Untitled 2
العودة   منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي > المنتــديات العامة > الحوار العقائدي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014/04/07, 09:06 PM   #1
حسيني الهوى

موالي ذهبي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 1712
تاريخ التسجيل: 2013/07/09
المشاركات: 1,028
حسيني الهوى غير متواجد حالياً
المستوى : حسيني الهوى is on a distinguished road




عرض البوم صور حسيني الهوى
افتراضي بعض نضريات وعلوم الامام الصادق التي اصبحت منهج يدرس بالغرب وبعض العلوم الغير مكتشفه

[COLOR="Blue"]


جزء مجزء قليل جدا من علم ونضريات الامام الصادق عليه السلام وبعض النضريات الني سرقوهاا الغرب والتي تدرس الان في مناااهجهم ...نقطه في بحر علم الامام الصادق هذه جزء من نضرياته وعلمه عليه السلام


[SIZE="4"] جوانب من علومه وثقافته

1ـ معرفته باللغات

مرّ في تاريخ حياة الإمام الباقر (عليه السلام) أنه كان يعرف العبرية والسريانية، وأن جدته، أي والدة الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام)، كانت الأميرة الفارسية شهربانوبنت كسرى يزدجرد. فلا عجب أن يعرف الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) هذه اللغات وثقافات أممها، وأن ينطلق في التحدث أو القراءة والكتابة فيها، وسيأتي أثناء عرضنا لبعض الروايات المأثورة عن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) ما يثبت ذلك، وفضلاً عن إتقانه لهذه اللغات، كان يعرف النبطية والصقلبية والحبشية ويتحدث بها أيضاً.
أ ـ الفارسية:
عن محمد بن أحمد عن أبي عبد الله قال: دخل عليه قوم من أهل خراسان، فقال ابتداء من غير مسألة: (من جمع مالاً من مهاوش اذهبه الله في نهابر). فقالوا: (جُعلنا فداك، لا نفهم هذا الكلام)، فقال عليه السلام: (ازباد آيد بدم بشود)(1) (مايأتي به الريح يذهب به).
وقال أحمد بن محمد بن الأهوازي عن النضر عن يحيى الحلبي عن أخي مليح عن فرقة: (كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وقد بعت غلاماً أعجمياً، فرجع إليه، فجعل يغيّر الرسالة فلا يخبره، حتى ظننت أنه سيغضب. فقال له: تكلم بأي لسان شئت، فإني أفهم عنك)(2).
وعن أبي بصير أنه قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده رجل من أهل خراسان وهو يكلمه بلسان لا أفهمه(3).
وأيضاً في (بصائر الدرجات)، دخل على أبي عبد الله (عليه السلام) قوم من أهل خراسان فقال ابتداءً: (من جمع مالاً يحرسه، عذّبه الله على مقداره). فقالوا بالفارسية: (لانفهم العربية). فقال (عليه السلام) لهم: (هركة درم اندوزد جزايش ذوزخ باشد).
وكان مجلسه يجمع أحياناً بين العرب والعجم على اختلاف لغاتهم ولهجاتهم، فيحدث كلاً منهم بلغته، ويفهمه بلسانه.
وعن أبان بن تغلب قال: غدوت من منزلي بالمدينة وأنا أريد أبا عبد الله (عليه السلام)، فلما صرت بالباب، وجدث قوماً عنده لم أعرفهم، ولم أر قوماً أحسن زياً منهم، ولا أحسن سيماء منهم، كأن الطير على رؤوسهم، فجعل أبو عبد الله (عليه السلام) (يحدثنا بحديث، فخرجنا من عنده، وقد فهم خمسة عشر نفراً منها متفرقوا الألسن، منها اللسان العربي والفارسي والنبطي والحبشي والصقلبي. فقال البعض: ما هذا الحديث الذي حدثنا به؟ قال له آخر لسانه عربي: حدّثني كذا بالعربية. وقال الفارسي: ما فهمت، إنما حدثني كذا وكذا بالفارسية. وقال الحبشي: ما حدثني إلا بالحبشية. وقال الصقلبي: ما حدّثني إلا بالصقلبية، فرجعوا إليه، فأخبروه، فقال (عليه السلام): الحديث واحد، ولكنه فسر لكم بألسنتكم(4).
ب ـ العبرية:
وأما معرفته بالعبرية وتحدثه بها فمما لا شك فيه أيضاً. فقد جاء في ثنايا الأحاديث المروّية عنه ما يثبت ذلك، وسنسوق حديثنا عنه (عليه السلام) استشهاداً لا استقراء.
في (بصائر الدرجات): عن عامر بن علي الجامعي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) (جُعلت فداك، إنا نأكل ذبائح أهل الكتاب، ولا ندري أيسمون عليها أم لا؟(5).
فقال: إذا سمعتوهم قد سمّوا، فكلوا، أتدري ما يقولون على ذبائحهم؟
فقلت: لا.
فقرأ كأنه شبه يهودي، قد عذها، ثم قال: بهذا أمروا.
فقلت: جُعلت فداك، إن رأيت أن نكتبها.
قال: اكتب: (نوح أيوا أدينوا يلهيز ما لحوا عالم أشرسوا أو صوبنوا (يوسعه) موسق ذعال اسطحوا)(6).
وفي حديث آخر جاء النص كالآتي: (باروح أنا دوناي إيلوهنوا ملخ عولام اشرفدشنوا عبسوتا وسينوانوا على هشخيطا). يعني تباركت ‎أنت الله إلهنا مالك العالمين الذي قدّسنا بأوامره، وأمرنا على الذبح(7).
ج ـ النبطية(8):
بدخول الاسلام بلاد الشام وفلسطين (بيزنطة الشرقية) ازداد عدد الأنباط في حاضرة العالم الإسلامي، سواء الأحرار منهم أم الموالي، وكثر التزاوج بينهم وبين العرب، فتعلم البعض النبطية من هذا الاختلاط.
وكان امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يعرف النبطية ويتحدث بها. ولا شك أن أبناءه الكرام الذين تخرجوا من مدرسته وتخلقوا بأخلاقه هم حملة علمه ووارثو فضله(9).
فهذا أمير المؤمنين (عليه السلام) (حين أتى أهل النهروان، نزل (قطفتا) فاجتمع إليه أهل بادوريا)(10) فشكوا إليه ثقل خراجهم، وكلموه بالنبطية، وقالوا أن لهم جيراناً أوسع أرضاً وأقل خراجاً، فأجابهم بالنبطية (رعر روظا من عوديا)، أي معناه، رُبَّ رجز صغير خير من رجز كبير(11).
وهذا يونس بن ظبيان النبطي يحدث الإمام الصادق (عليه السلام) (بالنبطية ويخبره عن أول خارجة خرجت على موسى بن عمران، وعلى المسيح، ثم على أمير المؤمنين بالنهروان. ثمَّ قال لي: كيف (مالح دير بير ماكي
مالح)، يعني عند قريتك، وهو بالنبطية(12).
فمن خلال هذا العرض السريع والاشارات الواضحة، يبين أن الصادق (عليه السلام) (كان على معرفة تامة بلغات أهل عصره وأبناء مجتمعه مهما بعدت أوطانهم واختلفت ثقاقاتهم.

___________________________________________


جوانب من علومه وثقافته
2 ـ الطب


لاريب في أن الإمام جعفراً الصادق (عليه السلام) (كان على إلمام تام بالطب وما يتعلق به. وقد تحدث وأبان، في ما روي عنه، عن الطبائع والأمزجة، وعن الأشياء ومنافعها ومضارها، مما يثبت وقوفه على هذا العلم.
وقد جمع بعض علماء السلف شيئاً كثيراً من آراء الأئمة في الطب وسماه (طب الأئمة). ويروي المجلسي (قد) الكثير عن هذا الكتاب في كتابه (بحار الأنوار)، وكذلك الشيخ الحرّ العاملي في (وسائل الشيعة)، إلا أن هذا الكتاب لا وجود له اليوم.
وقد خصص الإمام الصادق (عليه السلام) (في ما القاه على المفضّل بن عمر الجعفي فصلاً تحدّث فيه عن الطبائع وفوائد الأدوية وتشريح الجسم ومعرفة وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا).
وفي ثنايا كتب الأحاديث وما إليها حديث مستفيض من كلام الإمام الصادق (عليه السلام) (عن خواص الأشياء وفوائدها وعلاج الأمراض والأوجاع والحمية الوقائية. وسنورد بعض هذه الأحاديث للتدليل على هذا القول تدليلاً قاطعاً.
قال محمد بن مسلم سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) (يقول: ما وجدنا للحمى مثل الماء البارد. وفي حديث آخر: الحمّى من فيح جهنم.
فأطفئوها بالماء البارد(13).
وفي وجوب غسل الفاكهة قبل الأكل قال: (إن لكل ثمرة سما، فإذا أتيتم بها فامسكوها واغسلوها بالماء(14).
وفي (الكافي) عن أحمد بن محمد عن بعض أصحابه قال: كنت أجالس أبا عبد الله (عليه السلام) (فلا والله ما رأيت مجلساً أنبل من مجالسه. قال:
فقال لي ذات يوم: من أين تخرج العطسة؟.
فقلت: من الأنف.
فقال لي: أصبت الخطأ.
فقلت جُعلت فداك، من أين تخرج؟
فقال: من جميع البدن، كما وأن النطفة تخرج من جميع البدن... أما رأيت الانسان إذا عطس نفض أعضاءه؟(15).
وهذا ابن ماسوية، أشهر أطباء عصره، ينصت للامام الصادق (عليه السلام) في شرحه وتوضيحه للطبائع وعلى الأمراض. وحدث أبو هفان في محضر ابن ماسوية(16) بأن جعفرا بن محمد (عليه السلام) قال: الطبائع أربع: الدم وهو عبد، وربما قتل العبد سيده، والريح، وهو عدو، إذا سددت له بابا أتاك من آخر. والبلغم وهو ملك يُدارى، والمرة، وهي الأرض إذا رجفت رجفت بمن عليها. فقال ماسوية: أعد عليّ، فوالله ما يُحسن جالينوس أن يصف هذا الوصف(17).
وهذا طبيب المنصور يحضر عنده ليقرأ عليه كتاب الطب، فإذا به يحضر مرة وعند الصادق (عليه السلام)، فجعل ينصت لقراءته، فلما فرغ، قال: يا أبا عبد الله، أتريد مما معي شيئاً، قال: لا، لأن ما معي خير مما هو معك. قال: ما هو؟ قال: أداوي الحار بالبارد، والبارد بالحار، والرطب باليابس، واليابس بالرطب، وارد الأمر كله إلى الله، واستعمل ما قاله رسول الله وأعلم أن المعدة بيت الأدواء وأن الحمية هي الدواء، وأعود البدن ما اعتاد. قال (الطبيب) وهل الطب إلا هذا؟
قال الصادق: أتراني عن كتب الطب أخذت؟
قال: نعم.
قال: لا والله ما أخذت إلا عن الله سبحانه وتعالى. فأخبرني: أأنا أعلم بالطب أم أنت؟
قال: سل.
فسأل عشرين مسألة، وهو يقول لا أعلم. فقال الصادق (عليه السلام): ولكني أعلم(18) وبدأ بشرحها وتفصيلها. وهذا مذكور في كتب الحديث.
وقد فصّل (عليه السلام) الحديث على الهيكل العظمي والأعصاب والجوارح في جسم الانسان وشرحها شرحاً دقيقاً عندما سأله الطبيب النصراني عن ذلك. فقد روى سالم الصرير: أن نصرانياً سأل الصادق (عليه السلام) تفصيل الجسم، فقال (عليه السلام): ان الله تعالى خلق الانسان على اثني عشر وصلاً، وعلى مائتي وستة وأربعين عظماً، وعلى ثلاث مائة وستين عرقاً.
فالعروق هي التي تسقي الجسد كله، والعظام تمسكها، والشحم يمسك العظام، والعصب يمسك اللحم. وجعل في يديه اثنين وثمانين عظماً في كل يد واحد وأربعون عظماً، منها في كفة خمسة وثلاثون عظماً، وفي ساعده اثنان، وفي عضده واحد، وكتفه ثلاثة وكذلك الأخرى.
وفي رجله ثلاثة وأربعون عظيماً، منها في قدمه خمسة وثلاثون عظماً، وفي ساقه اثنان، وفي ركبته ثلاث، وفي فخذه واحد، وفي وركه اثنان، وكذلك في الأخرى. وفي صلبه ثماني عشرة فقارة، وفي كل واحد من جنبيه تسعة أضلاع، وفي عنقه ثمانية، وفي رأسه ستة وثلاثون عظماً، وفي فيه ثمانية وعشرون واثنان وثلاثون(19).
ولا يتسنى تفصيل الجسم البشري والهيكل العظمي بهذه الدقة إلا لمن اتيحت له فرصة دراسة الطب والتشريح. وقد أفاد الإمام (عليه السلام) غيره بهذا العلم، وتخرج من مدرسته هذه عدد من أصحابه.
ومن خريجي مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) العلمية في مجال الطب والصيدلة جابر بن حيّان الطرطوسي. فهو بالاضافة إلى تخصصه في الكيمياء صنف مؤلفات في الطب أورد منها ابن النديم: (رسالة في الطب) و(كتاب السموم) و(كتاب المجسة) و(كتاب النبض) و(كتاب التشريح)(20).
وكان جابر بن حيّان أول من أشار إلى طبقات العين، فسبق بذلك يوحنا ابن ماسوية المتوفي سنة (243 هـ)، وسبق حنين ابن اسحاق المتوفي سنة (264 هـ)، وهما من اعلام الطب في هذا العصر.
ومن أبناء هذه المدرسة أبو علي الحسن بن فضل، وهو من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) ومن علماء علم الشيعة العظام في عصره الذين برعوا في علم الطب وألفّوا فيه. ومن مؤلفاته (كتاب الطب) و(كتاب النجوم)(21).


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جوانب من علومه وثقافته
3 ـ الكيمياء


تتزايد أهمية الكيمياء يوماً بعد يوم، وتثبت التجارب العلمية الحديثة أن الحياة تتألف من عمليات كيميائية معقدّة، كما ثبت أن الوراثة وليدة للتفاعلات الكيميائية.
بل لعلم الكواكب والأرض تكونت نتيجة لعمليات كيميائية مستمرة، كما أن التغييرات التي تطرأ على الكون هي في كثير من الحالات ذات طبيعة كيميائية.
ومن الشائع الثابت أن الإمام الصادق (عليه السلام) كان على علم بخواص الأشياء منفردة ومركّبة، وأنه درّس علم الكيمياء في مدرسته قبل اثني عشر قرناً ونصف قرن. واشتهر من تلامذته في هذا العلم هشام بن الحكم المتوفي حوالي سنة (199 هـ) وهو من أصحاب الصادق (عليه السلام) وتلامذته، وله نظرية في جسمية الأعراض كاللون والطعم والرائحة، وقد أخذ ابراهيم بن سيّار النظّام المعتزلي هذه النظرية لمّا تتلمذ على هشام.
وقد أثبتت صحة هذا الرأي النظريات العلمية الحديثة القائلة أن الضوء يتألف من جزيئات في منتهى الصغر، تجتاز الفراغ والأجسام الشفافة، وأن الرائحة أيضاً من جزيئات متبخرة من الأجسام تتأثر بها الغدد الأنفية، وأن المذاق جزيئات صغيرة تتأثر به الحليمات اللسانية.
ومن تلامذة الإمام الصادق (عليه السلام) الذين اشتهروا ببراعتهم في
الكيمياء والعلوم الطبيعية جابر بن حيّان الصوفي الطرطوسي، الذي دوّن وألف خمسمائة رسالة من تقريرات الإمام في علمي الكيمياء والطب في ألف ورقة(22).
وقد ذكر، ابن النديم في الفهرست وأطال فيه الكلام، وذكر له كتبا ورسائل في مختلف العلوم ولا سيما في الكيمياء، والطب، والفلسفة والكلام.
وقد أكبر المؤلفون المسلمون منزلة جابر، وعدّوه مفخرةً من مفاخر الاسلام. ولا بدع، فإن تزيد مؤلفاته على ثلاثة آلاف كتاب ورسالة في مختلف العلوم، وجلها في العوم النظرية والطبيعية التي تحتاج إلى زمن طويل في تجاربها وتطبيقاتها، لجدير بالتقدير والاكبار.
وقد تمكن جابر من تحقيق وتطبيق طائفة كبيرة من النظريات العلمية، أهمها تحضير (حامض الكبريتيك) بتقطيره من الشبّة. وسمّه (زيت الزاج).كما حضر (حامض النتريك) و (ماء الذهب) و (الصودا الكاوية).
وكان جابر أوّل من لاحظ ترسّب (كلورود الفضة) عند إضافة محلول ملح الطعام إلى محلول (نترات الفضة).
وينسب إليه تحضير مركّبات أخرى مثل كربونات البوتاسيوم و كربونات الصوديوم وغير ذلك مما له أهمية كبرى في صنع المفرقعات والاصباغ والسماد الصناعي والصابون وما إلى ذلك.
ولم تقف عبقرية جابر في الكيمياء عند حدّ تحضير هذه المواد فحسب، بل انبعث منها إلى ابتكار شيء جديد في الكيمياء هو ما سمّاه
بعلم (الميزان)، أي معادلة ما في الأجساد والمعادن من طبائع، وقد جعل لكل جسد من الأجساد موازين خاصة بطبائعه، وكان ذلك بداية لعلم المعادلات في طبائع كل جسم(23).
وقد امتد نشاط جابر إلى ناحية أخرى من الكيمياء هي التي يسمونها بالصنعة، أي تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة من ذهب وفضة. ويعدّ جابر رائداً لمن أتى بعده من العلماء اللذين شُغفوا بهذه الناحية من الكيمياء، كالرازي وابن مسكوية والصغرائي والمجيرطي واالجلدكي.
وكانت نظرية تحويل المعادن إلى ذهب أو فضة نظرية يونانية قديمة فُتن بها المسلمون من بعدهم، فوضع جابر فيها رسائل كثيرة، وشرح قواعدها وأصولها بكتبه المتعددة.
يقول ابن النديم: (حدّثني بعض الثقات ممن تعاطى الصنعة إنه (أي جابر) كان ينزل في شارع باب الشام في درب يعرف بدرب الذهب، وقال لي هذا الرجل أن جابراً كان أكثر مقامه بالكوفة، وبها كان يدير (الأكسير) لصحة هوائها، ولمّا أصيب الأزج الذي وجد فيه هاون ذهب، فيه نحو مائتي رطل. كان من موضع دار جابر بن حيّان، فإنه لم يصب في ذلك الأزج غير الهاون فقط)(24).
ويعتقد الدكتور محمد يحيى الهاشمي أن الذي يقصده جابر (بالأكاسير) هو (الراديوم) نفسه، أو أحد الأجسام المشعّة فيقول: (ومما يزيد اعجابنا ادّعاء جابر بأنّ هذا السّر له دخل في جميع الأعمال، واننا إذا أمعنّا النظر في الوقت الحاضر، لوجدنا اكتشاف الأجسام المشعّة التي تؤدي إلى قلب عنصر المادة وتحطيم الذرة لم يمكن من نتائجها القنبلة
الذرية فحسب بل ايجاد منابع قوة جديدة لم تكن تطرق على بال الانسان)(25).
وصلت نظرية (الصنعة) ضرباً من ضروب الآمال والأحلام بل الأوهام وكان من يشتغل بها يُرمى بالعته والهوس، حتى ان الكندي وابن خلدون نبذا هذه الفكرة، وأكدّا عدم امكان تحويل أي عنصر إلى عنصر آخر.
غير أن ما حدث في عام 1919 من تحطيم ذرّات (النتروجين) وتحيلها إلى ذرات (الأكسجين) و (الهيدروجين) قد بدّل مفهوم هذه الفكرة، وأثبت إمكان تحقيقها بالفعل.
وقد تولت بعد ذلك تجارب شطر نواة الذّرة، باستخدام قذائف من جُسيمات (ألفا) أي نوى (الهليوم)، ومن جسميات أخف ولكن أكبر أثراً منها وهي البروتونات أي نُوى (الهدرجين) بعد إطلاقها بسرعة فائقة، وأمكن بذلك شطر نواة الذّرة وتحويل عدد من العناصر إلى عناصر أخرى، كتحويل الهدروجين إلى عنصر الهليوم، وتحويل الصوديوم إلى مغنسيوم، والليثيوم والبورون إلى هليوم، فتحقق فعلاً أمر تحليل العناصر وتحويل بعضها الى بعض.
وقد افرد الاْستاذ محمد يحيى الهاشمي لهذا الموضوع كتابا سماه(الإمام الصادق ملهم الكيمياء)(26)، نحيل إليه القارىْطلبا لمزيد من البحث.
وللمستشرق الفرنسي بول كراوس(27) (Kraus) كتب وبحث مستفيضان حول شخصية جابر بن حيّان العلمية، وإن كان فيهما ما يدعو إلى التأمل والمناقشة، خاصة استبعاد، لبعض هذه النظريات العلمية في عصر الصادق ع. وقد قام الكاتب والعالم المصري اسماعيل مظهر بمناقشة آراء كرواس والرد على ما أورده، من شكوك واهية، في سلسلة مقالات نشرتها مجلة (المقتطف)(28). كما أن الأستاذ أحمد زكي صالح نشر سلسلة أخرى من المقالات في نفس الموضوع في مجلة (الرسالة) المصرية(29). وللفيلسوف الفرنسي هنري كوربلن بدوره مؤلف عن جابر بن حيّان وكتابه الكيمياء(30).





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
جوانب من علومه وثقافته
4 - علم الهيئة والنجوم


كان الإمام الصادق (عليه السلام) (من علماء الفلك والنجوم(31)، وله آراء ونظريات في دوران الكرة الأرضية وحركتها، وفي مقدار اشعة النجوم، وحركة الضوء. وكان يلقي دروسه وإفاداته في هذا العلم على تلاميذه وطلاب العلم، ويناقش محترفي علم النجوم، ويصحح آرائهم، ويوضح لهم اخطاءهم.
دخل على الصادق (عليه السلام) (منجم يماني.
فسأله الإمام: ما صناعتك يا سعد؟
قال: أن من أهل بين ننظر في النجوم.
فقال: كم ضوء الشمس على ضوء القمر درجة؟
قال: لا أدري.
قال: فكم ضوء القمر على ضوء الزهرة درجة؟
قال: لا ادري.
قال: فكم للمشتري من ضوء عطارد؟
قال لا أدري.
قال: فما أسم النجوم التي إذا طلعت هاجت البقر؟
قال: لا أدري.
قال: يا أخا أهل اليمن، عندكم علماء؟
قال:نعم. إن عالمهم ليزجر الطير ويقفو الأثر في الساعة الواحدة مسير سير الراكب المجد.
فقال (عليه السلام): إن عالم المدينة(32) أعلم من عالم اليمن، لأن عالم المدينة ينتهي إلى حيث لا يقفو الأثر ويزجر الطير، ويعلم ما في اللحظة الواحدة مسيرة الشمس.
قال: ما ظننت أن أحداً يعلم هذا ويدري(33).
كان هذا الفلكي من اليمن التي كانت من مراكز الاهتمام بالنجوم وعلم الفلك بين النهرين وواسط. وقد جاء فلكي من (واسط) ودخل على الإمام الصادق (عليه السلام)، فسأله الصادق (عليه السلام) (عن المنظومة الشمسية وحركة الكرة الأرضية، وجرى بينهما حوار مفصل ورد في (الكافي) نجترئ منه بما يهمنا في هذا المقام.
قال: الفلكي: قلت ا خلفت بالعراق ابصر بالنجوم مني.
فقال الإمام (عليه السلام): كيف دوران الفلك عندكم؟
قال: فاخذت قلنسوتي عن رأسي فأدرتها.
فقال الإمام (عليه السلام): إن كان الأمر على ما تقول، فما بال بنات النعش والجدي والفرقدين لا يرون يدورون يوماً من الدهر في القبلة؟
قال: قلت: والله هذا شيء لا أعرفه، ولا سمعت أحداً من أهل الحساب يذكره.
فقال لي: كم السكينة من الزهرة جزءا في ضوئها؟
قال قلت: هذا والله نجم ما سمعت به، ولا سمعت أحداً من الناس يذكره.
قال: سبحان الله، فأسقطتم نجماً بأسره، فعلى ما تحسبون؟
إلى أن قال (عليه السلام): صدقت، أهل الحساب حق، ولكن لا يعمل ذلك إلا من علم مواليد الخلق كلهم(34).
وكان من تأثير توجيهات الإمام وارشاداته في علوم الهيئة والفلك أن اهتم تلامذته بهذه العلوم، واشتغلوا بالأرصاد والأزياج والتقاويم والتنجيم والاختبارات وغير ذلك من فروع علم الفلك من أقدم الأزمنة.
كان ابو اسحاق ابراهيم حبيب الفزاري المتوفي عام (161 هـ ـ 777 م)، وهو من أصحاب الإمامين الصادق وموسى بن جعفر (عليه السلام)، أول من عمل الاصطرلاب في الاسلام(35). وأول من ألف فيه. وله في ذلك (كتاب العمل بالاصطرلابات ذوات الحلق)، وكتاب (العمل بالاصطرلاب السطح)(36).
والاصطرلاب لفظة يونانية مأخوذة من كلمة (الاصطرلابون)، ومعناها مرآة النجم (اصطر: النجم، لابون: مرآة). وقيل أنها لفظة فارسية أصلها (ستارة باب) أي كاشف النجم.
وهذا أحمد بن الحسن بن أبي الحسن الفلكي الطوسي،تخصص في علم الفلك حتى اشتهر به، ووضع كتاب (المنار) وكتاب (شرح التهذيب في الامامة) وله في النجوم والفلك كتاب (ريحان المجالس وتحفة المؤانس)، وقد نقل عنه السيد ابن طاووس. وقال عنه في كتابه (فرج المهموم) إن الكتاب عندي، وفيه أحاديث الكواكب وأسرارها واختيارها(37).
وهذا محمد بن مسعود العياشي التميمي، وصفه ابن النديم بقوله: من فقهاء الشيعة الامامية. أوحد أهل دهره وزمانه في غزارة العلم، له كتاب (النجوم والفأر)، و (القيافة والزجر) و(كتاب الطب)(38).
وهذا أبــــو علي الحسن بــن فضال من اصحـــاب الإمام علي بـــن موسى الرضا (عليه السلام)، وله كتاب (النجوم) و(كتاب الطب)(39).



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الأوكسجين وأول من اكتشفه

اشتهر العالم الإنكليزي جوزيف بريستلي (1733ـ 1804) في تاريخ الكيمياء بأنه أول من اكتشف الأوكسجين، وإن كان لم يهتد إلى تعريف خصائصه وتركيبه. فلما جاء العالم الفرنسي لافوازييه، هداه البحث إلى خصائص هذا الغاز وصفاته.
والأوكسجين لفظة يونانية مركبة من مقطعين، يعني أولهما الحموضة، ويعني الثاني المولد، أي أن الأوكسجين (مولد الحموضة)، وإلى بريستلي يعزى اختيار هذا الاسم للغاز، برغم أن المدلول العلمي له كان مستعملاً فعلاً. ولا نقول هذا للإقلال من شأن الراهب الإنكليزي بريستلي الذي هجر الدير والرداء الديني، واستقر في المدرسة والمختبر، يجري تجاربه العلمية حول هذا الغاز، ولا ريب في أنه لو استمر في بحوثه العلمية لاستطاع الاهتداء إلى نتائج هامة أخرى، غير أنه انضم إلى حركة الثورة الفرنسية، وأيد المناضلين الفرنسيين، فجلب على نفسه سخط الإنجليز وبغضهم، واضطر إلى مغادرة وطنه بريطانيا إلى أمريكا حيث قضى بقية عمره، وهناك ألف ثلاثة كتب، ولكنها مبتوتة الصلة بالهواء أو بالمسائل العلمية التي كانت شغله الشاغل قبل ذلك.
والحقيقة التاريخية هي أن جعفراً الصادق (عليه السلام) هو أول من اهتدى إلى الأوكسجين أو مولد الحموضة، وأغلب الظن أنه اهتدى إليه وهو ما زال في مدرسة أبيه الباقر (عليه السلام). ولما شرع بعد ذلك في إلقاء دروسه المتصلة في حلقاته، أعمل فكره، وانتهى إلى أن الهواء ليس عنصراً بسيطاً بل هو مركب من عناصر مختلفة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن جعفراً الصادق (عليه السلام) لم يطلق على الأوكسجين اسم مولد الحموضة، ولكنه سبق غيره في الإشارة إلى أن الهواء هو مزيج من عناصر شتى يساعد بعضها على تنفس الكائنات الحية كما يساعد على الاحتراق.
ومضى الصادق (عليه السلام) في سبيله، فتوصل إلى أن محتويات الهواء لو جزئت، لكان من فعلها النفاذ في الأجسام وتذويب الحديد.
إذن، فقد كان جعفر الصادق (عليه السلام) سابقاً بألف سنة على بريستلي ولافوازييه في اكتشاف الأوكسجين، وإن كان لم يطلق عليه اسم الأوكسجين ولا اسم مولد الحموضة كما ذكرنا آنفاً. ثم أن لافوازييه الذي عين خصائص الأوكسجين، لم يوفق إلى تجربة ذوبان الحديد بفعل الأوكسجين، وهي التجربة التي اضطلع بها جعفر الصادق (عليه السلام) قبله بألف عام.
وقد برهن العلم الحديث على أنه متى حمي الحديد بالنار إلى درجة الاحمرار، ثم وضع في أوكسجين خالص، اشتعل وانبعث منه شعلة مضيئة شبيهة بالفتيل الذي كان يغمس في الزيت في المصابيح القديمة، وإن تكن الشعلة أقوى وأشد ضوءاً، وهذه هي النظرية التي يستند إليها في صنع المصابيح الكهربائية الحديثة التي تضيء مناطق شاسعة في الليالي الظلماء، وتظل مضيئة بصورة مستمرة ما دام سلك الحديد فيها مشتعلاً بفعل الأوكسجين المحبوس داخل المصباح.
وقد جاء في رواية أن الإمام محمداً الباقر (عليه السلام) قال: (إن الماء الذي يطفئ النار يستطيع أن يوقدها بفضل العلم) فحسب البعض أن هذا القول ملقى على عواهنه، أو أنه من قبيل الفكاهة أو خيالات الشعراء، ولكن الذي تحقق فعلاً منذ القرن الثامن عشر أن الماء يزيد النار اشتعالاً، ويولد قوة محرقة أشد بكثير من نار الحطب، لأن لغاز الهيدروجين (وهو أحد العنصرين الهامين في تركيب الماء) قوة إحراق إذا أضيفت إلى قوة الأوكسجين بلغت درجة حرارتهما 6664 درجة. ويطلق على هذه العملية اسم العملية الأوكسجينية الهيدروجينية (oxydrogene)، وهي تستخدم في لحام الحديد والفولاذ، أو في تقطيع الفولاذ وتثقيبه.
وقد طلع الإمام الباقر (عليه السلام) بهذه النظرية قبل اكتشاف الهيدروجين، ولا دليل لنا على أن الصادق (عليه السلام) تمكن من فصل الهيدروجين أو الأوكسجين من الماء، ولكن الذي لا ريب فيه أنه توصل بفضل تجاربه وأبحاثه إلى تحديد خواص الأوكسجين، ومن هنا يصح القول بأنه استفاد من هذا العنصر الهام في تحاليله، وأنه استخلصه من الهواء ممتزجاً بمواد وعناصر أخرى، أي دون أن يكون خالصاً نقياً.
ومن النتائج المؤكدة التي انتهى إليها جعفر الصادق (عليه السلام)، وما هي بنظرية مجردة، الحقيقتان التاليتان:
1ـ حقيقة أن في الهواء عنصراً يفوق العناصر الأخرى في أهميته، وهو العنصر الأساسي في الحياة والتنفس.
2ـ إن هذا العنصر قادر بمرور الوقت على تغيير شكل الأشياء والتأثير فيها بإفسادها وتحللها وتآكلها.
ولا ننسى أن هذا العنصر الهوائي يقوم بدور الوسيط في هذه العمليات، ومن هنا استطاع جعفر الصادق (عليه السلام) معرفة الأوكسجين.
ظن العلماء والباحثون بعد اكتشاف الأوكسجين على يدي (بريستلي) وبعد تحديد خواصه وآثاره وتغيير شكلها، فلما جاء العالم الفرنسي لويس (باستور) واكتشف الجراثيم، قال أن التغيير الذي يطرأ على شكل بعض المواد، كالأغذية ويؤدي إلى فسادها، أنما يعزى إلى الجراثيم وليس إلى الأوكسجين، كما قال أن الجراثيم تهاجم المواد الغذائية وتحللها، فيدب فيها الفساد. غير أن (باستور) لم يبين نوع العلاقة بين الجراثيم والأوكسجين، ولا توصل إلى أن الفساد الذي تحدثه الجراثيم، إنما يتم في وجود الأوكسجين، ولولا هذا الغاز، لما تمكنت الجراثيم من البقاء على الحياة أو التأثير في المواد. أما جعفر الصادق (عليه السلام)، فقد قال إن الهواء جزءاً (يعني الأوكسجين) يؤثر أحياناً بالواسطة في تغيير شكل المواد، ويؤثر أحياناً بغير واسطة متى تعرض لها الحديد بصورة مباشرة، فيحدث ما يسمى بالتأكسد (Oxyde) أو الصدأ.
ولئن كانت هذه النظرية الدقيقة تستعصي على الكشف إلا في المختبرات وإلا بالتحليل العلمي، فقد توصل إليها جعفر الصادق (عليه السلام) بفرط ذكائه ونبوغه، وإن كان الصادق لم يتوافر على إبراز ما للهواء أو الأوكسجين من خاصيات أخرى، فإنه اهتدى إلى أن الأوكسجين، الذي يعتبر عنصراً أساسياً في الهواء، والذي يغير أشكال المواد، والذي هو مناط الحياة، هو أثقل جميع العناصر الموجودة في الهواء.
وبعد ألف سنة، جاء لافوازييه، فأكد هذه النظرية، وزاد عليها بتعيينه وزن الأوكسجين ومقداره 9/8 الماء، أي أن في كل تسعة كيلو غرامات من الماء ثمانية كيلو غرامات من الأوكسجين. هذا من حيث الوزن، أما من حيث الحجم، فالهيدروجين الموجود في الماء يساوي ضعفي الأوكسجين، لأن الماء مركب من ذرتي هيدروجين وذرة أوكسجين.
ومع أن لافوازييه توصل إلى نتائج هامة في تحليله للهواء ومعرفة خواص الأوكسجين، إلا أنه لم يستطع تحويل هذا الغاز إلى سائل (أي إسالته)، وإن كانت الفكرة بقيت تراوده، وكادت تتحقق لولا أن الصناعة في أوروبا وقتئذ كانت ما تزال في بدايتها، ولم تكن قد قطعت أشواطاً تتيح للافوازييه تحقيق أمنيته حالاً. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، أصدرت المحاكم الثورية في فرنسا حكمها المفاجئ القاسي بإعدام لافوازييه، فمات بالمقصلة.
وكان من رأي الكيميائيين بعد لافوازييه، وإلى وقت متأخر، أن هناك استحالة لإسالة غاز الأوكسجين، فلما جاء القرن العشرون بإنجازاته العلمية والتكنولوجية ومفاجآته الكثيرة، نجح العلماء في إيجاد برودة مفرطة (صناعياً) واستطاعوا بذلك أن يسيلوا غاز الأوكسجين بكميات غير محددة، وسخروا الأوكسجين السائل في أغراض كثيرة من طبية وصناعية وما إليها.
وقد تسنى هذا كله بفضل الوصول صناعياً بدرجة البرودة إلى ما تحت الصفر ب 183 درجة، وهكذا سال الأوكسجين في الجو العادي دون حاجة إلى ضغط قوي، وأمكن إنتاج كميات كبيرة من غاز الأوكسجين السائل.
والواقع أن هذه الدرجة من البرودة هي درجة مفرطة، ويقول العلماء إن الفرق بينها وبين البرودة المطلقة التي تشل الحركة الحيوية في المادة هو 90 درجة لا غير (273.16ـ 183).
ولئن لم يسمح عصر جعفر الصادق (عليه السلام) لهذا العالم بأن يتابع البحث إلى أن يحدد عناصر الهواء بأسمائها، ويعين الأوكسجين (أو مولد الحموضة)، فواقع الأمر أنه سبق بآرائه العلمية الفذة جميع العلماء والمكتشفين بألف سنة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ


العناصر الأربعة

لئن كنّا نفتقر إلى مصادر ومعلومات وافية عن دراسة الطب ومستواه في مدرسة الإمام الباقر (عليه السلام). فإنَّ الوضع بالنسبة إلى الفيزياء والهندسة يختلف عن ذلك.
كانت الفيزياء من العلوم التي تُدرس في مدرسة الإمام الباقر (ع)، ولدينا معلومات وافية عن الأبواب التي كانت تُدرس في الفيزياء والهندسة في هذه المدرسة.
أما الفيزياء والأبواب العلمية التي كانت تدرس في مدرسة الإمام الباقر(عليه السلام)، فكانت تدور حول فيزياء أرسطو، والفيزياء عند أرسطو تضم علوماً شتى كالميانيكا، وعلم الحيوان وعلم النبات والجيولوجيا، وإن كان العلماء في يومنا هذا لا يعدوّن علم الحيوان وعلم النبات من علوم الفيزياء.
ولكن، إذا كان مدلول الفيزياء يعني علم الأشياء، فقد مكان أرسطو محقاً في اعتبار هذه العلوم جميعاً جزءاً من الفيزياء.
وأغلب الظن أن هذا العلم وصل إلى شبه الجزيرة العربية وبنفس الأسلوب الذي وصلت به علوم الهندسة والجغرافيا، أي عن طريق أقباط مصر، وهناك من يعتقد بأن الطب انتقل من مدرسة الاسكندرية إلى مدرسة الإمام الباقر (عليه السلام)، على أنه ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا أنه بحلول هذا الوقت لم يعد باقياً أي أثر من آثار مدرسة الاسكندرية أو الحركة العلمية بهذه المدينة أو مكتبتها العامرة الشهيرة، وقُصارى ما بقي في متناول الناس هو بعض الكتب المستنسخة من مكتبة الاسكندرية، أو بعض ما بقي على قيد الحياة من تلاميذ هذه المدرسة، ولا سيما دعاة الفلسفة الأفلاطونية الجديدة، وقد انتهى إلينا فعلاً ما سجلوه عن هذه الفلسفة ونقلوه جيلاً بعد جيل.
تعلم جعفر الصادق (عليه السلام) الفيزياء والجغرافيا في مدرسة والده الإمام الباقر (عليه السلام). وقد أوردنا في ما تقدم نقده لنظرية بطليموس بشأن دوران الشمس حول الأرض، وملاحظاته عليها، وخروجه بنظرية عليمة أخرى قلبت النظرية السابقة.
وكان مما سمعه من والده الإمام الباقر (عليه السلام) في درس الفيزياء رأي ارسطو في أصل الطون، وأنه يتألف من عناصر أربعة هي: التراب، والماء، والهواء، والنار(1) فأبدى جعفر الصادق (عليه السلام) استغرابه لأن أرسطو لم ينتبه إلى أن العناصر الأربعة ومنها التراب ليست عناصر بسيطة غير قابلة للتجزئة، وقال إن التراب مركب من أجزاء وعناصر كثيرة، منها الحديد وهو بدوره مركب من أجزاء كل جزء منها يعتبر عنصراً مستقلاً.
وكان الاعتقاد بوجود عناصر أربعة سائداً منذ عصر ارسطو وإلى أيام الإمام الباقر (عليه السلام). أي ما يقرب من ألف سنة، والناس تذهب إلى ما ذهب إليه فلاسفة اليونان حول أصل الكون، وكانت العناصر الأ{بعة تعتبر ركناً هاماً في علم الأشياء، ولم يشكك أحد في صحة هذه النظرية طوال هذه الفترة الممتدة.
ولكن، ظهر بعد ألف سنة من قال بعدم صحة هذه النظرية، وبأن التراب إنما يتألف من عناصر متباينة وليس قوامه عنصراً بسيطاً. أما صاحب هذا الرأي فهو أصغر الطلبة سنّاً وأعمقهم تفكيراً في مدرسة الإمام الباقر (عليه السلام) ألا وهو جعفر الصادق، بل ان هذا الدارس الشاب ذهب إلى أبعد من هذا عندما أصبح مدرّساً وزعيماً لمدرسة أبيه الإمام الباقر (عليه السلام)، ففنَّد رأياً آخر لأرسطو بخصوص الهواء، وقال أن الهواء بدوره ليس عنصراً بسيطاً، بل هو مركب من أجزاء وعناصر شتى.
والواقع أن أبرز العلماء والفلاسفة منذ أيام أرسطو وإلى القرن الثامن عشر الميلادي الذي يعدّ قرن التقدّم والازدهار في ميادين العلوم، لم يكتشفوا أن الهواء ليس من العناصر البسيطة، ولم يقل أحد بهذا الـــرأي حتى جاء العــــالم الفرنسي لافوازيـــيه(2) فحلل الهواء، وساتخرج منه الأوكسجين، وبرهن على أثره الحيوي الفعّال في التنفس وفي حياة الإنسان وفي عمليات الاحتراق.
فأقبل جمهور العلماء والباحثين على رأي لافوازييه باهتمام، وسلّموا بأن الهواء مركب من عناصر مختلفة، ولم يمض وقت طويل حتى فوجئ المجتمع العلمي في يوم من أيام سنة 1794 بنبأ إعدام لافوازييه بالمقصلة في الثورة الفرنسية، وهكذا انتهت حياة أبي الكيمياء الحديثة، ولو قد مُدّ في عُمره، لحقق بلا ريب انجازات أخرى، ولأجرى تجارب علمية جديدة لها أهميتها أيضاً.
فلا بد إذن من الاعتراف بأن جعفراً الصادق، بذهابه إلى أن الهواء مركّب من عناصر مختلفة، قد سبق عصر العلم والاكتشافات الحديثة بألف سنة.
وعند الشيعة أن جعفراً الصادق (عليه السلام) كان يعلم المجهول ويكشف أسراره بقوة الإمامة، وهو قوة إلهية لدنية لا تتوافر إلا للإمام المعصوم وحده، ولكننا نرى أن جعفراً الصادق (عليه السلام) قد توصل إلى هــــذا الكشـــف بنقاء تفكـــيره وذكائه(3). ولو كان عالماً بالغيب، لكشف قانون تحويل المادة إلى طاقة، وهو ما اهتدى إليه آينشتين، وغيره من القوانين والكشوف العلمية التي تحققت بعد هذه الفترة. ولكن الصادق (عليه السلام) لم يُشر إلى أنه بقوى خفيّة، وإنما هو قد اجتهد في إثبات حقيقة علمية عز على علماء القرن الثامن عشر الميلادي فهمها، فقد ذهب هؤلاء العلماء ـ بعد اكتشاف لافوازييه ـ إلى أن الأوكسجين هو وحده المادة الحيوية في الهواء، وأن الأجزاء الأخرى في الهواء منعدمة النفع أو ضارة، في حين أن جعفراً الصادق قال إن الهواء مركب من عناصر، وأن عناصره ضرورية للتنفس ولبقاء الحياة.
وفي منتصف القرن التاسع عشر، صحح العلماء رأيهم في الأوكسجين، بعد ما تبينّوا أن هذا العنصر الهام اللازم لتنقية الدم واستمرار الحياة عند الإنسان ليس على هذه الدرجة من الفائدة والنفع للكائنات الأخرى، إذ تبين أن هناك كائنات حيّة لا تقوى على ستنشاق الأوكسجين الخالص فترة طويلة، لأن خلايا أجهزتها التنفسية تتأكسد وتتآكل بتفاعلها مع الأوكسجين، أي أن هذه الخلايا تحترق بفعل الأوكسجين الخالص.
والأوكسجين في حدّ ذاته لا يحرق، ولكنه يساعد على الاحتراق، فإذا تعرّض له جسم أو مادة، وكان هذا الجسم أو المادة مما يقبل الاحتراق، كانت النتيجة احتراقاً فعلاً، وإذا تنفّست الخلايا الموجودة داخل رئة الانسان أو الحيوان الاوكسجين الخالص فترة طويلة، احترقت هذه الخلايا، ومات الانسان أو الحيوان، ولهذا يوجد الأوكسجين في الهواء مختلطاً بغازات اخرى كفيلة بمنع أثره السيئ والضار عن حياة الانسان والحيوان. وبالوصول إلى هذه الحقيقة العلمية صحّ ما ذهب إليه جعفر الصادق (عليه السلام) من أن الهواء مفيد للانسان بمجموع أجزائه بما فيها ذلك أجزاؤه من الغازات الاخرى التي يوجد منها مقدار ضئيل فيه.
ومن قبيل المثال، نذكر أن لغاز (أوزون) L,ozone خواصاً كيميائية مشابهة لخواص الأوكسجين. وقوام جزيء(4) هذا الغاز ثلاث من ذرات الأوكسجين.
وإذا كان الظاهر أن غاز الأوزون لا يقوم بدور هام في التنفس، فواقع الأمر أن له تأثيراً فعّالاً في تثبيت الأوكسجين عند دخوله الدورة الدموية، أي انه يحافظ على الاوكسجين في الدم ولا يدعه يذهب هباء، وهذا يؤيد ما ذهب إليه جعفر الصادق (عليه السلام) من أن الهواء ـ بكل أجزائه ـ ضروري للحياة، وهي حقيقة أُميط عنها اللثام منذ منتصف القرن التاسع عشر.
ومن خواص الجسيمات الموجودة في الهواء، انها تمنع الأوكسجين من أن يؤثر تأثيراً سلبياً في الكائنات، ومن أن يحرق الرئتين والجهاز التنفسي، وقد برهنت التجارب العلمية على أن غاز الأوكسجين هو أثقل الغازات والجسيمات الموجودة في الهواء، ولولا أن الأوكسجين مختلط بالغازات والجسيمات الأخرى في الهواء، لثقل وزنه ورسب إلى الطبقة السفلى، وهو أمر لو حدث لجعل الأوكسجين يملأ سطح الأرض إلى ارتفاع معين، ولاتخذت الغازات الأخرى مكانها فوق الأوكسجين، كل غاز منها بحسب وزنه وثقله، ولأدى هذا الخلل إلى الإضرار بالجهاز التنفسي للإنسان والحيوان والنبات أيضاً، لأن النبات يحتاج بدوره إلى الأوكسجين ومعه الكربون، ولو حدث هذا الخلل لباتت حياة الإنسان والحيوان والنبات مهددة بأشد المخاطر، غير أن وجود غازات أخرى مختلطة بالأوكسجين في الهواء، يحول دون انفصال الأوكسجين ورسوبه، ويمد بالتالي في حياة الإنسان والحيوان والنبات.
وقد كان جعفر الصادق (عليه السلام) أول من فند القول بأن هناك عناصر أربعة، فقوض هذه النظرية من أساسها بعدما عاشت قرابة ألف سنة، وكان جعفر آنذاك في مستهل حياته العلمية الحافلة.
وربما تبادر إلى أذهاننا اليوم أن نظرية جعفر الصادق (عليه السلام) هي من البديهيات اليسيرة، وذلك بعد أن تم معرفة 102 من العناصر والمواد الموجودة حولنا، غير أننا إذا رجعنا القهقرى إلى القرن السابع الميلادي، لعرفنا أن نظرية جعفر الصادق (عليه السلام) كانت نظرية ثورية بجميع المقاييس، وإن لم تفطن العقول في وقته إلى حقيقة كون الهواء مركباً من عناصر متمازجة ومركبة. ولا بد هنا من أن نكرر أن أوروبا كانت في هذا العصر وإلى القرن الثامن عشر الميلادي عاجزة عن التذرع برحابة الصدر لقبول هذه النظرية أو غيرها من النظريات التي طلع بها جعفر الصادق (عليه السلام)، وسنقوم بإبراز هذه النظريات في فصول أخرى من هذا البحث. صحيح أن العواصم العلمية في الشرق، كالمدينة المنورة مثلاً، كانت تتدارس نظريات جعفر الصادق (عليه السلام) وتنشرها دون أن يرمى عالم بالكفر، ولكن الصحيح أيضاً أن أوروبا المسيحية كانت في ذلك الوقت تحكم بالكفر والزندقة على كل من يسوق رأياً يخالف الرأي الديني التقليدي بشأن الكون.

__________________________________________________
1 - القول بالعناصر الأربعة، أو جوهر الكون يرجع تاريخه إلى المذاهب الفلسفية الأولي في اليونان، أي مع ظهور المذهب الأيوني.
وقد حاول الأيونيون أن يردوا الأجسام المختلفة في الكون إلى أصل جوهري أو عنصر واحد، فزعم أولهم طاليس المالطي (624 ـ 545ق.م) الذي تعلم الهندسة في مصر، والفلك في بابل، واشترك مع قومه اليونانيين في قتال الفرس، زعم أن أصل الكون هو المادة، وأكد خلفه اناكسيمندر أن هذا العنصر غير معين ولا محدود، وزعم اناكسيمانس بعدهما أنه الهواء، وظن هراقليطس أنه النار.
وأجمعوا على أنه لا ينشأ شيء من العدم، ولا ينعدم شيء موجود، وأن كل ما نراه حولنا كان موجوداً منذ الأزل ـ بمادته لا بصورته ـ وسيظل موجوداً إلى الأبد (بمادته أيضاً وإن تغيرت صورته).
بهذا الرأي عدهم متفلسفو الإسلام في (الدهرين) الذين جحدوا الصانع المدبر للكون. كما قال الأيونيون أن العناصر الأولى يستحيل بعضها إلى بعض، فيصبح الماء تراباً والهواء ناراً الخ (ومن الملاحظ أن ما سموه (عناصر) إنما هو مركبات).
ثمَّ يأتي بعد الأيونيون دور الفلاسفة الطبيعيين المحدثين، ومن هذه الطبقة أنباذوقلس الصقلي (483 ـ 424 ق.م) وكان مولده بصقلية ثمَّ انتقل إلى جنوبي اليونان. وقد قال: إن العالم مركب من الاسطقسّات (العناصر) الأربعة، وهي الماء والهواء والتراب والنار، ولهذه العناصر صفات خاصة ثابتة لا تتبدل ولا تندثر، ولا يستحيل بعضها إلى بعض. ومن هذه العناصر الأربعة تتكون الأجسام كلها بالتحليل أو بالتركيب. ولمزيد من البحث يراجع كتاب: (تاريخ الفكر العربي) للدكتور عمر فروخ، ص 59، 78، 79. (المترجم).
2 - أنطون لافوازييه Lavoisier 1743 ـ 1794م كيميائي فرنسي يعتبر من مؤسسي الكيمياء الحديثة، وله كشوفات عدة منها تركيب الهواء، ودور الأوكسجين في الاحتراق، وقائمة الأجسام الكيميائية، وقد مات مقتولاً في الثورة الفرنسية الكبرى. (المترجم).
3 - هذا الكلام ـ بالطبع ـ منقول عن مستشرق فرنسي يأخذ في دراسته بالظواهر ولا يدين بالإسلام أو النبوة أو الإمامة. (المترجم).
4 - الجزيء (Le Mollecule) هو أصغر وحدات العنصر أو المرّكب ويتألف عادة من ذرة أو ذرتين، لكل منهما نفس خواص المادة، ولكن الجزيء يفقد بعضاً من خواص المادة متى قسّم إلى اقسام أصغر. وتتجلّى في الجزيء الحالات الثلاث للمادة، وهي الحالة الجامدة، والحالة السائلة والحالة الغازية، فإذا اقتربت الجزيئات بعضها من بعض، تكونت الحالة الجامدة، وإذا ابتعدت بفعل الحرارة، تكونت الحالة السائلة، فإن ازداد ابتعادها تكونت الحالة الغازية أو البخار. (المترجم).


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


نظرية الصادق (عليه السلام)بشأن الأرض


مر بنا أن الإنسان اهتدى إلى أن الأرض كروية منذ القديم، وأن جميع البحارة البرتغاليين والأسبان الذين بدؤوا رحلاتهم البحرية من منتصف القرن الخامس عشر إلى نهاية القرن السادس عشر لكشف العالم انطلقوا من هذا المبدأ (أي كروية الأرض)، ولا بد من الإقرار في هذه المناسبة بأن القرن السادس عشر كان زاخراً بالمفاجآت واكتشاف المجهول، ومتى قرأنا أخبار رحلة البعثة البرتغالية بقيادة (فاسكودوغاما) الذي اكتشف الطريق البحري إلى الهند، صغرت في أعيننا رحلة أبولو إلى القمر في القرن العشرين.
وإذا ما قرأنا عن رحلة (ماجلان)(1) ورفاقه (268 شخصاً) حول الأرض والتي استغرقت ثلاث سنين، وما عانوا من المتاعب وأسباب الحرمان والمخاطر بحيث لم يبق على قيد الحياة من أعضاء هذه البعثة الضخمة إلا 18 شخصاً فقط، لم يعد لقصة رحلات أبولو الفضائية ورحلات الأقمار الصناعية الضخمة لون فتان.
فالبحار فاسكودوجاما الذي اكتشف الطريق البحري إلى الهند، وكريستوف كولمبس الذي اكتشف أمريكا، وماجلان هو أول من طاف حول الأرض عن طريق البحر، كانوا يعلمون أن الأرض كروية، ولم يخرج أحد منهم في رحلته بقصد اكتشاف كروية الأرض، بل كانت رحلاتهم لأهداف مادية.
فقد بدأ فاسكودوجاما وكريستوف كولمبس وماجلان رحلاتهم للحصول على الأعشاب الطبية التي كانت تباع بأسعار خيالية في أوروبا. فإذا كان كريستوف كولمبس وماجلان اتخذا وجهة الغرب في رحلتهما تلك، لأن السفن الإسبانية لم يكن مسموحاً لها بأن تتوجه نحو الشرق بسبب أن البابا قسم العالم إلى جزأين شرقي وغربي، وأهدى النصف الشرقي إلى ملك البرتغال والجزء الغربي إلى ملك إسبانيا، فكان من نبوغ كريستوف كولمبس وماجلان وذكائهما أن خططا للوصول إلى القسم الشرقي وجزر الملوك (وهي منبت الأعشاب الطبية) بعد اجتياز الجزء الغربي من العالم آنذاك، فكانت أهداف جميع هؤلاء الرحالة العظام تجارية ومادية بحتة. ولم يحفل أحد منهم لا بأن الأرض كروية ولا بأن لها حركة أو أنها تدور حول نفسها.
وليس لدينا ما يثبت أن جاليلو، وهو العالم الإيطالي الذي كان أول من اكتشف أن الأرض تدور حول الشمس، قد اهتدى أيضاً إلى أن الأرض تدور حول نفسها. ويلوح أن هذا الباحث الفيزيائي والمنجم، الذي يدين له التقدم العلمي في العالم بفضل القوانين العلمية التي وضعها لأول مرة، والذي مات بعد اكتشاف أمريكا بقرن ونصف قرن، كان يقول بدوران الأرض حول الشمس فقط، وأن محكمة التفتيش العقائدية (انكيزيسيون) حاكمت جاليلو، لمجرد أنه قال أن الأرض تدور حول الشمس، وأكرهته على التوبة والاستغفار.
وبدأ البحار البريطاني (فرانسيس دريك) رحلة حول الأرض في سنة 1577، أي بعد ماجلان بخمس وسبعين سنة، واستمرت رحلته إلى عام 1580، وكان ذلك بعدما اشتهرت نظرية كروية الأرض وشاعت في مختلف الأوساط. ولكنه لم يكن يعلم بدوره ما إذا كانت الأرض تدور حول نفسها أو لا؟
ولكي نفطن إلى أن نظرية دوران الأرض حول نفسها كانت من النظريان البعيدة عن الإدراك والفهم، تتعين الإشارة إلى أن عالم الرياضيات الفرنسي هنري بوانكاره (Henry Poincarre) الذي توفي عام 1912م عن عمر ناهز السابعة والخمسين وكان يعد ألمع عالم في الرياضيات في هذا العصر، كان يمزح ويقول: إنني غير متأكد من أن الأرض تدور حول نفسها. فإن صح بأن عالماً فذاً كهنري بوانكاره تشكك، ولو على سبيل الفكاهة في مطلع القرن العشرين بأن الأرض تدور حول نفسها، فمن اليسير علينا أن ندرك ماذا كان الناس يتصورون أو يقولون بشأن هذه النظرية في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي (النصف الأول من القرن الثاني الهجري) إذ كان قبول هذه النظرية شبه مستحيل.
ودوران الأرض حول نفسها لم يثبت علمياً إلا بعدما وضع الإنسان قدميه على سطح القمر، وشاهد الكرة الأرضية من هناك وسجل حركتها. أما قائدو المكوكات الفضائية فلم يتمكنوا من تسجيل حركة الأرض حول نفسها قبل وصول البشر إلى القمر، لأن مراكب الفضاء كانت تنطلق بسرعة فائقة وتدور حول الأرض مرة في كل 90 دقيقة، ولم تثبت أقدام رواد الفضاء في نقطة ما ليشاهدوا منها حركة الأرض، ولكن هذا تحقق من سطح القمر ومع أجهزة التصوير الدقيقة فشاهدوا عندئذ حركة الأرض وصوروها أيضاً.
وبفضل التقدم العلمي والصناعي الذي تحقق للإنسان في القرن العشرين، عرفنا أن كل نجم في منظومتنا الشمسية يدور حول نفسه، وأن حركة النجوم في المنظومة الشمسية تخضع لقوانين ميكانيكية دقيقة، وأن كرة الشمس التي تدور حولها الكرات الأخرى، والتي تمثل القطب أو المركز، تدور بدورها حول نفسها وتتصل حركتها حول نفسها في منطقة خط الاستواء فتمتد إلى مرة في كل 25 يوماً.
وعندما اخترع جاليلو المنظار الفلكي، استطاع بمساعدته رصد المنظومة الشمسية والأجرام، وأيقن أن هذه الأجرام تدور كذلك حول نفسها.
صحيح أن جاليلو رأى الكرة الأرضية تدور حول الشمس كغيرها من الكواكب، ولا يستبعد أبداً أن يكون قد انتهى إلى أن الأرض تدور بدورها حول نفسها، ولكننا لا نقع في مؤلفاته على أثر لهذا الكشف، ولعله وهو الذي اضطر ـفي ما بعدـ إلى إنكار نظريته في دوران الأرض حول الشمس، خوفاً من محكمة التفتيش العقائدية قد آثر أن يحجب رأيه المتعلق بدوران الأرض حول نفسها لئلا توقع عليه العقوبة الصارمة المؤكدة وهي الإحراق بالنار، إن عرف عنه ـ بعد تراجعه وتوبته ـ أنه يدعو إلى رأي جديد هو أن الأرض تدور حول نفسها. وليس في مذكرات جاليليو التي تركها بعد وفاته ما يدل على أنه عرف أن الأرض تدور حول نفسها. وفي القرن السادس عشر الميلادي ظهر في الدانمارك عالم فلكي آخر هو (تيخو براهة) أو (تيكو براهة) وكان ينتمي إلى طبقة الأشراف المترفة في بلاده على النقيض من كوبر نيكوس البولوني الذي كان رقيق الحال لا يجد ما يسد به جوعه.
وقد مهدت أبحاث تيخو في علم الفلك طريق الكشف أمام العالم الألماني كبلر، فوضع هذا الأخير قوانينه الفلكية الثلاثة المشهورة الخاصة بحركة السيارات ـ ومنها الكرة الأرضية ـ حول الشمس.
ولكن تيخو براهة لم يهتد بدوره إلى أن الأرض تدور حول نفسها، وقد كان يعيش في الدانمارك بعيداً عن سلطة محاكم التفتيش ونفوذها، فلو اهتدى إلى هذه النتيجة، لبادر إلى إعلانها غير متظير من احتمال العقاب شأنه في هذا شأن كوبر نيكوس البولوني وكبلر الألماني اللذين كانا يعيشان خارج نفوذ محاكم التفتيش.
والغريب أنه في الوقت الذي كانت فيه محاكم التفتيش مشغولة بتعقيب القائلين بنظرية دوران الأرض حول الشمس وإنزال أشد العقوبات صرامة بالداعين إلى هذه النظرية، كانت الكتب والملاهي الخليعة واسعة الانتشار ولا تتعرض لها محاكم التفتيش على أي نحو كان.
وقد توفي تيخو براهة في سنة 1601م وتوفي كبلر في سنة 1630م، وظلت القوانين الثلاثة التي وضعها كبلر عن حركة السيارات تظفر بإعجاب الأوساط العلمية في ذلك الوقت إلى يومنا هذا، وكان مما ذهب إليه في حركة النجوم أن السيارات ومنها الكرة الأرضية تدور حول الشمس في مسار بيضاوي الشكل وليس دائرياً كما ذهب كوبر نيكوس(2). ولسنا هنا في مقام التحديد بالتفصيل عن قوانين كبلر الفلسفية وحسبنا أننا أشرنا إليها بالإيجاز الذي يقتضيه السياق.
وصحيح أن كبلر باكتشافه القوانين الثلاثة وبأن الكرة الأرضية تدور حول نفسها قد أثبت للعالم نبوغه العلمي، ولكن الإمام جعفراً الصادق (عليه السلام) اكتشف هذه الحقيقة العلمية قبله باثني عشر قرناً، وقال أن الأرض تدور حول نفسها، وأن تعاقب الليل والنهار ليس سببه حركة الشمس حول الأرض. ثم قال إن مثل هذه الحركة مستحيلة مع دوران الشمس في منطقة البروج، وأن الليل والنهار ناشئان عن حركة الأرض حول نفسها. فيصبح نصف الكرة الأرضية في نهار مشرق، ونصفها الآخر في ليل مظلم(3).
فما الذي جعل الإمام جعفراً الصادق (عليه السلام) يكتشف أن الأرض تدور حول نفسها فيتعاقب الليل والنهار بسبب ذلك. سابقاً العلماء جميعاً، ومنذ اثني عشر قرناً؟
في حين أن علماء القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين الذين أشرنا إلى أسماء بعضهم، قد اهتدوا إلى القوانين الميكانيكية للنجوم دون أن يتوصلوا إلى حقيقة دوران الأرض حول نفسها، وفي حين أن الإمام الصادق (عليه السلام) يعيش في منطقة بعيدة كل البعد عن عواصم العلوم في روما واليونان، فكيف اكتشف هذه الحقيقة؟
لقد كانت هناك عواصم علمية في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) هي أنطاكية والقسطنطينية وجنديسابور وبغداد، ولكنها لم تكن قد برزت بعد، ولا وجد فيها من اكتشف هذه النظرية.
هنا يثور السؤال: هل كان الإمام الصادق (عليه السلام) الذي اهتدى إلى هذه الحقيقة العلمية، على علم بقوانين ميكانيكية النجوم، وهل كان يعرف أن هذه الأجرام تدور حول نفسها وحول الشمس وفقاً لقانون الجاذبية بجانبيه الموجب والسالب، الجاذب والطارد، الصادر من القاعدة أو المركز والعائد إليها؟
ولا يستبعد أبداً أن يكون الإمام العالم جعفر الصادق (عليه السلام) الذي اكتشف نظرية دوران الأرض حول نفسها، قد توصل قبل ذلك إلى قانون الجاذبية. فهذا القانون هو أساس تلك النظرية، ومن المنطقي أن يكون اهتداؤه إلى قانون الجاذبية قد هون عليه الاهتداء إلى نظرية دوران الأرض حول نفسها.

____________________________________________
1 - ماجلان (Magellan) 1480ـ 1521م رائد برتغالي اكتشف المضيق الذي أطلق عليه اسمه في جنوب أمريكا اللاتينية عندما عبره في طوافة حول العالم عبر المحيط الهادي من الشرق إلى الغرب في مائة وعشرة أيام، دون أن يواجه متاعب في البحر أو أمواجاً عاتية. فسمي هذا البحر بالمحيط الهادي، ثمَّ وصل إلى جزر سماها باسم ملك إسبانيا الذي كان في خدمته (قليلين)، وقتل ماجلان في مصادمة مع سكان الجزر، فخلفه البحار (سباستيانوـ انكانو) الذي قاد السفينة ومن عليها (18 شخصاً) إلى إسبانيا وتسلم نيشان الكانو الذهبي من ملك إسبانيا، وبقيت أسرته تحظى بالاحترام طوال قرون، ولكن ماجلان لم يخلف أحداً من بعده. ومضيق ماجلان هو ذراع بحرية بين طرفي أمريكا الجنوبي وأرض النار.
2 - للدائرة مركز واحد يسمى القطب، أما الشكل البيضوي فله قاعدتان.
3 - ظهرت نظرية الإمام الصادق (عليه السلام) هذه من خلال ما كان يلقيه على تلاميذه ومن خلال أحاديثه مع أصحابه ومواليه في مناسبات شتى. ومن ذلك ما رواه (الكافي) عن أحمد بن محمد وعلي بن محمد جميعاً عن علي ابن الحسن التيمي عن محمد بن الخطاب الواسطي عن يونس بن عبد الرحمن عن أحمد بن عمر الحلبي عن حماد والأزدي عن هشام الخفاف، قال: قال لي أبو عبد الله (جعفر الصادق) (عليه السلام): كيف بصرت بالنجوم؟ قال، قلت: ما خلفت بالعراق أبصر بالنجوم مني. فقال: كيف دوران الفلك عندكم؟ قال: فأخذت قلنسوتي عن رأسي فأدرتها. فقال: فإن كان الأمر على ما تقول، فما بال بنات نعش والجدي والفرقدين لا يرون يدورون يوماً من الدهر في القبلة؟ (وفي (المناقب): لا تدور يوماً من الدهر في القبلة؟) قال، قلت: والله هذا شيء لا أعرفه، ولا سمعت أحداً من أهل الحساب يذكره. فقال لي: كم السكينة من الزهرة جزءاً في ضوئها؟ قال، قلت: هذا والله نجم ما سمعت به، ولا سمعت أحداً من الناس يذكره. فقال: سبحان الله، أسقطتم نجماً بأسره، فعلى ما تحسبون؟..
إلى آخره. (من الكافي ج8 ص351. المناقب ج4 ص265) وهنا يسقط الإمام نظرية دوران الشمس حول الأرض لأنها إن صحت، فكيف نهتدي بالجدي ونراه (والجدي نجم في القطب يهتدى به إلى القبلة). وبنات نعش والفرقدان لا تترك مواقعها، وإنما الأرض التي تتحرك حول نفسها ثم تتحرك في دائرة أوسع حول الشمس. (المترجم



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ونظرية نشأة الكون

أتينا فيما سبق على نظرية الإمام الصادق (عليه السلام) بشأن حركة الأرض ودورانها حول نفسها. وربما تراءى للمرء أن يقول أن الإمام جعفراً الصادق (عليه السلام) قد اهتدى إلى هذه النظرية بقوة حدسه أو بمحض الصدفة، إذ كثيراً ما يحدس الإنسان بأمر أو يرجم به، فيصادف حدسه الواقع في ما بعد. ولكن يبقى دائماً سؤال هام هو: لم لم يهتد أحد إلى أن الأرض تدور حول نفسها طوال هذه القرون، وكان الصادق (عليه السلام) وحده صاحب هذا الكشف؟
وأرجح الآراء أن الإمام جعفراً الصادق (عليه السلام) توصل إلى معرفة القوانين الميكلنيكية لحركة النجوم من خلال معرفته لحركة الأرض ودورانها، فلولا معلافته بتلك القوانين لما استطاع التوصل إلى هذه النتيجة، فمثل هذه المعرفة لا تتحصل مصادفة ولا يحدث بها المرء، وإنما تتحصل بمعرفة العلة والمعلول، حتى وإن لم تذكر العلة التي أفضت إلى المعلول، أي النتيجة.
وللإمام آراء علمية جريئة في الفيزياء وغيرها من العلوم لا تختلف أبداً عن النظريات العلمية في عصرنا الحديث. ولو قرأ عالم فيزيائي اليوم نظرية الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في موضوع نشأة الكون، في إطار القوانين الكونية بعد، وكل ما قيل في هذا الصدد هو نظريات وآراء تحتمل الصواب والخطأ.
على أن نظرية الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قد تميزت بكونها انطلقت قبل اثني عشر قرناً، وأنها مع ذلك تطابق النظريات الفيزيائية الحديثة بشأن نشأة الكون.
أما نظرية الإمام الصادق (عليه السلام) الخاصة بنشأة الكون، فلا تختلف عن النظرية العصرية الخاصة بالذرة وأصل الكون. وقد أشار الإمام (عليه السلام) إلى وجود قطبين متضادين، وهو ما يماثل القوتين الإيجابية والسلبية داخل الذرة، ومنهما تتألف الذرة نفسها، وتتولد المادة من الذرة..
وقد مر بنا أن بعض فلاسفة اليونان في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد قد طلعوا بآراء حول نشأة الكون وأصل العالم، منهم ديمقريطس الذي قال بنظرية شبيهة إلى حد بعيد بنظرية الذرة في العصر الحديث. ولا يستبعد أن يكون الإمام الصادق (عليه السلام) قد وقف على نظريات هؤلاء الفلاسفة، وأن نظريته المتعلقة بنشأة الكون قائمة على هذا الأساس.
وليس ثمة ريب في أن الإمام جعفراً الصادق (عليه السلام) قد ألم بآراء فلاسفة اليونان ونظرياتهم، وأن هذه الآراء والنظريات كانت تنتقل إلى المدينة عن طريق أقباط مصر، تماماً كما انتقل نموذج الكرة الأرضية من مصر إلى المدينة(1).
ولا يستبعد أبداً أن يكون الإمام الصادق (عليه السلام) قد وقف أيضاً على نظريات فلاسفة الإغريق الذين عاشوا قبله بثلاثة عشر قرناً. وهي النظريات المتعلقة بأصل الكون، إلا أن الإمام أضاف إليها ما هدته إليه بديهته الذكية، فأخرج نظرية علمية دقيقة تتفق مع نظرية علماء لفيزياء في هذا القرن، بل إن العلماء المعاصرين لم يضيفوا إليها إضافة جديدة ذات بال.
والنقطة المحورية في نظرية الإمام الصادق (عليه السلام) هي موضوع القطبين المتضادين. أما فلاسفة الإغريق من قبله، فلم يتحروا هذه النقطة بمثل ما وضحها الإمام، واقتصروا على القول بأن في الوجود أضداداً، وقال بعضهم بأن الشيء يتميز بضده ويعرف به.
وتتجلى بوضوح في نظرية نشأة الكون عند الإمام نظريته الخاصة بالأضداد، بما لا يتضح في نظريات فلاسفة الإغريق القدامى أو فلاسفة الإسكندرية، ناهيك عن أن هؤلاء الفلاسفة قد ساقوا نظرية الأضداد في غير اطمئنان إلى صحتها، وأفسحوا المجال أمام الباحثين في إثباتها أو دحضها، وطبيعي أن النظرية كانت غير مكتملة الدقة، وكانت تحتمل الطعن في سلامتها.
فإذا انتقلنا إلى نظرية الإمام الصادق (عليه السلام)، ألفيناها واضحة العرض والتعليل. فقد جزم بها واستغنى بذلك عن استخدام أي عبارة توحي بمعنى التحفظ أو الاحتياط، فهو قد كان واثقاً من سلامة رأيه ولا يعتوره أدنى شك في صحة نظريته. وكما سبق القول، فإن الشيعة ترى أن اهتداء الإمام إلى أسرار الكون والنجوم وعلوم الفيزياء والرياضيات وما إليها إنما هو من خصائص الإمامة، أي من مقتضيات العلم اللدني الباطني الذي يهبه الله لأئمته، ولا يكتسبه المرء بالتجربة والاختبار.
أما المؤرخ الباحث عن الحقيقة المجردة، فلا بد له من متابعة مجريات الأحداث وتعليلها واستقصاء الأسباب والوصول إلى النتائج، وليس من ديدنه القول باللدنية أو العلم الباطني. وقد عرف المؤرخ وغير المؤرخ أن الإمام جعفراً الصادق (عليه السلام) كان يحصل العلم بحضوره درس أبيه الباقر، وكان يشتغل بالتدريس والتعليم، فلا سبيل إذن إلى القول بأن علمه لدني، ناله دون دراسة أو اجتهاد أو إمعان فكر(2).
والعلماء الذين سطروا تاريخ الإمام الصادق (عليه السلام) قد رأوا فيه عالماً فذاً يأخذ بمناهج العلماء الأفذاذ، وكانت قدرته الفكرية الألمعية تفوق قدرة جميع معاصريه من العلماء والباحثين، وقد استطاع باستثمار هذه القدرة الإتيان بما تحقق له من نظريات علمية وكشوف لم يسبقه إليها أحد(3).
وإن نظرية القطبين المتضادين التي طلع بها الإمام الصادق (عليه السلام) قد ظهرت أهميتها في القرن السابع عشر الميلادي، عندما أثبت علم الفيزياء وجود هذين القطبين. والذين عاصروا الإمام ظنوه قائلاً بما قالت به الفلاسفة من قبله من أن الشيء يعرف بضده، ولهذا لم يعوا كلامه، ولا احتفوا به الحفاوة الخليقة به، ولكن ما نعرفه اليوم من علوم الذرة والكهرباء والالكترونيات قد قطع بسلامة هذه النظرية، وأكد أن هناك قطبين متضادين في المغناطيس وفي الكهرباء وفي نواة الذرة وفي غير ذلك من ميادين العلوم.
وقد استوفينا القول في علم الإمام الصادق (عليه السلام) بالجغرافيا وعلم الهيئة والنجوم، وها نحن نفيض الآن في الحديث عن إسهامه في موضوع نشأة الكون وأصل العالم، وننتقل بعد ذلك إلى دوره في علوم الفيزياء وغيرها من العلوم. وسنرى أن الإمام جعفراً (عليه السلام) قد تعرض في مباحث الفيزياء لمسائل لم يتعرض لها أحد، لا قبله ولا بعده إلى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي. ومن ذلك مثلاً قانون الأجسام الصلبة، فقد صنف تلك الأجسام إلى أجسام كدرة وأخرى مصقولة شفافة، إذ قال: كل جسم صلب جامد يكون كدراً، وكل جسم جامد دافع يكون لماعاً وشفافاً. وقال في الرد على سؤال: ما الذي يجذب؟ إن الحرارة هي التي تجذب.
وقد أصبحت هذه النظرية في يومنا الحاضر قانوناً علمياً في الكهرباء والفيزياء. أفليس مما يدهش أن يكون القائل بهذه النظرية منتمياً إلى منتصف القرن السابع الميلادي؟ ولعلنا في يومنا هذا، لو سألنا مائة شخص كيف أن من الأجسام الصلبة ما هو لماع وما هو كدر، لما استطاع أحد منهم أن يجيء بالجواب الصحيح، أي أن يقول لنا سبب كون الحديد كدراً والبلور أو الألماس لماعاً وشفافاً؟
ونعرف في قوانين الفيزياء الحديثة أن كل جسم كدر تصدر عنه أمواج وأشعة حرارية، فيكون موصلاً جيداً للحرارة وللأمواج الالكترونية. وأن الأجسام التي لا تنتقل الحرارة منها بسهولة، أي غير الموصلة للحرارة الجاذبة لها أو الناقلة الأمواج الالكترونية، تعتبر أجساماً عائقة، وتكون شفافة لماعة(4).
والإمام الصادق (عليه السلام) لم يتحدث عن أمواج كهرطيسية (كهربائية مغنطيسية)، ولكنه تحدث عن الحرارة، وجاءت أقواله مطابقة لقوانين الفيزياء في يومنا هذا. وبعبارة أخرى، أن الأجسام الكدرة كالحديد تنقل الأمواج الكهرطيسية وتنقل الحرارة وتجذب، في حين أن الأجسام التي لا توصل الحرارة أو توصلها ببطء وتحول دون انتقال الأمواج الكهرطيسية تعتبر أجساماً عائقة، وتكون لماعة شفافة.
وتقوم نظرية الإمام الصادق (عليه السلام) في كدر الأجسام أو صفائها على أساس الجاذبية والقدرة على الشد والقبض. ولما سئل عن سبب كدر الأجسام أو صفائها قال: إن الجسم القابض للحرارة كدر، والأجسام التي لا تمتص الحرارة شفافة على اختلاف مراتبها.
ولا تقل نظرية الجاذبية عند الإمام الصادق (عليه السلام) في أهميتها عن نظريته القائلة بوجود قطبين متضادين، وهي تطابق قوانين الفيزياء الحديثة من حيث تعليل أسباب كدر الأجسام الصلبة أو صفائها.
ولا ريب في أن العقلية التي اكتشفت الأسباب الكامنة وراء صفاء الأجسام الصلبة أو كدرها منذ اثني عشر قرناً هي عقلية سبقت جميع معاصريها، وليس من الغلو في شيء القول بأنها عقلية عبقرية فريدة في ميادين العلوم. ولم ينته علم الإمام الصادق (عليه السلام) عند هذه النظرية وما سبق له كشفه من نظريات، بل إن له في العلوم نظريات أخرى لا تقل أهمية عما أوردناه.
ولا بد من الإشارة هنا إلى ناحية هامة، وهي أن الصادق (عليه السلام) يشرح نظرياته شرحاً مبيناً واضحاً، ويعرضها عرضاً علمياً سهل الفهم والإدراك، بحيث تستطيع الأذهان تقبله واستيعابه. فالقوانين العلمية التي أتى بها قد ساقها بأسلوب واضح، وصاغها بعبارات لا تحتمل اللبس، إدراكاً منه لحقيقتين، هما أن انتشار العلم رهن بالقدرة على فهمه، وأن قوانين العلوم تبقى للدهر، ولا تنتهي بوفاة واضعيها.
وهذا القول يصدق أيضاً على الحكم والأمثال السائرة، ولا بد لسهولة تقبلها من الناس وسريانها على الألسنة من أن تكون سلسلة العبارة سهلة المأتى بليغة التعبير. وهكذا تدخل الأمثال إلى المعاجم، وتبقى جزءاً من الثقافة العامة للناس جميعاً، يستشهدون بها ويتناقلونها.
وللإمام الصادق (عليه السلام) حكم وكلمات قصار شاعت بين الناس، وتقبلتها أقوال كثيرة قبولاً حسناً بل منهم من رواها دون أن يفطن إلى واضعها ومنشئها.
ومن الحكم التي ساقها الإمام الصادق (عليه السلام) قوله مثلاً: (الإنسان إذا مرض أو وجع عرف نفسه). ولئن قال الصادق (عليه السلام) هذه الحكمة في المدينة، فقد شاعت عند أمم كثيرة في آسيا وإفريقيا وأوروبا ثم أمريكا، ومن سمعها عرف أن قائلها أصاب كبد الحقيقة. وها نحن في عصرنا هذا نرى العالم النفسي الكندي (مارشال ماك لوهان) يعد هذه الحكمة من قوانين علم النفس، فيقول أن الإنسان لا ينسى نفسه فقط عندما يحل به ألم، إذ أنه كثيراً ما ينسى نفسه ووجوده في غياب الألم وتوافر الصحة.
ومما ساعد على انتشار هذه الحكمة الجعفرية في العالم وحمل الأقوام على تقبلها، أنها حكمة صحيحة وسهلة الفهم في آن واحد. وفي وسع كل منا أن يتحقق من صدقها، فيعرف أن الإنسان لا ينسى نفسه أو ينسى أنه حي إذا ما أصابه ألم أو مرض.
فمهما تكن قدرة الإنسان على الصبر والتحمل، فلا يسعه في حالة المرض أن ينسى نفسه، لأن الألم يشعره طول الوقت بأنه حي، ويصدق هذا أيضاً في حالة إصابة الإنسان بألم روحي يزيد من شعوره بأنه حي يتأمل.

_____________________________________________
1 - القول بأن الإمام جعفراً الصادق (عليه السلام) أخذ نظرياته العلمية من مصادر إغريقية، لا يستند إلى دليل تاريخي مقنع، فضلاً عن أن تاريخ الإمام وسيرته يثبتان خلاف ذلك. وعلى سبيل المثال، نورد مناظرة للإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في مجلس الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، مع طبيب هندي كان يقرأ على المنصور كتب الطب، فأخذ الإمام الصادق (عليه السلام) ينصت لقراءته، فلما فرغ، قال: يا أبا عبد الله، أتريد مما معي شيئاً؟ قال: لا، لأن ما معي خير مما معك. قال: ما هو؟ قال: أداوي الحار بالبارد، والبارد بالحار، والرطب باليابس، واليابس بالرطب، وأرد الأمر كله إلى الله،
واستعمل ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأعلم أن المعدة بيت الأدواء، وأن الحمية هي الدواء، وأعود البدن ما اعتاد. قال: وهل الطب إلا هذا؟ قال الصادق (عليه السلام): أفتراني عن كتب الطب أخذت؟ قال: نعم. قال: لا والله ما أخذت إلا عن الله سبحانه وتعالى، واستمر الحديث والمناظرة بأسئلة ألقاها الإمام على الطبيب الهندي عجز عن إجابتها. المناقب ج4 ص260.
2 - إن حضور الإمام الصادق (عليه السلام) درس أبيه الإمام الباقر (عليه السلام) دون سواه، واختصاص الإمام الباقر (عليه السلام) لوحده بإفاضته العلم إلى الإمام الصادق (عليه السلام) خير دليل على أن علم الصادق (عليه السلام) ليس علماً اكتسابياً لأن الباقر (عليه السلام) نفسه لم يأخذ العلم قبل ذلك من الآخرين.
3 - للمجمع العلمي للدراسات الإسلامية بجامعة ستراسبورغ دراسات تاريخية حول الشخصيات الإسلامية تتناول الوجهة التاريخية وحدها بتجرد وموضوعية، بالإضافة إلى أن معظم الباحثين فيه هم من غير المسلمين أو الشيعة، فلا ينتظر منهم أن يعترفوا بالأئمة أو الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) شأن المسلم. وعندنا أن الإمام فضله الله وكرمه بمنبته الطيّب الطاهر، وأخذ العلم عن أبيه وعن جده الرسول (صلى الله عليه وآله) وهو المعلم الأول لهم، وهم أعلم الناس بأقوال الرسول (صلى الله عليه وآله) وسنته، والعلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء، فهم مواطن العلم وأهله (المترجم).
4 - الأمواج الكهرطيسية هي الأمواج التي بواسطتها نسمع أصوات الإذاعة (الراديو) ونرى صور التليفيزيون. وتقول المجلات العلمية الأوروبية والأمريكية أنه إن قدر للبشر ذات يوم أن يتراسلوا ويتحادثوا مع سكان الكواكب الأخرى، فأكبر الاحتمالات أن ذلك سيتم عن طريق الموجات الكهرطيسية (الكهربية المغنطيسية).



__________________________________________________ __




يتبع


fuq kqvdhj ,ug,l hghlhl hgwh]r hgjd hwfpj lki[ d]vs fhgyvf ,fuq hgug,l hgydv l;jati



توقيع : حسيني الهوى
رد مع اقتباس
قديم 2014/04/07, 09:09 PM   #2
حسيني الهوى

موالي ذهبي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 1712
تاريخ التسجيل: 2013/07/09
المشاركات: 1,028
حسيني الهوى غير متواجد حالياً
المستوى : حسيني الهوى is on a distinguished road




عرض البوم صور حسيني الهوى
افتراضي



نظرية الضوء عند الإمام الصادق (عليه السلام)

من مبتدعات الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) نظريته الخاصة بالضوء. فمن رأيه أن الضوء ينعكس من الأجسام على صفحة العين البشرية، أما الأجسام البعيدة فلا ينعكس منها إلا جزء صغير من الضوء، ولهذا تتعذر رؤيتها بالوضوح الكافي. أما إذا استعنا بجهاز أو آلة لتقريب الضوء إلى العين، كالجهاز الكهربي الضوئي مثلاً فعندئذ يمكننا مشاهدة الجسم البعيد بنفس حجمه الحقيقي وبوضوح تام، بمعنى أن الجسم الذي يبعد عنا بثلاثة آلاف ذراع، نراه وكأنه يبعد عنا بستين ذراعاً، فنكون بذلك قد قربناه أكثر من خمسين مرة.
ونتيجة للاتصال الذي تحقق بين أوربا والشرق في أثناء الحروب الصليبية، انتقلت هذه النظرية من الشرق إلى أوروبا، ودرست في المعاهد العلمية والجامعات الأوربية. وكان من جملة المهتمين بها روجر بيكون(1) الأستاذ بجامعة أكسفورد.
وجاءت نظرية بيكون في الضوء مطابقة لنظرية الإمام الصادق (عليه السلام). فلو استعنا بما يقرب ضوء الأجسام البعيدة إلى عيوننا، لأمكننا مشاهدتها وقد قربت إلينا خمسين مرة عن يُعدها الحقيقي.
وبفضل هذه النظرية اخترع ليبرشي الفلامندي المجهر في عام 1608م، واستعان غاليليو بهذا المجهر في اختراع المرقب الفلكي في عام 1610م. وفي ليلة السابع من يناير سنة 1610، بدأ غاليليو يرصد النجوم مستعيناً بمرقبه، ولا يستبعد بسبب قرب الفاصل الزمني بين الاختاعين ـوهو سنتان لا غيرـ أن تكون الفكرة تبلورت عند هذين العالمين في وقت واحد، وإن كان غاليليو استفاد من مجهر العالم الفلامندي وحاول قدر المستطاع علاج ما فيه من قصور، مع ما كان متاحاً في ذلك الوقت من إمكانيات تقنية محدودة.
وكان غاليليو من خريجي جامعة (بادوا) الشهيرة في مملكة (باتاويوم) التي سميت في ما بعد (بوني تي) والتي تسمى عاصمتها اليوم فينيسيا أو البندقية. وبعد تخرجه أصبح أستاذاً في نفس الجامعة. وعندما شرع يرصد النجوم في أول ليلة، حيره منها أن يرى القمر شبيهاً بالأرض من حيث أن سطحه تغطيه سلاسل من الجبال والوديان، فتحقق من أن الكون لا ينحصر في الكرة الأرضية، وأن القمر بدوره عالم من عوالم دنيانا الكثيرة.
ولولا فرضية الضوء التي أتى بها الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، لما تمكن ليبرشي الفلامندي وغاليليو من صنع المجهر الفلكي لرصد انعكاس ضوء الشمس على الكواكب الأخرى، وبالتالي تأكيد نظرية كوبرنيكوس وكبلر القائلة إن الكرة الأرضية تدور حول الشمس وكواكب أخرى.
وكان للمجهر الفلكي الذي صنعه غاليليو صدى بعيد في الأوساط العلمية المختلفة في البندقية، حتى إن رئيس الجمهورية (دوج) وعدداً من نواب مجلس الأعيان استبد بهم الشوق لرؤية الأجرام السماوية من خلال هذا المرقب. فاضطر إلى نقله من مدينة بادوا الجامعية إلى العاصمة (البندقية)، وأقامه على برج من أبراج الكنيسة لكي يتسنى لأعضاء مجلس الأعيان التطلع إلى السماء في الليل ورؤية النجوم والكواكب.
ولما سئل غاليليو عن سر رؤية سطح القمر وما عليه بوضوح، ردد نظرية الإمام الصادق (عليه السلام)، وهي أن هذا نتيجة لانعكاس الضوء من سطح القمر ووصوله إلى العين. وقال إن هذا المرقب يجمع أشعة الضوء المنعكسة من سطح القمر ويقربها إلى العين، فتراه قريباً منها.
وبمشاهدة غاليليو لكواكب عطارد والزهرة والمشتري في أحوالها المختلفة من الهلال إلى المحاق، تثبت نظرية كوبر نيكوس وكبلر(2).
ومن الحقائق العلمية المؤسفة أن الشخصية الفذة للفيلسوف الإغريقي أرسطو(3) القائل إن الأرض ثابتة ولا تتحرك وإن الشمس والنجوم تدور من حولها، والشخصية العلمية الرصينة للعالم بطليموس الذي جاء بعد أرسطو بخمسة قرون وأكد نظريته هذه، قد حالتا دون تقدم علم الفلك قرابة ألف وثمانمائة عام، أي من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الخامس عشر الميلادي.
ولا يسع أحداً أن ينكر فضل أرسطو على العلم، ولأهمية مؤلفاته في المنطق كلاورغانون وفي العلوم كالحس والمحسوس التي تعد من التراث الإنساني الخالد، ولكن نظريته الفلكية عطلت تطور العلوم الفلكية طوال ثمانية عشر قرناً، ولولا ذلك، لما كان من المستبعد أن يتقدم بعصر النهضة فينطلق من القرن السابع الميلادي أو قبل ذلك.
وبدأ عصر النهضة بالنظرية التي طلع بها العالم البولوني كوبر نيكوس القائلة بأن الأرض تدور حول الشمس، وجاء بعده العالم الألماني كبلر ليدعم هذه النظرية ويميط اللثام عن قوانين حركة السيارات حول الشمس، ومنها الأرض. ثم جاء غاليلو من بعدهما، فبث روحاً جديدة في هذه الحركة العلمية وأعطاها دفعة قوية بإثباته حركة السيارات حول الشمس بالرؤية والعيان.
ولولا هؤلاء الثلاثة، وما تمخضت عنه جهودهم وبحوثهم العلمية، لما ظهر فيلسوف مثل ديكارت(4) بمنهاجه الخاص في التحقيق فهو الذي أرسى للبحوث العلمية أساساً منهجياً سديداً في عصر النهضة والتجديد، ولعله لولا هؤلاء الفلاسفة الثلاثة العظام، لعاش ديكارت بدوره في نفس الظلمات التي عاش فيها كثيرون قبل ظهور هؤلاء في متطاول القرون.
وعندما صوب غاليليو منظاره الفلكي إلى قبة السماء في عام 1610م، كان ديكارت ما زال في الرابعة عشرة من عمره، ولولا العلم الذي أتى به كوبر نيكوس وكبلر وغاليليو، لما استطاع ديكارت التخلص من مخلفات التفكير السائد في المجتمع، وإرساء قواعد البحث والتحقيق المنهجي في عصر النهضة. ومعروف أن العلوم سلسلة متصلة الحلقات، وإن كل علم إنما يعين في كشف علم آخر، وهلم جرّاً.
ولا ريب في أن جهل الإنسان بحقيقة كون الأرض والسيارات الأخرى تدور حول الشمس، قد قعد به عن متابعة البحث والتحقيق، وقص جناحيه حتى لا يحلق في آفاق العالم الرحيب، وكان المسؤول الأول عن هذا القعود هو الرأي العلمي الخاطئ الذي قال به المعلم الأول (أرسطو) والذي ساعد على تعزيزه ما كان يتمتع به من نفوذ علمي، كما سبق القول، فلم يجرؤ أحد على معارضة رأي أستاذ يعد في عصره أستاذ الأساتذة.
وجاء العالم الجغرافي المصري بطليموس بعد أرسطو بخمسة قرون، فأكد نظريته الخاصة بدوران الشمس والكواكب حول الأرض، وبأن الأرض نفسها ثابتة لا تتحرك.
ومن العوامل الهامة أيضاً في ترسيخ نظرية أرسطو واستمرارها موقف الكنائس المسيحية التي اعتقدت تأكيداً لهذه النظرية أن الأرض هي قاعدة العالم ومركزها الثابت، وأنه لولا ذلك لما ظهر فيها ابن الله (المسيح)، ومن هنا اعتبرت هذه النظرية عقيدة ضرورية لكل مسيحي.
وحتى ندرك أهمية الصنيع الذي قام به العلماء العظماء كوبر نيكوس وكبلر وغاليليو، نستشهد في هذا المقام بما قاله العالم الفيزيائي البريطاني (إدنجتون) المتوفي عام 1944م من أن نظرية أرسطو بشأن ثبات الأرض ودوران الشمس والسيارات من حولها، وهي النظرية التي أيدها بطليموس من بعده، كانت كالكابوس الجاثم على الحركة العلمية ليخنقها، ولو لم يرفع هذا الكابوس عن الحركة العلمية، لما حدث التقدم العلمي الذي شهدته البشرية في عصرها الأخير.
فإذا انتقلنا إلى الشرق، وجدنا العالم الهندي تشاندرا تشاترشي(5) Chaterchi يقول: لولا اهتداء الإنسان إلى أن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس، ولولا كشفه لهذه الحركة، لبقي سادراً في جهله، ولما استطاع التوصل إلى ما اهتدى إليه في العصر الحديث.
وقد أقام هؤلاء العلماء العظماء الثلاثة البراهين أمام العالم على أن آراء أرسطو وغيره من الفلاسفة ليست كلها آراء سليمة تتأبى على الطعن أو المعارضة، وأن الكنائس المسيحية التي استندت إلى نظرية أرسطو لتعزيز رأيها بشأن ثبات الأرض كانت مخطئة بدورها.
وظلت الكنائس المسيحية طوال هذه الفترة تستند إلى نظرية أرسطو الفلكية في دعم رأيها بشأن ثبات الأرض، دون أن تحاول تمحيصها أو نقدها، حتى جاء الكاردينال نيقولا دوكوزا في عام 1460م فتصدى لهذا الرأي بالمعارضة الجريئة. فقد كان العرف المتبع في ذلك الوقت هو منع صغار رجال الدين من دخول مكتبة الفاتيكان الغنية بالكتب والمراجع، في حين أن القساوسة من ذوي الرتب الدينية الرفيعة كان حقهم التردد على المكتبة والانتفاع بما فيها من ذخائر. ويعزى الفضل إلى مكتبة الفاتيكان في نقل القسم الأعظم من معارف الأمم الإغريقية والرومانية وثقافاتها إلى الأمم الأوروبية والأمريكية.
صحيح أنه كانت في أوروبا مراكز ومكتبات علمية أخرى، ولكن هذه المراكز لم يكن لها أثر إيجابي في حفظ تراث الإغريق والرومان ونقله إلى الأوروبيين، لأنها لم تحظ بما حظت به مكتبة الفاتيكان من أسباب الرعاية والوقاية من آثار الحروب والدمار التي حلت بأوروبا، ولا عجب والجيوش والأمم المتطاحنة هي جيوش وأمم مسيحية ممن تحاذر إلحاق أي أذى بالفاتيكان الذي يضم المقر البابوي، أو بمكتبة الفاتيكان، تقديساً منها لبابا روما، وهكذا نجت مكتبة الفاتيكان من آثار الحروب. يضاف إلى ذلك أن هذه المكتبة كانت على الدوام مسندة إلى عدد من القساوسة والعلماء المسيحيين، يشرفون عليها ويحرصون على ذخائرها ويصونونها من أيدي العبث والتلف.
بل إن الجامعات الأوروبية القديمة، كجامعات بادوا في إيطاليا وأكسفورد في إنكلترا والسوربون في فرنسا لم يكن لها ما لمكتبة الفاتيكان من دور في حفظ التراث العلمي والأدبي لليونان والرومان ونقله، لأنها جميعاً أسست في الألف الثانية بعد الميلاد، واستفادت بعد تأسيسها من مكتبات الفاتيكان وغيرها من المراكز الدينية التي حرصت على صيانة الكتب.
أما ملوك أوروبا وأمراؤها وأشرافها فكانوا في غالبيتهم من الأميين الذين لا يعرفون القراءة أو الكتابة، فكيف بعامة الناس.
ولم تعن بحفظ الكتب وصيانتها في أوروبا إلا المراكز الدينية الهامة، ولولا سعيها إلى صيانة المؤلفات المدونة باللغات اليونانية واللاتينية والسريانية، لما انتهى تراث اليونان والرومان إلى الأمم الأوروبية اليوم.
كانت مكتبة الفاتيكان، كما سلف القول، أغنى المكتبات بمقتنياتها من كتب اليونان واللاتين القديمة، ولكن الانتفاع بذخائرها كان مقتصراً على ذوي الرتب المطرانية أو الكاردينالية من رجال الدين تتألف منهم المجموعة المشرفة على الكنائس، فكان من حق هؤلاء فقط دخول مكتبة الفاتيكان وتناول ما فيها من كتب قديمة أما اليوم، فقد تغير الوضع، وصار مسموحاً لجميع رجال الدين بالتردد على المكتبة والانتفاع بكتبها بغض النظر عن رتبهم.
وهكذا نرى أن المساواة في البحث العلمي كانت منعدمة حتى في الكنائس الكاثوليكية، وأن النظام الطبقي الديني كان يحول دون الانتفاع بالمكتبة بالنسبة لصغار رجال الدين، إذ كان قادة الكنيسة وأساقفتها يرفضون أن يجلسو جنباً إلى جنب مع صغار القساوسة في قاعات المكتبة للإطلاع على نفس الكتب والمراجع.
أما الإعارة الخارجية للكتب من مكتبة الفاتيكان، فكانت محظورة، مما ساعد على حفظ هذه الكتب من الضياع، وما زال هذا التقليد مستمراً إلى يومنا هذا. فالكتب لا تعار وإنما يجوز تصويرها.
وكما سبق القول، فقد أتيحت للكردينال نيقولا دوكوزا فرصة دخول مكتبة الفاتيكان وتناول ما فيها من كتب، يضاف إلى ذلك أنه كان يجيد اللغة اليونانية، فاستطاع بذلك الوقوف على كتب فلاسفة الإغريق، ومنهم أرسطارخوس الذي كانت له نظرية بشأن حركة الأرض ودورانها.
ولما عاد من الفاتيكان إلى مسقط رأسه في ألمانيا، كتب رسالة علمية حول الحركة الوضعية والانتقالية للأرض، ولكن هذه الرسالة ظلت مخطوطة لانعدام وسائل الطباعة وقتذاك، ولكن استنسخت منها نسخ لفائدة المهتمين بهذا الموضوع. كان ذلك في عام 1460 أي قبل ميلاد كوبر نيكوس بثلاثة عشر عاماً، ولكن نظرية دوران الأرض حول الشمس اشتهرت باسن العالم الرياضي والمنجم البولوني كوبر نيكوس وليس باسم نيقولا دوكوزا، لأن الثاني كان من رجال الدين المجهولين في الأوساط العلمية، ولأنه نقل نظريته عن فلاسفة اليونان. أما كوبر نيكوس فكان من رجال العلم، كما أنه أثبت نظريته بشأن دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس بالمناهج العلمية، مما أثار اهتمام الأوساط العلمية بكشوفه.
وقد ظلت رسالة نيقولا دوكوزا غير معروفة أولاً لأنها كتبت خارج دائرة الفاتيكان، وثانياً لأنه ردد آراء فلاسفة اليونان دون تجريب عملي أو تحليل علمي، فلم يأخذها الناس مأخذ الجد، لا سيما وهي تتعارض مع رأي الفاتيكان بشأن ثبات الأرض، وهو الرأي الذي أصبح قضية بديهية مسلمة لدى الكنائس والمسيحيين.
وها هو ذا أبو الرياضيات الحكيم اليوناني فيثاغورث يقول في مقدمة علم الهندسة إن (القضايا البديهية لا يحتاج إثباتها إلى دليل)، وقد اشتهر هذا المبدأ في ما بعد. ودلل على ذلك بقوله إن العشرة أكثر من خمسة، وهي قضية بديهية لا تحتاج إلى البرهان أو دليل، وإن الخمسين رطلاً أثقل من الأربعين، وهذه بدورها من البديهيات التي لا تحتاج إلى برهان، وحركة الشمس والأجرام السماوية لا تحتاج إلى دليل لأن الإنسان منذ خلق وهو يرى بعينيه أن الشمس والنجوم تتحرك وتدور. فموضع الشمس عصراً يختلف عن موضعها صباحاً. كذلك كان ثبات الأرض وانعدام الحركة فيها من القضايا البديهية الأخرى، لأن الإنسان لم ير حركة الأرض بأم العينين، وأن العمائر والمباني التي يشيدها بالغاً ما بلغ ارتفاعها أو حجمها، باقية في مكانها إلى أن تزول بسبب عوامل التعرية من مطر وشمس ورياح، وأن الجبال والتلال راسخة في مكانها على مدى العمر والدهر.
فلو قيل إذن إن الأرض تدور، وإن لها حركتين إحداهما حول نفسها والأخرى حول الشمس، لاعتبر هذا القول من قبيل الخرافات والأساطير، ولاتهم قائله بأنه يهزل أو بأن به مس من جنون.
وقد قلنا إن نظرية الضوء للإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قد فتحت الطريق أمام الباحثين حتى انتهت بهم إلى صنع المنظار الفلكي ورصد الأجرام السماوية، وقادتهم إلى انطلاقة عصر النهضة والتجديد.
ولولا أن الصنعة لم تكن في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) قد بلغت مرحلة تمكن الإمام من صنع منظار أو مرقب فلكي لرصد الأجرام السماوية وتسجيل حركة السيارات، لكان قد نجح بفكره النافذ في تحقيق ما انتهى إليه العظماء الثلاثة، ولكن هذا لا يقلل من أهمية نظرية الضوء التي طلع بها الإمام قبل اثني عشر قرناً من هذا التاريخ.
وإذا كان نيوتن قد اكتشف قانون الجاذبية عندما سقطت تفاحة من شجرة على رأسه، فهل يعاب عليه أنه لم يقذف تفاحة لتدور حول الأرض كما هو شأن الأقمار الصناعية في عصرنا هذا؟ بالطبع لا.
وقد بات معروفاً للناس جميعاً أن الأقمار الصناعية التي تطوف حول الأرض، أو التي أطلقت صوب القمر والمريخ تخضع جميعاً لقانون الجاذبية الذي كشفه نيوتن، فإن كان نيوتن نفسه لم يوفق إلى الاستفادة من كشفه العلمي بالكيفية التي تأتت في عصرنا هذا، فذلك لا يقلل من أهمية قانون الجاذبية، ولا من فضل نيوتن في تحقيق هذا الكشف العلمي. ولن يجترئ أحد فيقول إن عجز نيوتن عن إطلاق قمر صناعي إلى الفضاء دليل على أن كشفه العلمي كان بلا قيمة، فمثل هذا القول يرتد إلى صدر صاحبه ويؤكد فساد تفكيره وقلة فهمه.
وهناك نقطة بالغة الأهمية في نظرية الإمام الصادق (عليه السلام) بشأن الضوء، هي تأكيده، بأن الضوء ينعكس من الأجسام إلى العين(6)، وهو قول يناقض التفكير الذي كان سائداً في ذلك العصر وكان مؤداه أن الضوء ينعكس من العين على الأجسام المرئية. والإمام الصادق (عليه السلام) وهو أول عالم في تاريخ الإسلام كله يناقض هذا الرأي السائد. فقد قال إن الضوء لا ينعكس من العين على الأجسام بل الذي يحدث فعلاً هو نقيض ذلك، أي أن الضوء ينعكس من الأجسام ويصل إلى العين. دليل ذلك أننا لا نرى في الظلمة شيئاً، ولو أن العين كانت تعكس الضوء على الأجسام لشاهدنا الأجسام نهاراً وليلاً.
وللإمام الصادق (عليه السلام) نظرية أخرى عن الضوء وحركته وسرعته لا تقل أهمية عن نظريته الخاصة بالضوء وانعكاساته.
فمما قاله أن الضوء ينعكس من الأجسام على العين بسرعة (كلمح البصر) أي أن الإمام الصادق (عليه السلام) عرف أن للضوء حركة (كلمح البصر)، ولو أسعفته الوسائل التقنية الحديثة لاستطاع أن يقيس هذه السرعة بدقة شديدة.
فهو إذن قد اكتشف نظرية الضوء، وقال إن للضوء حركة وإن هذه الحركة سريعة جداً، أفلا يدل هذا كله على أنه كان سابقاً على عصور علمية كثيرة؟
وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله في بعض دروسه إن الضوء القوي الساطع يستطيع تحريك الأجسام الثقيلة، وإن النور الذي ظهر لموسى على جبل الطور لو كانت مشيئة الله، لحرك الجبل.
ومن مؤدى هذه الرواية أن الإمام الصادق (عليه السلام) تنبأ بأساس نظرية (أشعة الليزر)، وفي رأينا أن آراء الإمام في الضوء وحركته وانعكاس أشعته من الأجسام إلى العين أهم من نظرية (أشعة الليزر)، لأن هذه النظرية قد عرفت مقدماتها قبل الصادق (عليه السلام) وفي الأزمنة القديمة وعند مختلف الأقوام والشعوب.
ففي مصر القديمة مثلاً، كان الناس يعتقدون بأن الضوء ينفذ من الأجسام ويحركها ولا تحول دونه حتى الجبال، وأن الضوء الضعيف لا ينفذ في كل شيء ولا يجاوز الأجسام الصلبة أو الجبال، في حين أن الضوء القوي يفعل هذا إن شاء !!
ويبدو أن أمثال هذه النظرية كان شائعاً عند أقوام كثيرة قبل ظهور الأديان السماوية، وكانت هذه الأقوام تعتقد أن القدرة التي يتمتع بها الضوء من فعل السحرة.
وليست لدينا معلومات دقيقة عن مبدأ هذه الفكرة وتاريخها، ولكننا لو تركنا جانباً موضوع الطاقة الكامنة في الضوء، فإن الذي قاله الإمام الصادق (عليه السلام) عن الضوء وحركته يتفق تماماً مع ما أثبته البحث العلمي المعاصر. وغاية ما في الأمر أن العلم الحديث قاس سرعة الضوء وهي ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية الواحدة، ولكن هذا المقياس لا يجدي في قياس المسافات الفلكية الشاسعة في الدراسات الفضائية.
قلنا في ما تقدم إن العلوم والمعارف في مدرسة جعفر الصادق (عليه السلام) قد أرسيت قواعدها على أربع دعائم أوردنا ذكرها، ولكن أهم خصائص هذه المدرسة والتي ساعدت على انتشارها وذيوع علومها تأكيدها على الابتعاد عن كل تزمت وتعصب وضيق صدر وأفق، ذلك أن الإمام الصادق (عليه السلام) لم يعط أتباعه ذريعة واحدة لتكفير من يخالفونهم في الرأي، أو اعتبارهم منشقين أو مارقين، ولو حدث هذا لقضي دون ريب على كيان الشيعة الفكري والثقافي.
وكان الصادق (عليه السلام) عند حديثه عن جده رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله) أو آبائه، يتحدث عنهم باعتبارهم بشراً سوياً، فلا وضع أحداً منهم في مقام الله، ولا عدهم فوق البشر أو وسطاء يشفعون للناس عند الله(7)، ولو فاه شيء من هذا، لأحدث انشقاقاً واسعاً بين الشيعة، كما هو الحال عند المسيحيين.
ومع أن الصادق (عليه السلام) لم يفه مرة واحدة بما يجعل لجده الرسول (صلى الله عليه وآله) ولآبائه الأئمة (عليه السلام) طبيعة تختلف عن طبيعة البشر أو تسمو بأجسامهم على الطبيعة البشرية، ومع أنه لم يغال في إيراد صفاتهم المعنوية، كل ذلك لم يحل دون ظهور فرق دينية وصوفية بين الشيعة منذ القرن الثالث الهجري، وكل واحدة منها تتعصب لرأيها وتناوئ غيرها من الفرق وكأنها تنتمي إلى مذهب مستقل.
ولئن كان العرفان دعامة من الدعائم الأربع التي تقوم عليها المعارف الجعفرية، فإن عرفان الصادق (عليه السلام) كان يلتزم حدود الاعتدال، يتوخى معرفة الدين على الوجه الصحيح والمذهب النقي كذلك وتبصير الناس بحدودهم ومهامهم. ولكن الصادق (عليه السلام) لم يكن يريد للعرفان أن يصبح مذهباً شائعاً مستقلاً عن الدين.
ومع ذلك، أخذت المذاهب والفرق الشيعية تتكاثر وتتشعب منذ القرن الثالث للهجرة، وغالى بعضهم غلواً شديداً حتى قال بوحدة الوجود، أي وحدة الخالق والمخلوق، وهو ما يعتبر شركاً وكفراً في عقيدة الشيعة.
والذي يعنينا من هذه الظاهرة، أن حرية البحث والكتابة كانت منهاجاً مرعياً من أتباع الإمام الصادق (عليه السلام)، ولم يتعرض أحد لإيذاء أو عقوبة لأنه أبدى رأياً خالف به أياً من الآراء والنظريات التي كانت سائدة في هذه المدرسة، سواء أكانت دينية أم علمية أو فلسفية.
لقد كان تلامذة الصادق (عليه السلام) يطرحون عليه الأسئلة، وينتقدون هذا الرأي أو ذاك، ويعارضون ما يساق في المدرسة من حجج، وكان يتقبل ذلك منهم برحابة صدر وبشاشة وجه، وفي كتب الحديث والسيرة سجل واف لما جرى بين الإمام الصادق (عليه السلام) وناقديه ومعارضيه من محاجات ومناقشات ومحاضرات.
وقد توسعت الفرق الكلامية والصوفية في الحديث عن الخالق ووحدة الوجود، وكان من رأي بعض هذه الفرق أن المخلوق لا يختلف عن خالقه في القدرات المقدرة ـطبعاً بالقدرة لا بالفعلـ بينما رأى بعضهم الآخر بأن للرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة مراتب تعلو على مراتب المخلوق وإن كانت دون مرتبة الخالق طبعاً.
بل إن فرقاً أخرى من الصوفية وضعت المرشد والقطب في مرتبة عالية، تتحد أحياناً مع وجود الخالق أو تكون مماثلة لهذا الوجود وللقدرة الإلهية. وكانت تعظم هؤلاء الأقطاب وترفع من مقدارهم فوق مراتب الأئمة والأنبياء. وتراعي ذلك في سلوكها وعقائدها دون أن تصرح به، إما استحياء من القول بأن مقام قطبهم أعلى من مقام النبي (صلى الله عليه وآله)، وإما خوفاً من أن يرموا بتهمة التكفير.
وعقيدة هذه الفرق الصوفية شبيهة بعقائد المصريين القدامى في أوزيريس وإيزيس، ومعروف أن قدامى المصريين كانوا يؤمنون بتعدد الآلهة مع تفضيل الإله آمون باعتباره سيد الآلهة، ولئن كان إيزيس ـ وهي إلهة الموت ـ في مرتبة دون مرتبة آمون فإن المصريين القدامى كانوا يرون أن سلطانها أكبر من سلطان آمون، لأن إيزيس كانت قادرة على إنزال الموت حتى بآمون وهو سيد الآلهة.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ


نسبية الزمن عند الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)

من القضايا الهامة التي نوقشت في مدرسة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قضية الزمن التي تناولها الإمام ضمن ما تناول من مسائل فلسفية مختلفة، وأبدى فيها ما ارتآه من آراء، وقد عني فلاسفة اليونان من أقدم العصور بهذه القضية الفلسفية الهامة، وما زالت تستأثر بالبحث والتحقيق إلى يومنا هذا.
وكان من رأي بعض فلاسفة اليونان أن الزمن ليست له حقيقة أو وجود خارجي، في حين رأى البعض الآخر أن الزمن حقيقة ثابتة تقام الدلائل والبراهين على تأكيدها.
والفلاسفة الذين أنكروا حقيقة الزمن قالوا إنه غير موجود، سواء بصورة ذاتية أو بصورة تبعية. وفي رأيهم أن (الزمن فاصل بين حركتين)، وأن الإنسان أو أي كائن حي ذي شعور لا يحس بهذه الفاصلة حتى وإن تابع سير الحركة، واستناداً إلى هذا، قطعوا بأن الزمن منعدم الوجود، سواء في صورته الذاتية أو في صورته التبعية.
وتساءل فلاسفة اليونان عما إذا كان الحيوان يدرك الزمن ويعرف مقاطعه. فقال بعضهم إن هناك قسماً من الحيوان يحس بالزمن ويدرك مقاطعه وفواصله، وما هذه المقاطع والفواصل إلا جوع الحيوان أو عطشه أو حلول الظلام بغروب الشمس، أو غير ذلك من الظواهر الطبيعية الأخرى.
أما الذين ينكرون أن للزمن وجوداً ذاتياً، فيقيمون براهين كثيرة على ذلك، منها قولهم إن الإنسان إن فقد وعيه، لم يعد يحس بالزمن أو يشعر بمروره مهما طال، ومتى عاد إلى وعيه، لم يعرف كم انقضى عليه من ساعات أو أيام. ولو كان للزمن وجود ذاتي، لأدرك الإنسان مقدار الفاصل الزمني الذي مر عليه. وهذا نفسه يقال عن النائم مهما طال رقاده، إذ يجهل مقدار الوقت الذي مر عليه إلا من الظواهر الشمسية أو آثار الليل.
أما الفريق الآخر الذي يقول أن للزمن وجوداً ذاتياً، فقد صنف الزمن إلى نوعين، أولهما الزمن المتحرك أو السائر، وهو يتألف من ذرات متحركة تنتقل من جانب إلى جانب.
وإذا كنا لا نشعر بمرور هذه الذرات في حد ذاتها، إلا أننا نشعر بمرورها مترائية في الإنسان نفسه، كالتغييرات المتلاحقة التي تطرأ عليه من الطفولة إلى الصبا فالشيخوخة، كما نشعر بانقضاء الزمن من خلال التغيرات الطارئة على النباتات والأشجار من حولنا.
أما النوع الثاني، فهو الزمن الثابت الذي لا تتحرك ذراته وأجزاؤه لأنها كذرات المادة من رمل وتراب، تترسب وتمكث. ومثل هذا الزمن لا ينتقل من مكان إلى مكان، ولا يفصل بين حركة وحركة، ولهذا سمي بالزمن الثابت غير المتحرك.
وفي رأي فلاسفة الإغريق القدامى أن الأبدية زمن الآلهة، وهو زمن ثابت، في حين أن الزمن المتحرك السائر هو زمن الكائنات الحية، ومنها الإنسان.
ولأن زمن الآلهة ثابت غير متحرك، فلا تغيير يطرأ في وجودها أو وضعها. أما الإنسان والحيوان والنبات، فلأنها تعيش في الزمن المتحرك السائر، فهي عرضة لتغيرات تطرأ عليها، ولا سبيل إلى وقفها أو الحيلولة دونها ما دام الزمن متحركاً سائراً يتعذر وقفه.
ولو استطعنا وقف حركة الزمن ووقف تغير في شكل الكائنات الحية، لرفعناها إلى مرتبة الآلهة، لأنها تتمتع إذ ذاك بالزمن الثابت، وهو أبدي.
أفيمكن إجراء مثل هذا التغيير، أي إدخال أنواع الحيوان والنبات في حيز الزمن الثابت، فتغدو أبدية الوجود كالآلهة؟
أجاب فلاسفة اليونان على هذا التساؤل بنعم، فمن مؤدى هذا العرفان اليوناني الارتقاء بالإنسان إلى مرتبة الآلهة، وهو ما حاوله كثير من عرفاء الإغريق وفلاسفتهم، كل بأسلوبه الخاص.
فالفيلسوف اليوناني زينون(1)، الذي أسس المذهب الرواقي نسبة إلى هيكل أثينا الذي كان يعلم فيه الفلسفة، يرى أن الخير هو السعادة، وأن الإنسان يبلغ السعادة عن طريق الفضيلة، وأما الفضيلة نفسها فهي ثمرة الإرادة المعتمدة على العقل، ومن الفضيلة تحمل المشاق في سبيل الوصول إلى الخير وتحقيقه.
ومما قاله زينون إنه لا يسع الإنسان أن يظفر بالحرية الكاملة في الدول الديمقراطية كأثينا بالقانون وحده، وأنما الحرية تكتسب بالجهاد الأكبر، وهو جهاد النفس، فإذا قتلت النفس الشريرة ارتاح الناس، ولم يعتد أحد من ذوي النفوس المهذبة على حقوق الغير، والكل يتمتع بالحرية.
وكان الفيلسوف أبيقور (341ـ 270 ق.م) يرى أن الزمن الأبدي والسعادة المطلقة يتم التوصل إليهما عندما يتمتع الإنسان بكل ما وهب في حدود الاعتدال. وكان من رأيه أن دراسة الفلسفة إنما تراد للحصول على اللذة المصاحبة لمعرفة هذا العلم.
وفي مذهب أبيقور أن النفس إذا عملت خيراً ورد عليها سرور وفرح، وإذا عملت شراً ورد عليها حزن وترح، وإنما يكثر سرور كل نفس بالاجتماع بالأنفس الأخرى.
وهناك فيلسوف يوناني آخر عاصر أبيقور وكان له رأي مخالف لرأي معاصره، وهو ديوجين الفيلسوف ومن مذهبه أن التكامل البشري ووصول الإنسان إلى الزمن الثابت الأبدي، وبالتالي إلى الآلهة، يتطلبان ترك الدنيا وملذاتها والاكتفاء بالقدر والضروري القليل من وسائل العيش. وقد روي أنه شاهد طفلاً يشرب الماء بكفيه مستغنياً عن الكأس الوحيدة المتاحة للشرب، فقال إن زخارف الدنيا تحول دون الالتحاق بالآلهة.
ونلاحظ أن هناك وجهاً مشتركاً في العرفان بين فلسفة اليونان والعرفان الشرقي، يتمثل في أن الطريق إلى الله يمر بكبح جماح النفس والنأي عن الملذات. ولا فرق من هذه الناحية بين فكر اليونان القديم وفكر الشرق القديم، اللهم إلا في حدود هذا الامتناع ومداه. وكان من رأي بعض فلاسفة اليونان، ومنهم ديوجين، أن احتفاظ الطالب العارف بأكثر من قميص واحد يستر العورة أمر لا يجوز، وهو يقف حائلاً بينه وبين الوصول إلى الآلهة. ومثل هذه الفكرة نجدها في الشرق، ينادي بها العرفاء والصوفية. فمن أين جاء هذا التشابه أو اللقاء بين الفكرين؟
معروف أن الشرق لم يلتق باليونان قبل قيام دارا ملك الفرس الأخميني (الهخامنشي) في عام 460ق.م. بالهجوم على اليونان. فهل حدث اللقاء بين الفكرين اليوناني والشرقي منذ هذا التاريخ؟ وهل انتقلت فكرة الجهاد مع النفس للوصول إلى الآلهة من الشرق إلى اليونان، أو عكس ذلك؟
الواقع أننا لا نجد أثراً لهذه الفكرة لا في التعاليم الأصلية لكونفشيوس في الصين، ولا في تعاليم بوذا في الهند، ولا في تعاليم زردشت في فارس. فلم يدع أحد منهم إلى قتل النفس للوصول إلى مرتبة الآلهة. ولكن هذه الفكرة انتشرت في الشرق وفي اليونان دون أن تكون بينهما علاقات ثقافية أو روابط أخرى. فهل لنا أن نستخلص من هذا أن فكرة الجهاد مع النفس وترك الملذات للوصول إلى الله أو السعادة الأبدية قد وجدت وتبلورت عند الشعوب الفقيرة الكادحة التي لا تجد ما يكفيها لسد احتياجاتها؟ ولو أن العرفاء والمتفلسفين في مناطق العالم المختلفة كانوا من طبقة الأغنياء أو السراة، فهل كانوا يشترون بطريق آخر للوصول إلى الله أو الآلهة؟
هذا التساؤل لا يعني طبعاً أن التاريخ قد خلا من أغنياء أو أصحاب جاه تركوا ملذات الدنيا ونبذوا أهواء النفس لكي يصلوا إلى هذه الغاية، ولا هو يعني أن فكرة مجاهدة النفس كانت خاصة بالفقراء والمعدمين وحدهم.
ونعود إلى فكرة الزمن، فنقول إن الدور قد جاء على حكماء أوروبا وفلاسفتها في القرون المتأخرة ليدلوا بآرائهم في هذه القضية، فمنهم من أنكروا وجود الزمن إنكاراً باتاً حتى في القرن التاسع عشر الميلادي قائلين إن الموجود هو المكان. ومنهم من أنكر المكان قائلاً إنه يوجد تابعاً للمادة، ولا وجود له في حد ذاته، وحيثما وجدت المادة وجد المكان، وإلا فلا.
وكان في سوادهم يرون في هذا القول إنكاراً للمشاهدات المحسوسة، فهم يشاهدون في حياتهم اليومية الغرفة التي يعيشون فيها أو ينامون، وهي ذات عرض وطول وارتفاع. فكيف يسوغ إنكار هذه الحقيقة المادية الملموسة المتجلية بأوضح صورها في المأوى اليومي؟
كما كانت في القرن الماضي مجموعة من العلماء تنكر وجود المكان، ومن مؤدى نظريتهم أن المكان بلا وجود أو حقيقة، وأن ما تحسبه العين مكاناً ذا أبعاد أربعة إن هو إلا المادة، والمادة هي التي تخلق المكان، أي بعبارة أخرى، أن المادة هي المكان، وحيثما وجدت وجد المكان، وإلا انعدم.
ولو سئل واحد من هؤلاء العلماء: وماذا تقول في الطائرة التي تقلع من ماكن وتنتقل بسرعة فائقة إلى حيث تحط في مكان آخر؟ وما القول في سفينة الفضاء، وأين هي تطير؟ لجاء الجواب: إنها تطير في المادة (!).
ويشك البعض في صحة هذه النظرية، لأن المعروف أن الهواء ينتشر في الفضاء بأجزائه وذراته على امتداد مسافة معينة قد لا تتجاوز ثلاثة آلاف كيلو متر، يليها الفضاء الطلق الفسيح الذي لا توجد فيه إلا أمواج الأثير كأشعة الضوء أو الأمواج الكهربائية أو الجاذبية المغنطيسية، ولا أثر للمادة في هذا الفضاء الفسيح حتى تسبح فيه سفن الفضاء.
ولكن المنكرين لهذه النظرية يقولون إن الفضاء الذي تسبح فيه سفن الفضاء هو في حقيقته الحد الفاصل بين نواة الذرة وإلكتروناتها، وأن الحد الفاصل بين نواة الذرة وأجزائها من الإلكترونات هو في حقيقته كالحد الفاصل بين قرص الشمس والسيارات. وهذه الفاصلة (سواء أكانت في الوحدة الذرية أم وجدت بين الشمس وبين الأرض أو الزهرة وغيرها من الأجرام) هي جزء من المادة، والدليل على ذلك أن الجاذبية تمر فيها، وقوة الجاذبية لا تنفصل عن المادة، ولا تنفصل المادة عنها.
ولسنا نرى في هذه النظرية فرقاً بين الطاقة والمادة، وكلتاهما تعتبران أمراً واحداً، ولكنهم كانوا يقولون إن للمادة خواص تختلف عن خواص الطاقة، والواقع المؤكد هو أن العلماء منذ القرن الثامن عشر انتهوا في أبحاثهم إلى أن المادة والطاقة وجهان لشيء واحد، في حين أن تعريف المادة والطاقة في علم الفيزياء الحديث يتخذ أبعاداً أخرى. وإلى بداية القرن العشرين، كان من الجائز تعريف المادة بأنها طاقة متراكمة أو مكثفة، وأن الطاقة مادة موجية، ولكن هذا التعريف لكل من المادة والطاقة لا يفي بمطالب العلم الحديث وما انتهى إليه من نتائج.
ولو قلنا إن قوة الجاذبية هي المادة، لأصبحت المادة التي عرفناها بأنها طاقة متراكمة، مادة مواجة غير متناهية، ولاضطررنا إلى الاعتراف بأن الوجود ليس فيه سوى المادة، ولسلمنا بالرأي القائل أن الطائرات وسفن الفضاء تطير في المادة.
ومما لا ريب فيه أن سرعة أشعة قوة الجاذبية تجعل الجرم لا متناهياً، وتصبح المادة بناءً على هذه النظرية لا متناهية بدورها.
ومنذ مطلع القرن الحالي، وبعد رحلات الفضاء التي قام بها الإنسان، تجمعت لدى علماء الفيزياء معلومات هامة أخرى عن المادة، منها أن جميع العناصر الموجودة في الكرة الأرضية تنبعث منها الأشعة فوق البنفسجية بصورة مستمرة، وفي حين أن العلماء قبل هذه الرحلات كانوا يعتقدون أن الأشعة لا تنبعث إلا من الأجسام الدافئة وحدها. فإن سفن الفضاء والأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض بصورة مستمرة أثبتت أن الأشعة فوق البنفسجية لا تنبعث من الجسم الدافئ وحده، بل تنبعث حتى من الثلوج في القطبين الشمالي والجنوبي(2).
وقد أجريت تجارب دقيقة في مختبرات علمية على أجسام بردت إلى درجة متناهية في البرودة، فتبين أن الأشعة لا تنقطع بسبب البرد الشديد، وأدت هذه التجارب إلى ظهور قانون فيزيائي هو أن الأجسام والعناصر الموجودة في الكرة الأرضية لا تكف عن الإشعاع إلا إذا هبطت درجة الحرارة إلى الصفر. ودرجة الصفر هي الدرجة التي عندها تتوقف حركة الجزيء في المادة.
وبفضل هذه الأشعة يستطيع الإنسان رؤية كل شيء في الظلام مستعيناً بالمنظار المجهز بالأشعة فوق البنفسجية، وهو منظار لا يحتجب عنه شيء. وقد دلت التجارب على أن الأشعة التي تنبعث من النباتات النضرة والأجسام الحية للإنسان والحيوان تفوق في مقدارها الأشعة المنبعثة من النباتات أو الحيوانات الميتة. (ومما يذكر أن هذا المنظار يستخدم في جبهات القتال ليلاً لمعرفة تحركات العدو وآلياته).
وعند علماء الفيزياء أو المقصود بدرجة الصفر في البرودة هو هبوط درجة البرودة إلى 273.1 درجة سنتيغراد أو 459.6 فهرنهيت. غير أن هؤلاء العلماء لم يستطيعوا الوصول إلى هذه الدرجة من البرودة في المعامل الضخمة التي أقيمت للأغراض العلمية، وإنما استطاعوا الوصول بدرجة البرودة إلى 220 درجة تحت الصفر مقيسة بميزان الحرارة المئوي (سنتيغراد). وبعد وصولهم إلى هذا الحد الهائل من البرودة، يواجهون عقبات كثيرة في سبيل الهبوط بدرجة البرودة إلى ما بعد ذلك. وصفوة القول إنهم لم يستطيعوا الوصول إلى درجة البرودة المطلقة، أي الصفر، لكي يتبينوا آثار التوقف الكامل لحركة الجزيء في الأجسام، وهل يؤثر هذا التوقف في الذرة أو لا.
وفي حين تتصل التجارب العلمية على المادة وتستمر وتميط اللثام عن كل جديد وغريب في هذا الكون، يبدو أن النظرية القائلة بأن الوجود هو المادة اللامتناهية، وأن ما يبدو في أعيننا كالخلاء هو مجال إشعاع المادة، هي نظرية غير بعيدة عن الواقع، وخليق بالعلماء أن يتأملوها ويتابعوها.
وللعالم الفيزيائي المعاصر إسحاق ازيموف(3) الذي ولد في روسيا وهاجر إلى الولايات المتحدة، نظرية علمية عن المكان تجدر الإشارة إليها.
يقول أزيموف إن (المكان هو المادة وإشعاعها)، وإن المادة الأصلية هي نواة الذرة أو النواة المجتمعة، وإن الأمواج المشعة الصادرة من هذه النواة يزيد ضغطها ووزنها باقترابها من النواة، وينقص بابتعادها عنها، دون أن يقلل ذلك من سرعتها.
ويمكن تشبيه النواة بمصباح ينشر الضوء في ما حواليه فإذا ابتعدنا عنه، قل الضوء دون أن تقل سرعته (وسرعة الضوء هي 300 ألف كيلو متر في الثانية الواحدة). بل إننا إذا ابتعدنا عن المصباح حتى لم نعد نرى ضوءه، ظل الضوء موجوداً ومحتفظاً بسرعته المعتادة بتحرك وينتشر حول المصباح. وهو لا يصل إلينا لأن لأعيننا وآذاننا وحاسة اللمس عند الإنسان قدرات معينة لاستقبال الموجات لا تتعداها، فإن ابتعدنا عن المصباح المضيء في الدار حتى غاب نوره عن أعيننا، فنوره باق، وهو ينطلق بسرعة 300 ألف كيلو متر في الثانية، كما قلنا قبلاً، وإن كانت عيوننا لا تدركه حتى ولو انحنى في أثناء سيره.
وكان الاعتقاد السائد في الماضي أن موجات الضوء تسير في اتجاه مستقيم، غير أن التجارب الحديثة برهنت على أن هذه الموجات قد تنحني إذا ما اعترضتها أجرام ذات قوة جاذبية شديدة، كما برهنت على أن نور المصباح متى ابتعد عن الكرة الأرضية انحنى أمامها الضوء الساطع، تجذب الضوء إليها؟ إن الرد في علم الفيزياء هو: لا، وهو رد يحير العلماء الذين يتساءلون قائلين: كيف تعجز الشمس بقوة جاذبيتها الفائقة عن اجتذاب ضوء المصباح إليها في حين أن الضوء ينحني عندها؟
نعم، إن لكل نجم قوة جاذبية تتناسب مع جرم هذا النجم، وأجرام الشمس هي على درجة من الكثرة تقل تلقاءها أجرام المنظومة الشمسية بأسرها، إذ أن مجموع أجرام المنظومة الشمسية يعادل أربعة عشر بالمائة من واحد من المائة من جرم الشمس. أي أننا إذا قسمنا أجرام الشمس إلى مائة وحدة، ثم جمعنا أجرام النجوم والسيارات الأخرى في المنظومة الشمسية، لوجدنا أنها تساوي 14% من كل وحدة من وحدات جرم الشمس المائة.
وينبغي ألا يكون هناك لبس في فهم الجرم، إذ هو يختلف عن الحجم، فجرم الجسم يقاس بالوزن أو بالحس، وكلما ثقل وزن جسم كبر جرمه، وكلما كبر جرم جسم ما، ازدادت قوة جاذبيته، ولأن أجرام الشمس كثيرة ومتكافئة، فجاذبيتها أقوى وأشد.
ومع ذلك، فالشمس لا تجذب موجات الضوء المنبعث من مصابيحنا، ولكنها تجعلها تنحرف عن مسارها. وسبب ذلك أن للضوء سرعة قدرها 300 ألف كيلو متر في الثانية ـ كما سبق أن ذكرناـ وبهذه السرعة الفائقة ينطلق الضوء قاطعاً مسافات شاسعة، ماراً من الشمس إلى كرة شمسية أخرى، حتى يصل إلى مجموعة النيازك التي يطلق عليها اسم (كوتوله).
وقد أطلق الفلكيون هذا الاسم على مجموعة من الشهب والنجوم التي تراكمت أجرامها وتزايدت قدرة جاذبيتها بحيث أن الضوء لا يستطيع تجاوزها، فيصل إليها وينجذب نحوها على الفور. والأجرام التي تضمها مجموعة (كوتوله) متراكمة بكثرة يتعذر تصورها.
وسبب تراكم الأجرام في هذه المجموعات النيزكية هو أن لذراتها نواة، ولكن ليس لها إلكترون. ومعروف أن الذرة هي أصغر جزء في المادة، وأنها تشبه فضاءً خالياً كالمنظومة الشمسية تماماً، وهناك نواة، وهي الجزء الجوهري في الذرة، والباقي فضاء خال تدور فيه الإلكترونات حول النواة، تماماً كما تدور السيارات حول الشمس في منظومتنا.
ولو أزيل الفاصل بين الإلكترون والنواة بحيث تبقى النواة وحدها، لأصبح جرم الكرة الأرضية ككرة اللعب، أم وزنها فيساوي وزن الكرة الأرضية.
فالذرات في المجموعات المسماة (كوتوله) فقدت فضاءها الخالي، وفقدت الإلكترونات أيضاً، ولم تبق فيها إلا النوى المتراكمة المندمج بعضها في البعض الآخر بحيث يتألف منها جرم متراكم واحد، ولو حدث هذا في الكرة الأرضية مثلاً، لكان وزنها معادلاً لوزن كرة اللعب، ولأن قوة الجاذبية تتناسب مع الجرم، فلهذه المجموعات جاذبية كبيرة لا تسمح لشعاع الضوء بتجاوزها، وهذا هو سر إظلام هذه المجموعة، ذلك أن الضوء يفقد موجاته حولها بسبب انجذابها نحوها.
ويقول إسحق أزيموف أن الطريق ـأي المكانـ لا وجود له، وإن الضوء هو الذي يوجد المكان، وإن أشعة الضوء وموجاته هي المكان.
فمن رأي هذا العالم الفيزيائي الروسي الأصل أن المكان ليس له وجود أو حقيقة، إلى أن ينطلق فيه الضوء، وعندئذ يتسبب الضوء نفسه وبأمواجه في إيجاد المكان، ولو سألنا عن مقدار المسافات التي يقطعها الضوء، أو عن مقدار المسافات التي يوجدها، لأجاب علماء الفيزياء قائلين: لا نهاية لذلك. ولأضافوا أن موجات الضوء تظل تتذبذب وتقطع المسافات إلى أن تتحول إلى مادة.
وثمة سؤال آخر يعلن للباحث هو: كيف يستطاع تحويل الضوء (ضوء المصباح مثلاً) من طاقة إلى مادة؟ إلى هذا اليوم، لم يوفق علم الفيزياء للاهتداء إلى جواب عن هذا السؤال، ولو حدث في أية لحظة أن اهتدى العلم إلى جواب عن هذا السؤال، لقطع بذلك مائة ألف سنة من التقدم في غمضة عين.
ففي هذا السؤال يتمثل سر الأسرار في الفيزياء، بل سر الخليقة وسر الوجود، فكيف السبيل إلى تحويل الطاقة إلى مادة؟
لقد نجح العلم في تحويل المادة إلى طاقة، وأصبح هذا أمراً مألوفاً نرى منه ألواناً شتى ليلاً ونهاراً في المصانع والطائرات والسفن والسيارات والمنازل، وحتى في الجسم البشري الذي تتحول فيه المادة إلى طاقة أما تحويل الطاقة إلى مادة، فهو أمر مازال متعذراً حتى الآن، ولا نعرف تعليلاً لحدوثه في الكون.
والشمس ظاهرة من أبرز ظواهر الخليقة الماثلة أمام أعيننا. وما يحدث في الكمس نفسها هو أن الطاقة لا تنقلب إلى مادة، وإنما المادة تنقلب إلى مادة أخرى، ذلك بأن عنصر الهيدروجين في الشمس ينقلب إلى عنصر الهليوم، فيتسبب ذلك في توليد حرارة شديدة.
وإلى هذا اليوم لا يعرف العلماء كيف وجدت الشمس، وقصارى ما قيل في هذا الباب لا يعدو النظريات الافتراضية، التي تفتقر إلى البرهان والإثبات.
وصفوة القول إن إسحق أزيموف وهو كما قلنا عالم فيزيائي معاصر يعمل أستاذاً في جامعات أمريكا ـينكر وجود المكان ولا يرى حقيقة له، ويقول إن ما نراه ونحس به هو المادة أو أمواجها وأشعتها، وإن إحساس البشر بالمكان سببه الأشعة المنبعثة من المادة.
فإن كنت جالساً في غرفة أو في مكتب وشعرت بأنك جالس في مكان، فسبب ذلك أن هناك أمواجاً وأشعة تحيط بك وتكتنفك، وإن انعدمت انعدم شعورك بالمكان.
ولكن، هل من المستطاع وقف هذه الأمواج، فنفقد بالتالي شعورنا بالمكان كما يقول أزيموف؟
علم الفيزياء يقول في الرد على هذا التساؤل: لا، لأن أمواج الضوء تحيط بنا وتكتنفنا حتى في الليالي المظلمة وإن لم نر الضوء، ولأن أمواج الصوت تتحرك من حولنا حتى في أهدأ الأجواء، ولأن بعضها يصل إلينا ويعبر من أجسامنا.
ولو انقطعت الموجات جميعاً، فموجات الجاذبية لا تنقطع في أي وقت حتى في المنطقة الخارجة عن نطاق جاذبية الأرض، وهي جاذبية يتعرض لها رواد سفن الفضاء في الجو، ولكن التوازن الذي تحدثه مع سرعة السفن المنطلقة هو الذي يحول دون سقوطها.
وليس صحيحاً الاعتقاد بأن للسفن الفضائية في الداخل أو الخارج مناعة من قوة الجاذبية.
ذلك لأن من حقائق على الفيزياء أن قوة الجاذبية مرتبطة بالمادة ارتباطاً من شأنه انتفاء المادة تماماً إذا جردت من هذه القوة، ولو انقطعت موجات الجاذبية لما بقي على قيد الحياة كائن حي، ولا بقي في الدنيا جسم جامد ولو للحظة واحدة.
أوردنا في ما تقدم خلاصة للنظريات التي قال بها علماء الفيزياء في القرن التاسع عشر والقرن العشرين بشأن الزمان والمكان.
فإن عرفنا بعد ذلك أن رجلاً جاء قبل اثني عشر قرناً ونصف قرن وتبنى مثل هذه النظرية بشأن المكان والزمان، أفلا يستحق منا تقديراً وإجلالاً؟ أو ليس هذا دليلاً على أنه ذا عقلية سبق بها عصره وعصوراً أخرى كثيرة، وأنه كان فذاً في تفكيره الكاشف؟
إن هذا الرجل هو جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) الذي عاش في النصف الأول من القرن الثاني للهجرة، وساق نظريات حول الزمان والمكان تتفق مع نظريات العلماء المعاصرين، ناهيك عن أن تعريف الزمان والمكان لدى الصادق (عليه السلام) كان خلواً من المصطلحات والمعادلات العلمية الحديثة، وكان مصوغاً في قالب سهل المأتى، واضح المعنى.
ففي رأي الصادق (عليه السلام) أن الزمان غير موجود بذاته، ولكنه يكتسب واقعيته وأثره من شعورنا وإحساسنا، كما أن الزمان هو حد فاصل بين واقعتين أو وحدتين.
وهو يرى أن الليل والنهار ليسا من أسباب تشخيص الزمان ومعرفته، وإنما هما حقيقتان مستقلتان عن الزمان، يضاف إلى ذلك أن الليل والنهار ليس لهما طول ثابت، فالليل يقصر في الصيف ويطول في الشتاء، والنهار على عكسه، وهما يتعادلان أحياناً.
وفي رأي الصادق (عليه السلام) أن للمكان وجوداً تبعياً لا ذاتياً، وهو يتراءى لنا بالطول والعرض والارتفاع، ولكن وجوده التبعي يختلف باختلاف مراحل العمر، ةمن ذلك مثلاً أن الطفل الذي يعيش في بين صغير، يرى بخياله وأحلامه أن فضاء البيت ساحة كبرى. ومتى بلغ هذا الطفل العشرين من عمره، رأى هذه الدار مكاناً صغيراً جداً، وأدهشه أنه كان يراها واسعة رحيبة في طفولته.
فللمكان، بناء على ذلك، وجود تبعي لا حقيقي، وفي هذا اتفقت آراء علماء الفيزياء في القرن العشرين مع رأي الإمام الصادق في القرن السابع الميلادي.

______________________________________________
1 - زينون القبرسي من أعلام العصر الهليني في تاريخ الفلسفة الإغريقية، وهو زعيم مذهب الرواقيين الذين كانوا يرون بماديتهم أن جميع المعارف حسية. توفي سنة 263 ق.م (راجع (تاريخ الفكر العربي) لعمر فروخ ص122).
2 - تبين للعلماء من رحلات الفضاء والتجارب العلمية أن الفضاء الخارجي مشحون بقوى وطاقات هائلة من الذرات المؤينة (المعروفة علمياً باسم البلازما) واهتدوا إلى حزام هائل من الأشعة الرهيبة يحيط بالكرة الأرضية على طبقتين، وقد عرف علمياً باسم (حزام فان آلن)، وتتألف هذه الأشعة من (الكترونات) و(بوزيترونات) مشحونة، وهي تتحرك بسرعة هائلة بالإضافة إلى أشعة (غاما) و(الأشعة الكونية) التي تخترق الأجسام مهما يكن سمكها أو طبيعتها. (راجع (العلوم الطبيعية في القرآن) ليوسف مروة ص170ـ 171).
3 - الواقع أن اسم هذا العالم اسم عربي فهو إسحاق عظيم أوف وهو المسلمين الروس (المترجم).




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ


نظرية الصادق (عليه السلام) حول أسباب بعض الأمراض

ومن النظريات التي قال بها الإمام الصادق (عليه السلام) وكشفت عن نبوغه العلمي وإحاطته الواسعة بدقائق العلوم، نظريته المتعلقة بانتقال بعض الأمراض عن طريق الضوء من المريض إلى السليم.
ومؤدى هذه النظرية أن هناك أمراضاً ينبعث منها ضوء، فإذا أصاب الضوء أحداً، انتابته العلة.
ولا بد من ملاحظة أن هذا القول لا ينسحب على العدوى بطريق الهواء أو الميكروب، لأن هذه الحقيقة لم تكن قد كشفت بعد أيام الصادق (عليه السلام)، وإنما ينصب هذا القول على الضوء ـوليس كل ضوءـ بل الضوء الذي يشعه المريض، فإذا أصاب سليماً أمرضه.
وقد ذهب علماء الأحياء إلى أن هذه النظرية ضرب من الخرافة، اعتقاداً منهم بأن العامل الرئيسي في انتقال المرض هو الميكروب أو الفيروس الذي ينتقل بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق الحشرات أو الماء أو الهواء الملوث.
وكان الاعتقاد السائد بين المطببين قبل اكتشاف الميكروب أن الرائحة هي السبب الفعال في انتقال المرض، ولهذا صرفوا اهتمامهم إلى الحيلولة دون انتقال الرائحة من المريض إلى السليم. أما ما ذهب إليه الصادق (عليه السلام) من أن الضوء المشع المنبعث من المريض هو الذي يتسبب في نقل العدوى، فهو نظرية لم يقل بها أحد في أي مرحلة من مراحل تاريخ الطب الطويل.
وظلت هذه النظرية معدودة من الخرافات في رأي العلماء والباحثين إلى أن جاءت التجارب العلمية المعاصرة معززة لها ومثبتة لصدق آراء الصادق (عليه السلام) هذه.
ففي مدينة (نوو ـ وو ـ سيبيرسك)(1) الواقعة في الاتحاد السوفياتي مركز من أهم مراكز البحوث في العلوم الكيميائية والطبية. وقد استطاع هذا المركز أن يثبت للمرة الأولى بأن هناك من الأمراض ما يشع ضوءاً، وأن هذا الضوء قادر في حد ذاته، ودون ميكروب أو فيروس، على إصابة الخلايا السليمة وإيقاع المرض بها.
أما الأسلوب الذي اتبعه علماء مركز (نوو ـ مم ـ سيبيرسك) في إجراء تجاربهم فكان على النحو التالي:
تخير العلماء مجموعتين من الخلايا الموجودة في كائن حي، وراعوا فيها أن تكونا من نفس العضو، كخلايا القلب أو الكلى مثلاً، ثم أجروا عليهما عملية تجزئة أو تحليل، وتابعوا نتيجة ذلك. وقد تبينوا أن الخلية تشع أنواعاً من (الفوتون)، (ومعروف أن ذرة الضوء تسمى بالفوتون، وهو أصغر جزء منه) وبفضل التقدم العلمي استطاعت المختبرات العلمية تجزئة الفوتون وإجراء تجارب علمية عليه.
وبعد إجراء البحوث الدقيقة على هاتين المجموعتين من الخلايا المتشابهة والمختلفة في الكائن الحي، أدخلوا المرض على مجموعة منها ليتابعوا تأثير إشعاعه، فوجدوا أن الفوتون يشع من الخلية المريضة أيضاً، وأن المرض يمنع الخلية من الإشعاع.
ثم انتقل العلماء إلى المرحلة الثانية من التجارب، فوضعوا الخلايا السليمة في حافظتين إحداهما من الكوارتز(2) والأخرى من الزجاج.
ومعروف أن من خواص الكوارتز مقاومته للأشعة، فلا تخترقه إلا الأشعة البنفسجية، في حين أن من خواص الزجاج العادي أن فوتون أنواع الأشعة يخترقه ما عدا الأشعة فوق البنفسجية.
وقد تبين العلماء بعد انقضاء ساعات على الخليات الموجودة في الحافظتين أمام الخلية المريضة أن ما كان منها في حافظة الكوارتز أصيب بالمرض، أما الخلايا التي كانت في الحافظة الزجاجية فقد بقيت سالمة.
وما دام الكوارتز يقاوم جميع أنواع الأشعة ما عدا الأشعة فوق البنفسجية، وما دام الزجاج يقاوم الأشعة البنفسجية وحدها، فقد تحقق من هذه التجربة أن الخلية المريضة التي تصدر منها أشعة فوق بنفسجية قادرة علة نقل المرض إلى الخلايا السليمة من خلال هذه الأشعة. أما الخلايا السليمة الموضوعة في الحافظة الزجاجية، فلم تصل إليها الأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن الخلية المريضة، وبقيت محتفظة بسلامتها، في حين أن الخلايا السليمة الموجودة في حافظة الكوارتز أصابتها العلة لأن الكوارتز لا يقاوم الأشعة فوق البنفسجية الصادرة من الخلايا المريضة.
وقد أعيدت هذه التجارب على أمراض مختلفة وعلى خلايا متشابهة ومختلفة طوال ربع قرن، وبلغ عدد التجارب التي أجريت خمسة آلاف، وذلك للتوصل إلى رأي علمي ثابت بالبرهان العلمي المتكرر.
وقد تشابهت نتائج هذه التجارب، ودلت بصورة قاطعة على أن الخلية المريضة تنبعث منها أشعة مختلفة، منها الأشعة فوق البنفسجية، وأن الخلية السليمة إذا ما أصابتها أشعة فوق بنفسجية صادرة عن خلية مريضة، انتقلت إليها نفس علة الخلية المريضة.
ولم يحدث في جميع التجارب التي استمرت خمساً وعشرين سنة أن تجاوزت الخلايا السليمة والخلايا المريضة بحيث يقال إن عدوى الميكروب أو الفيروس انتقلت من هذه إلى تلك بالاحتكاك، فثبت للباحثين أن سبب انتقال العدوى هو الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الخلية المريضة.
وإذا منعنا هذه الأشعة من الوصول من الخلايا المريضة إلى الخلايا السليمة، منعنا المرض من الانتقال من هذه إلى تلك.
ومن خواص المضادات الحيوية أنها تقلل من حدة هذه الأشعة، فتشل قدرتها على نقل العدوى من الخلايا المريضة إلى الخلايا السليمة.
ويؤخذ من البحوث التي أجريت في هذا المركز العلمي السوفيني أن خلايا جسم الإنسان تصدر عن كل منها أشعة فوق بنفسجية، كما أنها تستقبل هذه الأشعة، أي أنها ترسلها وتستقبلها وتنقل العدوى بسببها إذا ما انتقلت من خلية مريضة إلى خلية سليمة. أما إذا كانت الخلية سليمة، فلا يترتب على انتقال الأشعة ضرر أو مرض.
كذلك ثبت أن الخلايا السليمة، إذا ما مرضت بفعل التوكسين (السم)، أصبحت بدورها ناقلة للعدوى بفعل الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة منها.
والتوكسين سم تولده عناصر وخلايا موجودة في جسم الإنسان، ولكن مفعوله في الجسم يختلف عن مفعول الميكروبات والفيروسات. والإكثار من الطعام هو من العوامل الهامة في توليد التوكسين بكميات زائدة في جسم الإنسان عند التقدم في العمر.
وقد ثبت من التجارب العلمية التي أجريت، وعددها خمسة آلاف تجربة، أن الخلايا المريضة تنتقل منها العدوى إلى الخلايا السليمة بفعل الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الأولى، كما ثبت أن الخلايا المريضة بالتوكسين تنقل المرض بدورها بفعل هذه الأشعة عينها، دون انتقال لأي ميكروب أو فيروس من الخلايا المريضة إلى الخلايا السليمة.
ولا ريب في أن النتائج التي أسفرت عنها هذه التجارب قد فتحت أمام علماء الأحياء والطب ميداناً جديداً يطرقونه لمعالجة الأمراض، يتمثل في اللجوء إلى إحدى طريقتين: إما الاهتداء إلى وسيلة تمنع انتقال الأشعة البنفسجية من الخلية المريضة إلى الخلية السليمة (كما هو الحال في انتقال الخلية المصابة بالسرطان إلى غيرها من الخلايا السليمة من طريق الأشعة فوق البنفسجية)، وإما بإكساب الجسم مناعة، بحيث تستطيع خلاياه السليمة مقاومة هذه الأشعة الناقلة للعدوى.
وقد أنعش هذا الكشف العلمي العظيم آمالاً عريضة في إمكان التوسل بهذا الأسلوب في معالجة الأمراض المستعصية كالسرطان وغيره. ومع أن العلماء يتفاءلون دائماً بقرب تحقيق المعجزات، إلا أننا نفضل دائماً انتظار ما تسفر عنه التجارب العلمية المتصلة، فهي وحدها التي تقطع بالنجاح أو بالفشل.
وثمة حقيقة لا ريب فيها، عززتها طائفة كبيرة من العلماء والباحثين في المراكز العلمية الأخرى، مؤداها أن الخلايا المصابة بأمراض مختلفة يشع كل مرض منها نوعاً خاصاً من الفوتون يختلف عن غيره من فوتونات الأمراض الأخرى. والعلماء عاكفون على إعداد جدول علمي يضم جميع أنواع الفوتونات والرقم الرمزي الخاص بكل نوع منها، ولكن إعداده يحتاج إلى وقت طويل بالنظر إلى كثرة عدد الميكروبات والفيروسات وأنواع التوكسين (السم)، ومع ذلك، فقد استطاعوا قبل الفراغ من هذا الحصر والإحصاء أن يشخصوا كثيراً من الأمراض والفوتونات التي تشعها وطرق علاجها.
وعلى سبيل المثال نذكر أن العلماء استطاعوا بعد كشف أسباب العدوى بميكروب الأنفلونزا ونوع الفوتون الذي يشعه وكذلك أشعته فوق البنفسجية، أن يحددول العلاج الكفيل بمنع سريان هذا المرض إلى الخلايا السليمة الأخرى.
وقد أجريت تجارب علمية مماثلة في الولايات المتحدة الأمريكية، فجاءت نتائجها متفقة مع ما انتهى إليه مركز الأبحاث السوفيتية، كما وضع الدكتور جون أوت كتاباً في هذا الموضوع ونشرت المجلات الطبية والعلمية نتائج هذه البحوث.
سقنا هذا العرض لندلل على أن العلم الحديث جاء مؤكداً للنظرية التي دعا إليها الإمام الصادق (عليه السلام) في منتصف القرن الثاني للهجرة ومؤداها أن الضوء المنبعث من مرض ما يتسبب في إصابة الغير بالمرض، وهي النظرية التي اعتبرت يومها من الخرافات البعيدة عن الواقع، فقد أقام العلم الحديث البرهان على أن الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الخلايا المريضة تتسبب في نقل الأمراض إلى الخلايا السليمة. أما الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الشمس فهي لا تصيب الإنسان أو الكائنات الحية بالمرض إلا إذا وصلت إلى جسم الإنسان والحيوان دون أن تمر من الهواء، أي دون أن يفصل بينها وبين الكائن الحي عائق مثل طبقة الهواء، ولولا هذه الطبقة الهوائية العازلة، لهلكت الكائنات الحية. وصفوة القول، إن التجارب العلمية قد جاءت مؤكدة لنظرية الإمام الصادق (عليه السلام) بعد ألف ومائتين وخمسين سنة.
على أن موضوع انتقال عدوى بعض الأمراض من الجسم المريض إلى الجسم السليم قد اهتدى إليه الإنسان من قديم، فقد جاء في ورقة من أوراق البردي المصرية القديمة، التي يرجع تاريخها إلى 15 قرناً قبل الميلاد والني يحتفظ بها المتحف الفرنسي، أن رجال فراعنة مصر منعوا المسافرين في سفينة من النزول إلى الساحل لأنهم كانوا مرضى، وخيف من نقلهم العدوى إلى الأصحاء.
وتثبت هذه الوثيقة التاريخية حقيقتين، أولاهما أن النقل البحري كان مزدهراً في مصر القديمة بين المدن المتناثرة على ضفتي النيل والبحرين الأحمر والأبيض، وثانيتهما أن الطب كان متقدماً في مصر القديمة في هذه الفترة السحيقة التي ترجع إلى 3500 سنة مضت.
فقد ثبت عند الناس من قديم أن بعض الأمراض ينتقل من المعتل إلى السليم، أي أن هناك طائفة من الميكروبات التي تنقل العدوى.
أما وقد نجح التجريب العلمي في إثبات نظرية الإمام الصادق (عليه السلام) من أن الأشعة فوق البنفسجية التي تنبعث من الخلية المريضة تتسبب في اعتلال الخلايا السليمة، فهل يمكن قياس فعالية هذه الأشعة؟ وهل يجوز القول بأن الأمراض التي تظهر من ناحية دون أخرى، أو الأمراض التي تقع مرة واحدة أو مصادفة، إنما هي أمراض انتقلت من خلايا مريضة بفعل الأشعة فوق البنفسجية؟ إن الرد على هذه التساؤلات، بما فيها قياس مفعول الأشعة الناقلة للعدوى، ما زال أمراً غير مقطوع به.
صحيح أن العلم الحديث عرف أن الفيروس لا يكاد يتخذ مكانه في الخلية حتى يسرع في التكاثر والانتشار بسرعة فائقة، وأن المضادات الحيوية أو غيرها من العقاقير تساعد على قتل الجراثيم والفيروسات في جسم الإنسان، ولكن العلم الحديث ما زال يجهل أشياء كثيرة، منها مثلاً سبب إصابة الخلايا بالشيخوخة. ولو عرفت علة هذه الشيخوخة وعولجت في الخلايا، لانتفت الشيخوخة من حياة الإنسان.
ومن الثابت والمقطوع به لدى العلماء الأمريكيين والروس أن الفوتون الموجود في الخلية المريضة ـ وهو جزء صغير من الضوء ـ إذا انبعثت منه أشعة فوق بنفسجية ووقعت على خلية أخرى سليمة، لتسببت في إصابتها بالمرض.
وللإيضاح نقول إنه إذا تصورنا أن الجرثومة (الميكروب) هي في حجم البالون، كان الفيروس في حجم حبة السمسم بالنسبة إليه. ولكن هذه الحبة الصغيرة بالنسبة للميكروب تحمل معها عدوى المرض إلى الخلايا السليمة.
وربما كان تعليل ذلك أن الفوتون يحمل معه جرثومة صغيرة جداً من المرض، وأن هذه الجرثومة تتسبب في اعتلال الخلية السليمة، وربما نجح العلم في القريب في تبيان كيفية انتقال المرض من الخلية المريضة إلى الخلايا السليمة من خلال الأشعة فوق البنفسجية، والعلم الحديث كفيل بكشف الغوامض جميعاً.
ولا تقتصر النظريات العلمية الكاشفة للإمام الصادق (عليه السلام)، ولا سيما في الفيزياء، على ما أوردناه في هذا البحث حتى الآن، بل إن له نظريات هامة أخرى أكدتها التجارب العلمية الحديثة.
ومن هذه النظريات مثلاً قوله إن لكل كائن موجود وجوداً ذاتياً كائناً مضاداً له، ما عدا الله، ولكن الضدين لا يتصادمان ولا يجتمعان، ولو اجتمعا أو تصادما لكانت في ذلك نهاية العالم.
وهذه النظرية هي بعينها النظرية الحديثة القائلة إن للمادة نقيضاً أو مضاداً (anti- body) وقد قطعت هذه النظرية شوطاً بعيداً في سبيل إثباتها بالتجريب العلمي.
والعلماء في البلدان المتقدمة عاكفون اليوم على البحث في مضادات العناصر المختلفة ونقائضها رغبة في التحقق منها(3).
والفرق بين المادة ومضاد المادة أو نقيضها يتحصل في أن المادة في العناصر المادية تتركب ذراتها من نواة مركزية موجبة تدور في فلكها إلكترونات سالبة، في حين أن ذرات المادة تتألف من نواة سالبة تدور في فلكها إلكترونات موجبة، أي أنها تماثلها ولكن بصورة عكسية تماماً.
ولم تجر حتى الآن تجربة يراد منها تحقيق مواجهة بين ذرات المادة وذرات مضادها، ولا تعرف بالتالي نتيجة هذه المواجهة، وهل يسفر التصادم بينهما عن انفجار أو عن أي عواقب أخرى ما زال أمرها في طي الغيب.
والحديث عن وقوع انفجار نتيجة لهذا التصادم لا يعدو أن يكون رأياً شبيهاً إلى حد كبير بالرأي النظري الذي كان يقول به العلماء حول شطر نواة ذرة عنصر الأورانيوم قبل صيف عام 1944 عندما فجرت أمريكا نواة الذرة للمرة الأولى، وحسمت بالقنبلة الذرية الحرب العالمية الثانية، إذ كان العلماء في ذلك الوقت يتحدثون عن إمكان حدوث سلسلة من الانفجارات المتصلة والمتعاقبة في عناصر الأرض إذا ما أمكن تفجير نواة الذرة، أي إحداث تفجير نووي، ولكن التفجير الذي أحدثته أمريكا انتهى دون أن ينتقل إلى بقية العناصر في الكرة الأرضية.
صحيح أنه قد أجريت تفجيرات أخرى كثيرة حتى الآن، سواء في الولايات المتحدة أو في غيرها، ولكن هذه التفجيرات كانت محدودة، ولم تنتقل إلى سائر العناصر في الكرة الأرضية، ولكن التفجير النووي شيء، والتفجير الذي يحتمل أن يحدث نتيجة لتصادم المادة ومضادها شيء آخر.
فالتفجير النووي أو الهيدروجيني يــحول جزءاً صغيراً من المـــادة إلى طاقة، ويبقي الجزء الأكـــبر عاطلاً فلا يـــتحول إلى طاقة(4).
ويؤخذ من معادلة أينشتين الذرية أن الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع إلى فناء العالم، فقد استولى القلق والخوف الكبيران على علماء الفيزياء الذين صنعوا القنبلة الذرية الأمريكية وفجروها لأول مرة في عام 1944 خشية أن تحل بالعالم كارثة ماحقة.
واليوم يقول علماء الفيزياء الذين يدرسون احتمالات اصطدام المادة بمضادها إن هذا التصادم سينتهي بتحويل الاثنين إلى طاقة خالصة. ويذهب هؤلاء العلماء إلى أن اصطدام كيلو غرام من المادة بكيلو غرام من مضادها كفيل بتوليد طاقة تفني الكرة الأرضية إفناء تاماً وتحولها إلى غاز شديد الحرارة ينتشر في المنظومة الشمسية بأسرها.
ولكن البروفيسور آلفون، وهو أستاذ للفيزياء بجامعة (لوند) السويدية، عارض هذه النظرية قائلاً إن الأمر سينتهي بالإنسان إلى استغلال الطاقة المتحصلة من اصطدام المادة بمضادها وتسخيرها في أغراضه الصناعية باعتبارها طاقة لا تنفد. في حين أن الطاقة التي يمكن توليدها من البرق ومن شطر نواة اليورانيوم ومن الهيدروجين ومن مساقط المياه وحركات البحار هي طاقة لا تحل مشكلة الإنسان، ويعزز هذا العالم رأيه بقوله إن الطاقة المتولدة من اصطدام مائة كيلو غرام من المادة ومضادها، تكفي حاجات البشر من الطاقة في الكرة الأرضية بأسرها في سنة كاملة.
ولكن كان كل ما يقال عن عواقب اصطدام المادة ومضادها رجماً بالغيب، لأن هذا لم يتحقق بالتجريب العملي، فإن البروفيسور آلفون يرى أن مثل هذا التصادم ـإن تحققـ لن يولد إلا طاقة خالصة من جميع عناصر التلوث التي تفسد البيئة.
وقد أطلق البروفسور آلف على الطاقة الحاصلة من اصطدام العنصرين اسم (ماترجي) materji في مقابل (إنرجي) energy وهي الطاقة المولدة من المادة.
ويؤخذ من الفروض النظرية لهذا العالم أنه لو حدث اصطدام بين 500 غرام من المادة و500 غرام من مضاد المادة لتولدت من ذلك حرارة قدرها مائة مليار درجة (أي مائة ألف مليون درجة)، وليس في العالم مصدر يمكنه إعطاء البشرية هذا القدر من الحرارة، علماً بأن حرارة مركز قرص الشمس لا تزيد عن عشرة ملايين درجة.
ويقول البروفيسور آلفن في الرد على التساؤل: أفيستطيع الإنسان إخضاع هذا القدر الهائل من الحرارة وتسخيره في قضاء مطالبه؟ إن هذا ممكن إذا ما استطعنا إحداث تفجير جزئي في عملية تصادم العنصرين، تماماً كما أن التفجير الذي يحدث في نواة الذرة هو تفجير جزئي أو ناقص. وقد تقدم أن جزءاً فقط من المادة هو الذي يتناوله التفجير الذري ويحوله إلى طاقة، أما القدر الأكبر من المادة فيبقى دون تفجير ويذهب هباء.
ويذهب البروفيسور آلفن إلى أن المانع من إحداث تفجير بين المادة ومضاد المادة هو مانع اقتصادي، لأن التجربة الأولى ستكلف ما يتفاوت بين عشرة مليارات وخمسة عشر ملياراً من الدولارات، وهو مبلغ طائل تنوء به ميزانيات الحكومات والمؤسسات.
ولو تمت هذه التجربة، لأمكن بسهولة توليد الطاقة من هذا المصدر، وإذا كان العلماء اختاروا اليورانيوم من دون العناصر الأخرى في التجارب التي قاموا بها لتفتيت نواة الذرة، فأرجح الآراء أن عنصر الهليوم هو الذي سيختار دون سائر العناصر لإجراء تجارب اصطدام المادة بمضادها، وسبب ذلك أن علماء الفيزياء في الاتحاد السوفيتي قد اكتشفوا مضاد الهليوم، ولعلهم يعدون لإحداث مواجهة بين الهليوم وهذا المضاد.

__________________________________________________ ____
1 - عرفت هذه المدينة قديماً باسم (نوو ـ وو ـ نيكله يوفسك)، ثم غير اسمها في عام 1925 إلى (نوو ـ وو ـ سيبيرسك)، وهي تعد من المراكز العلمية والصناعية الهامة في مقاطعة سيبيريا الروسية. ويؤخذ من آخر إحصاء ورد في دائرة المعارف الجغرافية البريطانية أن عدد سكانها كان في عام 1963 حوالي مليون نسمة (990000 على وجه التحديد).
2 - الكوارتز، ويسمى أيضاً السليكا، حجر معدني متبلور يكثر في جبال الأورال السوفيتية، ويسمى النوع الأبيض منه بألماس الأورال.
3 - من مؤدى هذه النظرية أن لكل مادة نقيضاً أو مضاداً، وأن المواجهة بين المادة ونقيضها تنتهي بفناء المادة. ويبدو من البحوث التي أجراها العلماء في مختبرات كالهام في إنكلترا وبروكهافن في الولايات المتحدة وكارلسروه في ألمانيا الغربية أن هذه النظرية صحيحة. وهناك اعتقاد بأن المادة ونقيضها قد خلقهما الله معاً عندما أوجد هذا الكون، وأن للاثنين أصلاً واحداً وأنهما يتطوران تطوراً واحداً راجع (العلوم الطبيعية في القرآن) لحسين مروة ص222.
4 - وفقاً لقانون تحويل المادة إلى طاقة، تحتسب الكتلة بالغرام، ويقاس مربع سرعة الضوء بالسنتيمتر، أي السرعة التي بها يقطع الضوء مسافة سنتيمتر واحد. وبعد تحديد هذا القياس يضرب في مربعه، ثم يضرب حاصل الضرب في وزن الكتلة مقيسة بالغرام، والناتج هو مقدار الطاقة. وتقاس الطاقة بمقياس آخر يطلق عليه اسم (إيرك)، والإيرك هو القوة التي تتحصل من كتلة غرام واحد في سنتيمتر واحد من سرعة الضوء في ثانية واحدة. ولو أردنا معرفة الطاقة التي تنبعث من كيلو غرام، أي ألف غرام من مادة معينة، لضربنا النتيجة السابقة في ألف ـ هذا طبعاً إذا تحول الكيلو غرام كله إلى طاقة. (المترجم). وحتى نعرف مقدار ذرة الهيدروجين وحجمها، تكفي الإشارة إلى أن وحدات الكتلة الذرية تقاس بوحدة الهيدروجين، وتعتبر ذرة الهيدروجين وحدة للقياس ووزنها 1.66 جزء من مليون مليار مليار جزء من الغرام، وكثافة نواة الذرة تبلغ مائة مليون طن لكل سنتيمتر مكعب. (راجع كتاب الدكتور يوسف مروة ص165)



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع


توقيع : حسيني الهوى
رد مع اقتباس
قديم 2014/04/07, 09:14 PM   #3
حسيني الهوى

موالي ذهبي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 1712
تاريخ التسجيل: 2013/07/09
المشاركات: 1,028
حسيني الهوى غير متواجد حالياً
المستوى : حسيني الهوى is on a distinguished road




عرض البوم صور حسيني الهوى
افتراضي


نظرية الصادق (عليه السلام) بشأن أشعة النجوم

ذكرنا ـ في ما سبق ـ أنه لو قل أن يكون هناك موضوع علمي وليس للصادق (عليه السلام) رأي ذو وزن فيه.
وقد درسنا حتى الآن بعض النظريات التي طلع بها والتي تشهد له بأنه كان ذا عقلية علمية مرتبة، ولا تتوافر أمثال هذه العقليات إلا لأفذاذ العباقرة.
وللصادق كذلك نظرية تتعلق بضوء النجوم من مؤداها أن بين النجوم التي نراها في الليل ما هو أضخم من الشمس، وأن شمسنا تعتبر بالقياس إليها صغيرة الحجم ضئيلة الضياء.
واليوم، وبعد مضي اثني عشر قرنا ونصف القرن، أثبت العلم صحة نظرية الإمام الصادق (عليه السلام)، إذ تبين للعلماء أن هناك مجموعات من النجوم السواطع تتضأل تلقاء حجمها وضيائها الشمس نفسها.
ويطلق على هذه النجوم (المجرات) اسم (الكوزرز) الواحدة منها كوزار(1) Quasars، وبعضها يبعد عن الأرض بمقدار تسعة آلاف مليون (أي تسعة مليارات) سنة ضوئية. وما يصل إلى المراقب الفلكية اليوم من الأمواج الضوئية الصادرة عن هذه المجموعات يقطع المسافة الشاسعة بين هذه المجموعات وبيننا في تسعة آلاف مليون سنة ضوئية.
وهناك مراقب راديو تلسكوبية ضخمة ترصد هذه النجوم والأنوار الساطعة المنبعثة منها حتى في النهار، منها مرقب (آرسي بوئه) في جزيرة (بورتوريكو) والذي يبلغ قطره ثلاثمائة مترا.
ويساوي الضوء المنبعث من بعض هذه الكوازر ضوء الشمس عشرة آلاف مليار مرة، (أي10.000.000.000.000) وهو رقم ليس فيه خطأ أو شطط.
ووحدة قياس الضوء التي يستند إليها علماء الفلك في قياس ضوء النجوم هي ضوء الشمس، وللمرء أن يتصور الضخامة المتناهية لبعض المجموعات من الكوازر إذا كان ضؤوها يعادل ضوء الشمس عشرة آلاف مليار مرة، فينحط ضوء الشمس أمامها كضوء شمعة صغيرة.
ورغبة في رصد هذه المجرات الضوئية الضخمة التي اكتشفت المجرة الأولى منها في سنة 1963م (وهناك أكثر من مائتي مجرة قد اكتشفت حتى الآن) فكر العلماء في صنع مرقب فلكي سعة دائرته ثلاثون ألف متر (ثلاثون كيلو مترا).
وبالنظر إلى استحالة صنع مرقب (راديو تلسكوب) له هذه السعة، بدأ العلماء يفكرون في صنع مرقب كهربي له هوائيات قوية ترتفع على شكل حرف Y بحيث تكون المسافة بين كل رأس من رؤوس هذا الحرف واحدا وعشرين كيلو مترا. أما الهوائي فينتقل بين المحاور الثلاثة ويتم التحكم فيه إلكترونيا، ويبلغ طول الهوائيات الثلاثة 21 كيلو مترا، ولها قدرة على الرصد كما لو سعة المرصد ثلاثين ألف مترا، ويتم توجيه هذا الجهاز إلى الكوازر لمشاهدتها بمزيد من الدقة.
وقد اعتاد الفلكيون منذ القرن الثامن عشر الميلادي على اكتشاف كتل ضوئية في السماء، وكانت المسافة السحيقة التي تفصل هذه الأجرام المضيئة عنا من الأمور المألوفة التي لا تثير دهشة العلماء آنذاك.
ولكن، لما رأى علماء الفلك مجموعة الكوازر البعيدة في عام 1963م مستعينين بمرقب (راديو تلسكوب) آرسي بوئه في بورتوريكو، استولت عليهم الدهشة لأنها تبعد عنا بمقدار 9مليارات سنة ضوئية، في حين أن العالم اينشتين كان يعتقد بأن قطر العالم ثلاثة مليارات سنة ضوئية.
ولكي تستطيع الأذهان إدراك مدى ضخامة هذه المسافة الشاسعة، نذكر أن الضوء يحتاج إلى سنة كاملة لكي يقطع بسرعته الفائقة مسافة 9500 مليار كيلو متر. فإن أردنا أن نعرف مقدار المسافة الحقيقية بين مجرات الكوازر والأرض، ضربنا 9500 مليار سنة في 9500 مليار كيلو متر.
وبغض النظر عن ضخامة هذه المسافة التي يتعذر على العقل تصورها، فإن مما يزيد في حيرة علماء الفلك أن مجرات الكوازر تطلق ضوءا ساطعا يساوي ضوء الشمس 10 آلاف مليار مرة، وحتى الآن لم يكتشف العلماء كنه هذه الكوازر والعناصر التي تتركب منها والتي تمكنها من توليد كل هذه الحرارة والطاقة العجيبة.
ويقول البروفسير آلفون الذي مر ذكره إن المصدر الوحيد في الكون الذي يمكنه توليد مثل هذه الطاقة هو المادة إذ تنفجر بعد اصطدامها بمضادها، ولو نجح علماء الذرة في الاتحاد السوفييتي مثلا في تفجير عنصر الهليوم بعد اصطدامه بمضاد الهليوم، لاهتدى العالم إلى مصدر للطاقة لا نفاذ له، ولهان على العلماء معرفة سر الحرارة والطاقة المنبعثة من مجرات الكوازر.
ومع انقضاء 29 عاماً(2) على التفجير النووي الأول الذي تم في الولايات المتحدة الأميريكية، لم يستطع علماء الذرة تفجير نوى ذرات العناصر والأجرام الأخرى، ما عدا اليورانيوم والبلوتونيوم (والبلوتونيوم يستخرج من اليورانيوم)، فهم لم يستطيعوا تفجير نواة ذرة الهيدروجين، أما الطاقة التي أمكن توليدها من الهيدروجين، فقد ولدت لا من شطر نواة ذرته كما هو الحال في اليورانيوم والبلوتونيوم، بل من ادغام عناصرها بعضها ببعض.
وإذا كان العلماء الذريون قد توصلوا إلى كشف مضاد الهليوم، فإنهم لم يوفقوا حتى الآن إلى كشف مضاد لعناصر أخرى كالأوكسجين أو الأزوت (النتروجين) مثلا.
ومعروف أن الحديد هو من العناصر المتوافرة في كل مكان، ولكن علماء الذرة لم ينجحوا حتى الآن في أحداث تفجير نووي في ذرات الحديد، مع أن نظرية تفجير نواة الذرة التي قد طبقت بنجاح على اليورانيوم والبلوتونيوم مفروض أنها تنطبق كذلك على الحديد والنحاس والرصاص والزنك (الخالصين) وغيرهما من العناصر، لأن تركيب ذرات هذه العناصر شبيه من حيث قابليته للشطر بتركيب ذرات اليورانيوم، ومع ذلك لم تستطيع الدول الحائزة للطاقة الذرية إحداث التفجير حتى الآن.
ثم إن المرقب الفلكي (الراديو تلسكوب) لم يرصد أشعة النجوم وحدها، وإنما رصد كذلك الجزيئات المتناثرة في الفضاء الرحيب حتى بلغت الأنواع التي كشفت منها حتى الآن أكثر من ثلاثين جزيئا. وتتكون الأحماض الأمينية أو البروتينية من قسم من هذه الجزيئات، بمعنى أن عناصر خلايا الكائن الحي موجودة في الجزيئات المتناثرة في الفضاء.
ويؤخذ من وجود هذه الجزيئات في الفضاء أن وجود الإنسان على الكرة الأرضية لم يكن أمرا عارضا، وإنما هو مرتبط بالوجود الشامل العام.
ويسوغ لنا اليوم أن نقول باطمئنان وثقة إن الأرض كانت في بادئ الأمر عارية من كل أثر للحياة لأنها كانت جرما منصهرا ذا حرارة شديدة تستحيل معها الحياة، فلما مالت الأرض إلى البرودة، انتقلت إليها الجراثيم الحيوية المبعثرة في الفضاء اللامتناهي، وأوجدت الخلية الحية، وخاصة الجزيئات الخمسة التي أطلقت عليها أسماء (أوراسيل، كوآنين، أوهنين، سيتورين) وهذه بدورها أوجدت الأحماض الأمينية والبروتينية في الأرض، ومن جملتها الخلايا الحية للحيوان والإنسان. ويعزى الفضل في هذا الكشف العلمي الضخم إلى المراقب الفلكية (الراديو تلسكوب).
وإلى وقت قريب، كانت المراقب الفلكية ترصد النجوم، وتقف من حلال طيفها على العناصر المكونة لها، وتستنتج درجة حرارة كل نجم، ولكنها لم تكن قادرة على رصد الجزيئات الموجودة في الفضاء، ولكن الراديو تلسكوب الفلكي قد نجح في كشف هذه الجزيئات التي فيها جرثومة الحياة، فكان هذا إنجازا كبيرا منه.
وإذا كانت الحياة قد وجدت على الكرة الأرضية لا بمحض الصدفة، ولا باعتبارها أمرا عارضا، ففي الوسع القول بأن هناك حياة وكائنات تعيش في الكواكب الأخرى الشبيهة بالكرة الأرضية، ولعلها سبقت الكرة الأرضية في نشأة الحياة عليها بآلاف الملايين من السنين، لأن هذه الكواكب سبقت الكرة الأرضية إلى الوجود بآلاف الملايين من السنين.
ولا يستبعد أن تكون الكائنات الحية التي تعيش في هذه الكواكب قد نجحت من آلاف السنين في حل المشكلات المعقدة التي ما زالت تنوء بالبشر، وإن كان القدم لا يعد في حد ذاته مقياسا للكفاءة والعلم. وهناك اعتقاد بأن البشر عاشوا على الكرة الأرضية قرابة مليوني سنة، ولكنهم لم ينطلقوا في النشاط العلمي إلا من عشرة آلاف أو خمسة عشر ألف سنة.
ويقول العلماء في يومنا الحاضر إن البشر ليسوا الكائنات الوحيدة في هذا الكون، لأن هناك كائنات حية تعيش في ملايين من السيارات الأخرى، وربما كانت أكبر ذكاء وأنبه عقلا وأنشط عملا من الكائنات البشرية. وسيظل الأمل يداعب الإنسان في إمكان تحقيق اتصال بهذه الكائنات ذات يوم والاستفادة مما يكون لديها من علوم وتجارب. وخير وسيلة متاحة الآن لتحقيق هذا الاتصال هي الأجهزة الراديو تلسكوبية الشديدة الحساسية.
ونعود إلى الإمام الصادق (عليه السلام) وإلى نظريته القائلة إن لبعض النجوم ضوءا هو من الشدة بحيث يتضاءل أمامه ضوء الشمس. وها هو العلم الحديث قد برهن على صدق نظرية الإمام الصادق (عليه السلام)، ودلل على أن لبعض النجوم من الأشعة ما تضؤل أمامه الشمس وأشعتها، أفلا يستخلص من ذلك أن الإمام الصادق (عليه السلام) الذي عاش في النصف الأول من القرن الثاني الهجري كان عبقريا في المباحث العلمية؟
وثمة سؤال قد يعن للباحث هو: أين مجرات (الكوازر) التي يبعد بعضها عن الكرة الأرضية بمسافة 9 آلاف مليون سنة ضوئية؟ هل تقع في مركز الكون أو في أوله أو في نهايته؟
ثم لنتأمل في قرص الشمس الذي يقوم كل أربع وعشرين ساعة بتحويل أربعمائة مليار طن من الهيدروجين إلى الهليوم لنشر الضياء والدفء في الكرة الأرضية والسيارات الأخرى التي تدور حولها، والذي لن يتوقف عن نشر الضياء والدفء إلى 10مليارات من السنين الأخرى. أليس عجيبا أن تكون هذه الشمس ضئيلة أمام مجرات (الكوازر) الساطعة الضوء؟
فإن كان لشمسنا هذا المقدار الهائل من الطاقة والقدرة، وإن كان ينتظرها عمر ممتد هذا مقداره، فكم يكون عمر مجرات الكوازر التي تبعد عن الكرة الأرضية مسافة 9آلاف مليون سنة ضوئية؟ أغلب الظن أن عمرها يزيد عن ألف مليار سنة.
وما دامت في العالم شموس أخرى كمنظومتنا الشمسية، فمن مؤدى ذلك القول عقلا بأننا لا نعيش في عالم واحد، وإنما هناك عوالم كثيرة يتألف من مجموعها الكون الأكبر.
وقد ثبت لعلماء الفلك أن بعض النجوم ينطفئ ضوؤه وتنتهي حياته، حتى ولو لم يستطع الفلكيون حصر هذه النجوم. وثبت لهم أيضا أن للأجرام السماوية و المنظومات الشمسية أعمارا، وأن عمر بعضها يزيد على 15 مليار سنة، وأن الشمس مثلا ما زال باقيا في عمرها 10 مليارات سنة، وأن مجرات الكوازر عمرها ألف مليار سنة أو أكثر، وهذا كله يقطع بأن هناك عوالم كثيرة أخرى في هذا الكون.
وقد سبق للإمام الصادق (عليه السلام) أن قال إن الكون لا ينحصر في عالمنا وحده، وإنما هناك عوالم أخرى، وها قد جاء العلم الحديث مبرهنا على هذه النظرية، وأقام الأدلة على أن هناك آلفا من العوالم والمنظومات الشمسية الشبيهة بعالمنا ومنظومتنا الشمسية، وأنها تفنى وتزول ما عدا مجرات الكوازر، فهي باقية على الدوام.
وقد قسم الإمام الصادق (عليه السلام) العلم إلى قسمين هما: العالم الأكبر والعالم الأصغر، ومعروف أن هناك عالم أوسط لم يذكرها الصادق (عليه السلام) اعتقادا منه بأن ذلك من نوافل القول. فالأمر كله نسبي، وفي الوسع اعتبار هذه العوالم الوسطى عوالم كبرى أو صغرى، وكل عالم يعتبر أكبر بالقياس إلى العوالم الأصغر منه، أو يعتبر أصغر بالقياس إلى العوالم التي تكبره. فتقسيم الصادق هو إذن تقسيم شامل لعوالم الكون كلها.
وعندما سئل الصادق (عليه السلام) عن عدد العوالم في كل قسم، قال إنها كثيرة، ولا يعلم ذلك إلا الله، وهي حقيقة أثبتها العلم الحديث. فالذي لا ريب فيه أن هناك أعدادا كبيرة من المنظومات الشمسية والنجوم والنيازك والمجرات في الكون، وهي تعز على الحصر ولا يعبر عنها بأرقام حتى ولو كانت أرقاما فلكية.
ويقول العالم اليوناني أرشميدس الذي عاش قبل الميلاد بثلاثة قرون أن عدد الذرات المبعثرة في العام هو عشرة مضروبة في نفسها 63 مرة وإن الذرة هي أصغر أجزاء المادة ولا تقبل التجزئة، ولهذا سميت بالجزء الذي لا يتجزأ.
وفي مطلع القرن العشرين جاء إدنجتون (العالم الفيزيائي البريطاني المتوفى سنة 1944م) فقال إن مجموع الذرات في العالم 10 مضروبة في نفسها 80 مرة.
وعندما طلع ادنجتون بهذه المعادلة الرياضية لحساب عدد الذرات، كان العلماء الفلك يعتقدون أن عدد الأجرام الضوئية والنيازك والشهب في السماء يصل إلى مليون.
وعندئذ لم يكن مرصد (بالومر) الأمريكي قد شيد بعد، وهو المرصد الذي قرب ضوء المجرات بمقدار ألفي سنة ضوئية، فأصبحت رؤيتها بالعين البشرية ممكنة، ولا كانت المراقب الراديو تلسكوبية الشديدة الحساسية قد اخترعت.
ولو أن العمر امتد بادنجتون إلى يومنا هذا، ورأى بأم عينه المجرات الضوئية والكوازر، لأعاد النظر قطعا في معادلته بأرقامها الشديدة التواضع.
والكون الذي عرفه علماء الفلك والفيزياء في عام 1900م يعتبر صغيرا، بل ضئيلا بالنسبة للكون الذي يعرفه علماء اليوم. وليس من المبالغة في شئ القول بأن الكون في عام 1900 كان بمثابة فنجان ماء بالنسبة لمحيطات المياه التي عرفناها عن الكون في يومنا هذا.
وبعد كشف المجرات الضخمة المسماة بالكوازر، ظهرت نظرية أخرى مؤداها أن هذه الكوازر تمثل التخوم الخارجية للكون، وأن عالمنا هذا الذي يحتاج إلى 9آلاف مليون سنة ضوئية ليصل إلى الكوازر هو البداية لفضاء أوسع تعجز الأجهزة الراديو تلسكوبية المتاحة لنا عن الوصول إليه، فلا قبل لها باستقبال أشعة النجوم أو العناصر الموجودة في ما وراء الكوازر. وإلى هذا اليوم، لم يتسن لنا رصد المجرات التي تلي الكوازر في موقعها منا.
وبناء على هذه النظرية، فهناك ما مجموعة مائة ألف مليون من الأجسام الضوئية والمجرات والشهب، ولكل منها عشرات الآلاف من ملايين الشموس، وهذه جميعا ترسل أشعتها إلى المراقب الكهربائية ذوات العدسات الكاسرة والمرايا العاكسة.
وليست هذه الأجرام من عالمنا الحقيقي، لأن حدود عالمها يبدأ من مجرات الكوازر وما وراءها، وطبيعي إذن أن يكون ضوء مجرات الكوازر مساويا لضوء الشمس عشرة آلاف مليار مرة.
وحتى يستطاع توليد كمية الضوء والأشعة التي تنبعث من الشمس كل أربع وعشرين ساعة، فلا بد من توافر مائة مليار طن من الهيدروجين المركز أو المجزأ. فما هي يا ترى كمية الهيدروجين المجزأ والمركز التي تحتاج إليها مجرات الكوازر كل أربع وعشرين ساعة لكي تولد هذا المقدار الأسطوري من الضوء؟ وكم يكون مقدار الأشعة التي تصدر عن اصطدام النقيضين: المادة ومضاد المادة؟
ونستطيع بحسبة بسيطة أن نصل إلى الأرقام الفلكية التالية: فإذا ضربنا أربعمائة مليار طن في عشرة آلاف مليار، كان حاصل الضرب رقم 4 وأمامه 27 صفرا، وهو رقم لا يمكن لفظه أو عده بسهولة.
فإذا كانت مجرات الكوازر تولد من الطاقة المشعة عشرة آلاف مليار ضعف لما تولده الشمس في كل أربع وعشرين ساعة، جاز إذن اعتبارها مركز العالم، وحق أن يقال إن العالم يبدأ من هذا المركز. ولكن لأن علماء الفلك والفيزياء لا يستطيعون رصد المجرات التي تقع خلف الكوازر بأجهزة الراديو ـ تلسكوب المتاحة حاليا، فلا سبيل إلى إحصاء عدد المجرات أو المجموعات الشمسية الموجودة في العالم، ناهيك بالمجرات والأجسام المبعثرة في جميع العوالم المحيطة بنا. ومن هنا تتضح صعوبة المحاولات التي قام بها العالمان أرشميدس وادنجتون لإحصاء الأجرام، كما تتضح خطورة الاعتماد على هذه الإحصائيات.
وهذا يؤكد ما قاله الإمام الصادق (عليه السلام) من أم العوالم الصغيرة والكبيرة لا يعرف عددها إلا الله، والفرق بين العالم الكبير والصغير عند الصادق هو (فرق في الحجم لا في الكتلة)، وهذه أيضا نظرية أثبتها علم الفيزياء الحديث.
وقد مر بنا أننا لو ملأنا الفضاء الخالي الموجود بين الإلكترونات ونواة الذرة، لكان حجم الكرة الأرضية مساويا لحجم بالونة اللعب، أما وزن هذه البالونة فيساوي وزن الكرة الأرضية، وقد ضربنا المثل بالبالونة لقربها إلى الأذهان، وربما كان الحجم أصغر حتى من البالونة. ولا بد من التذكير بأن الكرة الأرضية موجودة في الفضاء في حالة عدم وزن بفعل الجاذبية، بل ليس من المبالغة في شئ القول بأن وزن الكرة الأرضية في الفضاء مماثل لوزن ريشة النعام. وهذا القول ينطبق لا على الكرة الأرضية وحدها، بل على جميع السيارات التي تدور حول الشمس، وجميع الأجرام الأخرى التي يدور بعضها حول البعض الآخر في الفضاء الفسيح، فقانون الجاذبية يجعل هذه الأجرام جميعا في حالة عدم الوزن.
وتذهب نظرية الصادق (عليه السلام) إلى أن لكل ما في العالم الأصغر شبيها في العالم الأكبر، ولكن على ضخامة في الحجم وسعة، وأن لكل ما في العالم الأكبر شبيها في العالم الأصغر، ولكن على قلة في الحجم، ومن هنا يستطاع تحويل العالم الأصغر إلى العالم كبير، والعالم الأكبر إلى عالم صغير.
ونحن حين نستمع إلى مثل هذا الكلام منقولا من ملفات القرون الماضية، نحس وكأننا نصغي إلى حديث عالم فيزيائي في عصرنا الحاضر، أو كأننا نقرأ كتابا في علم الفيزياء الحديث، مع أن هذه النظريات سيقت قبل اثني عشر قرنا ونصف قرن.
ولقد سئل الصادق (عليه السلام): متى خلق العالم؟
فكان رده: إن العالم خلقه الله، ولا سبيل إلى تحديد زمانه أو وقته.
ولأن الشيعة تعتقد بإعجاز الأئمة، فهي تؤمن بأن إمامها الصادق (عليه السلام) لو أراد أن يميط اللثام عن هذه الحقيقة، لكشف السر بفضل علم الإمامة(3)، وهو العلم المطلق بالمفهوم الأوسع، كما سبق أن أوضحنا.
وتعلل الشيعة امتناع الصادق (عليه السلام) عن كشف أسرار الخليقة وغيرها من الأسرار المجهولة، بأنه لم ير في ذلك مصلحة للناس، أما البعض الآخر فيقول إن الصادق (عليه السلام) لم يبخل بعلمه على الناس، ولكن هذه الموضوعات تخرج عن نطاق علم الإمام، لأنها من علم الله، وهو يستأثر بها دون العباد جميعا، بما فيهم الإمام الصادق نفسه.
وللإمام الصادق (عليه السلام) نظرية علمية هامة أخرى، هي نظرية (انقباض العالم وامتداده) فهو يقول إن العوالم الموجودة لا تبقى على حال دائم من الأحوال، فهي تتسع تارة وتنقبض أخرى. وفي بادئ الأمر، اعتبر علماء الفلك هذه النظرية كغيرها من نظريات الصادق (عليه السلام)، ضربا من الخيال غير الواقعي، فلما وافى القرن الثامن عشر الميلادي، أقيمت المراصد ونصبت المراقب الفلكية الضخمة، وشاهد العلماء أجرام المنظومة الشمسية بل وسواها من الأجرام خارج المنظومة الشمسية. وجاء من بعده القرن التاسع عشر الذي تمكن العلماء في منتصفه من رصد أشعة النجوم ومعرفة العناصر التي تتألف منها الأجرام، ثم جاء القرن العشرون وتحقق في مطلعه أن الأجسام الضوئية القريبة من منظومتنا الشمسية يمكن رصدها بمزيد من الدقة، وإنها تبتعد عنا ثم تنتشر في الفضاء، وهو الكشف الذي توصل إليه الأب (إيه لمتر) الأستاذ اليسوعي في جامعة بروكسل البلجيكية والعلم الفلكي الكبير، والذي ضمنه تقريرا علميا أرسله إلى مراكز الرصد الأخرى طالبا من الفلكيين مساعدته في تعزيز هذا الكشف أو تصحيحه، فأكدته بعض المراصد الأوروبية والأمريكية وقالت إن بعض المجرات والأجسام الضوئية القريبة من الشمس تبتعد عنها وتنتشر في الفضاء.
ولكن قبل أن يتوصل (إيه لمتر) وزميله البريطاني (ادنجتون) إلى نظرية محققة، قامت الحرب العالمية الثانية، وتقطعت أسباب الاتصال بين المراكز العلمية وشعوب العالم، فتعثر البحث في موضوع المجرات والأجسام الضوئية إلى عام 1960م عندما تأكد أن المجرات والأجسام الضوئية المحيطة بالمنظومة الشمسية تتحرك وتنأى عنها.
وما زال البحث جاريا لمعرفة الحال بالنسبة للمجرات والأجسام الأخرى، كمجموعات الكوازر وهل تتحرك بدورها وتبتعد عن مدارها أم لا، وتعزى صعوبة التوصل إلى نتائج قاطعة في هذا الشأن إلى أن هناك مسافات ضوئية شاسعة تفصلنا عن هذه المجرات فأي تغير يحدث في الكوازر من حيث انعدام أشعتها أو غيابها، إنما يصل خبره إلى الكرة الأرضية بعد 9آلاف مليون سنة ضوئية، وهي المسافة التي تفصل عالمنا عن هذه الكوازر، كما سبق القول.
ولكن الأمر الذي تحقق منه العلم الحديث هو أن الكتل الضوئية المحبطة بمنظومتنا الشمسية يتمدد ويتسع، وإن كنا لا نعرف بعد منذ متى بدأ هذا التمدد والاتساع بسبب ابتعاد الأجسام الضوئية عن منظومتنا الشمسية.
وقد أكد العالم الفلكي (إيه لمتر) المذكور آنفا من رصد للأجسام والمجرات الضوئية أكد حدوث هذا الاتساع والتمدد، كما أكدته الأبحاث التي أجريت عن مقدار ابتعاد هذه الأجسام عن منظومتنا الشمسية إلى يومنا هذا. وكل هذه المعلومات تتعلق بالطبع بالمجرات والأجسام الضوئية المحيطة بمنظومتنا الشمسية والتي تصل أشعتها إلى أجهزة مراصدنا، ولكن ليس لدينا أي معلومات دقيقة عن المجرات والأجسام الضوئية الأخرى التي تحيط بغيرها من المنظومات والتي يستعصي على أجهزتنا الحالية رصدها.
وقد سبق الحديث عن الأجسام المظلمة التي تمتص أشعة الضوء عند سقوطها عليها فتنقبض وتتقلص، وهذه تؤكد بدورها نظرية الإمام الصادق (عليه السلام) بشأن أطراف العوالم الأخرى(4).
ولكن الاتساع والانقباض يحدثان شيئا فشيئا، ويستغرقان زمنا مديدا جدا، ومعروف أن الأجسام المظلمة (كوتوله) هي أجسام تكونت بعد أن أخذت ذراتها تفقد إلكتروناتها شيئا فشيئا، ثم تراكمت النوى بكثافة وانقبضت مكونة هذه الأجسام.
ففي حين تتباعد الأجرام في جانب من العالم، تتقارب في جانب آخر مكونة هذه الكتل الكثيفة.
وتنتهي المادة إلى موت حقيقي عندما تصطدم بالأجسام المظلمة الكثيفة، وتفقد إلكتروناتها وتغدو جزءا منها فتنتهي حركتها، أي أن المادة تنتهي من حيث الظاهر عندما يحدث التقاء بينها وبين الأجسام المظلمة، وتبقى نواتها بعد اندماجها بغيرها مفتقرة إلى إلكتروناتها.
وتتراكم هذه الأجسام المظلمة وتتكاثف بدرجة تزيد بمئات آلاف المليارات عن المواد المتراكمة المعروفة لنا في الأرض.
وصفوة القول إن علمي الفيزياء والفلك المعاصرين يؤكدان نظرية الإمام الصادق (عليه السلام) المتعلقة بانقباض العوالم واتساعها (تمددها).

___________________________________________
1 - اختصرت لفظة الكوزار Quasars من عبارة إنجليزية طويلة هي Quasi Stellar redio
sources ومعناها مصادر راديوية شبيهة بالنجوم. (راجع كتاب (أوراق علمية) للدكتور فؤاد صروف ص359).
2 - عند صدور هذا الكتاب بالفرنسية
3 - ذكرنا في ما مر رأي الشيعة في الأئمة وعلمهم، وقد أورد الشيخ المفيد (قد) فصلا في كتابه (أوائل المقالات) حول هذا الموضوع سماه: القول في معرفة الأئمة بجميع الصنايع وسائر اللغات حاء فيه: أقول إنه ليس يمتنع ذلك منهم، ولا واجب من جهة العقل والقياس، وقد جاءت أخبار عمن يجب تصديقه بأن أئمة آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) قد كانوا يعلمون ذلك، فإن ثبت وجب القطع به من جهتها أي من جهة هذه الأخبار على الثبات، ولي في القطع به منها أي من هذه الجهة نظر، والله الموفق للصواب، وعلى قولي هذا جماعة من الإمامية، وقد خالف بنو نوبخت رحمهم الله، وأوجبوا ذلك عقلا وقياسا، ووافقهم فيه المفوضة (المفوضة فرقة من غلاة الشيعة تفردت عن الشيعة بقولها في محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة من آل بيته (عليهم السلام) أن الله تفرد بخلقهم خاصة ثم فوض إليهم خلق العالم بما فيه، وجعل إليهم أمر الخلق والرزق وجميع الأفعال الواقعة في الكون.) وسائر الغلاة. (ص38 ـ (أوائل المقالات) ).
4 - ذكرنا في ما سبق أن الضوء يتألف من فوتونات (ضوئيات) مادية ناتجة عن تفاعل إلكترون سالب ببوزيترون موجب، فيتأثر بالتالي بالمجال المغناطيسي وينحرف فيه، كما أنه ينكسر وينحرف إذا ما انتقل من وسط إلى آخر، وإذا ما خرج من مجال غير مغناطيسي إلى مجال مغناطيسي. وقد استطاع علماء الفيزياء في أوائل هذا القرن إثبات أن للضوء ضغطا ووزنا، وأن له طبيعة ثنائية (جسمية موجية) في آن واحد. وهذه الحقائق العلمية أثبتتها الأرصاد الفلكية والتجارب الدقيقة التي أجريت في المختبرات الذرية والبصرية، فضوء النجم الذي يمر بالقرب من الشمس ينحرف بمقدار 1.74 ثالثة من قوس الدائرة. وقد سبق القول بأن هناك أنجما لها مجال مغناطيسي كبير بحيث تستطيع جعل شعاع الضوء ينحرف بمقدار 90درجة. فإذا مر الضوء بهذا المجال المغناطيسي اختفى، أي انجذب بفعل الجاذبية ولم يستطع الإفلات أو الانعكاس، ومن ثم يتابع سيره. ومعنى هذا أن هناك أنجما وكواكب لا قبل لنا برصدها، حتى ولو كانت قريبة منا، بسبب أن الضوء الذي نستطيع رؤيتها بواسطته، لا ينعكس منها متى سقط عليها، ولا ينفلت منها إذا مر إلى جانبها. ويقول العلماء إن هناك أجساما لها كثافة ضخمة تصل إلى 100 مليون طن في كل سنتيمتر مكعب ـ أي كثافة المادة النووية فيها ـ ومع ذلك تستحيل رؤيتها أو رصدها لأن هناك قوة جاذبية شديدة تمتص أشعة الضوء الساقطة عليها، فلا تنعكس إلى العين أو إلى أجهزة الرصد والقياس. فمن المعقول إذن أن تكون هناك شموس وكواكب ونجوم قريبة منا وفي متناول مراصدنا ومراقبنا الفلكية، ولكننا لا نراها ولا نشعر بها، لأن حجمها وكتلتها وكثافتها هي من النوع الحرج الذي يمتص الضوء ولا يعكسه. ولو فرضنا مثلا أن هناك نجما حجمه كحجم الشمس، أي 1.437×10أس18كيلو مترا مكعبا، أي 1.437مليار كيلو مكعب، وله كثافة تزيد 400.000 مرة عن كثافة الشمس، فإننا برغم هذا لا نستطيع رؤيته. (راجع (العلوم الطبيعية في القرآن) ليوسف مروة، ص195)



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نظرية الصادق (عليه السلام) بشأن أشعة النجوم
التفكير الهندي:


حتى القرن الثامن عشر الميلادي، لم يكن الأوروبيون يعرفون شيئا عن التفكير الديني والفلسفي في نصف القارة الهندية إلا ما تعلق منه بالمسلمين لاحتكاكهم بهم في الحروب الصليبية، وقبل ذلك في فتوحات المسلمين لشرقي أوروبا وغربيها.
وشهد القرن الثامن عشر، وبعده القرن التاسع عشر، بداية حركة الترجمة في أوروبا، فنقلت إلى لغاتها الكتب الدينية والفلسفية الهندية القديمة. وبذلك عرف الأوروبيون معالم الفكر الديني والفلسفي للهند القديمة. ومن جملة أصول المعتقدات الدينية والفلسفية الهندية أن العالم يعيش مرحلة نشاط ويقظة ثم ينتقل منها إلى مرحلة ركود وسبات. وفي فترة اليقظة تتسع الدنيا إلى آفاق لا تخطر على بال إنسان ولا تعرف لها حدود أو بداية أو نهاية، وفي هذه الفترة يعم العالم الخاء فتكثر فيه جميع المواد من نباتات وأشجار وحيوانات من جميع الألوان والأنواع، وتستمر فترة الاتساع مئات من آلاف السنين، وفي أثنائها تزداد العناصر والمواد والكائنات الحية من نبات وحيوان تكاثرا وتوالدا وتضاعفا.
وبعد انقضاء فترة لا يعرف مداها ولا يتكهن أحد بزمانها، تبدأ حركة الانبساط والتوسع في الكون في الخمود، وتكف المواد والنباتات والحيوانات عن التكاثر، ويبدأ ما هو موجود منها فعلا في التناقص والفناء، وينقبض العالم حول مركزه. وتستمر هذه الفترة (أي فترة الانقباض) مئات من آلاف السنين أيضا، هي بدورها، فلا يعرف مداها، ولا يرجم أحد بموعد انتهائها.
وعندئذ، ينتهي العالم إلى فترة من الركود التام، فيمحي كل أثر من آثار الحياة أو المواد أو العناصر، ويعيش العالم في سبات لا يعرف أحد مداه، فقد يمتد إلى مئات الآلاف من السنين.
وبعد انقضاء هذه الفترة، يعاود العالم نهوضه من سباته، ويبدأ من جديد في التمدد والاتساع، وتدب فيه الحركة والحياة، وتكثر المواد، وتتوالد الحيوانات والنباتات، ويعود العالم إلى ما كان عليه من سعة في أول الأمر.
ولكن كل ما يظهر في اليقظة الثانية للعالم يختلف عما كان فيه من قبل، تستوي في ذلك المواد والنباتات والحيوانات. فمن الطبيعي أن يختلف إنسان هذه الفترة عن إنسان العالم السابق، ومن الطبيعي أيضا أن يكون أرقى منه وأفضل، لأن كل يقظة تحمل معها قفزة جديدة إلى الأمام فتتحسن جميع العناصر في العالم. فاليقظة تعني التجديد والتحسين، ولولا ذلك لبقي العالم في انحطاطه وفساده وانتهى بفنائه، بحسب هذه العقيدة الهندية القديمة.
وهكذا يزداد الإنسان تكاملا وسموا وارتقاء مع كل يقظة جديدة وميلاد جديد للعالم، لأن الإنسان ـحسب هذه العقيدة الهنديةـ لا يموت في فترة الانقباض والركود، شأن المواد والعناصر الأخرى في الكون، بل تذهب روحه في رحلة عامرة بالسعادة الأبدية. ومتى استرد العالم نشاطه ويقظته بعد فترة الركود والسبات، عاد الإنسان إلى الظهور وقد ازداد تكاملا وارتقاء وسموا.
ذلك بأن من أركان العقيدة الهندية القديمة أن روح الإنسان حية ولا تخضع لقانون الركود الذي يسري على العالم، فالمواد والعناصر الأخرى تموت وتنتهي بالعالم فترة السبات، أما روح الإنسان فتبقى في جنة الأرواح.
ويلوح أن حب النفس أو الذات هو مصدر هذه العقيدة، ولكن لو دققنا النظر ألفينا أن القائلين بهذا الرأي قد وضعوا الروح في منزلة تختلف عن منزلة المواد والعناصر الأخرى. لأن الروح ليست مادة من المواد في رأيهم، فهي بالتالي لا تخضع لقانون العدم والفناء، وتبقى خالدة بعد موت الإنسان عندما ينتقل إلى العيش في ما وراء هذا العالم المنظور.
تلك كانت عقيدة الأمم القائلة بالحياة الأخرى أو القيامة، ابتداء من قبائل الزنج في قلب إفريقيا وانتهاء بالشعوب التي تعتنق الأديان السماوية، فالروح باقية لأنها شئ غير المادة والمادة تفنى، أما الروح فخالدة كونها عنصرا غير مادي.
مما تقدم، يتضح لك أن عقيدة انبساط الكون كانت سائدة في الهند القديمة، وهناك صور دينية هندية تمثلها.
وسواء أكان الإمام الصادق (عليه السلام) هو المبدع لهذه النظرية أم أنها كانت موجودة قبله في الهند القديمة، فإن الكشوف الحديثة في علمي الفيزياء والفلك تثبتها.
وربما تعرض جزء من العالم ـ وليس العالم بأسره ـ للانقباض والتمدد، وهذا ما يؤكد ما قاله الإمام الصادق (عليه السلام) من أن في الكون عوالم كثيرة، منها ما يجنح إلى الانقباض، ومنها ما يميل إلى التمدد والانبساط، أما العالم الذي ينقبض فليس فيه للمادة أثر.
وقد عرفنا أن المادة تتكون من ذرات، ولكل ذرة فلك تدور فيه الإلكترونات حول النواة، فإن فقدت الذرة عامل الحركة داخل فلكها، لم تعد تعتبر من السواد.
إن الأجسام المظلمة (كوتوله) التي تتراكم فيها نواة الذرة قد تفسر لنا عقيدة قدماء الهنود القائلة بأن العالم تعتريه حالة ركود وسبات، فهل تدب الحياة في هذه الأجسام كما يقوله الهنود؟ إن الرد على هذا التساؤل يجئ من جانب علم الفيزياء الذي يؤكد أن هناك استحالة في عودة الحياة إلى الكتل التي تراكمت فيها النوى بكثافة حتى لم يعد هناك فضاء بين ذراتها، وحتى إن ذراتها قد فقدت حركتها نهائيا.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ


نظرية الصادق (عليه السلام) بشأن البيئة


لم يعرف عصر الإمام الصادق (عليه السلام) من الصناعات إلا ما كان يدويا تقليديا، ولم تكن الصناعة الحديثة قد عرفت في ذلك الحين، وكانت عملية صهر الحديد والفولاذ تتم داخل أوان كروية صغيرة على نار الحطب، وهذا لا يخلق مشكلة خاصة بتلوث البيئة.
وحتى لو استخدمت في صهر الحديد والفولاذ كميات من الفحم الحجري بدلا من الحطب فإن حجم هذه العملية لم يكن بالقدر الذي يؤثر في تلويث البيئة.
وعندما شرعت ألمانيا الغربية وفرنسا وبريطانيا في إنتاج الحديد والفولاذ في مطلع القرن الثامن عشر الميلادي، ثم تلتها دول أوروبية أخرى، لم تكن هناك شكوى من تلوث البيئة بفعل هذه المصانع التي كانت تستخدم الفحم الحجري في صهر المعادن، والتي كان دخانها يتصاعد من المداخن طوال العام دون توقف. فإذا كانت هذه الدول لم تشك من التلوث، ولديها صناعة ضخمة للحديد والفولاذ وقودها الفحم الحجري، فكيف وعصر الصادق (عليه السلام) الذي لم يعرف هذه المصانع الضخمة أصلا ولا عرف حتى الفحم الحجري؟ ومع ذلك، فقد كان الإمام بعيد النظر نافذ الفكر، فقال ـ وكأنه يرى العالم في القرن العشرين وقد ضج بالشكوى من تلوث البيئةـ إن على الإنسان ألا يلوث ما حوله لكي لا يجعل الحياة شاقة له ولغيره. ولم يعن العالم بموضوع البيئة إلا من نحو30 سنة عندما ألقيت القنبلة الذرية الأولى على اليابان ولوث إشعاعها المنطقة المحيطة بمكان الانفجار، وصارت أرواح الناس مهددة بأشد المخاطر، ولم يكن هذا الانفجار هو الانفجار الوحيد الذي حدث في العالم، بل إن الدول الصناعية الأخرى اللاهثة وراء حيازة السلاح النووي، قامت بدورها بإجراء انفجارات ذرية في الجو والبحر والبر، وما زالت تجري التجارب على هذا السلاح وغيره من أسلحة التدمير الشاملة. ومع انتشار مصانع الطاقة الذرية، وما يتخلف عنها من نفايات سامة، تلوثت البيئة تلوثا بعيد المخاطر بفعل المواد المصنعة.
ولعبت المصانع الضخمة في أوروبا وأمريكا دورا كبيرا في تلويث مياه الأنهار والبيئة، لأنها كانت تلقي بنفاياتها في الأنهار الجارية، مثل نهر الرون في أوروبا الغربية، فقتلت الأسماك وغيرها من الحيوانات التي كانت تعيش في مياهه، وتعرضت بحيرات المياه العذبة في أمريكا الشمالية لمصير مماثل، والمحيطات نفسها باتت متعرضة لمخاطر هذا التلوث، سواء بفعل المواد المشعة التي تدفن نفاياتها فيها، أو بفعل النفط الذي تقذفه السفن أو يتدفق من ناقلات النفط الغارقة، وصارت العوالق البحرية (البلانكتون) التي تعيش في المحيطات معرضة للفناء، لا سيما وهي تعيش قريبا من اليابسة.
ومن فوائد هذه العوالق البحرية أنها تولد حوالي90 في المئة من الأوكسجين المنتشر في الأرض، وإن فتك بها التلوث، هبطت نسبة الأوكسجين إلى10%، وهو ما لا يفي بحاجات التنفس للإنسان والحيوان والنبات، مما يهدد الحياة نفسها، وينذر بانقراض نسل الحيوان والنبات.
وهذه النتيجة ليست مجرد نظرية علمية تحتاج إلى الإثبات، وإنما هي واقع فعلي. فبسب تلوث المحيطات يتناقص عدد العوالق البحرية في كل سنة، وسينخفض عددها إلى النصف بعد خمسين عاما، مع ما يترتب على ذلك من انخفاض الأوكسجين في الأرض بنسبة مماثلة.
ومعنى هذا، أن الطفل الذي يولد اليوم، والذي تكتب له الحياة إلى أن يبلغ الخمسين من عمره، سيتنفس وقتذاك وكأنه يتسلق جبال الهملايا دون الاستعانة بجهاز أوكسجين أو كأنه يعاني من اختناق أو ذبحة صدرية، وهذا ينطبق أيضا على الحيوانات.
وإذا رغب امرؤ بعد خمسين سنة في إشعال عود ثقاب أو موقد الطهي، لوجد صعوبة في ذلك لعدم توافر القدر الكافي من الأوكسجين في الهواء، هذه حقيقة مرة وليست بخرافة.
ويقول العالم الفيزيائي اسحق ازيموف (اسحق عظيم أوف) إن أمراض الذبحة الصدرية تضاعفت في أمريكا ثلاثمائة مرة منذ عام1950، وهو يعزو ذلك إلى انخفاض كمية الأوكسجين في جو الأرض نتيجة لتناقص العوالق البحرية في المحيطات.
ويتكهن هذا العالم الفيزيائي بانقراض الأرض بعد مائة عام إذا استمر هذا الوضع، تنقرض أيضا الحيوانات التي تعيش في البحار والمحيطات، لأنها تحتاج بدورها إلى الأوكسجين ولو عاشت في عمق الأعماق.
ومما يذكر أن السفن المبحرة من غرب أفريقيا متجهة إلى أمريكا الجنوبية تمر بمنطقة واسعة تقدر بحوالي ألفي كيلو متر مربع (2000)، تتجمع فيها النفايات ومواد النفط، وتظل طافية، فلا يبتلعها الماء، ولا تجذبها اليابسة. وقد تكونت هذه (المزبلة) البحريةـ وما هي بالوحيدة في العالم ـ بفعل تيارات الماء والرياح. وهناك (مزبلة) أخرى بالقرب من جزيرة غوام في المحيط الهندي، حيث تحتفظ أمريكا بقاعدة بحرية جوية كبيرة. وتشمل هذه (المزبلة) مساحة عريضة تقدر بآلاف الكيلو مترات المربعة، وبسببها تم الفتك بحياة جميع العوالق البحرية (البلانكتون) في هذه المنطقة.
ومعنى هذا أن تلوث المحيطات والبحار يعرض الإنسان خطر أشد من الخطر الناشئ عن تلوث اليابسة وعن الغبار النووي. ومعروف أن هناك ما يسمى ب (ميزان الرعب)، وبمقتضاه ينشأ نوع من التعادل أو التوازن بين الدول الحائزة للسلاح النووي، فتمتنع دولة ما عن استخدمه خوفا من أن تستخدمه ضدها دولة أخرى، ولكن إلى متى يستمر هذا التوازن، وهل يظل قائما إلى قرن آخر من الزمان؟ وهناك قذائف أخرى للتدمير الشامل لم تستخدم في الحرب العالمية وقذائف (دم دم) التي تنفجر في جسم الإنسان وفي الهدف معا، وهناك غيرها من الأسلحة الكيميائية.
والمؤكد أن تلوث المحيطات بهذه السرعة يهدد حياة البشر، بل يقضي عليها وعلى حياة الكائنات البحرية الأخرى. فإن استمر هذا الوضع خمسين سنة، واجه الإنسان مشقة كبرى في استنشاق الهواء نظرا لعدم توافر القدر الكافي من الأوكسجين، وأصبح حاله كحال من وقع في قبضة شرير يبتغي إزهاق روحه بكلتي يديه خنقا.
وطبيعي أن الإنسان الذي يشق عليه التنفس لن يستطيع إنجاز أي عمل أو القيام بشيء نافع، كما هو شأن إنساننا اليوم، فيقل إنتاجه وتضيق دائرة معارفه، ويتصرف ببطء نتيجة للقصور الذي يعتري خلايا المخ، ولنا أن نتصور معلما أو طالبا في قاعة الدرس يعانيان ضيقا في التنفس، فكيف للأول أو يشرح دروسه وللثاني أن يستوعبها؟ وتتكرر هذه المشكلة عينها مع المزارع في حقله والعامل في مصنعه، وهلم جرا.
وقد أجرى علماء جامعة (هارفارد) الأمريكية تجارب على الأرانب لمعرفة التطورات التي تطرأ عليها متى قلت كمية الأوكسجين في الجو الذي تعيش فيه، فتبينوا أن عجز الأوكسجين عن الوصول إلى خلايا المخ بالقدر الكافي يقلل من كفاءته ونشاطه الطبيعيين، ويجعله يقصر في أداء وظيفته المعتادة وهي إصدار الأوامر إلى سائر أعضاء الجسم، لتستجيب له على الفور.
ولكي ندرك إلى أي مدى يتأثر الإنسان في حياته اليومية بعدم استنشاق القدر الكافي من الأوكسجين ـ وهو الأمر الذي سيحدث بعد خمسين عاما إذا ما انقرض قسم كبير من العوالق البحرية التي تعيش في المحيطات، كما قدمنا ـ فلنتصور حالة عامل فني في مصنع للسيارات يريد استخدام مفك، وهي عملية تتم اليوم بتلقائية سريعة لتنبه خلايا الذهن. ولكن الذي يقل حظه من الأوكسجين يصاب بخمول في الذهن، فيتأخر العقل في إصدار أوامره إلى اليد لتناول المفك، وتتأخر اليد في أداء الوظيفة المطلوبة منها، وهكذا تستغرق هذه العملية وقتا أطول مما تستغرقه في الوقت الحالي. فإن أراد سائق سيارة الحد من سرعتها لتلافي حادثة في الطريق، أدى بطء العقل في إصدار أوامره إلى القدم للضغط على الفرملة إلى الإجهاز على حياة الشخص الذي رغب السائق في تفادي إصابته.
ونفس الشيء ينطبق على الطيار الذي يهم بالإقلاع من مطار قاصدا مدينة بعيدة. فإذا تأخر المخ في إصدار أوامره إلى الأعصاب لتحرك الآلات الخاصة بالإقلاع، ولو للحظات، لأدى ذلك إلى خلل في عملية قيادة الطائرة، ينجم عنه أوخم العواقب، كانفجار الطائرة أو ارتطامها ومقتل كل من عليها، بما فيهم قائدها.
وكذلك فإن قلة وصول الأوكسجين إلى جسم الإنسان من شأنها التأثير لا في كفاءة خلايا المخ وحدها، بل في سائر الأعصاب أو الأعضاء أيضا، وكلها تتلقى أوامرها من المخ، فتعجز الأذن والعين وسائر الحواس عن القيام بوظائفها بالكفاءة السابقة، كما تفقد الذاكرة قدرتها على تسجيل الأحداث واختزانها، وقل نفس الشيء عن الوظائف الحيوية جميعا.
ومن عوامل تلوث البيئة المواد المشعة التي تتخلف عن محطات توليد الطاقة النووية، وقوامها نفايات ناتجة عن عملية شطر نوى ذرات اليورانيوم والبلوتونيوم، وعن توليد الطاقة النووية بصورة مستمرة، ناهيك عن أن هذه المحطات النووية هي في حد ذاتها خطر داهم يهدد البيئة بالتلوث.
ومع أن المتبع عادة عند بناء محطات الطاقة النووية مراعاة اتخاذ جميع التدابير الكفيلة بمنع تسرب المواد النووية الخطرة أو انفجار المستودعات التي يحتفظ فيها بهذه المواد، فإن الخطر ماثل دائما في احتمال انفجار مستودع الركام النووي (وهو المستودع الذي يحتفظ فيه باليورانيوم والبلوتونيوم بالإضافة إلى الجرافيت) والذي يمد محطات توليد الطاقة والحرارة بالوقود النووي اللازم لهذه العملية.
ولو حدث مثلا أن انفجر مستودع الركام النووي لمحطة توليد الكهرباء بالطاقة النووية الواقعة في جنوب بريطانيا، لتلوثت البيئة بالإشعاع المميت على مسافة مائة ميل (160 كيلو مترا)، ولانعدمت الحياة تماما في هذه المنطقة ومات كل ما فيها من البشر والحيوان والنبات، وجفت الأنهر والبحيرات، ولأدت الحرارة الشديدة الناتجة عن هذا الانفجار إلى هدم العمارات والمباني الواقعة في دائرة قطرها 50 ميلا حول المحطة.
هذا مجرد احتمال، ولم يحدث شيء منه حتى الآن في محطات توليد الكهرباء بالطاقة النووية، ولكن هذا الانفجار يصيح حتميا إذا ما وقع خلل في (الفرامل) المتحكمة في انطلاق الطاقة النووية (وتتمثل هذه الفرامل في الوقت الحالي في مادة الجرافيت) أو ما أشرفت هذه المادة على النفاد.
والمأمول ألا تتعرض أي دولة من الدول الحائزة للطاقة النووية لمثل هذا الحادث المهلك.
وثمة مشكلة هامة تواجهها الدول الحائزة للطاقة النووية تتمثل في كيفية التخلص من النفايات الذرية المشعة الشديدة الخطرة. وعلماء الذرة والفيزياء مشغولون بالتفكير في اختيار مناطق مأمونة يدفنون فيها هذه المواد دفعا لشرورها وحماية للبيئة من التلوث.
وقد اتجه تفكيرهم في بادئ الأمر إلى دفن النفايات في أعماق المحيطات بعد وضعها في أوان محكمة آمنة، ولكنهم تبينوا أن الضغط الشديد لمياه المحيطات على النفايات المدفونة في القاع قد ينتهي به الأمر إلى تحطيم هذه الأواني، فتنتشر المواد المشعة في الماء، وتهدد كل مظهر من مظاهر الحياة في المحيطات، من أسماك وحيوانات أخرى وعوالق بحرية (بلانكتون).
واضطر العلماء، تلقاء هذا الاحتمال المنذر بأشد المخاطر، إلى البحث عن مدافن أخرى مأمونة للنفايات الذرية، واتجه التفكير بعد رحلة الإنسان إلى القمر إلى دفن هذه النفايات على سطحه، ولكن هذا الأمر لم يتحقق لاعتبارات ثلاثة هي:
أولاً: أن المحيطات النووية المولدة للطاقة الكهربائية مملوكة في دول أوروبا وأمريكا لمؤسسات أهلية غير حكومية، وهي مؤسسات تفتقر إلى الإمكانيات المالية الهائلة اللازمة لنقل هذه النفايات إلى القمر والتخلص منها بدفنها هناك، (وتستثنى من ذلك المراكز النووية في الاتحاد السوفيتي، والدول الشيوعية الأخرى لأنها مملوكة للدولة).
ثانياً: إنه ليس ثمة سبيل للاطمئنان إلى أن الصواريخ الحاملة للنفايات ستصل سالمة إلى سطح القمر، دون أن تتعرض لحادث يفجرها في الهواء أو يسقطها على الأرض قبل انفلاتها من نطاق الجاذبية الأرضية، وهو يؤدي إلى تلوث الجو والأرض بصورة مباشرة.
ثالثاً: إن من شأن هذا الأمر نقل التلوث إلى القمر نفسه، ولئن لم تعرف عواقب هذا التلوث على سكان أرضنا، فالمؤكد أن تلويث القمر من شأنه إقفال الباب أمام الإنسان في ما لو حاول استثمار القمر في المستقبل، لأن ارتفاع درجة الحرارة ارتفاعا شديدا في القمر في خلال النهار مع ضعف الجاذبية فيه يؤديان إلى انتشار المواد المشعة السامة وتلوث سطح القمر بأسره فلا يغدو صالحا لأي حياة، دع عنك أن عدم هواء في القمر يجعله غير صالح لحياة البشر عليه.
وهكذا انصرف الإنسان عن التفكير في دفن هذه النفايات الذرية الخطرة في مكان مأمون ناء عن البشر دفعا لشرورها المؤكدة المتمثلة في إشعاعاتها الخطرة.
ألم يكن الأمام الصادق (عليه السلام) بصيرا بالعواقب عندما نصح الإنسان بعدم تلويث بيئته دفعا للأضرار والمشكلات التي يتعرض لها؟
ولننظر إلى مثل اليابان، لنرى فيه صدق نظرية الصادق.
ومعروف أن اليابان خسرت الحرب العالمية الثانية مع دول المحور، وخرجت منها مهيضة الجناح كسيرة الاقتصاد حتى أن معدل دخل الفرد لم يكن يزيد في السنة (أي في 12 شهرا) عن ثلاثين دولارا، ولكن اليابان استطاعت بإنهاض أوضاعها الاقتصادية أن ترفع دخل الفرد حتى وصل معدله في عام 1972 إلى خمسة آلاف وخمسمائة دولار أمريكي في السنة.
ولم تلبث اليابان أن أخذت تغزو العالم بإنتاجها الصناعي الذي توسعت فيه توسعا كبيرا، حتى استطاعت أن تنافس الصناعة الأمريكية، في عقر دارها. ولنذكر مثالا واحدا، هو أن الولايات المتحدة التي تتصدر الدول الصناعية في إنتاج الدراجات البخارية قد صارت تشتري 90% من جميع الدراجات المستخدمة فيها من اليابان، فبين كل عشرين ألف دراجة بخارية مباعة في أمريكا 18 ألف دراجة صنعت في اليابان.
ولنذكر مثالا ثانيا وهو أن ألمانيا الغربية التي تتقدم دول العالم الصناعي في صنع أجهزة الراديو والتلفزيون قد أصبحت بدورها هدفا لغزو الصناعة اليابانية حتى أصبح 99% من أجهزة الترانزستور المباعة في ألمانيا يابانية الصنع.
وها نحن نرى اليابان متقدمة في صناعات السيارات والكمبيوتر والأقمشة المصنوعة من الألياف الصناعية (السليلوز) وفي صنع السفن وأجهزة الراديو والتلفزيون وأجهزة التصوير والدراجات النارية وهام جرا، ولعلها تحتل المنزلة الثانية بعد أمريكا في هذه الصناعات.
وبرغم كل هذا، وبرغم تقدم اليابان الصناعي فيها ارتفاعا كبيرا، فقد أهملت أسباب الوقاية من تلوث البيئة، وأصبحت اليوم تعاني من مشكلات التلوث ما يهدد سلامة أهلها، وما لا مثيل له في البلدان الصناعية الأخرى التي وقت نفسها من أسباب التلوث.
وأدى تلوث البيئة في اليابان إلى أمراض خطيرة لم يعرفها الطب منذ أيام أبي الطب (الحكيم ابقراط اليوناني) وإلى هذا اليوم، ومعروف أن ابقراط اعد إحصاءا للأمراض والأوبئة التي تصيب البشر سمى فيه أربعين ألف مرض، وأوضح آثارها وطرق علاجها، ولكن الأمراض التي ظهرت في اليابان نتيجة لتلوث البيئة لم يرد لهل ذكر ضمن الأمراض التي عرفتها البشرية من قبل.
ومن جملة هذه الأمراض النادرة مرض يسميه اليابانيون (إيتائي إيتائي)(1) لأن المصاب به يتألم ويئن هذه التأوهات.
ويعزى سبب هذا المرض إلى انتقال كمية كبيرة من مادة (الكادميوم إلى جسم البشري، وهي مادة تنتشر حول المصانع وتلوث الأرض والماء والهواء).
ومن أمارات هذا المرض الإحساس بألم شديد في جميع عظام الجسم، ومن عواقبه إصابة العظم بالضعف العام الذي يجعله هشا قابلا للكسر بسهولة، ولا وجود لهذا المرض النادر من أمراض العظام إلا في اليابان، صحيح أن الطب في تاريخه القديم وإلى يومنا هذا قد عرف أنواعا من أمراض تحجر العظام في الإنسان، فتغدو هشة قابلة للكسر، إلا أن النوع الياباني الذي يسمونه (إيتائي إيتائي) هو نوع فريد من هذه المجموعة من الأمراض.
وقد ظهر مرض آخر اشد خطورة من (إيتائي إيتائي) في جزيرة كيوشو، وهي إحدى الجزر الكبيرة في اليابان (البالغ عددها 400 جزيرة) فأودى بحياة عدد كبير من سكان هذه الجزيرة، وما زال خطره ماثلا يهدد غيرهم من السكان.
ومن آثار هذا المرض إضعاف البصر إلى درجة العمى، وإضعاف الأعصاب والعضلات إلى درجة تحللها وإفقادها لكل قدرة. ويعزى السبب في ظهور هذا المرض إلى انتشار المواد الزئبقية في الماء والهواء بالقرب من المصانع التي تستخدم عنصر الزئبق، وانتقالها إلى الإنسان عن طريق الماء والهواء.
ويعرف الطب القديم أن الزئبق يؤدي إلى العمى، وكان الأطباء في القرنين السابع عشر والثامن عشر يستخدمونه في علاج مرض الزهري، فلما تبينوا أن لاستخدامه موضعيا آثارا جانبية أخرى، كفوا عن التوسل به في العلاج، باستثناء بعض حالات الأمراض الجلدية أو الاحتراق، ومع مراعاة قدر كبير من الاحتياط.
وإلى جانب هذين المرضين الجديدين اللذين عرفتهما اليابان، تزايدت أمراض ضيق التنفس والاختناق نتيجة لتلوث البيئة أيضا.
وإذا كان العالم الفيزيائي اسحق ازيموف قد عزا أسباب مرض ضيق التنفس في أمريكا إلى قلة الأوكسجين المتوافر في الهواء ـ كما سبق أن ذكرنا ـ فإن المرض نفسه قد انتشر في اليابان نتيجة لتلوث الجو بفعل الغازات والأدخنة المتصاعدة من المصانع.
واليابانيون شعب معروف بحبه لجمال الطبيعة وتفننه في تنسيق الزهور والحدائق، وباعتقاده بأن المناظر الطبيعة في اليابان هي أجمل المناظر في العالم، ولكنه يعترف اليوم بأن تلوث البيئة قد أضر بالطبيعة ضررا شديدا وأفقدها مظاهر جمالها وحسنها.
وقد أشرنا في ما سبق إلى أن الشعب الياباني قد استطاع في الثلاثين سنة الأخيرة (أي منذ انتهاء الحرب العالمية وإلى عام1973) أن ينهض بحياته الصناعية والاقتصادية على الرغم من افتقاره إلى الثروات الطبيعة ومنابع الطاقة المتوافرة في الدول الأخرى، وإنه استطاع بهذا الجهد أن يصبح ثالث شعوب العالم غنى بعد الولايات المتحدة وروسيا دون أن يعتمد في ذلك على نفط أو حديد أو فحم حجري. ولكن الصناعة اليابانية التي نجحت في غزو العالم، تسببت في اليابان نفسها في تلويث البيئة وفي قيام مشكلات كثيرة، مما جعل اليابانيين يفكرون في عزل المجمعات الصناعية عن المدن والمناطق الآهلة بالسكان، وقد وضعوا فعلا الخطط اللازمة لتحقيق ذلك في موعد غايته عام 2000م.
وتتحصل الخطة اليابانية في إنشاء مدن ومجتمعات حديثة لا يزيد عدد سكانها عن مئتي ألف نسمة، وتزويدها بجميع المرافق والتسهيلات العصرية، وتقام إلى جانب هذه المدن وحدات صناعية تتخذ فيها جميع الاحتياطات اللازمة لوقاية البيئة من آثار التلوث بالغاز أو بالنفايات المتخلفة عن المصانع، وذلك بتجهيز مداخنها ومنافذ نفاياتها بصاف معدة خصيصا لهذا الغرض.
لقد انتبه إنسان اليوم إلى خطورة التلوث على البيئة، سواء أكان موضعه الأرض أو المياه في البحار أو الأنهار، ولكن عبقرية الإمام الصادق (عليه السلام) هدته قبل ألف ومائتي عام إلى خطورة هذا التلوث، فنصح القوم بألا يعمدوا إلى تلويث الوسط الذي يعيش فيه الناس، أي تلويث البيئة بلغة هذا العصر. ومن عجب أن الآريين القدامى فطنوا إلى أهمية اجتناب تلويث الأرض والماء في وقت لم تكن لديهم فيه مصانع أو معامل، فكيف تنبهوا إلى هذا الأمر، ومن أين جاءتهم الفكرة؟
يذهب بعض علماء الاجتماع إلى أن الثقافة التي تحصلت للبشرية هي تراث لمدينة عظيمة قديمة كانت على وجه الأرض ثمَّ تدهورت لأسباب شتى، وإن الإنسان قد اكتسب الشيء الكثير من هذا التراث الحضاري، ومن جملته اهتمامه بالأرض والهواء وحرصه على عدم تلويثهما.
وقد اهتمت الشعوب الآرية، التي يسميها الأوروبيون بالشعوب الهنديةـ الأوروبية، بالمحافظة على البيئة واجتناب كل ما يلوثها منذ زمن بعيد.
ويقول الباحث الفرنسي (ماريجان موله) أن الشعوب الهندية الأوروبية هي أول الشعوب التي قامت بمد مجاري الفضلات تحت الأرض حرصا على عدم تلويث سطحها، وحدا بهم وسواسهم من تلويث الأرض إلى الامتناع عن دفن الموتى فيها، وإحراق جثثهم في مكان ناء عن العمران، أو وضع موتاهم في مكان مرتفع على الجبال أو التلال أو فوق جدران يبنونها، وتركها إلى أن تجف فلا يبق منها إلا العظام التي توضع بعد ذلك في كهف أو غرفة.
ولم يعرف دفن الموتى عند الشعوب الآرية إلا في فترات تاريخية متأخرة محاكاة لأقوام أخرى(2)، وبصورة خاصة في أزمنة الحروب أو عند ظهور الأوبئة المعدية.
وعندما غزا الاسكندر المقدوني الهند، رأى أن الهنود يحرقون أجساد القتلى، فدهش من هذا التصرف واستفسر منهم عن أسبابه، ثم كتب بذلك تقريرا إلى أستاذه أرسطو، فأصبحت رسالته وثيقة تاريخية هامة تصور عادات الهند وتقاليدها في الحرص على طهارة الأرض ونقائها. ومما جاء في هذه الرسالة قوله: (سألت الهنود: لم تحرقون جثث الموتى ولا تدفنونها؟
فأجابوا: إذا دفناها، تلوثت الأرض، وهو ما يتعارض مع تقاليد ديننا. ثم سألتهم: إذا كان الموتى يلوثون الأرض، فلم دفنتم جثث الجنود وأحرقتم جثث الضباط.
فأجابوا: إن أجساد الجنود لا تنجس الأرض، على النقيض من جثث الضباط والأمراء التي تنجسها بشدة).
وأضاف الاسكندر إلى هذا قوله في الوثيقة عينها: (أحسست بأنهم إذا دفنوا الضباط والأمراء، لم يؤدوا التكريم والاحترام بالقدر الكافي والمناسب).
وقد اهتم أرسطو بهذه الرسالة اهتماما جعله يدرجها في كتابه (الاورغانون)، وهو الكتاب الذي تناول فيه مسائل المنطق، والذي تسائل فيه في معرض الحديث عن الموت عما إذا كان من الأفضل إحراق جثث الموتى كما يفعل الهنود.
ولقد كان من ديدن الشعوب الهندية الأوروبية أن تحرص على عدم تلويث البيئة في وقت لم تكن قضية البيئة قد أصبحت الشغل الشاغل لدول العالم جميعا، ولم يكن تعداد سكان أي مدينة في العالم يزيد على مائة ألف نسمة. ولئن لم تتوافر لدينا أي معلومات وافية عن عدد سكان مجن فارس والهند في القديم، فقد سجلت لنل كتب التاريخ أن مدينة منف. وهي العاصمة المصرية القديمة قبل الميلاد بألفي عام كان عدد سكانها مائة ألف، وكان عمر هذه المدينة وقتئذ ألف سنة.
ويقول الصينيون إن مدينة بكين كان يسكنها في عام (2000ق م) ألفين قبل الميلاد خمسمائة ألف نسمة، ولكن هذا القول يفتقر إلى أي سند تاريخي، وليس في تاريخ الصين آثار تدل على صحته، وطبيعي أن هذا الرقم على فرض صحته لا يعد شيئا بالقياس إلى عدد السكان في عواصم العالم ومدنه الكبيرة اليوم.
وأياً كان الأمر، فإن الفيلسوف الأخلاقي الصيني الشهير (كونفوشيوس) قد أمر إتباعه بالنظافة وعدم تلويث البيئة، وكنفوشيوس قد ولد في عام 551 وتوفي في عام 479 قبل الميلاد، وكانت الشعوب الهنديةـ الأوروبية قد عاشت قبله بمئات من الحقب، بل بآلاف منها. ولبس من المعروف على وجه اليقين متى بدأت هجرة الشعوب الآرية إلى الشرق، فمن المؤرخين من يقول إن هجرتهم بدأت قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة، ومنهم من يقول إنها بدأت قبله ألفين من السنين، ولكن هذه القديرات من الحدس أو التخمين، والفرق بينها لا يتجاوز خمسين سنة أو مائة.
ومهما يكن الأمر، فعندما أسدى كونفوشيوس نصائحه ومواعظه تلك لأتباعه، كان قد مر على استيطان الشعوب الهنديةـ الأوروبية في هذه الهضبة وقت طويل، ولا يستبعد أن يكون الزعيم الديني، الذي عاش عمره بين الشعوب الآريية. قد تعلم منها ونقل من تقاليدها احترامها للأرض والبيئة وحرصها على العيش في وسط طاهر غير نجيس.
ولم تصبح قضية منع التلوث ـكما ذكرناـ قضية عالمية إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وهي اليوم قضية تستأثر بعناية الدول والهيئات الدولية باعتبارها قضية ملحة لا تقبل الإرجاء والتأجيل.

________________________________________________

1 - عبارة (إيتائي إيتائي) يقابلها عندنا تأوه المريض بقوله (آه آه).
2 - يقول المستشرق الأمريكي أولم ستيد أستاذ تاريخ الشرق بجامعة شيكاغو (المتوفي عام 1945م) إن ملوك لدولة الاكمينية في إيران دفنوا جميعا في مقابر من الرخام والأحجار المزدانة بالنقوش، منها قبر قورش وقبر داريوش الكبير، في حين أننا لا نجد مقبرة واحدة لملوك الدولة الساسانية، مع أنها أقرب إلينا من دولة الاكمينيين، ذلك لأن الموتى في عهد الدولة الساسانية كانوا يضعون على مرتفعات إلى أن تجففها الشمس. وفي هذا المقام نذكر أن المستشرق (جورج كامرون) هو أول من كشف أبجدية الكتابات الاكمينية وترجم آلافا منها، وبفضل الجهود التي بذلها في هذا الشأن، أصبحنا نعرف الكثير عن تاريخ إيران القديم.




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ

حركة الموجودات في رأي الصادق (عليه السلام)
[/COLOR]
للإمام جعفر الصادق (عليه السلام) نظرية باهرة أخرى تتعلق بحركة الأجسام، مؤداها أن لكل شيء حركة، وإن كان من الجماد، ولكن أعيننا لا ترى هذه الحركة.
وإذا كان هذا الرأي قد بدا غير معقول في أيام الصادق (عليه السلام) فهو قد أصبح اليوم حقيقة علمية مقررة لا سبيل إلى الشك فيها، إذ قد ثبت علمياً بأنه لا يوجد جسم أو عنصر في العالم إلا وله حركة، وأن من المستحيل تصور جسم معدوم الحركة.
وهذا الرأي الذي ساقه الإمام الصادق (عليه السلام) قبل أثني عشر قرناً ونصف قرن، هو من مبتدعاته التي سبق بها عصره، وقد أضاف إليه قوله إن توقف الحركة معناه موت بني البشر، وقال أيضاً أن الحركة تستمر حتى بعد الموت، ولكنها تتخذ شكلاً آخر. ولولا الحركة، لما بليت الأجسام وصارت رميماً.
ولا يحس الإنسان بمرور الزمن ولا يدرك كنهه إلا من خلال الحركة، فإن توقفت الحركة في الكون فقدنا الإحساس بمرور الزمن.
ومن هذا القبيل عينه إحساسنا بالمكان، إذ أننا نستمد هذا الإحساس من الحركة ولولاها لما استطعنا معرفة الأبعاد الثلاثة وتعيين المكان.
وهناك نوعان من الحركة المستمرة داخل كل جسم جامد. هما الحركة داخل الذرة، وقد سبق الحديث عنها في الفصول المتقدمة حيث أوضحنا أن الالكترون يدور في فلك نواة الذرة ثلاثة كاتر بليون مرة في كل ثانية، والحركة المتعلقة بذبذبات واهتزازات الجزئيات، فالجزيء في كل مادة يهتز اهتزازات يتفاوت عددها بين الصفر وعشرة تريليون مرة في كل ثانية تبعاً للبرودة أو الحرارة أو عند انتقال من حالة إلى أخرى(1).
يصف الكاتب المسرحي الفرنسي مولر الذي أسس (الكوميدي فرانسيز) بطل إحدى مسرحياته بقوله (إنه بلا حركة، ولكنه حي)، أي أن الدهشة عرته إذ وجد شخصاً حياً ولكنه منعدم الحركة، ولكن هذه الملاحظة الساخرة من جانب مولر لا تثير السخرية في يومنا هذا، لأن الحركة موجودة ومستمرة في الإنسان وفي الأشياء حتى بعد الموت، كما أثبت ذلك العلم الحديث، وهو هو نفسه الذي قال به الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عندما أكد أن الحركة باقية ,عن الإنسان وكل الأشياء سائرة إلى الخالق الفاطر وأن الإنسان باقٍ ما بقي الدهر، وإن كانت ذرات جسمه تتغير وتتحول إلى طاقة دون أن تفقد الحركة التي تلازمها وتتحرك معها.
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) إن كل شيء يرجع إلى الله وينجذب إلى خالقه.
كانت هذه النظرية تعتبر إلى عهد قريب فكرة عرفانية ونظرية فلسفية لا نظرية علمية، فقد فسر العرفاء المسلمون الغاية من مصير الإنسان بأنها الرجوع إلى الله.
وبمرور الزمن، ووقوف العرفاء المسلمين على آراء الملل الأخرى، طرأت لهم فكرة جريئة أخرى بشأن يوم المعاد أو الرجوع إلى الله مؤداها ـ كما سبق أن أوضحناـ أن المخلوق يرجع إلى الخالق ويتحد به، وقد عرفت هذه الفكرة باسم (وحدة الوجود) وشاعت لدى العرفاء في الشرق والغرب، فلما وجد الفيلسوف الهولندي البرتغالي الأصل اسبينوزا(2)، أرسى نظريته الفلسفية على أساس وحدة الوجود.
ومحصل فكرة وحدة الوجود أن جميع ما في الكون من عناصر وكائنات، ومنها الإنسان، إنما هي مظهر من مظاهر وجود الله. وبانتشار مؤلفات اسبينوزا في منتصف القرن السابع عشر الميلادي، انتشرت هذه الفكرة في الغرب بعد ما كانت منتشرة كفكرة عرفانية في الشرق.
وقد تعرض اسبينوزا للتكفير واتهامه بالهرطقة، فجمعت كتبه من المكتبات والمطابع، وانصرفت عنها دور الطباعة خوفاً من سطوة السلطات الدينية وبطشها.
ومع أن حرية الرأي والبحث التي دعت إليها مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) قد أخذت تنتشر في ربوع الشرق، فغن دعاة نظرية وحدة الوجود لم يجرؤوا على المجاهرة برأيهم السافر، لان الخلفاء والحكام كانوا في بعض الأحيان يوقعون عقوبات صارمة على الداعين إلى هذه الفكرة، فمن نجا منهم من مصير القتل لم ينج من تكفير العلماء ورجال الدين، وصار شانه كالمصاب بالجذام الذي يفر منه الناس، بل شراً من ذلك، لأن المصابين بالجذام كانوا يودعون في دار للرعاية خارج المدينة بعيداً عن المجتمع، وكانت تخصص لهم في بعض الأحيان مزارع يعيشون فيها بمنأى عن الناس، حيث يزاولون حياتهم الطبيعية.
أما الذين يحكم عليهم التكفير، فهؤلاء لم يكونوا يجدون شفقة من أحد، ولا كانوا يؤتمنون على عمل يرتزقون منه، فإن الكافر تاجراً قاطعه الناس، وإن كان ذا حرفة لم يجد من يستعين به في أي مهمة، فإن خرج من بيته ضايقه الناس حتى يضطر في آخر الأمر إلى الاعتزال أو ترك الدار أو الهجرة إلى حيث لا يعرفه أحد.
و تلقاء ذلك كان من الطبيعي لدعاة فكرة وحدة الوجود أن يتحدثوا عنها لا تصريحاً بل تلميحاً وبرموز وإشارات وعبارات ملتوية لئلا يفتضح أمرهم ويكون جزائهم التكفير على أيدي رجال الدين.
زمن هنا توسلوا إلى التعبير عن المعاني العرفانيه والصوفية باستخدام مصطلحات مادية مثل الخمر والخمار والساقي والكأس والحبيب والمدامه والشراب وما إلى ذلك، وانتقلت هذه المصطلحات إلى الشعر الذي نظمه الصوفيون، فأصبح لهذا الشعر من المعاني الظاهرة ما يختلف عن معانيه الباطنة التي يدركها الصوفيون والعرفاء وحدهم، وبهذه الكيفية استطاعوا أن يجتنبوا توجيه تهمة الكفر إليهم، وأن ينجوا من عقاب الحكام.
والمعروف أن التفكير الصوفي أخذ ينمو وينتشر في المجتمع الإسلامي منذ القرن الثالث للهجرة، وكان الصوفيون والعرفاء في هذه الفترة يؤولون كلام الصادق (عليه السلام) ومؤداه أن كل شيء منجذب إلى ربه وخالقه، بأن المقصود منه هو اندماج الوجودين في وحدة واحدة، ولا قال بها، وكان من رأيه أن الإنسان هو صنيع الخالق ومخلوقه طبقاً للعقيدة الإسلامية، لأن الله هو خالق كل شيء، وكل شيء راجع إليه.
وعندما وضعت للعلوم تعريفات خاصة بكل منها في عصور متأخرة، اعتبرت الفلسفة والعرفان من جملة هذه العلوم، وعدت نظرية الإمام الصادق (عليه السلام) القائلة بأن كل شيء منجذب إلى ربه بأنها نظرية عرفانية لا علمية.
وقد أثبتت العلوم في يومنا هذا لأن نظرية الإمام الصادق (عليه السلام) قريبة من الحقيقة العلمية الملموسة، وإن كان من السابق لأوانه أن نقطع بأن جميع الأشياء منجذبة إلى شيء واحد (أو بعبارة الصادق: كل الأشياء منجذبة إلى الله).
ومن الثابت أن الموجات التي تنطلق من الإلكترون تتجه إلى ناحية واحدة، ولا تتبعثر في كل اتجاه إلا إذا كانت للموجات خاصيته مغناطيسية فعندئذ تكون الموجات كهرطيسية وتنتشر في كل اتجاه وهذه الموجات الكهرطيسية هي التي تستخدم في البث الإذاعي والتلفزيوني. والمثال الحي على أن الإلكترون ينطلق في اتجاه واحد، هو عقرب البوصلة الذي نراه إلا متجهاً ناحية الشمال حيث يوجد المجال المغنطيسي للقطب الشمالي.
والبوصلة اختراع اهتدى إليه المسلمون(3) وانتفع به في الرحلات البحرية انتفاعاً عظيماً، ولولاه لما استطاع البحار البرتغالي فاسكو دو جاما أن ينجه من رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقية إلى الهند، ولما استطاع كريستوف كولمبوس الإيطالي أن يكتشف أمريكا في هذه الفترة عينها، ولما استطاع ماجلان البرتغالي أن يطوف بسفينته حول العالم ويثبت كروية الأرض بطريقة علمية.
ومازالت البوصلة إلى هذا اليوم جهازاً من أهم الأجهزة في السفن والطائرات والنفاثات الجوية، صحيح أن الطائرات تظل على اتصال دائم بأبراج المراقبة في المطارات، ولكنها مع ذلك لا تستطيع الاستغناء عن البوصلة.
والبروفيسور (داش) الأستاذ بجامعة واشنطن الأمريكية وهو من أبرز علماء الفيزياء والفلك في الولايات المتحدة الأمريكية، قد وضع نظرية عملية بشأن الكون لو أقيمت عليها البراهين التجريبية لجاءت معززة لنظرية الصادق (عليه السلام) بشان انجذاب الأشياء أو رجوعها إلى الخالق.
ومعروف أن شغل العلماء الشاغل منذ القرن التاسع منصرف إلى محاولة تحديد معالم الكون وتحديد الحركة التي تجري فيه، ولكن الأمر حتى الآن لا يعدو كونه نظريات مجردة.
وقد استطاع العلم أن يثبت صحة بعض النظريات المتعلقة بالكون والكائنات، مثل قانون دوران السيارات حول كرة الشمس وما إلى ذلك، اكتشفت هذه القوانين في معظمها قبل القرن التاسع عشر الميلادي.
ولكن كل ما قيل حتى اليوم عن هيئة الكون وحركاته (باستثناء ما تم رصده بالمراقب الفلكية) لا يخرج عن نطاق النظريات المجردة.
ومن ذلك مثلاً أن نظرية النسبية لأينشتين لم تثبت بالتجريب العلمي إلا ما يتعلق بانحراف شعاع الضوء عند اقترابه من كتل الجاذبية أو اصطدامه بها.
ويذهب مؤيدو نظرية النسبية لأينشتين إلى أن هذه النظرية إنما تستند إلى معادلة رياضية، وأن المعادلات الرياضية لا سبيل إلى الشك فيها (كالقول مثلاً بأن حاصل ضرب 2*2هو 4، أو أن حاصل قسمة 20 على 5 هو 4) ولكن المعادلات الرياضية شبيهة إلى حد كبير بميزان القباني، فإذا تعادلت كفتا الميزان، ثبت الشاهين في وضع عمودي عند خط الوسط، لا يميل يمنة ولا يسرة، دليلاً على أن الكفتين متساويتان، ولكن وقوف هذا المؤشر عند خط الوسط، وإن دل على تساوي الكفتين، لا يدل على الوزن الذي تحمله كل كفة منهما، ولا على السلعة الموضوعة في هذه الكفة أو تلك، وهل هي من الفحم أو من الذهب.
وقد عاشت النظريات الرياضية وهي تتمتع بتصديق الناس وثقتها، واعتبرت نظرية أينشتين حقيقة ثابته لا تقبل الشك. ومع ذلك فقد تبين بعد اختراع أجهزة الرصد الكهرضوئية أن هناك أجراماً سماوية تبعد عن الكرة الأرضية بمسافة 9 آلاف مليون سنة ضوئية في حين أن أينشتين حسب قطر العالم بثلاثة آلاف مليون سنة ضوئية.
وكما سبق أن ذكرنا، فإن علماء الفلك الأمريكيين عاكفون على صنع جهاز راديو تلسكوبي جديد قوامه 27 هوائياً راديو تلسكوبياً، على هيئة حرفY في اللغة الإنكليزية، وبين كل طرف من أطراف هذا الحرف مسافة 21 كيلو متر، ولهذا الجهاز مجال تعمل فيه الهوائيات الراديو تلسكوبية قطره 30 كيلو متراً.
وعند استعمال هذا الجهاز لا يستبعد أن تتغير جميع النظريات الخاصة بالكون، إذ سيكون في مقدوره رصد عوالم أوسع مما أمكن رصده حتى اليوم.
والأمر الذي لا شك فيه، هو ما ذهب إليه أينشتين من تحديد قطر الكون ليس صحيحاً، إذ أن العلم قد أثبت خلاف ذلك.
ومحصل نظرية البروفيسور (داش) أستاذ الفيزياء والفلك المذكور بجامعة واشنطن، أن أجهزة الرصد الراديو تلسكوبية قد غيرت المعارف البشرية بشأن النجوم، إذ تبين للعلماء أن هناك أجراماً سماوية من نوع المجرة تتحرك في اتجاه نقطة ما بسرعة تفوق سرعة الضوء بخمسة وتسعين مرة(4).
وتتحرك هذه الجرام كيفما اتفق، مما يؤكد إنها لا بد أن تلتقي في نقطة الهدف، ويصطدم بعضها بالبعض الاخر. وليس من سبيل للتكهن بما يمكن أن يؤدي إليه هذا التصادم، وهل يولد طاقة أو طوفاناً من الأمواج يضطرد ويمضي إلى نهاية الكون، وهل تنشأ عن هذا التصادم عوالم أخرى تخضع لقوانين خاصة بها.
ولم يحدد البروفيسور (داش) لا زمان تصادم هذه الأجرام التي تنطلق بهذه السرعة الفائقة ولا مكانه، ولا استطاع أن يبن خط سير هذه الأجرام لسبب بسيط هو أنها تنحرف أمام الكتل ذات الجاذبية الشديدة التي تجذبها إليها. ولكنه قال أن المدارات التي تسير فيها هذه الكتل تتسع بحيث يصعب على أجهزة الكمبيوتر تحديد اتجاهها أو مقارنة بعضها بالبعض الآخر أو تحديد نقطة التقائها.
فإن صحت هذه النظرية، وكانت هناك فعلاً كتل لها قوة جاذبية شديدة تعترض سير المجرات، فمعنى ذلك أن هذه الكتل تتكون من مادة لتستطيع التمتع بهذه القدرة الفائقة على الجاذبية.
بقيت مشكلة في هذه النظرية، وهي أن المجرات أجرام وعناصر مادية، فكيف يتأتى للمادة أن تتحرك بهذه السرعة؟
يقول (داش) إن الأجرام السماوية التي تنطلق بهذه السرعة هي من الحالة الرابعة للمادة التي تعرف باسم (البلازما)، أما الحالات الثلاث الأخرى التي كانت معروفه من مدة غير قصيرة فهي الحالات الجامدة والسائلة والغازية، وقد أضيفت إليها هذه الحالة الرابعة وهي (البلازما).
ومع ذلك، يقول علماء الفيزاء إن البلازما لا تسطيع بدورها أن تنطلق بهذه السرعة، وإلا فقدت كيانها، وتحولت إلى موجات.
يؤخذ مما تقدم وفقاً لنظرية البروفيسور (داش) أن الأجرام السماوية الشديدة البعد عن منظومتنا تسير بسرعة فائقة نحو نقطة غير معلومة لنا، وهذا يدل على أن المجرة أو المجموعة التي تضمها منظومتنا الشمسية والمجرات الأخرى تسير بدورها في اتجاه تلك النقطة عينها.
فإن أمكن تأكيد هذه النظرية، برهنت عملية على صدق نظرية الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) القائلة أن كل شيء منجذب إليه، وكل شيء يرجع إلى الله. بينما البروفيسور (داش) يقول إن كل شيء منجذب إلى نقطة واحدة أو مركز واحد.
فلا فرق بين نظرية داش (لو ثبتت علمياً) ونظرية الصادق (عليه السلام) إلا في العبارات والألفاظ، فالانجذاب في رأي الصادق (عليه السلام) هو انجذاب إلى الله وهو في رأي داش الانجذاب إلى مركز واحد(5).
وتختلف نظرية (داش) عن نظرية (آبه لمتر)(6) الأستاذ بجامعة لوون ببلجيكا التي تتعلق بسعة الكون، وقد سبق عرضها في الفصول المتقدمة، ومؤداها أن الأجرام والمجرات السماوية تنطلق في اتجاه السعة الكونية، والمعروف أن الفترة التي عاش فيها (آبه لمتر) قبيل الحرب العالمية الثانية كان حظها من المراصد الفلكية، الأجهزة الاعتيادية التقليدية، إذا أن المراقب الراديو تلسكوبية وأجهزة الكمبيوتر لم تكن قد لعبت بعد دورها الضخم في عصر الفضاء، وفي رصد الأجرام البعيدة، وحساب سرعة حركتها، وحل المعادلات الرياضية المعقدة بدقة وسرعة. وكان علماء الفلك والرياضيات في ذلك الوقت يستخدمون عقولهم في إجراء العمليات الحسابية المتعلقة بالفضاء وبسرعة السيارات التي تدور فيه.
ومع إنه قد أصبح من الميسور الآن متابعة حركة الأجرام السماوية وحساب سرعتها بالأجهزة العصرية المتقدمة، ومع أن بين أيدي العلماء فعلا نظرية (داش) المتعلقة بحركة العوالم صوب مركز معين، إلا إننا لا نستطيع إنكار نظرية (آبه لمتر)، كما أن نظرية (داش) لم تتحقق حتى الآن.
وتشمل نظرية (داش) هذه على نقطتين غامضتين، هما:
أولاً: كيف يتأتى للمادة أن تتحرك بسرعة تفوق سرعة الضوء 95 مرة؟ فالرد أن المجرات التي تسير بهذه السرعة ليست مادة، وإنما هي بلازما كما يقول علماء الفيزياء.
وثانياً: ما هو المركز الذي تتجه صوبه هذه السيارات في سيرها السريع؟ إن البروفيسور (داش) لم يورد شيئاً يوضح به هذه النقطة الغامضة.
فإن كانت الجاذبية التي تتحكم في منظومتنا الشمسية تتحكم في العالم الخارجي عن هذه المنظومة، فالذي لا ريب فيه أن المراكز الذي تتجه جميع الأجرام والمجرات صوبه هو مركز مادي له جاذبية عظيمة قادرة على اجتذاب المجرات والأجرام السماوية إليه. وإلى يومنا هذا، لم يتسن لأجهزة الرصد الدقيقة اكتشاف هذا المركز المادي الذي تتناهى قوة جاذبيته عن التصور. ومما يزيد الأمر صعوبة أن صاحب النظرية لم يعين هذا المركز الجاذب الذي تتجه غليه الأجرام والمجرات.

_______________________________________

1 - ينبغي عدم الخلط بين الجزيء والذرة، فالجزيء هو أصغر جزء في المادة، وله جميع خواصها الفيزيائية والكيميائية، بحيث أن تقسم الجزيء يفقده هذه الخواص، ويتألف الجزيء عادة من عدد من الذرات، وعند اهتزاز الجزيئات يتحول جامدها إلى سائل ثم إلى غاز، وكلما زيدت الأجسام دفئاً أو حرارة زاد عدد اهتزازات الجزيئات في الجسم. (المترجم).
2 - اسبينوزا فيلسوف يهودي هولندي من أصل برتغالي ولد عام 1623م وتوفي عن أربعة وخمسين عاماً سنة 1677م. ولما شاعت نظريته حول وحدة الوجود، فهجرته أسرته، وأصبح وحيداً وهو في حوالي الأربعين من عمره، فاضطر إلى الاشتغال ببيع الخضر والفاكهة ليقيم أوده، وقد نصح بالتوبة والرجوع عن عقيدته الفلسفية لكي يعود إلى منصبه العلمي في الجامعة فرفض وعاش في خصاصة إلى أن مات.
3 - يعزى اختراع البوصلة إلى الصينيين في عام 2636ق م ولكن المسلمين نقلوها من الصين وأدخلوا عليها تحسينات واستخدموها، ثم أخذها الأوربيون من البحارة المسلمين، ولهذا اشتهر هذا الجهاز في اوربا بأنه من صنع المسلمين. (دائرة المعارف البريطانية).
4 - إن السرعة التي تفوق سرعة الضوء بخمسة وتسعين مرة تساوي 285 ألف كيلو متر في الثانية، وهي سرعة لا يسع مادة أو جسماً أن ينطلق بها إلا إذا كان ضرباً من ضروب الموجات، (المترجم).
5 - الله سبحانه وعالى في رأي الصادق ـ عليه السلام ـ ليس له مكان محدد فهو في كل مكان ولا يحده حد ولا يوجد في مان فما من مركز مركز لله سبحانه..
6 - آبه لمتر عمل قبل الحرب العالمية الثانية أستاذاً للرياضيات والفلك في جامعة لوون في بلجيكا.(المترجم)






_________________________________________
1 - روجر بيكون (1214ـ 1294م) عالم فرنسيسكاني بريطاني وضع دائرة معارف علمية هامة لقب بالدكتور المدهش إعجاباً بعلمه. (المترجم)
2 - لاحظ غاليليو وهو يرصد عطارد والزهرة إنهما شبيهان بالقمر من حيث أنهما يظهران في بادئ الأمر كالهلال، ثم يستتمان استدارتهما فيصبحان كالبدر التمام. كما تبين أن هذين الكوكبين يدوران بدورهما حول الشمس ويستضيئان بنورها.
3 - أرسطو أو أرسط طاليس (نحو 367ـ 322ق.م) اشتهر بأنه حكيم اليونان. تلقى العلم عن أفلاطون، وقضى في ذلك عشرين سنة، وأصبح مؤدب الإسكندر المكدوني الأكبر. إليه يرجع الفضل في تنظيم الفلسفة اليونانية وتفريع العلوم منها وتدوين فن المنطق، وتقوم فلسفته في جملتها على (اتفاق العلل المادية في العالم الطبيعي)، من مؤلفاته: (سمع الكيان) ويتناول المبادئ في الوجود، وهو تمهيد لدراسة الفلسفة و(السماء والعالم) و(الكون والفساد) و(الآثار العلوية) و(كتاب الحيوان) و(كتاب النبات) و(كتاب النفس) و(الحس والمحسوس) و(ما بعد الطبيعة) و(السياسة) و(الأخلاق) و(الأورغانون) في صناعة المنطق. وأرسطو هو منشئ علم المنطق حتى سموه المعلم الأول وصاحب المنطق. (راجع (تاريخ الفكر العربي) لعمر فروخـ ص107ـ 108).
4 - رينيه ديكارت Rene Decartes (1596ـ 1650م) فيلسوف ورياضي فرنسي اشتهر بكتابه (مقال في المنهج) الذي كان بعيد الأثر في الفكر الغربي، وقد ضمن هذا الكتاب نظريته المعروفة (أنا أفكر، فأنا إذن موجود)، وقد توصل إليها بالحدث والاستقراء. له طائفة من الاكتشافات الهندسية والفيزيائية (دائرة المعارف).
5 - تشاندرا تشاترشي كاتب ومفكر هندي له طائفة من المؤلفات باللغة البنغالية، وله دور هام في حركة تحرير الهند واستقلالها. وعاش قبل غاندي، وقبل تأسيس حزب المؤتمر الهندي، ومات سنة 1894م عن 56 عاماً. من آثاره الأدبية آنان دات) كما أن النشيد الوطني الهندي مقتبس من مقطوعة أدبية له عنوانها (باندباترا).
6 ـ جاء في (خبر الربيع): قرأ هندي عند المنصور كتب الطب، وعنده الصادق (عليه السلام) فجعل ينصت لقراءته فلما فرغ قال: يا أبا عبد الله، أتريد مما معي شيئاً؟ قال: لا، لأن ما معي خير مما هو معك، ثم ينتهي الحوار بإلقاء أسئلة علمية وطبية من الصادق (عليه السلام) على الطبيب الهندي الذي يعجز عن الرد عليها، منها قول الصادق (عليه السلام) حول العيون وانعكاس النور إليه: وجعل الحاجبان من فوق العينين ليردا عليهما من النور قدر الكفاية. ألا ترى يا هندي أن من غلبه النور جعل يده على عينيه ليرد عليهما قدر كفايتهما منه؟ (المناقب ج4 ص260).
7 - الشفاعة كمبدأ موجودة في القرآن الكريم ولكنها لا تعني ـ كما لا تستلزم ضرورة ـ كون الشفعاء من جنس آخر فوق البشر...
[/SIZE]
________________________________________
[COLOR="rgb(0, 191, 255)"]

1 - بصائر الدرجات ج7 باب 11 ص 96.
2 - المصدر السابق ج7 باب 12 ص67 (وفيه فلا يخبرنا).
3 - الاختصاص ص325.
4 - بحار الأنوار ج47 ص99، قال الجزري في (صفة الصحابة): كأنما على رؤوسهم الطير، وصفهم بالسكون والوقار وأنه لم يكن فيهم طيش ولا خفة لأن الطير لا تكاد تقع إلا على شيء ساكن. (أسد الغابة 1/36).
5 - التسمية: النطق باسم الله عند الذبح، عملاً بالآية الكريمة (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) الأنعام آية/121.
6 - ج7 باب11 ص95 وبحار الأنوار ج47 ص81.
7 - المناقب 4: 318 والدمعة الساكبة أيضاً.
8 - ذكر القزويني في عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات عن علي عليه السلام أنه قال: وأن تسألوا عنا فأنا نبط من كوثى ـ أنظر مادة كوثى (على وزن موسى).
9 - وفي عقيدة الشيعة أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) والأئمة من بعده (عليه السلام) يعرفون جميع اللغات ـ بالعلم اللدني من الله سبحانه، ولهم على ذلك أدلة ليس هنا مجال لذكرها.
10 - بادوريا: طسوج من كورة الاستان بالجانب الغربي من بغداد (معجم البلدان).
11 - بصائر الدرجات ج7 ص96.
13 - وسائل الشيعة 2: 647.
14 - المصدر السابق كتاب الأطعمة والأشربة 3: 276.
15 - الأصول من الكافي 3: 657.
16 - هو يوحنا بن ماسوية من أطباء العصر العباسي المشهورين وقد توفي عام 234هـ.
17 - المناقب 4: 259.
18 - المصدر السابق: 4: 260.
19 - المناقب 4: 255 ـ 256.
20 - الفهرست 312.
21 - المرجع السابق.
22 - ابن خنلكان في أحوال الصادق 1: 150 وكتاب الفهرست.
23 - فلاسفة الشيعة ص 63.
24 - الفهرست: 499.
25 - الإمام الصادق ملهم الكيمياء: 156 للاستاذ محمد يحيى الهاشمي /مطبعة النجاح ببغداد/ 1950 م.
26 - الإمام الصادق ملهم الكيمياء: مطبعة النجاح، بغداد، 1950 م.
27 - P.Kraus, Jabir Ibn Hayan
contribution L,histoire Des Idees Scientfiques Dans I,Islam, Le Cair, 1943.
28 - مجلة المقتطف في أعدادها (68: 544 ـ 551 ومن 617 ـ 625).
29 - مجلة (الرسالة) (السنة الثامنة ص 1204 ـ 1206 ومن 1235 ـ 1237 ومن 1268 ـ 1270 ومن 1299 ـ 1302).
30 - أنظر المقدمة.
31 - قولنا إن الإمام عالم بالفلك والنجوم لا يعني أنه فلكي أو منجم.
32 - يقصد الإمام بعالم المدينة نفسه.
33 - بحار الأنوار: 47: 318.
34 - الكافي 8: 351.
35 - فلاسفة الشيعة: ص 74.
36 - الاصطرلاب أنواع منها المسطح والمبطح والتام والهلالي، ومن أجهزة الرصد الأخرى التي صنعها علماء الشيعة اللنبة، والحلقة الاعتدالية ذات الأوتار، وذات الحلق، وذات الشعبتين، وذات الجيب، وذات السمت والارتفاع.
37 - انظر الذريعة إلى تصانيف الشيعة.
38 - الفهرست: 274 ـ 275.
39 - المصدر السابق.



فأريد أن اسئل الجهال من الوهابيه والعلماء النتنين والعفنين هل لديهم مثل هذا العلم اوهل لديهم مثل هذا العالم او فقط مشغولون بالدشداشه القصيره واللحيه العفنه وماذا قالت عائشه وماذا قال عمر
هل عندهم مثل هذا العلم هل عند ابن تيميه هكذا علم وعالم هل عند هذا الذي يطعن بالصادق ع ذره من علمه عليه السلام استاااذ االعالم الفيزيائي والكيميائي والفيلسوف وعالم الفلك جابر ابن حيان فما بالك بالامام جعفر الصادق ع


والله ياوهابيه لوتمنوو انفسكم الف والف عام لن ولم تستطيعو ان تجدو مثل هذا العالم ومثل تلك النضررياان ابدا فعندكم ابن تيميه وعثيمين ومفتي المهلكه وغنيمان العفنين الذين لايملكون ذره من العلم

اين هم عن علم جعفر الصادق عليه السلام لماذا لايخرجوه لماذا لايعلموه ويكتبووه في كتبهم لتعرف العالم من هو هذا العالم لماذا يخفو هذه النضرياات ...لعنهم الله جميعا



[/SIZE][/COLOR]


توقيع : حسيني الهوى
رد مع اقتباس
قديم 2014/04/07, 09:16 PM   #4
عصر الشيعة

موالي فضي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 2108
تاريخ التسجيل: 2013/09/28
المشاركات: 930
عصر الشيعة غير متواجد حالياً
المستوى : عصر الشيعة is on a distinguished road




عرض البوم صور عصر الشيعة
افتراضي

احسنتم مولانا علم الامام الصادق عليه السلام هو علم الله اللدني

بسبب الاضطهاد الاموي والعباسي تجاه اهل البيت عليهم السلام لم تخرج جميع علوم اهل البيت عليهم السلام وخرجت جزء منها في زمن الامام الصادق عليه السلام لان الفترة في زمنه صلوات الله وتعالى عليه لم تكن بقوة الاضطهاد عند باقي الائمة عليهم السلام لكن اذا قام قائم ال محمد عليه السلام بالسيف سيخرج علوم الاوليين والاخريين وسيبطل جميع علوم البشر المادية


قال تعالى ( ‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً، وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً، إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا‏}


توقيع : عصر الشيعة

[IMG]http://www.followislam.net/wp/wp-*******/uploads/2012/09/photo_1_301178d9c6c6e8fcdce1a1c5cc0a2a70-250x230.jpg[/IMG]
حديث الكساء الشريف :-
قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يا مَلائِكَتي وَيا سُكَّانَ سَماواتي إِنّي ما خَلَقتُ سَماءً مَبنَّيةً وَلا أرضاً مَدحيَّةً وَلا قَمَراً مُنيراًوَلا شَمساً مُضيِئةً وَلا فَلَكاً يَدُورُ وَلا بَحراً يَجري وَلا فُلكاً يَسري إِلاّ في مَحَبَّةِ هؤُلاءِ الخَمسَةِ الَّذينَ هُم تَحتَ الكِساءِ،
رد مع اقتباس
قديم 2014/04/07, 09:22 PM   #5
حسيني الهوى

موالي ذهبي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 1712
تاريخ التسجيل: 2013/07/09
المشاركات: 1,028
حسيني الهوى غير متواجد حالياً
المستوى : حسيني الهوى is on a distinguished road




عرض البوم صور حسيني الهوى
افتراضي

اقتباس:
احسنتم مولانا علم الامام الصادق عليه السلام هو علم الله اللدني

بسبب الاضطهاد الاموي والعباسي تجاه اهل البيت عليهم السلام لم تخرج جميع علوم اهل البيت عليهم السلام وخرجت جزء منها في زمن الامام الصادق عليه السلام لان الفترة في زمنه صلوات الله وتعالى عليه لم تكن بقوة الاضطهاد عند باقي الائمة عليهم السلام لكن اذا قام قائم ال محمد عليه السلام بالسيف سيخرج علوم الاوليين والاخريين وسيطل جميع علوم البشر المادية

قال تعالى ( ‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً، وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً، إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا‏}
حياك الله حبيبي عصر الشيعه طبعا نضريات وعلم اهل البيت عليهم السلام لم يخرج الينا كاملا ولم يأتينا كل شئ عنهم بسبب الاضطهاد من قبل شرذمة بني اميه
وبني العباس ووصلنا هذا الجزء القليل من علم الامام جعفر الصادق وتلك النضريات التي تحققت الان والتي اصبح الغرب الان يسرق من هذه العلوم وينسبها له وبعض النضريات اصلا غير مكتشفه اقرأ نضريه انتقال المرضه

انضر نضريه الصادق ماذا يقول هذه لم تكتشف الى الان هو انتقال المرض عبر الضوء والاشعه الضوئيه والله لواكتشفت كل نضرياات الامام الصادق وعلمه وطبق في العرب لأصبح العرب الان اعلم الناس وغاناهم علما بالرغم من انه جزء قليل

لكن العرب حشااك جرب لاعلم لهم لايعرفون من هو الامام الصادق لايدرسون علومه ولانضرياته وباقين فقط الشيعه كفار الشيعه مشركين وابن تيميه يخوط بصف الاستكان يعمي دقرو هذه النضريات هذا العلم الغزير لاصبحتم الان اعلم الناس وحتى اعلم من الغرب لان الغرب افضل من العرب سرق تلك النضريات واكتشفها الان وبعضها نسبها اليه واستفاد والان الغرب ينضرب به المثال بالعلم لكن كله علم الامام الصادق الذي لم يستغله العرب ابدا
واستغله الغرب لان لديهم عقول وعرفو قيمه هذا العلم والنضريااات

العرب سيبقون داائما يطعنون يشكك بعضهم في بعض يكفر بعضهم بعضا وطعن بالائمه والغرب يستمر ويستمر وكلها من علم الائمه ع ليت العرب يفهمون من هو الصادق وتلك اللحايا العفنه تقرأ هذا العلم


توقيع : حسيني الهوى
رد مع اقتباس
قديم 2014/04/07, 09:31 PM   #6
عصر الشيعة

موالي فضي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 2108
تاريخ التسجيل: 2013/09/28
المشاركات: 930
عصر الشيعة غير متواجد حالياً
المستوى : عصر الشيعة is on a distinguished road




عرض البوم صور عصر الشيعة
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

الرسول صلى الله واله وسلم عندما قال انا مدينة العلم وعلي بابها

لم يحدد علم معين بل قال العلم وهذا يشمل كل العلوم

قال الامام الباقر عليه السلام

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر، عن مثنى، عن زرارة قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام فقال: له رجل من أهل الكوفة يسأله عن قول أمير المؤمنين عليه السلام: " سلوني عما شئتم فلا تسألوني عن شئ إلا أنبأتكم به " قال: إنه ليس أحد عنده علم شئ إلا خرج من عند أمير المؤمنين عليه السلام، فليذهب الناس حيث شاؤوا، فوالله ليس الامر إلا من ههنا، وأشار بيده إلى بيته


توقيع : عصر الشيعة

[IMG]http://www.followislam.net/wp/wp-*******/uploads/2012/09/photo_1_301178d9c6c6e8fcdce1a1c5cc0a2a70-250x230.jpg[/IMG]
حديث الكساء الشريف :-
قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يا مَلائِكَتي وَيا سُكَّانَ سَماواتي إِنّي ما خَلَقتُ سَماءً مَبنَّيةً وَلا أرضاً مَدحيَّةً وَلا قَمَراً مُنيراًوَلا شَمساً مُضيِئةً وَلا فَلَكاً يَدُورُ وَلا بَحراً يَجري وَلا فُلكاً يَسري إِلاّ في مَحَبَّةِ هؤُلاءِ الخَمسَةِ الَّذينَ هُم تَحتَ الكِساءِ،
رد مع اقتباس
قديم 2014/04/07, 09:35 PM   #7
حسيني الهوى

موالي ذهبي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 1712
تاريخ التسجيل: 2013/07/09
المشاركات: 1,028
حسيني الهوى غير متواجد حالياً
المستوى : حسيني الهوى is on a distinguished road




عرض البوم صور حسيني الهوى
افتراضي

اقتباس:
بسم الله الرحمن الرحيم

الرسول صلى الله واله وسلم عندما قال انا مدينة العلم وعلي بابها

لم يحدد علم معين بل قال العلم وهذا يشمل كل العلوم

قال الامام الباقر عليه السلام

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر، عن مثنى، عن زرارة قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام فقال: له رجل من أهل الكوفة يسأله عن قول أمير المؤمنين عليه السلام: " سلوني عما شئتم فلا تسألوني عن شئ إلا أنبأتكم به " قال: إنه ليس أحد عنده علم شئ إلا خرج من عند أمير المؤمنين عليه السلام، فليذهب الناس حيث شاؤوا، فوالله ليس الامر إلا من ههنا، وأشار بيده إلى بيته
فعلا كل العلم عندهم لكن اين الذي يفهم واين الذي يقرأ ويعرفهم
حسبنا الله ونعم الوكيل


توقيع : حسيني الهوى
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
منهج الامام السجاد في تربية اصحابه عاشقة الحسين سيرة أهـل البيت (عليهم السلام) 2 2014/11/21 07:40 PM
العلوم التي يدعو القران الكريم الى تعلمها بنت الصدر القران الكريم 3 2013/12/14 04:04 PM
كتاب استراتيجيات مكافحة الفقر في منهج وتعاليم الامام علي عليه السلام النبأ العظيم الكتاب الشيعي 4 2013/11/02 11:35 PM
جعفر الصادق-ع- امام العلوم والمعرفه اهات الزهراء سيرة أهـل البيت (عليهم السلام) 6 2013/09/16 09:27 PM
ماتت رقية بالغرب كم لوعة يحمل هالقلب عاشق نور الزهراء الصوتيات والمرئيات والرواديد 10 2013/09/04 04:19 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي
|

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى || SiteMap Index


أقسام المنتدى

المنتــديات العامة @ السياسة @ المناسبات والترحيب بالأعضاء الجدد @ منتديات اهل البيت عليهم السلام @ سيرة أهـل البيت (عليهم السلام) @ الواحة الفاطمية @ الإمام الحجّة ابن الحسن صاحب العصر والزمان (عج) @ الادعية والاذكار والزيارات النيابية @ المـدن والأماكن المقدسة @ المـنتـديات الأدبيـة @ الكتاب الشيعي @ القصة القصيرة @ الشعر الفصيح والخواطر @ الشعر الشعبي @ شباب أهل البيت (ع) @ المنتـديات الاجتماعية @ بنات الزهراء @ الأمومة والطفل @ مطبخ الاكلات الشهية @ المنتـديات العلمية والتقنية @ العلوم @ الصحه وطب أهل البيت (ع) @ الكمبيوتر والانترنيت @ تطبيقات وألعاب الأندرويد واجهزة الجوال @ المنتـديات الصورية والصوتية @ الصوتيات والمرئيات والرواديد @ الصــور العامة @ الابتسامة والتفاؤل @ المنتــــديات الاداريـــة @ الاقتراحات والشكاوي @ المواضيع الإسلامية @ صور اهل البيت والعلماء ورموز الشيعة @ باسم الكربلائي @ مهدي العبودي @ جليل الكربلائي @ احمد الساعدي @ السيد محمد الصافي @ علي الدلفي @ الالعاب والمسابقات @ خيمة شيعة الحسين العالميه @ الصــور العام @ الاثـــاث والــديــكــورآت @ السياحة والسفر @ عالم السيارات @ أخبار الرياضة والرياضيين @ خاص بالأداريين والمشرفين @ منتدى العلاجات الروحانية @ الابداع والاحتراف هدفنا @ الاستايلات الشيعية @ مدونات اعضاء شيعة الحسين @ الحوار العقائدي @ منتدى تفسير الاحلام @ كاميرة الاعضاء @ اباذر الحلواجي @ البحرين @ القران الكريم @ عاشوراء الحسين علية السلام @ منتدى التفائل ولاستفتاح @ المنتديات الروحانية @ المواضيع العامة @ الرسول الاعظم محمد (ص) @ Biography forum Ahl al-Bayt, peace be upon them @ شهر رمضان المبارك @ القصائد الحسينية @ المرئيات والصوتيات - فضائح الوهابية والنواصب @ منتدى المستبصرون @ تطوير المواقع الحسينية @ القسم الخاص ببنات الزهراء @ مناسبات العترة الطاهرة @ المسابقة الرمضانية (الفاطمية) لسنة 1436 هجري @ فارسى/ persian/الفارسية @ تفسير الأحلام والعلاج القرآني @ كرسي الإعتراف @ نهج البلاغة @ المسابقة الرمضانية لسنة 1437 هجري @ قصص الأنبياء والمرسلين @ الإمام علي (ع) @ تصاميم الأعضاء الخاصة بأهل البيت (ع) @ المسابقة الرمضانية لعام 1439هجري @ الإعلانات المختلفة لأعضائنا وزوارنا @ منتدى إخواننا أهل السنة والجماعه @


تصليح تلفونات | تصليح تلفونات | تصليح سيارات | تصليح طباخات | تصليح سيارات | كراج متنقل | تصليح طباخات | تصليح سيارات |