Untitled 2
العودة   منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي > المنتــديات العامة > الحوار العقائدي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013/05/02, 12:55 PM   #1
ياذخر من لاذخر له

موالي مميز

معلومات إضافية
رقم العضوية : 1452
تاريخ التسجيل: 2013/04/29
المشاركات: 230
ياذخر من لاذخر له غير متواجد حالياً
المستوى : ياذخر من لاذخر له is on a distinguished road




عرض البوم صور ياذخر من لاذخر له
افتراضي أقوى رد شبهه على سكوت أمير المؤمنين عن الهجوم على الدار


بسم الله الرحمن الرحيم

الرد على شبهة"سكوت اميرالمؤمنين عليه السلام عن هجمة عمر واتباعة على الدار
إن ما جرى عليها (بأبي هي وأمي) خلف الباب إنما وقع في لحظات معدودة بعدما تمكّن عمر اللعين ومن معه من سفلة الأعراب (عليهم اللعنة والعذاب) من اقتحام الدار بعد إضرام النار بالباب. وبمجرد أن وقع ذلك صاحت الزهراء صيحة خرج على إثرها مولانا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) محمرّ العين حاسرا لنجدتها، فأخذ بتلابيب عمر ثم هزّه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهمّ بقتله، لكنه تذكّر وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصبر فقال: "يا ابن صهّاك! والذي أكرم محمدا - صلى الله عليه وآله - بالنبوة؛ لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إليّ رسول الله لعلمت أنك لا تدخل بيتي". فأرسل عمر يستغيث وهو تحت قدمي أمير المؤمنين حتى تركه الأمير. (راجع كتاب سُليم بن قيس الهلالي ص387 من الطبعة المحققة).


فالأمير (عليه السلام) هبّ لنجدة زوجته وحامى عن عرضها بمجرّد أن سمع استغاثتها، لا كما يتوهّم هؤلاء الجهلة. أما ما وقع قبل ذلك من أحداث فإنما جرت لفتة وبشكل سريع في برهة واحدة بعدما تطوّر الموقف فجأة واقتحم الأوغاد الدار.


أما لماذا سكت الأمير (عليه السلام) عن الاقتصاص ممن تجرأ على الزهراء (عليها السلام) فلأن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أمره بذلك عن الله جل جلاله حتى يستقيم الدين ولا يضمحل بثأر عاجل، وفي هذا نصوص شتّى وردت في مصادر التاريخ المختلفة. فليراجع. وكما أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقتص ممن حاولوا قتله بنفر ناقته على العقبة مخافة أن يُقال أن محمدا لما ظفر بأصحابه أخذ يقتّلهم، فكذلك فعل الأمير، كل ذلك لحكمة ومصلحة إسلامية عليا بأمر من الله جل جلاله.


وأما لمَ كانت الزهراء (عليها السلام) على الباب وليس أمير المؤمنين (عليه السلام) فلأن الله قضى ذلك، لتتعرض الزهراء لهذه المظلومية ولهذه المصائب حتى تكون شاهد الإنكار على ظلم أهل السقيفة وبطلان دينهم الذي اخترعوه وأحلّوه محلّ الإسلام الحق.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
ما النقضي؛ فبأن ما جرى أثناء الحملة البكرية العمرية على دار علي والزهراء (صلوات الله عليهما وآلهما) قد جرى مثله أيضاً على دار عثمان وزوجته نائلة حين نشبت ثورة المسلمين عليه، وأنتم تروون أن عثمان لم يحرّك ساكناً ولم يدافع عن نفسه وأهله ولم يتصدّ للذين اقتحموا عليه داره وانتهكوا حرمة نسائه وعياله بدعوى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أوصاه بالصبر. فما بال بائكم تجرّ وباؤنا لا تجر؟!


روى ابن الأثير في أحداث الهجوم على دار عثمان: "فلما رأوا ذلك ثاروا إلى الباب، فلم يمنعهم أحد منه، والباب مغلق لا يقدرون على الدخول منه، فجاؤوا بنـار فأحرقوه والسقيفة التي على الباب، وثار أهل الدار، وعثمان يصلي قد افتتح طه فما شغله ما سمع، ما يخطئ وما يتتعتع، حتى أتى عليها، فلما فرغ جلس إلى المصحف يقرأ فيه، وقرأ : آلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فقال لمن عنده بالدار : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إليّ عهداً فأنا صابر عليه، ولم يحرقوا الباب إلا وهم يطلبون ما هو أعظم منه، فأحرّج على رجل أن يستقتل أو يقاتل". (الكامل في التاريخ لابن الأثير ج2 ص17)


وروى ابن خلدون: "ثم دخل عليه السفهاء فضربه أحدهم وأكبّت عليه نائـلة إمرأته تـتقي الضرب بيدها، فنفحها أحدهم بالسيف في أصابعها، ثم قتلوه وسال دمه على المصحف". (تاريخ ابن خلدون ج2 ص150)


وروى ابن كثير: "أن الغافقي بن حرب تقدّم إليه بعد محمد بن أبي بكر فضربه بحديدة في فيه ورفس المصحف الذي بين يديه برجله، فاستدار المصحف ثم استقرّ بين يدي عثمان رضي الله عنه وسالت عليه الدماء، ثم تقدّم سودان بن حمران بالسيف فمانعته نائلة فقطع أصابعها فَولّت فضرب عجيـزتها بـيده وقال: إنها لكبيرة العجيزة! وضرب عثمان فقتله". (البداية والنهاية لابن كثير ج7 ص210)


وروى الطبري: "وجاء سودان بن حمران ليضربه فانكبت عليه نائلة ابنة الفرافصة واتقت السيف بيدها فتعمدها ونفح أصابعها فأطن أصابع يدها وولت فغمز أوراكها وقال إنها لكبيرة العجيزة وضرب عثمان فقتله". (تاريخ الطبري ج2 ص676)


فها أنت ترى أن عثمان قد ترك الرجال يحرقون باب داره ويقتحمونه وينتهكون حرمة امرأته حتى قطعوا أصابعها، بل وقام أحدهم بتحسّس مؤخّرتها وغمزها قائلاً: "إنها لكبيرة العجيزة"! وعثمان كأن على رأسه الطير لا ينتفض مدافعاً عن نفسه وعرضه! وحجته في ذلك: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إليّ عهداً فأنا صابر عليه".


ولا يُقال: إن الهجوم جرى بغتة فلم يكن عثمان عالماً بالأمر ولو علم لتصدّى للمهاجمين ومنع نفسه ونساءه وعياله منهم. إذ يُقال: بلى إنه كان عالماً، فقد طال حصاره أربعين يوماً على ما ذكره المؤرخون، وقد رآهم يحرقون باب داره وهم يهمّون بالدخول، وعَلم أنهم يطلبون قتله بعد ذلك، ومع هذا لم يتصدَّ لهم ولم يقاتلهم بل حرّج على مَن يناصره أن يفعل ذلك دفاعاً عنه، قائلاً: "لم يحرقوا الباب إلا وهم يطلبون ما هو أعظم منه، فأحرّج على رجل أن يستقتل أو يقاتل".


ولا يُقال: إن هتك حرمة امرأته جرى بعد مقتله ولو كان جرى أمام عينه لنهض وقاتل وما سكت. إذ يُقال: هذا خلاف الروايات أعلاه التي نطقت بأن قتله كان بعد أن حاولت نائلة الدفاع عنه، ولذا قُطعت أصابعها، فقد كان إذن ينظر لما يجري على امرأته، ورأى بأم عينه كيف قد غُمزت عجيزتها، غاية ما هنالك أنه قد جُرح قبل ذلك. ولا أقل من أنه كان عالماً بأن دخول الرجال عليه بيته يلازم بالضرورة انتهاك حرمة نسائه، فلماذا تركهم يدخلون ولم يحمل السيف دفاعاً عن نفسه وعرضه؟!


فجوابكم على هذا نجيب به - من باب الإلزام - على سؤالكم عن علة ما تزعمون - ولا حقيقة له - من قعود أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) عن التصدّي لعمر وأوباشه أثناء هجومهم على داره.


هذا مع أن ههنا فروقاً بين الحادثتيْن، منها أن الهجوم على دار علي والزهراء (صلوات الله عليهما) جرى بغتة، أما الهجوم على دار عثمان ونائلة فقد جرى بعد حصار طويل ومقدمات طويلة، كان عثمان أثناءها قابعاً مرتعباً في بيته ينتظر المدد من معاوية.


والفرق الآخر هو الجواب الحلّي؛ ففي حادثة الهجوم على الدار النبوية هبَّ علي (صلوات الله عليه) كالليث من داخل بيته بمجرد أن سمع استغاثة الزهراء (صلوات الله عليها) عند الباب، فأخذ بتلابيب عمر وطرحه أرضا ووجأ أنفه ورقبته وجلس على صدره وهمّ بقتله لولا أنه تذكر عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: "يا ابن صهاك! والذي أكرم محمدا - صلى الله عليه وآله - بالنبوة؛ لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إليَّ رسول الله لعلمتَ أنك لا تدخل بيتي". (كتاب سُليم بن قيس الهلالي ص387).


فمن ذا يقول بأن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لم يدافع عن زوجته بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله؟! فالأمير (عليه السلام) هبّ لنجدة زوجته وحامى عنها بمجرّد أن سمع استغاثتها، بل وهمّ بقتل عمر لولا أن تذكر الوصية، لا كما يتوهّم هؤلاء الجهلة من أنه كان ساكتاً ينظر والعياذ بالله. أما ما وقع قبل ذلك من أحداث فإنما جرت فلتة وبشكل متسارع بعدما تطوّر الموقف فجأة واقتحم الأوغاد الدار.


أما أنه لماذا لم يقتص علي (صلوات الله عليه) من أبي بكر وعمر عليهما اللعنة؟ فجوابه: أنه (عليه السلام) حاول ذلك، غير أن القوم كانت لهم عصابة، وهو واحد، فينبغي أن يعدّ لهم عدّة من الرجال. وبالفعل فقد تحرّك أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في هذا الاتجاه ودعا الناس إلى مبايعته على جهاد القوم، لكن العدة التي بها يمكن تحقيق الانتصار عليهم لم تكتمل، وهي عدة الأربعين رجلاً، فقد علم أمير المؤمنين من أخيه رسول الله (صلى الله عليهما وآلهما) أنه بغير تحقق هذا العدد من الرجال لا يتحقق الانتصار.


روى سُليم بن قيس في حديث أن الأشعث بن قيس (لعنه الله) قال لأمير المؤمنين عليه السلام: "ما منعك يابن أبي طالب حين بويع أخو تيم بن مرة وأخو بني عدي بن كعب وأخو بني أمية بعدهما؛ أن تقاتل وتضرب بسيفك؟ وأنت لم تخطبنا خطبة - منذ كنتَ قَدِمْتَ العراق - إلا وقد قلتَ فيها قبل أن تنزل عن منبرك: والله إني لأولى الناس بالناس وما زلت مظلوما منذ قبض الله محمدا صلى الله عليه وآله. فما منعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك؟ فقال له علي عليه السلام: يابن قيس! قلتَ فاسمع الجواب: لم يمنعني من ذلك الجبن ولا كراهية للقاء ربي، وأن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لي من الدنيا والبقاء فيها، ولكن منعني من ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وعهده إلي، أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله بما الأمة صانعة بي بعده، فلم أكُ بما صنعوا - حين عاينته - بأعلم مني ولا أشد يقيناً مني به قبل ذلك، بل أنا بقول رسول الله صلى الله عليه وآله أشد يقينا مني بما عاينت وشهدت، فقلت: يا رسول الله؛ فما تعهد إليَّ إذا كان ذلك؟ قال: إنْ وجدتَ أعواناً فانبذ إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً فاكفف يدك واحقن دمك حتى تجد على إقامة الدين وكتاب الله وسنتي أعوانا". (كتاب سليم بن قيس ص214)


وروى أيضاً عن سلمان الفارسي المحمدي رضوان الله تعالى عليه: "فلما كان الليل حمل علي فاطمة على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين عليهم السلام فلم يدع أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أتاه في منزله، فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته، فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة (سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير)فإنّا حلقنا رؤوسنا وبذلنا له نصرتنا، وكان الزبير أشدنا بصيرة في نصرته". (كتاب سليم ص146)


وروى أيضاً أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأبي بكر وعمر عليهما اللعنة: "أما والله لو أن أولئك الأربعين رجلاً الذين بايعوني وفوا لي؛ لجاهدتكم في الله". (كتاب سليم ص275)


ومن مصادر أهل الخلاف؛ قال ابن أبي الحديد: "وقد روى كثير من المحدثين أنه عقيب يوم السقيفة تألم و تظلم واستنجد واستصرخ حيث ساموه الحضور والبيعة وأنه قال وهو يشير إلى القبر: يا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي! وأنه قال: وا جعفراه! ولا جعفر لي اليوم! وا حمزتاه! ولا حمزة لي اليوم". (شرح النهج لابن أبي الحديد ج11 ص111 وقريب منه رواه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ج1 ص31)


وروى أيضاً: "إنّ علياً عليه السلام لمّا استنجد بالمسلمين عَقيب يوم السقيفة وما جرى فيه، وكان يحمِل فاطمة عليها السلام ليلاً على حمارٍ، وابناها بين يدي الحِمار وهو عليه السلام يسوقه، فيَطْرُق بيوت الأنصار وغيرهم، ويسألهم النُّصرة والمَعُونة، أجابه أربعون رجلاً، فبايعهم على الموت، وأمرهم أن يُصْبِحوا بُكرةً مُحلّقي رُؤوسهم ومعهم سلاحهم، فأصبح لم يُوافِهِ عليه السلام منهم إلا أربعة: الزبير، والمِقداد، وأبو ذرّ، وسلمان. ثمّ أتاهم من الليل فناشدهم، فقالوا: نُصبّحك غُدوة، فما جاءه منهم إلا الأربعة، وكذلك في الليلة الثالثة، و كان الزبير أشدّهم له نُصرة، وأنفذهم في طاعته بصيرةً، حلق رأسه وجاءه مِراراً وفي عنقه سيفه، وكذلك الثلاثة الباقون، إلّا أنّ الزبير هو كان الرأس فيهم". (شرح النهج لابن أبي الحديد ج11 ص14)


ومن مجموع الروايات يُستفاد أن عليا (صلوات الله عليه) قد بدأ حملة التحشيد للاقتصاص والأخذ بالثأر وإرجاع الحق إلى نصابه عبر قتال أبي بكر وعمر وعصابتهما الانقلابية، وبايعه أربعون رجلاً على ذلك، فاكتملت العدة، إلا أنه لم يفِ منهم إلا أربعة، فاضطر للعدول عن القتال. فدعوى أنه (عليه السلام) لم يحاول جهاد المجرمين الغاصبين باطلة، أما قعوده بعد ذلك فهو فيه معذور لأنه لم يجد أعواناً بعدة أربعين رجلاً يكفون للقتال كما أمره الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) بذلك. وهذا نظير قعود رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن قتال قريش قبل بدر رغم إجرامها بحق المسلمين، وما ذلك إلا لأن العدة المطلوبة - وهي ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً - لم تكتمل، وحين اكتملت أعلن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الجهاد بأمر الله تعالى.


فلا يُقال: ولماذا الأربعون؟ إذ يُقال: إن الله تعالى هو مَن يحدّد، وكما حدّد عدة الثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً شرطاً لقتال قريش، كذلك حدّد عدة الأربعين رجلاً لقتال أبي بكر وعمر والمنافقين. فإذا لم يتحقق الشرط سقط القتال. ولهذا نظائر كثيرة في سيرة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام. والله هو العالم العارف بالمصالح، ولا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، فليس لأحد الاعتراض على ما يحكم به.


وأما أنه لماذا لم يستخدم علي (عليه السلام) قوته الإعجازية المودعة فيه من قبل الله تعالى فيكتفي بنفسه في قتال أبي بكر وعمر؟ فجوابه: إنه لم يؤذن له في ذلك، وإلا فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لديه أضعاف تلك القوة الإعجازية، ومع ذلك لم يستخدمها في غزواته وحروبه، وقاتل برجاله حتى خسر معركة أحد، وكان (صلى الله عليه وآله) يكفيه أن يدعو الله تعالى أن يزلزل الأرض تحت أقدام أعدائه فيستغني بذلك عن دعوة رجاله إلى القتال وخيانتهم له بفرارهم، لكنه لم يفعل ذلك إجمالاً، وما هذا إلا لأن الله تعالى أبى في مثل هذه الموارد إلا أن تجري الأمور بين أوليائه وأعدائه بحسب السياقات الطبيعية لا الإعجازية، ليعلم الذين جاهدوا ويعلم الصابرين، وليعلم أيضاً من يتخلف وينكث. ولو أنه سبحانه أذن لنبيّه أو وليّه وأجرى الإعجاز على يديه في مناجزة أعدائه على الدوام؛ لبطل الامتحان الإلهي للبشر، إذ كيف يُختبر الناس ليُرى وفاؤهم بالعهد الذي عاهدوا الله عليه إذا لم يُدعوا إلى القتال؟!


فهذا ما صنعه علي (عليه السلام) بأمر الله تعالى، إنه دعا الناس إلى القتال انتصاراً للحق والعدل، وثأراً لرسول الله وبضعته الزكية صلوات الله عليهما وآلهما، غير أن القوم خذلوا ولم يستجب منهم إلا أربعة. فماذا يفعل وليس مأذوناً له أن يقاتل بنفسه وذلك أمر محرّمٌ عليه بأمر الله ورسوله صلى الله عليه وآله؟! إذ الأولوية شرعاً عليه هي حفظ نفسه.


ثم إن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقتص ممن حاولوا قتله بنفر ناقته على العقبة مخافة أن يُقال أن محمداً لما ظفر بأصحابه أخذ يقتّلهم، فكذلك فعل أمير المؤمنين عليه السلام، لأن محمداً وعلياً وكذا أهل البيت الطاهرين (صلوات الله عليهم) إنما يفدون بأرواحهم دين الله تعالى، فيضحّون ويصبرون على مَن ظلمهم - إن لم تكتمل العدة -انتظاراً لأمر الله وانتقامه، وتقديماً للأهم على المهم.


ولو أن عليّاً (صلوات الله عليه) ناجز القوم القتال والحال هذه لما كان هو علي الذي نعرفه! إنما يكون رجلاً آخر، فعلي الذي قد عرفته صفحات المجد في الإسلام إنما هو ذلك الرجل الذي يقدّم الدين على نفسه، فلو تزاحم أمر حفظ الدين مع أمر اقتصاصه ممن ظلمه وظلم أهله؛ فلا شكّ أنه يقدّم الأول على الثاني، فداءً لدين الله تعالى وقرباناً إليه. ذلك هو أبو الحسن (عليه السلام) الذي كان قادراً على أن ينتقم لكنه صبر، وتلك هي خصال العظماء، فأن تكون عاجزاً فتصبر فأنت معذور، أما أن تكون قادراً فتصبر مراعاةً لما هو أهم والتزاماً بالشرط ووفاءً بالعهد، فأنت حينذاك تُجلُّ إجلالاً وتُرى بعين الإعظام والإكبار.


وأما استدلالك بالآية الكريمة فليس في محله، لأن الأمر خاص برسول الله (صلى الله عليه وآله) وليس عاماً، ولم يقل أحد من فقهاء الإسلام قط أنه يعم سائر الناس فيجب على الواحد أن يبرز لقتال جيش بأكمله! وهو بعد مقيد بما يتحقق به التكليف لرسول الله صلى الله عليه وآله، فإنه مثلاً لم يخرج للقتال في كثير في من سراياه، ولم يخرج للقتال في حملة أسامة على الروم. فإن قلتَ: إنه كان مريضاً فهو معذور. قلنا: كذلك علي (عليه السلام) كان معذوراً لعلة فقدان الشرط، وكما سقط التكليف هناك عن النبي سقط ههنا عن الوصي صلوات الله عليهما، هذا إن تنزّلنا وقلنا أن الآية في العموم، لكنك عرفتَ أنها في الخصوص. وقد قال إمامنا الصادق صلوات الله عليه: "إن الله كلّف رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم يكلّف أحداً من خلقه، كلّفه أن يخرج على الناس كلهم وحده بنفسه إنْ لم يجد فئة تقاتل معه، ولم يكلّف هذا أحداً من قبله ولا بعده. وتلا هذه الآية". (الكافي الشريف للكليني ج8 ص275)


هذا الإشكال مردود بأنّا حيث علمنا أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) أمره بالصبر إن لم يجد أعواناً؛ علمنا أن المصلحة الدينية كانت فيه، أي أن حفظ وبقاء الدين كانت في هذا الصبر، فحتى لو لم نعلم وجه الحكمة في هذا، وأنه في أي شيء كان حفظاً للدين؟ وجب علينا التسليم بأنه كان حفظاً للدين، لسبق أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك.
ثم إن الإمام (صلوات الله عليه) أشار في بعض الأحاديث إلى أنه لو لم يلتزم الوصية بالصبر لذهب حتى شعار الإقرار بنبوة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله، ولاندثر اسمه الذي يُرفع على المنابر. ومن تلك الأحاديث ما رواه مخالفونا أيضاً، فقد روى ابن أبي الحديد أنه: ”لامته فاطمة على قعوده وأطالت تعنيفه وهو ساكت، حتى أذَّنَ المؤذن، فلمّا بلغ إلى قوله: (أشهد أن محمداً رسول الله) قال لها: أتحبّين أن تزول هذه الدعوة من الدنيا؟ قالت: لا. قال: فهو ما أقول لكِ“. (شرح النهج لابن أبي الحديد ج20 ص326)
لو أن الإمام (صلوات الله عليه) حارب دون اكتمال العدة، لأجهزوا عليه وعلى الثلة القليلة من أهل بيته وأصحابه، ثم لاتخذوا سبيل الانتقام توسّعاً، فأسقطوا كل ما يمت إلى بني هاشم بصلة، ولأسقطوا شعار نبوة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله، انتقاماً من أهل بيته. وقد كان القوم على وشك ذلك إنْ تأمَّلْتَ جيداً في التاريخ، فهذا معاوية (لعنه الله) حين يطلب منه المغيرة بن شعبة الكف عن تعقّب بني هاشم بالقتل والإيذاء يقول: ”هيهات هيهات! أي ذكرٍ أرجو بقاءه؟! مَلَكَ أخو تيْمٍ فعدل، وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره! إلا أن يقول قائل: أبو بكر. ثم ملك أخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره! إلا أن يقول قائل: عمر. وإن ابن أبي كبشة ليُصاح به كل يوم خمس مرات: (أشهد أن محمدا رسول الله) فأي عمل يبقى وأي ذكر يدوم بعد هذا؟! لا أبا لك! لا والله إلا دفناً دفناً“! (الموفقيات للزبير بن بكار ص576 ومروج الذهب للمسعودي ج3 ص454 وشرح النهج لابن أبي الحديد ج9 ص238)
وهذا عبد الله بن الزبير، قد أسقط ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) من خطبة الصلاة نكاية بعلي (عليه السلام) وبني هاشم! قال الزهري: ”كان من أعظم ما أُنكر على عبد الله بن الزبير تركه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته، وقوله حين كُلِّمَ في ذلك: إن له أُهَيْلَ سوء إذا ذُكِرَ استطالوا ومدّوا أعناقهم لذكره“! (أنساب الأشراف للبلاذري ج2 ص418 ونحوه في العقد الفريد لابن عبد ربّه الأندلسي ج4 ص413)
وكل هذا حصل مع أن عليّاً (صلوات الله عليه) صبر وتحمّل، فما بالك لو أنه لم يصبر وحارب؟! أتراهم يُبقون على اسم محمد (صلى الله عليه وآله) أم تراهم يُبقون على اسم الإسلام؟!
وهذا الصبر وهذه التضحية منه (عليه السلام) لأجل الإبقاء على الاسم والشعار؛ هو أمر ممدوح عند العقلاء، فإن ذهاب الدين بتحريفه من مضمونه لا شك أنه أمر خطير شديد، إلا ان ذهاب اسمه وشعاره هو أخطر وأشد، فإذا ما رام امرئ الحفاظ على هذا القدر بالتضحية والصبر؛ امتدحه العقلاء، لأن بقاء الاسم والشعار أمر بالغ الأهمية، إذ يمكن تالياً تصحيح مضمونه، أما ذهاب الاسم والشعار واندثاره فذلك يوجب التأسيس من جديد، وهو أصعب من التصحيح.
والمقارنة بين ظرف الأمير (عليه السلام) وظرف الحسين (عليه السلام) مقارنة خاطئة في موضوعها، لأن الحسين (عليه السلام) إنما نهض وحارب بعدما ترسّخ اسم النبي (صلى الله عليه وآله) وشعار الإسلام بما لا إمكان لمحوه، وذلك بعد نحو ستين سنة من بدء الدعوة وانتشارها، حيث وُلدت أجيال على الإسلام. أما علي (عليه السلام) فقد كان في مرحلة لم يمض فيها على قيام الإسلام إلا عشر سنين فقط، ولم يولد عليه إلا من هم معدودون على الأصابع، فلم تكن الدعوة مستقرة تمام الاستقرار، والدليل على ذلك أنه بمجرد أن استشهد النبي (صلى الله عليه وآله) وقعت هزة عنيفة أدت إلى ارتداد كثير من العرب وتبديلهم دينهم.
فلو أنه (عليه السلام) في ذلك الظرف الحساس رفع السيف محارباً بلا اكتمال العدة، لما تبقّى شيء، ولانهدم كل شيء، إذ يكفي أن يرى العرب أن عاصمة الإسلام يحدث فيها اقتتال داخلي على السلطة ليكفر جميعهم بالإسلام والنبوة، علاوة على أن ذلك كان فيه الإجهاز على أمير المؤمنين وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) فلا يبقى علم للدين يُرجع إليه، عدا عن أنه سيدفع أبا بكر وعمر وأصحابهما (عليهم اللعنة) لمحو اسم النبي (صلى الله عليه وآله) انتقاماً، وذلك ليس مستبعداً، فإنّا وجدنا عمر حين تولّى السلطة يدوس برجله كُتب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في التولية قائلاً: ”ما هو إلا ملك انصرف“! (تاريخ المدينة لابن شبة ج1 ص596) وحين يُنكَر عليه الإحداث في الدين والغلظة على الرعية يقول: ”أنا زميل محمد“! (تاريخ الطبري ج3 ص291)
فرجل له مثل هذه الجرأة على عهود رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويعتبر مرحلته مجرد ”ملك انصرف“ كما ويعتبر نفسه زميلاً للنبي له أن يفعل ما يشاء.. رجلٌ مثل هذا مع ما عُرف منه من الغلظة وقسوة القلب؛ لا يُستبعد منه إن ثار ضده علي (عليه السلام) أن يقتله ثم يشفي غليله بمحو اسم ابن عمه من أن يُذكر على المنابر والمنائر!
فتحصّل من هذا أن صبر الإمام (صلوات الله عليه) حيث لم تكتمل العدة كان لأجل:
(1) إبقاء اسم النبوة وشعار الإسلام.
(2) حفظ نفسه وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام.
(3) دفعاً لما هو أفسد من انتقاض أمر الإسلام عند العرب جميعاً.
وهذه كلها من وجوه حفظ الدين بالمعنى الأعم كما لا يخفى، ولولاه لاندرس الدين بالكلية. ومهما يكن فلا تغفل عمّا قدّمناه من أن علينا التسليم بأن المصلحة الشرعية كانت في هذا الصبر ما لم تكتمل العدة، حتى وإنْ لم نعرف وجهها، لأن الأمر أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الواجب الطاعة، وهو الأعرف بالمصلحة.


هنا أكثر من نقطة في الجواب:
الأولى؛ أن هؤلاء الذين تسميهم (صحابة) والذين يصلون إلى مئة ألف، ما هم إلا البشر الذين جاء هذا النبي (صلى الله عليه وآله) لدعوتهم إلى دينه، وقد كانوا من قبل غارقين في أوحال الكفر والجاهلية، فآمن أكثرهم إيماناً قشرياً. يشهد بذلك الكتاب العزيز وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله. فتصوير هؤلاء بصورة (الحواريين) أو بصورة أنهم رجال الدعوة المتفانين؛ هو تجاوز على الحقيقة والواقع. ومثل هؤلاء لا يعوَّل عليهم.
الثانية؛ أن المستظهر من الروايات أن عدة الأربعين إنما كانت مطلوبة من المهاجرين والأنصار لا من غيرهم، باعتبار أن أي تغيير في واقع المجتمع المدني لا يمكن تحققه من سواهم، فهم أهل الحل والعقد، وإليهم تشخص الأنظار.
الثالثة؛ أن الروايات تذكر أن ثمة أربعين رجلاً قد أبدوا استعدادهم لنصرة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في بادئ الأمر على الثورة ضد أبي بكر وعمر ورجالهما، إلا أنهم لم يفوا حين اختبرهم أمير المؤمنين (عليه السلام) طالباً منهم حلق الرؤوس إيذاناً بالحرب.
روى المفيد عن عمرو بن ثابت عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث: ”إنه لما قُبِض رسول الله صلى الله عليه وآله جاء أربعون رجلاً إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقالوا: لا والله لا نعطي أحداً طاعةً بعدك أبداً. قال: ولِمَ؟ قالوا: إنّا سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وآله فيك يوم غدير خم. قال: وتفعلون؟ قالوا: نعم. قال: فأتوني غداً محلّقين. قال: فما أتاه إلا هؤلاء الثلاثة (سلمان والمقداد وأبو ذر) قال: وجاءه عمار بن ياسر بعد الظهر فضرب يده على صدره ثم قال له: ما آن لك أن تستيقظ من نومة الغفلة؟! ارجعوا فلا حاجة لي فيكم! أنتم لم تطيعوني في حلق الرأس فكيف تطيعوني في قتال جبال الحديد؟! ارجعوا فلا حاجة لي فيكم“. (الاختصاص للمفيد ص6)
الثالثة؛ لم يكن لأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أن يسير إلى القبائل، فهو من جهة محكوم بالوصية التي تبَيَّن لك أن المطلوب فيها عدة من المهاجرين والأنصار لا من سواهم، وهو من جهة أخرى مضطر للمكوث في المدينة حفظاً لبضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وريحانتيْه ودرءاً لما هو أفسد مما يقع في الدين، وهو من جهة ثالثة محاصَر أصلاً في بيته، وهو من جهة رابعة عارف بأن من هم خارج المدينة من الأعراب لا يُتوقّع منهم شيء، فإن فيهم المؤلفة قلوبهم، ومن هم أشد كفراً ونفاقاً، ومن يعبد الله على حرف، ومن أعلن الكفر الصريح، ومن رجع القهقرى، ومن يؤثر السلامة، ومن يقول: حشرٌ مع الناس عيد! ومثل هؤلاء لا يُرتجى منهم شيء.
إنه إن لم تأتِ النصرة من مثل المهاجرين والأنصار؛ أتراها تأتي من الأعراب ومن يلونهم؟!
الرابعة؛ لا ينبغي استبعاد أن تكون قلوبهم قد صارت كالحجارة أو أشد قسوة؛ أوما علمتَ بخذلانهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أحد وحنين حتى لم يبقَ منهم معه إلا واحد أو اثنان أو أربع على أعلى الفروض؟! ورسول الله (صلى الله عليه وآله) أعظم حرمةً في نفوسهم من علي والزهراء صلوات الله عليهما! قد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستصرخهم يوم أحد وحُنين طالباً نجدتهم وقد احتوشه المشركون من كل جانب.. فإذا بهم لمّا رأوا الموت فرّوا وتركوه وحيداً! وكان في مقدمة مَن فرّ أبو بكر وعمر وعثمان! فيا لقلوب هي أشد قسوة من الحجارة! ويا لنفوس جبانة لم يستقر فيها دين الله!
أوما علمتَ كيف خذل أصحاب موسى (عليه السلام) نبيّهم وخليفته النبي هارون (عليه السلام) فاتبعوا السامري وعبدوا العجل! هذا ولم يكن قد غاب عنهم إلا أربعين ليلة! كفروا فيها بأصل دعوته وهو التوحيد! فيا لأصحاب خونة! ويا لأتباع منافقين قد أُشربوا في قلوبهم العجل!
أجل؛ إنها الدنيا! قد كان هؤلاء الذين تطلق عليهم اسم (الصحابة) عبّاداً لها، نعم إنهم يتظاهرون حين اليُسر والرخاء بالدين والإيمان! ويحملون لك السيف مقاتلين كي يظفروا بالغنائم! حتى إذا حرمهم منها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضجّوا واعترضوا واتهموه بأنه يغلّ! فيردّ الله سبحانه عليهم بقوله: ”وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ ۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ“.
إذا أردتَ معرفة نفوسهم الحقيقية وكيف أنها كانت نفوساً ملوّثةً بحب الدنيا، فأعد قراءة قوله تعالى: ”وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِندَ اللَّـهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّـهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّـهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ“. هاهم (الصحابة) الذين ملأ المفتونون بهم الدنيا مديحاً وثناءً، قد بلغ من عمق إيمانهم وتعلقهم بالآخرة أنهم يُبطلون صلاتهم خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) وينفضّون إلى اللهو والتجارة ويتركونه قائماً لوحده! فما أعظم إيمان هؤلاء (الصحابة) وما أبعدهم عن الدنيا!
نعم؛ ما أبعدهم عن الدنيا واستعدادهم للتضحية بها في سبيل الآخرة، ولذا حين أمرهم الله تعالى بأن يقدّموا بين يدي نجواهم صدقة في قوله سبحانه: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ“ تراهم أحجموا عن ذلك إذ أشفقوا على أموالهم! فنزل قوله تعالى: ”أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ۚ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ“!
نعم، هكذا يكون التعلق بالآخرة والإعراض عن الدنيا.. وإلا فلا!
إن الذين يبخلون على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأموالهم، والذين يتركونه من أجل اللهو والتجارة قائماً وهو يصلّي بهم، والذين يخذلونه ويفرّون من بين يديه بعدما يحتوشه المشركون.. هم أصحاب قلوب هي أشد قسوة من الحجارة، ونفوس هي أكدر من الطرق، فكيف تستبعد أن يخذلوا علياً وفاطمة (صلوات الله عليهما) وكيف تستغرب أن يتذرّعوا لهما بالقول: ”قد مضت بيعتنا لهذا الرجل“! (السقيفة وفدك للجوهري ص63)
قال سيد الشهداء الحسين بن علي صلوات الله عليهما: ”إن الناس عبيد الدنيا! والدين لَعِقٌ على ألسنتهم! يحوطونه ما درَّتْ معائشهم! فإذا مُحِّصوا بالبلاء؛ قلَّ الديّانون“! (تحف العقول لابن شعبة البحراني ص245)
أجل؛ كان الدين لعقاً على ألسن هؤلاء، إنما يوجّهونه حيث تدرّ معائشهم ومصالحهم الدنيوية، وحين أراد الله تمحيصهم بالبلاء، ليعلم مَن ينصر وليّه منهم؛ قلّ الديّانون وانصرفوا! إنما هم عبيد الدنيا! فلا تتعجّبنَّ!


أن الطامعين من الأنصار (كسعد بن عبادة وأسيد بن حضير) حين علموا بأن الطامعين من المهاجرين (كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة) يريدون نيل السلطة؛ أدركوا أن الخليفة الشرعي (عليه السلام) لم تعد له فرصة إذ خذله كبار قومه من قريش وما عادت لهم فيه رغبة، فقالوا حينئذ: ”نحن أحق بها“ فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، فلمّا بلغ نبأ اجتماعهم أبا بكر وعمر وأبا عبيدة؛ تركوا جنازة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتراكضوا نحو السقيفة لئلا تفلت الخلافة من بين أيديهم إلى الأنصار!
فكيف جعلتَ هذا دليلاً على سلامة نية (الشيخين) وهو على العكس أدلّ؟! إذ لو كانا غير طامعيْن في السلطة لاهتموا بجنازة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما فعل علي (عليه السلام) ولتركوا الأنصار يفعلون ما يحلو لهم، وما الذي كان يضير أبا بكر وعمر أن يتولّى سعد بن عبادة مثلاً، إنْ قلتَ: إنها لم يُرِدا أن تستأثر طائفةٌ من المسلمين بالأمر دون الأخرى، وأرادا أن تتشاور الأمة جمعاء لتنصيب الخليفة؛ قيل لك: فإنهما وقعا في ذلك حين قَبِلا بنصب أبي بكر في ذلك الاجتماع بعينه! وقد غابت عنه أكثرية الأمة بما في ذلك رؤوس المهاجرين!
إن قلتَ: إنهما وجدا قريشاً أحق بالخلافة لقربهم من النبي (صلى الله عليه وآله) من الأنصار الذين هم أبعد؛ قيل لك: فإن أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) أقرب وأقرب فما بالهما لم يسلّما الأمر إلى علي صلوات الله عليه؟!
إن قلتَ: إنهما وجدا أنفسهما أحق بها؛ قيل لك: وكذلك علي (عليه السلام) فما بالك أخذت جانبهما ولم تأخذ جانبه وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله: ”علي مع الحقّ والحقّ مع علي، ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة“. (تاريخ بغداد للخطيب ج14 ص320 ومستدرك الحاكم ج3 ص134 ومجمع الزوائد للهيثمي ج7 ص135 وغيره كثير بألفاظ متنوعة).
ثم إن كونهما قد وجدا أنفسهما أحق بها يعني أنهما قد طمعا فيها! ولا يُقال: فكذلك علي عليه السلام؛ إذ يُقال: هذا قياس مع الفارق، فإنه مكلّف بالنهوض بالخلافة نصّاً من الله تعالى ووصيّةً من رسوله صلى الله عليه وآله. ولم يدِّعِ أبو بكر ولا عمر أن لهما النص والوصية، اللهم إلا غلاة البكرية الذين زعم بعضهم أن الرسول (صلى الله عليه وآله) نصّ على أبي بكر وعمر وعثمان، فأبطلوا بذلك القول بالشورى، ولا نظنك من هؤلاء

والحمدلله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
دمتم بود احبتي .



Hr,n v] afii ugn s;,j Hldv hglclkdk uk hgi[,l hg]hv



رد مع اقتباس
قديم 2013/05/03, 01:20 AM   #2
هو الحق

موالي ماسي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 1252
تاريخ التسجيل: 2013/03/20
الدولة: حيثُ النور
المشاركات: 9,751
هو الحق غير متواجد حالياً
المستوى : هو الحق will become famous soon enough




عرض البوم صور هو الحق
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وأل محمد الطيبين الطاهرين

جزاك الله خير الجزاء عن أمير المؤمنين علي عليه السلام
احسنت كثيرا والله ياطيب الله يوفقك لكل خير
استمر اخي بعطائك لاعدمناك


توقيع : هو الحق
التصميم الذي يجمع بين المرقد الحسيني والعباسي في صحن واحد


[IMG]https://s*******-b-fra.xx.fbcdn.net/hphotos-xfp1/t1.0-9/10593107_1465704047024492_7233589183563280198_n.jp g[/IMG]

رد مع اقتباس
قديم 2013/05/03, 04:17 PM   #3
ياذخر من لاذخر له

موالي مميز

معلومات إضافية
رقم العضوية : 1452
تاريخ التسجيل: 2013/04/29
المشاركات: 230
ياذخر من لاذخر له غير متواجد حالياً
المستوى : ياذخر من لاذخر له is on a distinguished road




عرض البوم صور ياذخر من لاذخر له
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الفاضل هو الحق أسعدني مرورك العطر وتعليقك الرائع أنرت بمرورك الجميل موضوعي
جزاك الله خيراً ودمت بود


رد مع اقتباس
قديم 2013/05/04, 12:26 AM   #4
النبأ العظيم

موالي ماسي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 771
تاريخ التسجيل: 2012/12/04
الدولة: iraq*Baghdad*
المشاركات: 9,729
النبأ العظيم غير متواجد حالياً
المستوى : النبأ العظيم will become famous soon enough




عرض البوم صور النبأ العظيم
افتراضي

جزاك الله خير طبعاً هذا الموضوع دائما يثيروه المخالفين والمبغضين للامام علي
احسنتم اخي


رد مع اقتباس
قديم 2013/05/04, 12:40 AM   #5
عاشق نور الزهراء


معلومات إضافية
رقم العضوية : 1213
تاريخ التسجيل: 2013/03/14
الدولة: Canada
المشاركات: 14,823
عاشق نور الزهراء غير متواجد حالياً
المستوى : عاشق نور الزهراء will become famous soon enough




عرض البوم صور عاشق نور الزهراء
افتراضي



توقيع : عاشق نور الزهراء
تفضلوا بزيارة صفحة منتدياتكم المباركة على الفايسبوك على الرابط التالي :
https://www.facebook.com/she3aalhsen?ref=hl
رد مع اقتباس
قديم 2013/05/04, 12:36 PM   #6
ياذخر من لاذخر له

موالي مميز

معلومات إضافية
رقم العضوية : 1452
تاريخ التسجيل: 2013/04/29
المشاركات: 230
ياذخر من لاذخر له غير متواجد حالياً
المستوى : ياذخر من لاذخر له is on a distinguished road




عرض البوم صور ياذخر من لاذخر له
افتراضي

حياج الله أختي العلويه أسعدني مروركِ الجميل
نعم أختي هم دائماً مايطرحون هذه الشبهه ويقولون هل عليكم خاف من عمرنا ولماذا علي الشجاع البطل خالع باب خيبر لماذا خاف من عمر الجبان وووومن هذا الكلام الفارغ
جزاك الله أختي شكراً لمروركِ القيم
دمتِ بحفظ الله ورعايته .


رد مع اقتباس
قديم 2013/05/04, 12:38 PM   #7
ياذخر من لاذخر له

موالي مميز

معلومات إضافية
رقم العضوية : 1452
تاريخ التسجيل: 2013/04/29
المشاركات: 230
ياذخر من لاذخر له غير متواجد حالياً
المستوى : ياذخر من لاذخر له is on a distinguished road




عرض البوم صور ياذخر من لاذخر له
افتراضي

أسعدني مرورك اخي الفاضل عاشق نور الزهراء على مرورك العطر ومشاركتك القيمه شكراً لك أخي الحبيب
دمت بود


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أقوى رد



الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
هوى نجم اليقين .. أمير المؤمنين ابوشهد الشعر الشعبي 6 2013/07/13 09:08 PM
ماقيمة حبك يا أمير المؤمنين؟؟ النبأ العظيم سيرة أهـل البيت (عليهم السلام) 4 2013/04/24 06:19 PM
Ya Ali دعاء أمير المؤمنين النبأ العظيم الادعية والاذكار والزيارات النيابية 1 2013/04/13 05:51 AM
قال أمير المؤمنين مولانا علي ع : عاشق نور الزهراء سيرة أهـل البيت (عليهم السلام) 2 2013/03/30 01:10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي
|

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى || SiteMap Index


أقسام المنتدى

المنتــديات العامة @ السياسة @ المناسبات والترحيب بالأعضاء الجدد @ منتديات اهل البيت عليهم السلام @ سيرة أهـل البيت (عليهم السلام) @ الواحة الفاطمية @ الإمام الحجّة ابن الحسن صاحب العصر والزمان (عج) @ الادعية والاذكار والزيارات النيابية @ المـدن والأماكن المقدسة @ المـنتـديات الأدبيـة @ الكتاب الشيعي @ القصة القصيرة @ الشعر الفصيح والخواطر @ الشعر الشعبي @ شباب أهل البيت (ع) @ المنتـديات الاجتماعية @ بنات الزهراء @ الأمومة والطفل @ مطبخ الاكلات الشهية @ المنتـديات العلمية والتقنية @ العلوم @ الصحه وطب أهل البيت (ع) @ الكمبيوتر والانترنيت @ تطبيقات وألعاب الأندرويد واجهزة الجوال @ المنتـديات الصورية والصوتية @ الصوتيات والمرئيات والرواديد @ الصــور العامة @ الابتسامة والتفاؤل @ المنتــــديات الاداريـــة @ الاقتراحات والشكاوي @ المواضيع الإسلامية @ صور اهل البيت والعلماء ورموز الشيعة @ باسم الكربلائي @ مهدي العبودي @ جليل الكربلائي @ احمد الساعدي @ السيد محمد الصافي @ علي الدلفي @ الالعاب والمسابقات @ خيمة شيعة الحسين العالميه @ الصــور العام @ الاثـــاث والــديــكــورآت @ السياحة والسفر @ عالم السيارات @ أخبار الرياضة والرياضيين @ خاص بالأداريين والمشرفين @ منتدى العلاجات الروحانية @ الابداع والاحتراف هدفنا @ الاستايلات الشيعية @ مدونات اعضاء شيعة الحسين @ الحوار العقائدي @ منتدى تفسير الاحلام @ كاميرة الاعضاء @ اباذر الحلواجي @ البحرين @ القران الكريم @ عاشوراء الحسين علية السلام @ منتدى التفائل ولاستفتاح @ المنتديات الروحانية @ المواضيع العامة @ الرسول الاعظم محمد (ص) @ Biography forum Ahl al-Bayt, peace be upon them @ شهر رمضان المبارك @ القصائد الحسينية @ المرئيات والصوتيات - فضائح الوهابية والنواصب @ منتدى المستبصرون @ تطوير المواقع الحسينية @ القسم الخاص ببنات الزهراء @ مناسبات العترة الطاهرة @ المسابقة الرمضانية (الفاطمية) لسنة 1436 هجري @ فارسى/ persian/الفارسية @ تفسير الأحلام والعلاج القرآني @ كرسي الإعتراف @ نهج البلاغة @ المسابقة الرمضانية لسنة 1437 هجري @ قصص الأنبياء والمرسلين @ الإمام علي (ع) @ تصاميم الأعضاء الخاصة بأهل البيت (ع) @ المسابقة الرمضانية لعام 1439هجري @ الإعلانات المختلفة لأعضائنا وزوارنا @ منتدى إخواننا أهل السنة والجماعه @


تصليح تلفونات | تصليح تلفونات | تصليح سيارات | تصليح طباخات | تصليح سيارات | كراج متنقل | تصليح طباخات | تصليح سيارات |