الاقناع والتشويه والتمويه والاغراء والاغتيال والفساد. والان لا مفر من هدنه، والصراع سيمتد قرونا وقرونا ولم يات بعد اوان حسم الصراع، والمهمه العاجله امام ائمه الحق من آل محمد فى هذه اللحظه هى امامه الخط الالهى الربانى داخل جسد الامه والحفاظ على من يمثلون هذه الرويه لينقلوها الى من بعدهم، لا اهلاكهم فى جوله صراع معلومه النتائج سلفا. |
2014/10/21, 11:34 PM | #4 |
معلومات إضافية
|
احسنتم
بارك الله بكم بأنتظار ابداعكم القادم |
2014/10/23, 12:48 PM | #5 |
معلومات إضافية
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
اعرف مو يم مواضيع القسم بس ارجو المساعده شباب | مواليه حزينه | الاقتراحات والشكاوي | 3 | 2014/08/12 07:14 PM |
| |